تمثل المعرفة إحدى أهم ركائز التنمية الشاملة والمستدامة، ويمكن تعريف توطينها، بأنه «الانتقال من استهلاك المعرفة وإعادة تدويرها، إلى تملكها، والاشتغال بها، داخل مجتمعات نوعية محددة، وفي إطار منظومة اجتماعية وثقافية تسعى إلى تحقيق التقدم وتوفير شروط تنمية أصيلة ».
وأمام هذا التعريف لعملية التوطين، والشوق الى التحول من استهلاك المعرفة الى انتاجها، تلتهب العديد من الاسئلة في واقعنا العربي فهل دولنا العربية تمتلك الرؤى والاستراتيجيات لتوطين المعرفة فيها؟ وأين نحن الآن من هذا التوطين؟ وعلى أي درجة تقف الامارات على سلم الوصول الى صناعة المعرفة؟
الدكتورة فاطمة الصايغ الباحثة والاكاديمية بدت متفائلة ازاء عملية توطين المعرفة عربيا وبالتحديد في الدولة، بل ترى ان عجلة التوطين تدور منذ زمن وهي في طريقها نحو تحقيق مزيد من الانجازات في هذا الشأن، في ظل قيادة الإمارات لقاطرة التغيير والتطور في المنطقة العربية، لكنها ترى ان قوة دفع هذه العجلة تحتاج الى مزيد من الثقة بالنفس العربية وبالإرث المعرفي خاصتها، والتخلص من عقدة الخواجا.
الثقة
مشكلتنا اننا فقدنا الثقة بأنفسنا، ونظرنا اليها نظرة دونية عن الغرب تقول الدكتورة الصايغ التي دعت الى عدم نسيان ان ثمة الكثير من العلماء العرب نالوا جائزة نوبل في عدة حقول معرفية، وهناك من هم مرشحون لنيل هذه الجائزة، كما دعت الى عدم نسيان ارثنا المعرفي الذي يفترض ان نباهي به الامم الاخرى، فعلماؤنا وخبراؤنا ومثقفونا لا يقلون شأنا عن اقرانهم في الغرب، فإلى متى سنظل نجلد انفسنا، ونقلل من شأنها، ونفضل الآخر عليها؟ تتساءل الدكتورة الصايغ.
تحديات
الدكتور عمر عبد العزيز رئيس قسم البحوث والدراسات في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة رئيس النادي الثقافي العربي والأمين العام لجائزة الشارقة للإبداع العربي، يقول: ان الاقتصاد المعاصر في العالم يوصف باعتباره اقتصاد معرفة، وان التكنولوجيا تطورت حتى اصبحت ذكية، وصارت تعتمد على الرقميات وقابلات التحول اللامتناهي، وهي متاحة الآن في الجامعات والاكاديميات والقدر نفسه، عبر محركات البحث في الوسائط الرقمية والمختلفة، ولهذا السبب قيل اقتصاد المعرفة بوصفه الرافعة الكبرى للاقتصاد العصري.
ريادة
مؤيد الشيباني باحث واعلامي، لفت حول حقيقة أن الامارات تقود ركب الدول العربية في عملية توطين المعرفة، وقال انها «البوابة الاوسع» للبدء باستثمار هذا المناخ الذي يرتبط بصناعة «الهوية الثقافية العربية الانسانية الشاملة».
ويضيف الشيباني: «المعرفة عندنا تنبع من لغتها وارضها وانسانها، والامارات لديها طائفة كبيرة من المبادرات الواثقة والتي تنبئ بمستقبل مشرق لصياغة مفهوم جديد لتوطين المعرفة، لكن عربياً، نحن بعيدون عن تحقيق ولو جزءا يسيرا من توطين المعرفة، والسبب ان البيئة العربية مضطربة، غير مستقرة نتيجة الاحداث والحروب فيها، لكن الامارات ولله الحمد تمتلك تربة خصبة لتعليم الآخرين كيف تبنى العلوم والمعرفة وكيف تكون ارادة البناء والحياة والتطور».
منهجية
الخبير الأكاديمي الدكتور بيان حرب شدد على اهمية ايجاد منهجية لتحصين الاجيال ضد اختيار المنتجات والافكار والمعلومات السيئة عبر الوسائط المختلفة، محملا في الوقت عينه الأسرة والمدرسة الجانب الأكبر من المسؤولية تجاه تدارك هذه الإشكالية.
البوابة
تقول الدكتورة فاطمة الصايغ «صحيح أننا بدأنا متأخرين، لكننا وضعنا ارجلنا على الطريق الصحيح نحو بناء المعرفة، فدولة بعمر دولتنا قد تبدو صغيرة، لكنها كبيرة بإنجازاتها وتطلعاتها»، ودعت الى أهمية الاهتمام بالتعليم، والاقتناع بأنه البوابة الأوسع لولوج عالم المعرفة والتميز والاستقلال المعرفي والتكنولوجي، والخروج من دائرة «التبعية» للغرب في كل شيء».
مجلس الطفولة ينادي بالتأسيس لارتياد فضاء المعرفة والابتكار
يرى الدكتور حسن البيلاوي الأمين العام للمجلس العربي للطفولة، أن التأسيس الجيد للأبناء من خلال الأسرة والمدرسة، تأشيرة دخول لفضاء المعرفة والابتكار، ويؤكد على الدور الكبير الملقى على كاهل المدرس الذي طالبه بمواكبة التقدم التكنولوجي والثقافي في عملية التدريس.
ويقول إن الاستثمارات في البنية التحتية لمجتمع واقتصاد المعرفة مهمة جداً، لكنها لن تؤتي أكلها التنموية والفكرية والمعرفية من دون جيل مثقف، وواع لأهمية التحضر والانتقال لهذه المرحلة، مؤكداً ان ثمة تكاملاً كبيراً بين الثقافة والمعرفة، وكلتاهما ترتكز على الأخرى.
كما يشدد الدكتور البيلاوي على دور وسائل الاعلام وبقية المنظمات والمؤسسات الاخرى ذات العلاقة، غير الاسرة والمدرسة، في ايجاد منظمة متكاملة، وارضية صلبة لمجتمع واقتصاد المعرفة. مؤكدا ان الشباب الاماراتيين قادرون اكثر من اقرانهم في كثير من الدول على ان يكونوا عنصراً فاعلاً في عملية خلق وتوطين ونقل المعرفة، وان ما ينقصهم هو العمل التنسيقي بين اركان المنظومة التعليمية والتربوية والإعلامية، المختصة بتعليم وتثقيف وتنوير الأجيال.