قال الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية د. عمرو موسى «إن اتخاذ قرارات حازمة من المسألة اليمنية يجب أن تتلوها مواقف عربية حاسمة إزاء الوضع في سوريا ومجمل الأوضاع في الهلال الخصيب، وكذلك في ليبيا. وشدد على أن التصريحات الإيرانية عن السيطرة على أربع عواصم عربية خطر، وعده استعمارياً «وربما كان أحد مقاصده التمهيد للعاصمة الخامسة»، وهنا ركز موسى على أن «مهمتنا كوننا عرباً هي تقليل الهيمنة على أربع عواصم إلى ثلاث ثم إلى اثنتين وأخيراً إلى صفر»، وعلى وجوب «تصفية هذا الاستعمار قبل أن يستفحل»، لكنه أبقى رأي أن باب التفاهم مفتوح، ولكن في الاتجاهين.
وشدد موسى، الذي يتزعم في الوقت الحاضر حزب المؤتمر المصري، في حوار مع «البيان» يتزامن مع وجوده في دبي للمشاركة في منتدى الإعلام العربي، على ضرورة أن يكون العرب متيقظين لأي ترتيبات ترسم للمنطقة وأن يكونوا جزءاً رئيساً في أي ترتيبات.
ولفت إلى أن النظام العالمي لا يزال قائماً على النمط السلبي السابق نفسه، وبالذات خداع الدول النامية وبينهم العرب، فضلاً عن تخليق قضايا هدفها الوقيعة في العالم العربي مذهبياً وعرقياً وجغرافياً، عبر سياسات مدمرة تنشر الفوضى حاول من روج لها إلباسها ثوباً إيجابياً بإطلاق وصف الفوضى الخلاقة عليها. وربط موسى بين هذه السياسة التي انبثقت مع مطلع الألفية وما يحدث في عالمنا العربي حالياً ومنها الدمار الذي يشيعه تنظيم داعش الإرهابي الذي اعتبر أنه غيمة سوداء ستنقشع.
وثمن د. عمرو موسى انعقاد منتدى الإعلام العربي، الذي يأخذ على عاتقه البحث في كيفية النهوض بهذا القطاع الذي رأى أنه يعاني التباساً كبيراً، ويشهد قصوراً وصل إلى حد التشويش وخلق مواقف غير قومية أو وطنية تخرب الضمير العربي.
وفي ما يلي تفاصيل الحوار بين «البيان» ود. عمرو موسى، الذي تركز على محوري المشهد الإعلامي، والمشهد السياسي- الأمني في المنطقة:
تشخيص الإعلام
كيف تشخص المشهد الإعلامي العربي؟
الإعلام العربي فيه التباس كبير، وفيه قصور كثير.
مناقشة هذا الوضع والتشاور في كيفية النهوض به، وخصوصاً في المرحلة الدقيقة والاستثنائية التي نمر فيها، مسألة ضرورية وهامة. وأنا أثمن انعقاد المؤتمر في هذه الفترة وهذه المرحلة، وفي دولة الإمارات، ونأمل أن يكون النقاش مثمراً.
بتنا نرى هذا الإعلام وقد أصبح يخرب بدل أن يقرب، يفسد بدل أن يرشد.. فما المطلوب برأيكم من الإعلام العربي في هذه الفترة؟
أعتقد أن هذه الأخطاء فردية، وإن كثرت، من قبل إعلاميين لنقص في الأعداد الشخصي والموضوعي، والالتباس في تقدير الصفة والقيمة للإعلامي، ما أدى إلى ظهور موجة من الأخطاء والخلط بين الأدوار، ولكن في المقابل نجد في العديد من البرامج الجيدة في عدد من المحطات الفضائية أساساً لانطلاقة إعلامية إيجابية.
ربما هناك نقص في الاطلاع على الحركة الإعلامية العالمية التي تركز على تعليم وخدمة القراء وتضعهم في صلب الصورة تمكنه من التقدير والتقييم، وليس إعطاء معلومات خاطئة وتقييمات غير سليمة تحدث الكثير من الاضطراب والتشويش على التفكير للمجتمع. وربما نقص التعليم والتدريب وكذلك التربية السياسية كلها عوامل تؤدى إلى التأثير في مستوى الكفاءة وقلة القدرة المهنية، وهو ما ينتهى إلى منتج سيئ.
وهناك أيضاً مواقف غير قومية أو غير وطنية تخرب الضمير العربي الجمعي.
ألا يعود هذا الالتباس الإعلامي إلى التباس سياسي عربي عام؟
طبعاً، لا نستطيع وضع كل العبء على الإعلام، لكن المشهد الإعلامي هو الذي يظهر ويؤثر في الرأي العام.
حالة الالتباس عامة في المجتمعات العربية وخصوصاً في السنوات الأخيرة التي عمت فيها الفوضى وبات الاضطراب هو السمة العامة.
السنوات الأخيرة.. أي منذ الربيع العربي؟
أنا أقصد في السنوات الأخيرة ما هو أكثر من سنتين أو ثلاث أو أربع.
وقبل هذه الفوضى كان هناك كبت إعلامي وتوجيه وسيطرة على الإعلام مع غياب للحرية والمنهجية، ولكن ما ننقده هو تحول الحرية إلى فوضى والمهنية أحياناً إلى أي كلام.
نحتاج الانضباط؟
الإعلام ليس كله سيئاً، لأن هناك إعلاميين على مستوى عال من الفهم والوعي والتدريب والتواصل مع العالم وما يدور فيه.
ومع ذلك فهناك إعلاميون تحكمهم أيديولوجيات ومصالح خاصة وجهل ويفتقدون إلى الاطلاع.
الانضباط كلمة تحتاج إلى كثير من الوعي، فليس معنى الانضباط تقييد الإعلام. والانضباط يبدأ من فهم ماذا يعني الإعلام وإدراك المصلحة العربية، والوعي الكامل بكيفية خدمة المجتمعات، التي نعمل فيها ولا نخدعها.
الإعلام لا بد أن يستند إلى خبرة وإلى علم وإلى وعي بالتطور، فضلاً عن الالتزام الأخلاقي والوطني والقومي. وهذا هو الانضباط في افضل معانيه.
نظام عربي جديد
لطالما تحدثتم عن بناء نظام عربي إقليمي جديد.. ما ملامح هذا النظام الجديد؟
لا أرى ملامح له بعد. أنا أتحدث عن الترتيبات الإقليمية الجديدة التي قد تفرض علينا كما فرضت علينا ترتيبات إقليمية سابقة طيلة 100 عام (منذ بدايات القرن الـ20)، وأقصد بها سايكس بيكو- ولذلك يجب أن نكون متيقظين ومصممين على ألا تكون هناك أي ترتيبات من دون أن يكون العرب جزءاً رئيساً فيها، ورأي في سيرتها.
في مطلع الألفية الثالثة تحدثت الإدارة الأميركية عن نظام عالمي جديد؟ هل تحقق هذا؟ وهل تعتقد أن الفوضى الخلاقة لا تزال هي محدد السياسة الأميركية في المنطقة؟
النظام العالمي الجديد أساسه العولمة والمعلومات والتكنولوجيا والانفتاح العام، لكنه، للأسف، لا يزال قائماً على النمط السلبي السابق نفسه، وبالذات خداع الدول النامية وربما بينهم العرب عبر عدم أخذهم أو مصالحهم في الاعتبار بطريقة تختلف عن ذي قبل.
من يخدع العرب؟ أي من أقطاب النظام العالمي الجديد؟
إنها سياسات عدد من الدول المعنية الكبيرة، فقضايانا لا تزال على ما هي عليه بل زادت سوءاً وعلى رأسها القضية الفلسطينية والوضع الأمني في المنطقة، والقضايا التي صُنعت لتزيد الاضطراب في العالم العربي عبر الوقيعة بين عناصره، سواء من حيث المذاهب أو الأعراق أو الجغرافيا أو التاريخ، والسياسات النووية، التي تعانى ازدواج المعايير.
هل تعتقد أننا لا نزال نعيش الفوضى الخلاقة التي بدأ نشرها مطلع الألفية؟
أولاً ما كان ليس فوضى خلاقة بل مدمرة، ولو أن من أطلقها حاول عبثاً إلباسها ثوباً إيجابياً والمقصود كان إحداث الفوضى في المجتمعات العربية، وليس التغيير الإيجابي.
المجتمعات العربية تحتاج إلى التغيير ولا تزال، ولكن ليس هذه الفوضى، وهى مسؤوليتنا جميعاً.
ما قام به شبابنا أو شعوبنا كان ثورة سواء في تونس أو مصر، ولكنها استغلت بواسطة أنصار أو عملاء الفوضى المسماة بالخلاقة.
كيف توصف المشهد العالمي راهناً؟ وهل نحن نعيش حرباً باردة؟
هناك دولة كبرى رئيسة هي الولايات المتحدة ودولة كبرى بازغة هي الصين، ودولة مهمة مثل روسيا ومجموعة مهمة هي أوروبا، ودول صاعدة مثل الهند والبرازيل.
إذاً، أنت ترى أن أميركا لا تزال القوة العظمى الوحيدة في العالم، لكنها تعيش حالة من الانكفاء؟
لا شك في ذلك. هي الدولة الرئيسة في العالم حتى الآن.
تحالفات جديدة
أميركا تبحث عن تحالفات ومصالح جديدة بعيداًً عن العرب، فهل هذا التشخيص صحيح؟
هذا ليس جديداً، والظروف التي تفرض نفسها على العالم العربي وعلى منطقة الشرق الأوسط بكاملها سلبية وسيكون من نتيجة مثل هذه التحالفات ومناوراتها وأهدافها المشبوهة الإضرار بالعرب وبأمنهم، لذلك يجب على العرب أن يتخذوا مواقف جماعية واضحة لمنع تخليق فوضى أخرى. يجب على العرب أن يكونوا واعين لهذه الأمور.
إيران باتت تقترب من الولايات المتحدة.. أو الولايات المتحدة باتت تقترب من إيران.. أيهما التعبير الأدق؟
كلاهما صحيح.
القوة المشتركة
تحدثتم عن المواقف الجماعية.. ما رأيك بقرار القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ تشكيل قوة عربية مشتركة؟
الأمر لا يزال في طور النقاش. وأرجو ألا يكون هذا الأمر في صلب نقاشات إعلامية سلبية. اتركوا اللجان التي شكلت لدراسة هذا الأمر تعمل بعيداً عن التشويش والصخب الإعلامي.
لن أدخل في نقاش حيال هذا الموضوع في الوقت الراهن، ولكنه في مجمله إيجابي.
هل ترى أن القرار العربي بتشكيل القوة المشتركة سيترجم في قوة فاعلة أم أنها ستكون محور خلافات عربية- عربية كما كان الحال مع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟
فكرة الدفاع الفردي والجماعي منصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وميثاق جامعة الدول العربية.. إذاً، هي ممكنة، لكن الإطار والشكل وعدد ضخم من التفاصيل هو ما يجري البحث فيه داخل الجامعة العربية.
هل ترى الاتفاق الخاص بالملف النووي الإيراني صفقة؟ وما المعروض وما الثمن؟
هذا الموضوع له أبعاد كثيرة جداً ومتشعبة. له عدد من الأبعاد الإيجابية ولكن مع الأسف بدأ يظهر له بعض من التداعيات السلبية.
يجب أن يكون الجميع على وعي أن هذا الاتفاق يجب ألا يكون منطلقاً لسياسات سلبية في المنطقة، بما في ذلك ما يؤثر في الأمن الإقليمي والأمن العربي، وألا يكون هناك سلاح نووي في المنطقة على وجه الإطلاق.
وهنا من الضروري أن نذكر البرنامج النووي الإسرائيلي.
تطور الحزم
هل ما يجري في اليمن جزء من هذه التبادلية التفاوضية؟
القرار العربي بالتدخل عبر عاصفة الحزم وإعادة الأمل يجب أن ينظر إليه على أنه تطور إيجابي جاء في وقته أملته ضرورات جاءت بها أطماع إقليمية.
هناك أيضاً تغيير في ممثل الأمم المتحدة، وبالتأكيد في أسلوب تعامل المنظمة الدولية مع الأزمة اليمنية. والحديث بدأ وهو الآن نشط حيال حوار وحل سياسي مع الأخذ بالاعتبار الشرعية ومصلحة اليمن ومصلحة أمن دول الجوار والأمن العربي عموماً.. وهذه كلها نقاط إيجابية يجب البناء عليها.
المهم أن نقف بوضوح ضد دعاوى الصراع الطائفي أو المذهبي أو تمزيق الدول العربية.
هل ترى أن الأمن القومي المصري كان مستهدفاً من سعي إيران والمليشيا التي تأتمر بأمرها إلى السيطرة على باب المندب؟
هناك تهديد فعلاً.. على الأقل وهو القدر المتيقن تهديد الملاحة في مضيق قناة السويس، كما أنه يقيني أن اليمن مهدد بالتقسيم أو بالحرب الأهلية، وفى كل الأحوال يتراجع نموها إلى درجة خطرة، ومن هنا فإن برنامج «إعادة الأمل» الذي اقترحته المملكة السعودية في غاية الأهمية لليمن الآن وفى المستقبل.
إيران- تركيا.. أيهما أخطر على العرب؟
الدولتان جزء من الشرق الأوسط وليستا واردتيْن أو دخيلتيْن عليه، فإذا حاولت أي من هاتين الدولتين اتباع سياسة الهيمنة فلن يكون هناك سوى الفوضى والضرر الذي يطال الجميع بمن فيهم هاتين الدولتين. أما إذا اتخذتا سياسات إيجابية تقصد التعاون والاستقرار واحترام الشرعية واحترام الدول العربية ومصالحها فهذا سيفتح آفاقاً كبيرة جديدة لمستقبل زاهر في المنطقة للجميع، العرب وغيرهم.
لماذا؟
سألت «البيان» عمرو موسى عن تطورات المشهد السياسي المصري، وعن رئاسته للجنة الخمسين التي صاغت الدستور المصري، وزعامته لحزب المؤتمر، وعن تحضيرات حزبه لخوض الانتخابات التشريعية، التي تبدو متعثرة، فرد بالقول «هناك بالطبع انتخابات، والرئيس عبد الفتاح السيسي أكد خلال زيارته إلى مدريد، أن الانتخابات ستتم عقب شهر رمضان»، لكنه أفاد بعدم نيته شخصياً المشاركة. سألت «البيان»: لماذا؟ فأجاب: «لأسباب لديّ. واستطرد قائلاً رداً عن تساؤل عما إذا كان المانع حسابات انتخابية «ليست حسابات انتخابية، وليست مشكلات حزبية».