اجمعت الآراء الطبية والعلمية والدينية على تحريم استخدام التقنية الجديدة المتمثلة في بنوك حليب الامهات والتي انتشرت في العديد من الدول الغربية نظرا للعديد من المحاذير الطبية والقيم المتعارضة مع شريعتنا الاسلامية السمحاء والتي قد تؤدي في مجملها الى اختلاط الانساب او هو ما حرمه الدين الاسلامي, فضلا عن كونه وسيلة ومعبرا للعدوى وانتقال الامراض الخطيرة. فماذا يقول الاطباء ورجال الدين في هذه الفكرة وآثارها وانعكاساتها طبيا واجتماعيا ودينيا. جوانب متعددة يوضح د. احمد حسن استشاري طب الاطفال بمركز الخليج الطبي ــ دبي ان ظاهرة انتشار بنوك الحليب في المجتمعات الغربية لا يجب ان تؤخذ كحقيقة واقعة او امر مسلم به, ولكن يحجب ان ننظر اليها من واقع مجتمعنا الاسلامي اولا وبيئتنا العربية والشرقية ثانيا... وهل هذا الاتجاه يتفق مع العادات والتقاليد والاعراف التي تربينا ونشأنا عليها ام لا؟ والواقع ان لهذه الظاهرة جوانب عدة فالجانب الفقهي كاحتمال اختلاط الانساب مثلا... الخ نتركه لاهل الفتوى والشرع فهم اهل له, والجانب الاخر وهو الطبي او العلمي بأبعاده السلبية التي تجنبنا هذا الاسلوب ووجوهه الايجابية التي ترغبنا به. واضاف انه من البديهي والمعروف علميا ان حليب الام هو الافضل سواء بالنسبة للأم او الطفل في شهوره الاولى, وربما كان هذا الباعث لانتشار بنوك الحليب كوسيلة بديلة, والدافع وراءها للاستفادة القصوى من مميزات حليب الام. فبالنسبة للام فان الحليب الطبيعي متاح في اي وقت, وفي متناول يدها وقتما ارادت ليلا كان او نهارا... وهذه ميزة كبيرة فالام ليست مضطرة للبحث عنه او تغييره في حالة عدم توفره مثل الحليب الصناعي, ولكنه موجود دائما عندما تريد... وكذلك فانه جاهز للاستعمال ولا يحتاج الى اعداد او تحضير وغير قابل للتلوث بخلاف انه موجود في درجة حرارة ملائمة للطفل ولا يحتاج لتسخين او تبريد. وعلاوة على هذا, فإن رضاعة الطفل من ثدي امه تؤدي الى انقباضات رحم الام وعودته سريعا الى حجمه الطبيعي قبل الحمل والولادة. والمؤكد علميا ان وجود الطفل في حضن امه هو مبعث الدفء والحنان والامان له, وهو بيته الحنون وعشه الذي يرتوي منه مع حليبها ــ الحب والارتباط الاسري, وهو في الوقت نفسه مبعث احساس الام بأمومتها وشعورها بمسؤوليتها الجديدة تجاه هذا المخلوق الرائع وان شيئا جميلا قد غير مسار حياتها وتحولا مثيرا قد جرى على دنياها, فأثناء الرضاعة تبدأ الام في تلمس جسد وليدها وتمسح على وجهه وتقبله وتحنو عليه, وتهدهده وتغني له وتتحدث معه, وهذا التعزيز العاطفي ينتقل من اعماق الام الى وليدها, فيخرج معتدل المزاج وسليم العاطفة, ومتوازنا في ادارة اموره. الحليب الأمثل واشار د. احمد حسن الى ان افتقاد بنوك حليب الامهات الى مثل هذه المزايا والعناصر الرئيسية المطلوبة لاشباع الطفل غذائيا وعاطفيا يجعل سلبياتها تطغى على الايجابيات المترتبة على الاستعانة بها. وبالنسبة للطفل ــ والحديث للدكتور احمد حسن ــ لان حليب امه الطبيعي هو الحليب الامثل والمتوازن بيولوجيا والمتكامل غذائيا, والمحتوي على التركيبة المتناسبة لجميع العناصر الغذائية التي يحتاجها الطفل في شهوره الاولى, علاوة على انه سهل الهضم والامتصاص وتمثيله الغذائي مكتمل وبالتالي فلا مجال للمغص او الغازات او الانتفاخ او الامساك والارتجاع وكل ما يعانيه الرضع في حالات الحليب الصناعي وكذلك فاحتواء الحليب الطبيعي على مجموعة كبيرة من الخلايا المناعية والاجسام المضادة والعناصر المنشطة للجهاز المناعي يجعله الواقي ضد النزلات المعوية والعدوى الفيروسية المتكررة, وكذلك ضد كثير من امراض الحساسية مثل حساسية الصدر والاكزيما وحساسية الامعاء. وهذه المزايا هي التي يستند عليها من يرجون لانتشار هذه الظاهرة ولهذا فانه من الناحية الطبية والعلمية فان هذه الظاهرة لها سلبياتها. كما أن لها ايجابياتها, فلننظر إلى القضية من هذا المنظور ونزن الأمور من هذه الزاوية, فإن كانت المزايا تستحق كان بها وإن كانت الأضرار أكثر وهذا واضح وكفيل بابتعادنا عن هذه الاساليب غير المضمونة العواقب. وعلى جانب آخر فإنه في حالة وجود موانع لدى الأم تحول دون ارضاع طفلها, أو عمل الأم أو خروجها الدائم من المنزل, أو عدم وجود كمية كافية من الحليب لدى الأم.. فهنا يصبح الحديث عن بديل حليب الأم الطبيعي مقبولا, وهنا نتساءل: هل نلجأ لهذه البنوك للحصول على عناصر مماثلة لحليب الأم حرصا على صحته ونموه السليم أم نتجه للحليب الصناعي البديل بخواصه التي قد لا تغني عن حليب الأم؟ وهنا الأمر يتوقف على مدى التكلفة وتوفر هذا الحليب وموقف الشريعة الاسلامية من ذلك النهج. دلائل علمية ومن جانبه يؤكد د. نبيل فهمي استشاري طب الاطفال بالمركز الطبي التخصصي - الشارقة انه من الثابت علميا ان الرضاعة الطبيعية لايماثلها أي نوع من انواع الحليب الأخرى, فمكوناتها هي الأمثل للمولود وكذلك احتواؤها على مضادات للجراثيم ANTIPODIES تساعد المولود الحديث على التكيف في البيئة الجديدة له دون ان يتعرض لأي امراض. وقد ثبت علميا ان الاطفال الذين يرضعون حليب أمهاتهم أقل عرضة لأمراض النزلات البردية والتهابات الأذن الوسطى. والنزلات المعوية وأمراض كثيرة أخرى. ويمتاز حليب الأم بخلوه من الجراثيم متى اعطي للمولود من ثدي أمه ولكن في حالة تجميعه بطريقة صناعية وحفظه تكون احتمالات التلوث كثيرة.. وقد يتلوث بأنواع عديدة من الجراثيم اهمها الـ SALMONELLA والجراثيم العنقودية.. ومن هنا نشأت فكرة بنك الحليب حتى يوفر الحليب الطبيعي للاطفال الذين لم تتمكن امهاتهم من ارضاعهم طبيعيا على أن يتم تجميعه بطريقة صحيحة علمية PASTERIZATION ثم حفظه.. إلا أن هذا الأسلوب توقف تقريبا في أكثر دول العالم وذلك بعد ظهور امراض حديثه اخرها نقص المناعة المكتسب حيث ان هذا الحليب يمكن احتواؤه على هذا الفيروس الخطير HIV وفيروسات اخرى حية كثيرة اخطرها فيروس الكبد الوبائي B. أما إذا كان حليب الأم يجمع لطفلها بطريقة سليمة ونظيفة يمكن حفظه في الثلاجة مدة اقصاها 48 ساعة, ويمكن تجميده لمدة اطول وعند تذويبه لايصح تجميده مرة ثانية.. ومن المنظور العلمي فإن الحليب المجمد يحتوي على اغلب العناصر المهمة والواقية للمولود. اختلاط الانساب أما الدكتور عبدالله الخياط استشاري طب الاطفال بمستشفى الوصل ــ دبي فيقول إن مجتمعاتنا العربية والاسلامية ترفض قطعيا التعامل مع هذه التقنية حتى وان ثبت صلاحيتها طبيا وعلميا للاستخدام, وذلك لتعارض هذا المبدأ مع شريعتنا الاسلامية السمحاء, وكما نعرف ان الوليد اذا رضع خمس مرات تقريبا من امرأة غير أمه يصبح أخا لابنائها وبناتها, ويحرم عليه الزواج من احداهن.. وبالتالي فإن اللجوء لبنوك حليب الامهات لرضاعة الابناء قد يؤدي الى اختلاط الانساب, ومن الممكن ان يتزوج بعد ذلك الابن من اخته دون ان يدري. واضاف اننا نشجع دائما الامهات على ارضاع ابنائهن منذ أول لحظة لان حليب الأم يحتوي على الفائدة والغذاء, وسهل التحضير في أي وقت تشاء, ويمنح الطفل مناعة مقارنة بالألبان الصناعية التي تحضر يوميا, واذا كانت بنوك حليب الامهات قد تلائم المجتمعات الاوروبية لانهم لايدينون بالإسلام ولايعنيهم اختلاط الانساب.. إلا أننا وبكل صراحة نرفض ذلك حتى لو استدعى الأمر أن يرضع الطفل من غير أمه, فليكن من احدى المرضعات وبصورة محددة وواضحة وفقا لتعاليم الشريعة الاسلامية, وفي كل الاحوال لايوجد افضل للطفل من حليب امه. الرضاعة الطبيعية والصناعية من ناحية اخرى.. اكدت وفاء ابو علي مسؤولة التثقيف الصحي بادارة الطب الوقائي بدبي انه لا يضر الطفل ابدا اعطاؤه لبن ام اخرى مشيرة الى ان هناك حالات مرضية معينة يجب على الام ان تتوقف فيها عن ارضاع طفلها رضاعة طبيعية عن طريق الثدي. وقالت: اذا كان هناك اي تخوف من انتقال مرض الايدز (نقص المناعة المكتسبة) عن طريق حليب الامهات فإن بسترة الحليب المحصور (تسخينه عند درجة حرارة 56 درجة مئوية لمدة نصف ساعة) تكفي للقضاء على فيروس الايدز, واذا لم تكن البسترة ممكنة, فمن الممكن غلي لبن الثدي المعصور لمدة قصيرة ومن ثم اعطاؤه للطفل الرضيع. واوضحت وفاء ابو علي ان معظم الاطفال الذين يولدون مصابين بفيروس الايدز تكون العدوى قد انتقلت اليهم من امهاتهم قبل الولادة, ونسبة ضئيلة جدا تنتقل اليهم اثناء الرضاعة, مشيرة الى ان مخاطر الرضاعة الصناعية تحمل في طياتها اكثر من مخاطر الاصابة بعدوى الايدز اثناء الرضاعة, واكدت ان الدراسات اثبتت حتى الآن انه لايوجد اي اثبات ان الرضاعة الطبيعية تشكل خطرا على الاطفال الذين تحمل امهاتهم فيروس التهاب الكبد البائي, وان تلقيح الاطفال بالمصل المضاد للالتهاب الكبدي البائي والذي اوصت به منظمة الصحة العالمية ويتم الآن في اكثر من 80 دولة منها دولة الامارات يسهم اسهاما كبيرا في حماية الأطفال من انتقال فيروس التهاب الكبد اليهم. وحول مخاطر الرضاعة الطبيعية عند تناول الأدوية, أوضحت ان معظم الأدوية تفرز مع حليب الثدي ولكن بكميات قليلة جدا, والقليل منها يؤثر على الطفل في معظم الحالات, مؤكدة ان ايقاف الرضاعة الطبيعية أكثر خطرا من الدواء. وأكدت مسؤولة التثقيف الصحي بإدارة الطب الوقائي بدبي انه لا يسمح بالرضاعة الطبيعية عند تناول الأدوية المضادة للسرطان, أما المواد ذات النشاط الاشعاعي فيجب التوقف مؤقتا عن الارضاع الطبيعي عند التعرض لها, كما ان هناك أدوية تقلل ادرار الحليب, لذا لابد من استخدام أدوية بديلة منها الاستروجين ومدرات البول من مجموعة تيازيد, أما مسكنا الألم والمضادات الحيوية فهي آمنة في جرعات اعتيادية, وأيضا مضادات الهستامين وموسعات الشعب الهوائية ومضادات الديدان والمكملات الغذائية من الحديد واليود والفيتامينات, مشيرة إلى ان هناك وسائل لتقليل أثر الأدوية على الرضاعة الطبيعية مثل تجنب الارضاع الطبيعي في أوقات ذروة التركيز الدوائي وأخذ الدواء عند فترة النوم الأطول للطفل أو فورا بعد الرضاعة, وإذا لزم استخدام دواء يتعارض مع الرضاعة يجب ايقاف الرضاعة الطبيعية مؤقتا ثم تعاود فيما بعد. فوائد حليب الأم وحول فوائد حليب الأم والارضاع الطبيعي أكدت مسؤولة التثقيف الصحي ان حليب الأم جاهز للرضاع ولا يحتاج إلى تحضير ومعقم تعقيما إلهيا ودرجة حرارته مناسبة للطفل واقتصادي ولا يشترى بمال, كما ان الرضاعة الطبيعية تساعد على نمو الطفل طبيعيا من الناحية البدنية والعقلية والنفسية ويحقق له الاشباع العاطفي الحقيقي والحنان وتبرز له معنى الحب الأصيل, والرضاعة الطبيعية تساعد على بناء العضلات داخل وحول فم الطفل وتساعد أيضا على استعمال عضلات اللسان والشفاه والفكين ولذلك تحضره لتعلم الكلام فيما بعد, ويخفف الارضاع من الثدي أعراض الربو والاكزيما (الحساسية) خاصة عند الأطفال الذين آباؤهم أو أجدادهم مصابون بالربو ومعرضون لوراثة هذا المرض, فضلا عن ان الأطفال الذين رضعوا من الزجاجة يعانون في الكبر من السمنة والسكري وأمراض القلب والشرايين أكثر من أولئك الذين رضعوا من الثدي. ومن الفوائد الكبيرة لحليب الأم انه يحمي من التسوس للأسنان ويؤمن نموا سليما للفك عند الطفل, ان الأم التي ترضع رضاعة طبيعية كاملة بدون أية مكملات غذائية من أي نوع خلال الشهور الـ 4ــ6 الأولى من عمره أقل تعرضا لحدوث الحمل خلال هذه الفترة من الأم التي لا تفعل ذلك, إن الأم التي ترضع طبيعيا قادرة على استعادة رشاقتها بسرعة أكثر من التي ترضع صناعيا لأن الدهون التي تجمعت أثناء فترة الحمل تتحول إلى طاقة من الحليب لارضاع طفلها. تقوم دول العالم دون استثناء بالدعوة الملحة للعودة إلى الرضاعة فلا يجب أن نحرم أطفالنا في حقهم المقدس. ويجب أن تكون الدول العربية والإسلامية قدوة بين دول العالم في الوصول إلى أعلى نسبة للارضاع الطبيعي تطبيقا لما نصت عليه الشريعة الاسلامية. وقالت وفاء أبو علي ان الإسلام سبق كافة المنظمات الدولية والهيئات الطبية والمؤسسات العلمية العالمية بأربعة عشر قرنا فيما انتهت إليه عن أهمية الرضاعة الطبيعية في قوله سبحانه وتعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين). صدق الله العظيم, وبذلك نص القرآن الكريم صراحة على حق الطفل لدى أمه في الرضاعة الطبيعية, مشيرة إلى ان حليب الأم هو كل ما يحتاج الطفل من طعام أو شراب منذ ولادته وحتى بلوغه الشهر الرابع أو السادس من العمر خاصة وان بدائل حليب الأم لا تشتمل على المقومات والعناصر الغذائية التي يحتوي عليها حليب الأم وليس اي حليب صناعي في العالم يحتوي على اجسام مضادة التي تعطي الطفل مناعة ضد كثير من أمراض الطفولة كحليب الأم الطبيعي. على الأم البدء باعطاء طفلها الأطعمة النصف صلبة ابتداء من الأربعة إلى الستة شهور الأولى من عمر الطفل مع استمرار الارضاع من الثدي حتى عمر السنتين. ولقد برهنت الدراسات على ان حليب الأم في الأيام الأولى (اللبا أو الصمغ) هو مادة صفراء غنية بالمواد الغذائية والمواد الدهنية الضرورية لنمو الدماغ والأجسام المضادة التي تحصن الطفل ضد العدوى والأمراض, بأن الأطفال الذين رضعوا من ثدي أمهاتهم يجمعون درجات أعلى في اختبارات الذكاء وعندهم ثقة بالنفس أكثر من الذين رضعوا من الزجاجة. كما ان الارضاع الطبيعي يخفف الاصابة بالتهابات الجهاز التنفسي (كالسعال والرشح) وحالات الاسهال ويقلل 4 مرات خطر التهاب الدم الجرثومي أو التهاب السحايا ويسهم في خفض معدل الوفيات والاصابة بالأمراض والاعاقة بين الأطفال, وكلما أرضعت الأم لمدة أطول كلما كان خطر تعرضها لسرطان الثدي والمبيض أقل, فضلا عن مساعدة الأم على عودة رحمها إلى حجمه الطبيعي. تجربة مصرية من جانبها .. أكدت الدكتورة لانا بدر الدين استشارية طب المجتمع بوزارة الصحة ان بنوك الحليب بدأت تنتشر في بعض الدول الأوروبية خاصة بعد الحرب العالمية الأولى, وأنها غير موجودة في الدول العربية والإسلامية لأسباب شرعية. وأوضحت أن بنوك الحليب قد يكون لها آثار سلبية من الناحية الصحية وكذلك من الناحية المتعلقة بالأنساب حيث يمكن أن يؤدي تناول حليب الأمهات الذي تم تجميعه إلى إيجاد أخوة في الرضاعة وبالتالي اختلاط الأنساب. وقالت ان هناك جمعية أصدقاء لبن الأم في مصر وهي على غرار بنوك حليب الأمهات الا انها تتم بصورة أكثر حرصا وتنظيما لمواجهة بعض الحالات الإنسانية, مشيرة الى ان دولة الامارات قامت بانشاء لجنة وطنية لتشجيع الرضاعة الطبيعية. مخاطر دينية وإذا كان المتخصصون في الجانب العلمي والطبي قد طرحوا أفكارهم وأراءهم حول بنوك حليب الأمهات, فما هو رأي الشريعة والدين الاسلامي حول هذه الفكرة وآثارها وانعكاساتها على مجتمعاتنا الإسلامية؟. وأوضح الدكتور أحمد عبد العزيز الحداد مدير ادارة الفتوى بأوقاف دبي أن الإسلام يعتبر الرضاعة من المرأة البالغة في حال حياتها سببا من أسباب المحرمية بين الرضيع والمرضعة وأبنائهما, سواء أكانت الرضاعة من ثديها مباشرة أو بواسطة آلة كالرضاعة وغيرها, فحينما تحقق ان اللبن لآدمية يمكن أن تدر حليبا, ووصل هذا الحليب إلى جوف الطفل وهو في سن الرضاعة, تحققت المحرمية بينهما, وهناك اجتهادات بين أهل العلم في اشتراط عدد الرضعات وعدمها, وذلك للنصوص الكثيرة التي أوجبت التحريم بين الرضيع والمرضع كقوله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم واخواتكم من الرضاعة) وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضع ما حرم من النسب) كما أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقوله صلى الله عليه وسلم: (ان الله حرم من الرضاع, ما حرم من النسب) (أخرجه أحمد والترمذي وصححه من حديث علي رضي الله عنه), ولهذا فلا خلاف بين أهل العلم بل هناك إجماع قائم بينهم على ثبوت المحرمية بالرضاع كثبوتها في النسب. فإذا كان المحرم هو اللبن الذي يدخل الى الأعماق ويسري في جسم الانسان, فسواء أكان من الثدي مباشرة, أو بواسطة آلة أو كان سائلا أو مجمداً, أو فور حلبه أو بعد تخزينه, فكل هذا لبن امرأة محرم. ولذلك فإن ما يحدث ويجري لدى الأمم الغربية من اتخاذ بنوك للحليب يباع ويشترى أو يوهب ويوزع مجانا فيه ضرر كبير ومخاطر محققة, حيث ينتشر التحريم بين الناس من حيث لايشعرون, لان المرأة لاتدري أين ذهب حليبها, والطفل لا يعلم من أين رضع وهنا يترتب على ذلك اختلاط المحرمية بين الناس, ثم الوقوع في المحاذير الشرعية في النكاح حيث يتزوج الرجل أمه أو أخته أو ابنته أو عمته أو خالته وهذا يعتبر مبدأ من مبادئ الإباحة الالحادية التي تقوم عليها الأمم التي لاتعرف ديناً أو قيماً .. لذلك نرى أن (بنوك حليب الأمهات) التي قامت في بعض الدول الغربية لايجوز أن تنشأ في الدول الإسلامية لمخاطرها الدينية التي أشرنا إليها, وكذلك يجب ألا يقلد المسلمون الغرب في إباحتهم بل يجب أن يعتزوا بإسلامهم الذي كرمهم الله تعالى به, ويحافظوا على دينهم ومعتقداتهم وآدابهم وعاداتهم, وان يكونوا مصدر إشعاع لامصدر اقتباس. وأضاف انه تم عرض هذه القضية على مجمع الفقه الاسلامي العالمي التابع لمنظمة المؤتمر الاسلامي في دورته المنعقدة في جدة من 10 الى 16 ربيع الثاني الموافق 22 الى 28 ديسمبر 1985 وجاء في قراره رقم 6 ما نصه: أن بنوك الحليب تجربة قامت بها المجتمعات الغربية ثم ظهرت لها بعض السلبيات الفنية والعلمية, فانكمشت وقل الاهتمام بها. ان الاسلام يعتبر الرضاع لحمة كلحمة النسب يحرم به ما يحرم من النسب بإجماع المسلمين, ومن مقاصد الشريعة الكلية المحافظة على النسب .. وبنوك الحليب مؤدية الى الاختلاط أو الريبة. أن العلاقات الاجتماعية في العالم الاسلامي توفر للمولود (الخداج) أو ناقص الوزن أو المحتاج الى اللبن البشري من الحالات الخاصة ما يحتاج اليه من الاسترضاع الطبيعي الأمر الذي يغني عن بنوك الحليب. وبناء على ذلك قرر مجمع الفقه الاسلامي ما يلي: منع انشاء بنوك حليب الأمهات في العالم الإسلامي. حرمة الرضاع منها. وأهاب أحمد الحداد بالمعنيين بهذا الأمر الوقوف في وجه فكرة هذه البنوك وتجنبها حماية للدين والأخلاق حتى لايكون لها وجود في عالمنا الإسلامي. تحقيق : بسام فهمي- ماجدة شهاب