لا حدود للتميز على أرض الإمارات، بفكر مستنير من قيادة رشيدة وعمل حكومي دؤوب، يتواصل العمل لتحقيق الريادة والتفرد في شتى المجالات، وعلى مدار عقود من الزمن، يحظى قطاع «التعليم» بالأولوية في كافة الخطط الاستراتيجية، وهو ما ينطلق من إيمان راسخ بأن السبيل لتحقيق تنمية مستدامة لدولتنا، يتحقق انطلاقاً من نظام تعليمي محوره الابتكار وأساسه التطوير.
استناداً إلى هذه المعطيات، عمدت حكومة أبوظبي منذ عام 2006، إلى تبني تجربة تعليمية فريدة، وفرت لها كافة سبل الدعم والرعاية، من أجل تحقيق هدفها، ليجني ابن الإمارات ذو 13 ربيعاً ثمارها، بعدما أضحى في هذه المرحلة العمرية المبكرة، يمتلك شهادة تعليمية متطورة ثلاثية اللغة، فاليوم يستطيع أن يُدون في سيرته الذاتية، رغم حداثة عمره «أنا أتحدث الإنجليزية والصينية والعربية» بطلاقة.
ولما لهذه التجربة التعليمية الفريدة من أهمية، تعرض «البيان» تفاصيلها من داخل أروقة مدرسة حمدان بن زايد، حيث أول فصولها تبدأ مع الخطوات الأولى لالتحاق ابن الإمارات ذي الأربعة أعوام مرحلة رياض الأطفال، فيما تتواصل النجاحات، وصولاً إلى حلول العام الدراسي 2019 – 2020، لنحتفل سوياً بتخريج أول دفعة من طلبة الثانوية العامة مسلحة بنموذج تعليمي ثلاثي اللغة.
نعم للعمل
اليوم دق جرس العمل في الثامنة صباحاً، وها هم طلبة مدرسة حمدان بن زايد يتوجهون إلى مقاعدهم الدراسية من أجل الحصول على وجبة دراسية دسمة ثلاثية اللغة، ولكن ترى ما طبيعتها؟ وما تفاصيلها؟، هي أسئلة لم نكن لنجد إجابات لها، بغير قضاء يوم دراسي كامل مع الطلبة في صفوفهم الدراسية.
البداية كانت بالتوجه إلى مكتب مديرة المدرسة، فاطمة البستكي، الذي يزين أحد جدرانه عبارة «اعمل ما تحب حتى تحب ما تعمل»، فهذه الكلمات لم تكن مجرد شعار، وإنما حقيقة رصدناها عن قرب، من خلال تعاملنا مع مختلف الهيئات الإدارية والتدريسية والطلبة.
وكان طلب مديرة المدرسة لنا أن يكون حوارنا معها في نهاية اليوم الدراسي، الذي سنقضيه مع أبنائها في الصفوف، مع حرصها التام على توفير كافة أشكال الدعم لنا، من أجل إنجاز مهمتنا على الوجه الأكمل، ونقل صورة واقعية عن هذه التجربة الفريدة.
بداية اليوم الدراسي
مريم محمد المرزوقي، ابنة الإمارات، أول اختصاصية اجتماعية تعمل بالمدرسة، كانت بمثابة المرافق لنا طوال اليوم الدراسي، حيث حرصت على التوجه بنا إلى كافة الصفوف الدراسية، وإطلاعنا على المرافق التعليمية في المدرسة.
تستهل مريم المرزوقي حديثها باستعراض اليوم الدراسي بمدرسة حمدان بن زايد: «يبدأ اليوم الدراسي لجميع أعضاء الهيئات الإدارية والتدريسية، قبل حضور الطلبة بنحو ربع ساعة، وتحديداً في الساعة السابعة و45 دقيقة، فالعمل يسير على قدم وساق، من أجل الإعداد للطابور الصباحي، ثم القيام بعملية فحص لأمن وسلامة الطلبة، قبل توجههم إلى الصفوف، للتعرف إلى ما إذا كان أحد الطلاب مريضاً أو يعاني من أي مشاكل».
رياض الأطفال
رافقتنا المرزوقي بعد ذلك إلى صفوف رياض الأطفال، التي تعد أحد أهم المراحل الدراسية في منظومة التعليم ثلاثي اللغة، فنجاح العمل في هذه المرحلة الدراسية، يقود إلى تحقيق الهدف المنشود، وهو استفادة الطلبة من هذا النموذج التعليمي.
واستناداً لأهمية هذه المرحلة، تتسم الخطط التعليمية بها بالتعاون التام بين كل الأطراف، فمعلمات اللغة العربية واللغة الإنجليزية واللغة الصينية، جنباً إلى جنب لشرح المادة العلمية للطلبة، فيما يستبقن بدء الدرس جلسة بين المعلمات الثلاث، من أجل الإعداد والاتفاق على آلية الشرح للطلبة.
واليوم، كان عنوان الدرس يدور حول «معالم الإمارات»، فمعلمة اللغة العربية بدأت بشرح الدرس للطلبة، مع الحرص التام على تحقيق التفاعل المطلوب معهم، وتحفيزهم على التجاوب مع المادة التعليمية التي تقدمها، لتقوم بعد ذلك معلمة اللغة الإنجليزية بشرح الدرس مجدداً، فور انتهاء زميلتها، وبنفس الطريقة، لتسلم المهمة إلى معلمة اللغة الصينية، حيث تقوم من جانبها بتبسيط الدرس على الطلبة بصورة كبيرة، مع محاولة تزويدهم ببعض الكلمات الصينية المطلوبة.
عوامل النجاح
تقول المعلمة الصينية، لينا ياو، التي عاشت تجربة المدرسة الصينية منذ إطلاقها: «التعامل مع الطلبة في هذه المرحلة العمرية المبكرة، يساعدهم بشكل كبير على إتقان اللغة الصينية في المراحل الدراسية المتقدمة».
مضيفة: «نعتمد في الخطط التعليمية بهذه المرحلة العمرية، على عدد من الأدوات المساندة، مثل الأغاني والألعاب، من أجل إيصال الكلمات الصينية إلى الطلبة بصورة مبسطة، كما نحرص على تشجيع الطلبة الصينيين الملتحقين بالمدرسة، على التحدث بشكل دائم مع زملائهم المواطنين باللغة الصينية، سواء داخل أو خارج الصفوف».
تنسيق تام
وتضيف: «الطلبة المواطنون أذكياء، ولديهم مهارات كثيرة، وقدرة على الاستيعاب السريع، وأرى أن تجربة التعليم ثلاثي اللغة، نجحت بشكل كبير، فما زلت أتذكر طلبة كانوا معي في مرحلة رياض الأطفال، واليوم هم في الصفوف السادس أو السابع، ويستطيعون التحدث باللغة الصينية بشكل ممتاز، إلى جانب إتقانهم للغة العربية والإنجليزية بنفس المستوى.
وينتقل الحديث إلى كيري كاس، منسقة اللغة الإنجليزية في قسم رياض الأطفال بالمدرسة، وتقول: «آلية العمل في مرحلة رياض الأطفال، تتم بتنسيق تام بين معلمات اللغات الإنجليزية والعربية والصينية، حيث لا بد من وجود خطة تنسيقية بينهن، تضمن إيصال المعلومة إلى أبنائنا في الصفوف بشكل مبسط، ومن دون أن تطغى لغة على الأخرى».
الحلقة الثانية
في الطابق الثاني، تقع صفوف الحلقة الثانية، وجلسنا في أحد المقاعد الدراسية، جنباً إلى جنب مع الطلبة، لنتعرف إلى آلية شرح المادة العلمية التي تتم عبر «سبورة إلكترونية ذكية»، وتشرح المعلمة الصينية المادة العلمية بطريقة تفاعلية مع الطلبة، ومساعدتهم على ترديد الكلمات الصينية بشكل دائم.
تبادل الثقافات
وتقول المعلمة الصينية سو فين: «من أحد أبرز الأهداف المهمة لهذه التجربة الفريدة، هو تبادل الثقافات بين الطلبة في هذه المرحلة العمرية، فالطالب المواطن يجلس إلى جانب زميله الصيني، ويتداولون الحديث باللغة الصينية والعربية».
مضيفة: «يتم تعريف الطالب بمهارات الاستماع والتحدث باللغة الصينية، بداية من الصف الثالث، وصولاً إلى نهاية الحلقة الثانية، أما في مرحلة رياض الأطفال وحتى الصف الثاني، يكون التركيز على تعليم الطلبة بعض الكلمات، سواء باللغة العربية بالنسبة للطلبة الصينيين، أو باللغة الصينية بالنسبة للطلبة المواطنين.
اللغة العربية
وفي لقاء عدد من الأستاذة المواطنين والعرب في المدرسة، حيث يقول أستاذ الاجتماعيات فهد صالح النقيب: «إن أسلوب التدريس في مدرسة حمدان بن زايد، يعتمد بالدرجة الأولى على تحقيق التفاعل مع الطلبة، واستخدام وسائل دراسية حديثة».
ويقول زاهر العلي أستاذ اللغة العربية: «إنه منذ بدء هذه التجربة عام 2006، حرص مجلس أبوظبي للتعليم، على توفير كافة وسائل الدعم لنجاحها، كتوفير مدرسات لتعلم اللغة الصينية، وتوفير كافة مصادر التعلم».
ولفت إلى أن المدرسة «نجحت في تحقيق تقييم (A)، ضمن برنامج «ارتقاء» التقييمي، الذي ينفذه مجلس أبوظبي للتعليم دورياً للمدارس الحكومية والخاصة بالإمارة».
تفاعل
تقول المعلمة إي كي هو «تعتمد الدراسة بالدرجة الأولى على تحقيق التفاعل مع الطلبة، سواء بينهم وزملائهم أو المعلمين، ويتم شرح الدرس باستخدام عدد من الأدوات التفاعلية والأجهزة المتطورة، مثل السبورة الذكية».
رأي تربوي
قال الدكتور صالح الجرمي، الخبير التربوي والمحاضر في مهارات التدريس: لا شك أن تطبيق تجربة التعليم ثلاثي اللغة في مدارس الدولة هي تجربة رائدة وتوجه إبداعي فريد لما له من مردود على المستويات كافة، بدءاً بالمستوى المعرفي القريب بأصول اللغات ومفرداتها من خلال مهارتي القراءة والتحدث.
ومروراً بالتواصل واطلاع أبنائنا على تاريخ وثقافات الشعوب الأخرى من حيث التعرف على فكرها وحضاراتها وتقاليدها السائدة، وانتهاءً بإثراء المخزون المعلوماتي لهؤلاء الأبناء وتوسيع أفق مداركهم ومعارفهم بكل ما يتصل بتلك الشعوب، الأمر الذي يوجد لدينا جيلاً واعياً مؤهلاً قادراً على أن يعيش روح العصر، ويستوعب أدبيات تلك الأمم.
طموح الطلبة أن يكونوا سفراء للدولة
في لقاء مع عدد من طلبة الصف الثامن في المدرسة اتضح طموح أبناء الإمارات ونظرتهم التفاؤلية إلى المستقبل ورغبة في الاستفادة من الالمام بثلاث لغات في هذه المرحلة العمرية المبكرة.
يقول الطالب حامد خالد الهنائي (13 عاما): «أتطلع الى أن أكون سفيراً لبلدي بعد نهاية مشواري التعليمي، وأرى أن إلمامي بثلاث لغات (العربية والإنجليزية والصينية) في هذه المرحلة العمرية المبكرة يساعدني على تحقيق هذا الهدف»، مضيفا: «أشكر اساتذتي في الصفوف لحرصهم على تطبيق أساليب دراسية تفاعلية معنا، ومتابعتهم ورصدهم الدائم لمدى استيعابنا للمادة العلمية».
ويضيف زميله بالصف الثامن حسن أحمد: «بطبيعة الحال واجهنا صعوبات في البداية في استيعاب اللغة الصينية والتعود على الكلمات، إلا أنه كان لدينا رغبة أكيدة في الالمام بها، وبخاصة أن الأمر يمثل لنا خطوة مهمة على طريق تحقيق مستقبل علمي مشرف لنا خلال المرحلة الدراسية المتقدمة».
ويشير زميله منصور عامر الى أن «الأمر لا يقتصر وحسب على تعلمنا اللغة الصينية وإنما ما يميز مدرسة حمدان بن زايد أنها تحرص على اتقاننا للغات الثلاث وفق أساليب تعليمية متطورة، فالتركيز لا يقع وحسب على اللغة الصينية، وإنما هنا حرص على تعزيز مهارات الطلبة محادثة وكتابة سواء في اللغة العربية أو الإنجليزية.»، مضيفا: «أتطلع إلى أن أكون سفيراً للدولة بعد نهاية دراستي».
ويقول الطالب حمد اسماعيل (13 عاما): «بدأت في المدرسة الصينية من مرحلة رياض الأطفال وتمكنت من اتقان اللغة الصينية في سن العاشرة، وبدأت أتعلم لغة رابعة بجانب (العربية والإنجليزية والصينية) وهي اللغة التركية حيث سافرت مؤخراً إلى تركيا وأعجبتني كثيراً وقررت أن أتعلم لغتها كي أتمكن من التواصل مع مواطنيها في رحلتي المقبلة لها».
ويعتبر خليفة راشد الشحي أن وجوده في هذه المدرسة ساعده كثيراً على تعلم العديد من المهارات التي يرى أنها ستمكنه في المستقبل القريب من الوصول لمستقبل علمي متميز، مضيفا: «إن الأمر لا يعدو مجرد تجربة وحسب وإنما هنا حرصنا على تحقيق أقصى استفادة ممكنة والوصول إلى اتقان اللغات الثلاث بشكل كامل».