يواجه جيل ما بعد الألفية العديد من التحديات المستقبلية، وفقاً لمخرجات القمة العالمية الحكومية، التي سلطت الضوء على عصر التحولات الاجتماعية، واتساع رقعة المعلومات والأيدلوجيات العالمية، التي باتت تدون الآن تاريخاً متجدداً بلغة تفاعلية ذات إيقاع عصري من جهة، والمشاركة ضمن منظومة البرامج الحكومية ذات الصلة بقضاياه لتحقيق التوازن المؤثر على حراكه الاجتماعي من جهة أخرى، دون أن تفقد الثقافة الوطنية بريقيها ذا الأبعاد الإنسانية المستسقاة من حضارة الأمة وموروثها وتقاليدها والتي تعد من أهم المؤشرات العالمية لتحقيق السعادة وترسيخ ثقافة الانتماء والمواطنة الصالحة، واستشراف المستقبل الذي يفي بمطالباته الواعدة في إطار المتغيرات كافة.
رؤى محورية
وأكد ناجي الحاي الوكيل المساعد لشؤون التنمية الاجتماعية بوزارة تنمية المجتمع: أن الاستراتيجية الوطنية لتمكين الشباب تنطلق من القناعة التامة لدى القيادة بأهمية الشباب وضرورة التعرف على قضاياهم وتطلعاتهم كونهم درع الوطن وأساس النهضة والتقدم.
ولذلك فإن الاستراتيجية تشمل توصيف الوضع الشبابي الراهن في الدولة ومن ثم وضع التوصيات المناسبة لتمكينهم وترجمتها على أرض الواقع بما يلائم مبادراتهم وبرامجهم مع رؤية الدولة، إضافة إلى تحديد آلية لقياس الأداء، وذلك بما يكفل تقييم الاستراتيجية وتطبيقها بمنهجية مستدامة.
التجربة الإماراتية
وأوضح الحاي أن التنشئة السياسية تبرز كموضوع رئيس يمتد من التربية الوطنية الإماراتية، إلى مفهوم تدريب الشخصية والتوجيه أو الإرشاد الروحي الملهم لسعادة الفرد ونجاحه، ومن جانب لا يأتي تقدم الجماعة ورقيها من الشعور والعاطفة إذا لم يقترن ذلك بالعمل الإيجابي الذي يقوم على المعرفة بحقائق الأمور والفكر الناقد لمواجهة المواقف ومعالجة المشكلات.
فبهذا الجانب العملي تحصل النتائج المادية التي تعود على الفرد بالنفع والارتياح والسعادة، وعلى الجماعة بالتقدم والرقي، وذلك هو سر نجاح التجربة الإماراتية في تفعيل دور الشباب في كافة القطاعات والأنشطة والمحفزة على الارتقاء وتحمل المسؤولية ضمن مشروع إبراز القادة الشباب والنظر في أفكارهم واتجاهات المستقبلية بنظرة متعمقة، فالفرد يكتسب صفة المواطنة بمجرد انتسابه إلى جماعة أو لدولة معينة، ولكنه لا يكتسب صفة الوطنية إلا بالعمل والفعل لصالح هذه الجماعة أو الدولة وتصبح المصلحة العامة لديه أهم من مصلحته الخاصة.
فرق العمل
بدوره، رأى ياسر القرقاوي، مدير إدارة الفعاليات الثقافية، في وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، التغير السريع والتكيف مع روح العصر من أبرز التحديات التي تواجه جيل ما بعد الألفية والمرتبطة بمؤشر السعادة وقوة الارتباط والانتماء للوطن وقضاياه في المجالات كافة.
فالشباب في دولة الإمارات هم المحرك الأول لكافة أهداف التنمية من خلال تطوير قدراته وتعزيز مصادرة الثقافية المتطورة والعمل مع الحفاظ على حريته ومصالحة من خلال شحن طاقته الإيجابية نحو الولاء لروح المواطنة الخالصة، كفرق عمل متكاملة النظم والسياسات برؤية عالمية والتي تتبلور أيضاً من المحصلة نهائية من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية.
فرص نوعية
وأضاف: الحكومة الرشيدة لديها إيمان عميق بأهمية دور الشباب وتأثيره في صناعة المستقبل من خلال مجالس الشباب على مستوى الدولة وتعبر عن التزام قيادة الدولة بتنمية الشباب والاهتمام بدورهم الرئيسي في مسيرة المجتمع ونهضته.
ويتجلى هذا الاعتراف والتقدير ببداية الفكرة التي حققت نفسها، عبر جعل الشباب المعنيين، شريكاً رئيسياً وفاعلاً حقيقياً، يمر بمراحل متعددة، ومحطات مختلفة من النقاشات العامة والحوارات واللقاءات، وورش العمل مع الشباب، وإتاحة الفرصة للجميع للمشاركة برأيهم وتطلعاتهم وأفكارهم فيما يخص تنمية الشباب وتمكينهم.
وهذا الأمر يعتبر أولى خطوات التمكين الحقيقي لما ينطوي عليه من تمرين عملي يكسب الوثيقة مصداقية، ويجعل الشباب أكثر حماساً لتنفيذها لكونها من صنع أيديهم.
روح الانتماء
من جانبه، قال هيروشي كوياناغي المدير التنفيذي لشركة سمارت ميديكال الذي أطلق بالتعاون مع برنامج خليفة لتمكين الطلاب (أقدر) تطبيق «I Love UAE» للهواتف الذكية ضمن مبادرة عبر عن حبّك للإمارات، التي أطلقها في وقت سابق، الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، بتقنية (إيمباث) قادرة على أن تحدد الحالة العاطفية للشخص من كلامه، إلى جانب تحسين مستوى السعادة خاصة ضمن فئة الشاب، وتعزيز روح الانتماء والمواطنة، المحفزة على الإبداع والابتكار الإيجابي والذي يصب في مصلحة الوطن، فطالما بادرت الإمارات بإطلاق العديد من الحملات التي تهدف إلى تعزيز السعادة وقيم الانتماء بين المواطنين والمقيمين.
التنمية المستدامة
بدوره، أشار تاي لاي هوك، مؤسس مبادرة ground –up السنغافورية العالمية التي تدعو الى العودة الى الجذور والانتماء لأرض والوطن كضرورة حتمية لتحقيق أهداف التنمية الاستدامة خاصة بين أوساط الشباب وجيل ما بعد الألفية إلى أنه تم تحديد ثلاثة عناصر أو ركائز أساسية يفترض أن تتم الموازنة بينها من أجل تحقيق التنمية المستدامة وهذه العناصر هي الإنسان والكوكب (الأرض) والربح، بمعنى أن الحافز نحو تحقيق الربح والمنفعة الاقتصادية ينبغي ألا يطغى على قيمة الإنسان أو يضر بالبيئة بحيث لا تجد الأجيال القادمة ما تنتفع به وما يكون بمثابة استثمار في المستقبل لها.
تجربة حتا
وأضح هوك انه وعلى النطاق المحلي أثمرت مبادرته تعاوناً تربوياً في قطاع التعليم من خلال مجموعة من البرامج المتعلقة بمفاهيم الاستدامة تستهدف 7 مدارس خاصة في منطقة حتا الشهر المقبل، والتي من شأنها تعزيز قيم الانتماء والاعتزاز بالمواطنة المنبثقة من المشاعر والروابط الفطرية هذه ما يجعل أفراد المجتمع يتكاتفون على احترام النظام ومراعاة الحقوق، ويتعاونون على محاربة أي فكر دخيل قد يهدد قيم المواطنة الصالحة القائمة على التعايش لتسود روح الأخوة والترابط هي من أهم مسؤوليات المنهج التربوي المعاصر ليكسب الطلاب مقومات الانتماء للوطن متمثلاً في الولاء للأسرة والمجتمع المحلي بمصالحه ومؤسساته، والمجتمع الوطني بمنظماته وهيئاته، ويكمل ذلك بالانتماء العالمي.
السعادة الوطنية
من جانبه، قال كرما أورا رئيس مركز بوتان لأبحاث السعادة الوطنية: إنه منذ تأسيس مملكة بوتان قبل 400 عام، شكلت سعادة المواطنين المبدأ الأساسي والمبرر الوحيد لوجود الحكومات، مضيفاً: «بلدنا متواضع في موارده وفي ناتجه الوطني، لكنه استثنائي بقيادته، التي تعتبر ناتج السعادة الإجمالي، أهم بكثير من الناتج الإجمالي الوطني التقليدي»، لأنه يبعد الحكومات عن كل ما لا يتفق مع مصلحة الاستدامة، ويشكل محركاً لعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكان أول من صاغ عبارة «السعادة القومية الإجمالية» في عام 1971 هو الملك الرابع لمملكة بوتان، جيجمي سينجاي وانجتشوك، الذي شدد على أن «السعادة القومية الإجمالية هي أكثر أهمية من الناتج المحلي الإجمالي».
هذا المفهوم يعني أن التنمية المستدامة لا ينبغي أن ترتهن فقط بالمؤشرات الاقتصادية للرفاهية كمقياس للتقدم، وحددت مملكتنا تسعة مجالات لقياس «السعادة القومية الإجمالية»، ألا وهي: الصحة النفسية، الصحة البدنية، التعليم، استخدام الوقت، التنوع الثقافي، القدرة على التكيف، الحكم الرشيد، حيوية المجتمع، التنوع البيئي والقدرة على التكيف، ومستويات المعيشة، وهي مجالات ذات تماس مباشر مع جيل ما بعد الألفية، الذي يحظى باهتمام الحكومات وخاصة في دولة الإمارات على اعتبار أن السعادة الوطنية الشاملة هي أهم ناتج قومي للبلاد.
مبادرات نوعية
من جهته، قال البروفيسور روبرت والدنغر مدير مركز دراسات نمو البالغين بجامعة هارفارد الأميركية وصاحب أطول الدراسات الاجتماعية في تاريخ العلوم الإنسانية: إن الاعتزاز بالهوية الوطنية الشباب الإماراتي والفخر بأهداف مبادرته الوطنية والمشاركة التفاعلية والتطوعية مثير الاهتمام والتأمل في نوعية البرامج والأطروحات التي تقدمها الحكومة لهؤلاء الشباب من وسائل وقنوات تعتمد على التفكير الإيجابي لوصف عملية الشعور بالسعادة.
بهدف تعميق أدوارهم كصناع قرار ومؤثرين حقيقيين في التغير نحو الأفضل، ومقترنه بحب الانتماء والهوية الوطنية والعلاقات المشتركة وجميعها مفيدة للصحة والسعادة، فما يجعل الناس سعداء حقاً ليس المال أو الصحة أو حتى الوظيفة الجيدة؛ ما يجعل الناس سعداء حقاً هو العلاقات الاجتماعية.
ترابط اجتماعي
وأضاف: تلك ليست فقط انطباعات شخصية عن مفهوم السعادة فهي مبينة على دراسة بحثية استمرت قرابة 75 عاماً شملت الدراسة مقابلات منتظّمة، وفحوصات طبية وحوارات مع الأسر، واستبيانات تسمح للباحثين بفهم كامل لحياة كل فرد، ولا يزال 60 رجلاً من أصل 724 على قيد الحياة ويشاركون في الدراسة، وتبحث الدراسة الآن في حياة أكثر من 2,000 طفل من أبناء هؤلاء المشاركين،.
فالأشخاص محل الدراسة الذين كان لديهم علاقات اجتماعية جيدة في حياتهم كانوا أكثر سعادةً من الأشخاص الانطوائيين، أو الذين لم تكن علاقاتهم الاجتماعية تسير على ما يرام.
غرس الولاء الوطني لإحداث التوازن داخل المجتمع
أكد توم كولابوس مؤلف كتاب تأثير جيل ما بعد الألفية أن غرس الولاء الوطني لدى جميع أفراد المجتمع يعد عملية محورية وأساسية لإحداث الاستقرار والتوازن داخل المجتمع، حيث أصبحت كلمة «الوطنية» في السنوات الأخيرة قضية مصيرية تفرض نفسها بإلحاح على علماء الاجتماع والنفس والسياسة وجميع المهتمين بتربية النشء حتى أصبحت التنشئة السياسية إحدى الضرورات الأساسية في هذا العصر الذي نعيشه لإيجاد إحساس عام بالالتزام والولاء للسلطة الرسمية.
وهنا يبرز الدور المهم الذي يجب أن تلعبه مؤسسات المجتمع المختلفة في تأكيد أهمية عملية التربية الوطنية، حيث إن الأمن يتحقق فقط عندما تتكامل مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة لإحداث الاستقرار والتوازن الأمني داخل المجتمع.
وخاصة مع جيل الشباب الذي بات يحظى بتأثير كبير في مجالات التكنولوجيا المتنوعة، حيث تمكنه قدرته على التعامل مع التكنولوجيا المتقدمة من التواصل مع مختلف الأشخاص والمجتمعات في جميع أنحاء العالم وتضع أمامه العالم كقرية صغيرة ما يمكنه من نقل المعرفة بمختلف أنواعها، مع قدرته على الابتكار والإبداع من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة لذلك علينا أن نؤمن أن ما يمكن صنعه في المستقبل من خلال الشباب أكبر بكثير مما تم إنجازه في الماضي.
ورأى كولابوس أن الحكومة في دولة الإمارات تبذل جهوداً كبيرة في احتواء جيل الشباب وتأهليهم كطاقات مثقفة ومدربة ذات رؤى قيادية، مع غرس مفهوم الأصالة والالتزام بالتقاليد المحلية كعنوان عريض للهوية الوطنية فهي المحضن التربوي الأول وهي دائرة الانتماء الأولى للصغير.
وهي بالتالي نواة مكملة ولبنة في بناء الانتماء الوطني، ومؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تتحمل المسؤولية الكبرى في ترسيخ قيم الانتماء الوطني، المدعم بالعديد من الوسائل والتطبيقات المبهرة والمصممة بمهارة عالية لتتمكن من أداء مهمتها على الأوجه الأكمل.
أهداف استراتيجية
من جانبه، قال الدكتور الكاتب والمؤلف ميشيل ليفي إن التمسك الهوية الوطنية وقيم المواطنة الصالحة من الدعائم الأساسية للمشاركة الفعالة في تنفيذ الشباب لبرامج وأهداف الاستراتيجية الوطنية وتحسين الأداء في كافة القطاعات.
مما ينعكس إيجاباً على تطور المجتمعات وتحقيق الاستدامة المتكاملة، الى جانب الغوص في أعماق الفكر المتغير شرقاً وغرباً وتقبل الإخفاقات وتضميد السلبيات للخروج من مأزق التحديات بوضع الحلول والمخرجات والعمل على تطبيقها، الى جانب تقبل التناقضات والاختلافات بل على العكس تقديرها أيضاً.
ويرجع هذا على المنظومة التنويرية التي قامت عليها أسس وقواعد الحوكمة في دولة الإمارات التي تتبنى طرح قضايا متعددة في جميع المجالات، وإيجاد مساحات متوازنة لتخفيف التنافر المعرفي حين تصبح الأمور أكثر تعقيدًا ويخرج المرء عن حدود الذات.
حيث يتكون التواصل الإنساني من مناورات خفيّة بين التناقضات، مثال على ذلك هو التناقض بين ما يُقال وبين ما يُعبر في الغرب عن شعوب المنطقة العربية.
ورأى ليفي أن الحكومة الرشيدة قدمت الكثير من الإنجازات باستمرار على صعيد تفسير الرسائل المتناقضة لمن يحاورهم، وإلى فك السلوكيات المتضاربة التي يلاحظها في الحياة الاجتماعية وتستشرف المستقبل في كافة القطاعات وتجيب عن أسئلة الغد اليوم وتعمل على إنتاج المعرفة اللازمة لتعزيز جاهزية حكومات العالم من الشباب لمواجهة تحديات المستقبل القريب والمتوسط والبعيد. من منطلق أن العالم اليوم يختلف كثيراً عما كان عليه الحال قبل بضع سنوات.
فالمجتمع الدولي يواجه حالياً تحديات ذات طبيعة اقتصادية وإنسانية وبيئية متنوعة، لكنها تشترك معاً في سمات أساسية. أولاً، أنها تشكل خطراً على مكاسب التنمية التي تحققت بشق الأنفس في العقود الأخيرة؛ وثانياً، أنها ليست محصورة داخل حدود بلد واحد.