أكد مختصون في تطوير الكوادر الوطنية وأكاديميون جامعيون أن التربة الخصبة التي تنمو عليها البطالة في أي مجتمع تتمثل في عشوائية سوق العمل، مشددين على تطوير الكوادر الوطنية يمثل مسؤولية مجتمعية تمتد على جميع أفراده وقطاعاته.

وقال عيسى الملا المدير التنفيذي لبرنامج الإمارات لتطوير الكوادر الوطنية، إن تطوير القوى العاملة وتوجيهها في المسار الصحيح في أي دولة لا بد أن يستند على قاعدة بيانات موحدة تستفيد منها المؤسسات التعليمية لضبط تخصصاتها ومناهجها بما يخدم احتياجات سوق العمل، وهو ما نفتقده في الدولة، مشيراً إلى أنه بات من الضرورة وجود مؤسسة تأخذ على عاتقها استشراف سوق العمل وتحديد احتياجاته والمهارات التي يتطلبها ضمن خطط خمسية أو عشرية.

وأوضح أنه في الوضع الحالي يصعب على صاحب القرار المضي قدماً في ضبط سوق العمل، الذي تكون فيه الوظائف عشوائية ومتنوعة، لافتاً إلى أن الجهود اليوم متوجهة لخفض نسبة البطالة لأقل المعدلات، ولكن قد يكون الأمر صعباً دون توجيه القوى العاملة في المسارات الصحيحة.

وأشار الملا إلى أن دولاً كثيرة تمكنت من ضبط العشوائية في سوق العمل، وانخفضت نسبة البطالة لديها بصورة كبيرة منها المملكة المتحدة التي عملت منذ سنوات على مسح سوق العمل ومن ثم استشراف ملامح الوظائف لسنوات قادمة، وربطت المناهج باحتياجات سوق العمل، واستحدثت تخصصات دراسية جديدة، وبعد مرور أعوام من العمل تمكنت من خفض نسبة البطالة إلى مستويات قياسية.

وأكد أن نجاح عملية التوظيف في أي دولة يتطلب 3 أسس وهي اقتصاد قوي ومتنوع وتعليم جيد ومتوافق مع احتياجات سوق العمل، وقوانين تشريعات تخدم وتتفهم سوق العمل، لافتاً إلى أن هذه الأسس هي موجودة في الدولة، ولكن هي بحاجة إلى توفيق وعمل مؤسسي لاستشراف وتقيم ودراسة سوق العمل.

وأشار المدير التنفيذي لبرنامج الإمارات لتطوير الكوادر الوطنية إلى أن الدولة وضعت خططها لاستشراف المستقبل في كافة المجالات، وهي تحقق قفزات عالمية في عدة مؤشرات، ومن أجل ذلك أوجدت المسرعات الحكومية التي تختصر الوقت والجهد، لافتاً إلى أنه حان الوقت لاستشراف المستقبل في سوق العمل وتحديد احتياجاته في القطاعين الخاص والحكومي لتأهيل جيل قادر على الانخراط في سوق العمل ومواكبة تغيراته.

خبرة ومعرفة

أيده في ذلك الدكتور منصور العور رئيس جامعة حمدان بن محمد الذكية، الذي قال إنه لو نظرنا للوظائف قبل عشر سنوات لوجدناها اختلفت عما هي عليه اليوم، وكذلك حالها في المستقبل سوف تكون مختلفة وتتطلب مهارات جديدة، مشيراً إلى أن سوق العمل لا بد أن يتم تقييمه وتحديد احتياجاته المستقبلية من خلال استشراف ملامحه لتأهيل جيل مسلح بالخبرات والمعرفة التي تتطلبها الوظائف.

وأوضح أن المؤسسات التعليمية أوجدت لتزويد الطلبة بالمهارات والخبرات الأساسية وهي بحاجة لتحديث بين الحين والآخر لمواكبة السرعة التي يتغير فيها العالم ومؤسساته، ويكون شكل التحديث بتغير المناهج وتطويعها لتواكب المستقبل، مشيراً إلى أنه لكي تصب مخرجات التعليم في مجرى سوق العمل فإن المؤسسات التعليمية بحاجة لمعرفة اتجاه سوق العمل وأبرز المهارات التي يحتاجها في السنوات المقبلة، حتى يتم تغير المناهج الدراسية سواء كان في الجامعات والمؤسسات لتواكب المرحلة المقبلة، وهو ما تحتاجه المؤسسات التعليمية بشدة.

وأوضح العور أن العالم كان قبل سنوات يتحدث عن الخدمات الإلكترونية وفي غضون فترة قصيرة تحولت الأعمال نحو الخدمات الذكية، مشيراً إلى أن التغيرات المتسارعة والمسرعات الحكومية هي بمثابة حث وتشجيع على استشراف المستقبل ليس لعام أو لعامين وإنما لعقد من الزمن على أقل تقدير، وذلك حتى لا ترهق عملية التدريب وتسليح العاملين جهود المؤسسات عند حدوث مثل هذه النقليات النوعية.

 

8

أظهرت دراسات لجهات حكومية وخاصة مشاركة في معارض التوظيف أن سوق العمل إلى 8 تخصصات علمية وفنية خلال العشر سنوات المقبلة، تتضمن الهندسة بفروعها كافة، والعلوم الصحية (الطب البشري، والطب البيطري، والتمريض)، والطاقة المتجددة، وعلوم الأرض، وتخصصات البيئة والمياه، والتدريس (عام وجامعي).

إلى ذلك تؤكد الدراسات والبحوث العلمية أن الطالب في بداية حياته الأكاديمية يواجه مشكلات متعددة لعدة أسباب من بينها قلة الخبرة والتجربة، ويحتاج معها إلى مرشد متخصص يستنير برأيه، وتبقى هذه الحقيقة مع الإنسان في جميع مراحل نموه، فهو يواجه في كل مرحلة متاعب ومشكلات وفترات حرجة، ومواقف صعبة يتمنى أن يجد العون والمساعدة في حل هذه المشكلات، فتظهر الحاجة للتوجيه والإرشاد لتحقيق التوافق والتوازن المنشود.

لكن ما زال الإرشاد الأكاديمي في معظم الجامعات يواجه الكثير من التحديات والعقبات، وتتراوح هذه التحديات بين عدم وجود أنظمة رسمية للإرشاد الأكاديمي، وضعف فاعليته وبالتالي أثره على الطلاب المتقدمين أو المستجدين أو الجامعيين في الكثير من الجامعات، ومن هنا أصبح الإرشاد الأكاديمي ضرورة حتمية في مؤسسات التعليم العالي.

 اجتماع

تعقد إدارة كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي اجتماعاً دورياً للإرشاد الأكاديمي مع مستجديها، لتسليط الضوء على النظام الأكاديمي والدراسي خلال انتظامهم في مسيرتهم الجامعية خلال كل مرحلة، ويتم تبصيرهم بدور المرشدين الأكاديميين المتواجدين بأقسامها العلمية ودورهم في إرشاد الطلبة ورفع مستوى إدراكهم بالنظم الأكاديمية. وتؤكد الكلية أن الإرشاد الأكاديمي عملية احترافية ومسؤولية كبيرة تقع على كاهل المختص لمساعدته على إنجاز دراسته بكفاءة ودعم جهود الكلية لتخريج طالب قادر على مواجهة التغيرات في سوق العمل.\

4

توفر جامعة زايد 4 خطوات لضمان حصول طلبتها على التوجيه الأكاديمي المتكامل، ويتجلى ذلك أولاً في تأمين نظام متكامل للإرشاد الجامعي يغطي الجوانب الأكاديمية والمهنية، وثانياً الإرشاد الشخصي للتغلب على أي مشكلات شخصية أو اجتماعية قد تعيق الطلبة خلال حياتهم الجامعية، وثالثاً توفير نظام فريد لدعم الطلبة من قبل زملائهم المتفوقين والذين يتطوعون لتوفير ساعات إضافية للتدريس للطلبة في مختلف التخصصات، ورابعاً وأخيراً توفير مختبرات للتكنولوجيا المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة تمكنهم من مجاراة زملائهم والنجاح بل والتفوق الجامعي.

وتسعى الجامعة من خلال هذه الخدمات المتكاملة إلى تقديم أفضل دعم ممكن لتمكينهم من اجتياز المرحلة الجامعية بنجاح مع ما تتطلبه هذه المرحلة من عمل متواصل واجتهاد لتطوير مهاراتهم ومعارفهم والاستعداد للتحدي الأكبر في الحياة العملية.

 حلول

يرى معنيون بشؤون الطلبة وحاجات سوق العمل أن الحل للخروج من هذه المعضلة يكمن في التنسيق المسبق بين مؤسسات التعليم العالي، والمؤسسات المختلفة، لمعرفة احتياجات السوق وتوجيه الطلبة نحوها ليتمكن الطلبة الخريجون من الحصول على فرص وظيفية وبالتالي القضاء على البطالة التي تعاني منها الكثير من المجتمعات والذي ينعكس بدوره على الفرد والمجتمع ككل.

ودعا خبراء إلى فتح تخصصات جديدة وعصرية يتطلبها سوق العمل، مع التقليل من القبول في التخصصات التي ليس لها مجالات في سوق العمل، وتجويد مخرجات التعليم لتلبي رغبة وحاجة القطاعين العام الخاص في الحصول على نوعية متميزة من الخريجين.

ودعا المختصون إلى التركيز أكثر على دورات توعية الأبناء بالتخصصات المناسبة وتعزيز ميولهم نحوها، وذلك في مرحلة مبكرة من مراحلهم الدراسية، ووضع الطالب قبل الوصول إلى مرحلة الجامعة في صورة مستقبله الوظيفي بحسب ميوله وكفاءته وحاجة السوق لتخصصه، مع التشديد على تسهيل الظروف من أجل أن يبدعوا ويتفوقوا في تخصصاتهم.