شهدت العاصمة أبوظبي مساء أمس إعلان إطلاق أول هيئة دولية مستقلة تهدف إلى تعزيز السلم في العالم الإسلامي تحت مسمى «مجلس حكماء المسلمين»، يترأسها فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والعلامة الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة. وتكون أبوظبي مقراً للمجلس.
جاء هذا الإعلان عشية اجتماع مهم عقده عدد من كبار علماء الدين في العالم الإسلامي بأبوظبي، وجاء في نص بيان التأسيس الصادر في 21 رمضان 1435هـ الموافق 19 يوليو 2014م، اتفاق المشاركين على أن جسد الأمة الإسلامية لم يعد يتحمل حالة الاقتتال وحدة الاحتراب بين مكونات المجتمعات المسلمة، وعلى حاجة الأمة إلى تدخل عاجل وضروري لحقن دم الإنسان، مؤكدين أن غاياتهم هي نفسها غايات ومقاصد الشارع التي تتمثل في أن يُحفَظ على الناس دينهم وأنفسهم ودماؤهم، وأن ما يعطيه السلم لا يساويه ما تنتجه الحروب.
وأكد العلماء من خلال البيان ضرورة الامتثال إلى نصوص الشرع الداعية إلى إقرار السلم، وتأصيل مفهوم السلم وشن الحرب على الحرب، وتثبيت منظومة السلم فقهاً وقيماً ومفاهيم وقواعد وثقافة، وتلمس الطريق إلى السلم باقتناع ذاتي من أبناء الأمة الإسلامية، ومبادرة جدية ومسؤولة من نخبها وحكمائها وعقلائها للم شتات الأمة وترسيخ قيم التعايش المشترك والسعيد، وإعادة ترتيب البيت الإسلامي.
والتجرد من أي عوامل ذاتية تجعل أعضاء المجلس طرفاً في أي صراع سياسي أو ديني أو عرقي، وتقوية مناعة الأمة، وخاصة شبابها، ضد خطاب العنف والكراهية، وتصحيح وتنقيح المفاهيم الشرعية وتنقيتها مما علق بها من شوائب انحرفت بها عن مقاصدها النبيلة، واستعادة الوضع الاعتباري لمرجعية العلماء وتأثيرها المشرف في تاريخ الأمة الإسلامية، وإحياء الوازع الديني والتربوي في جسد الأمة ومكوناتها، وإيقاف لعبة التدمير.
ويهدف المجلس إلى توحيد الجهود في لم شمل الأمة الإسلامية، وإطفاء الحرائق التي تجتاح جسدها، وتهدد القيم الإنسانية، ومبادئ الإسلام السمحة، وتشيع شرور الطائفية والعنف التي تعصف بالعالم الإسلامي منذ عقود.
دين سلام
وقال فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف إن الإسلام الذي أنشأ هذه الأمَّة، وصنَع تاريخَها، ودخَل مُكوِّنًا أساساً في نسيج حضارتها، هو دين سلامٍ للعالم أجمع، يصنعُ الأمن والسَّلام بين أهله، ويُصدِّرُه للإنسانيَّة جمعاء.
وأضاف: «لم يكن بدٌّ من أن يتحمَّل عُلَمَاءُ الأمَّة وحُكَماؤها مسؤوليَّاتهم كاملةً في هذا المنعطف التاريخي الخطر الذي تمرُّ به أمَّتُنا الآن، وأن يُدركوا أمَّتَهم في هذا المعترك البائس بين أبنائها، وذلك بالتَّدبُّر والتَّفكُّر العميق والتخطيط الدقيق، والصبر والمثابرة، وبذل الجهد لِنَشر السِّلم وتَحقيقه وتكريسه في مجتمعاتنا الإسلامية بل العالمية، وفق منهجٍ وسطيٍ سديدٍ، وفقه رشيد، يُوائم بين فهم النص وفقه الواقع، ومع البُعد عن مَسالك الإثارة والتهييج والحماس الزَّائِف».
تشرذم
من جهته، قال العلامة الأستاذ الدكتور الشيخ عبدالله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة إن حالة الاحتراب والتشرذم والاضطراب في الأمة لا تسمح لها أن تصبح شريكاً في صنع القرار في ظل الصراعات الداخلية التي تمزقها.
وفي ظل الواقع الذي أصبحت فيه لعبة الموت أمراً معتاداً، وصار فيه تنازع البقاء المفني هدفاً لدى الكثير من أبنائها، موضحاً أن الفرص التي يمنحها السلم أكثر من الفرص التي تمنحها الحروب التي لا تنتج إلا الفناء، ومؤكداً أهمية الفصل بين الخطاب الإسلامي ومنهج الإسلام، إذ إن الخطاب الإسلامي ليس هو الإسلام، بل هو فهم للإسلام، والإسلام حاكم على الفهوم وليس العكس، فلا يحاكم الإسلام إلى فهم ولا إلى تاريخ.
وتتمثل رؤية المجلس في إيجاد مجتمعات آمِنة تُوقِّر العلمَ والعلماء، وتُرسِّخ قيمَ الحوار والتسامح واحترام الآخَر، وتَنعمُ بالسلام، كما تقوم رسالته على إحياء دور العُلَماء واستثمار خِبراتهم في ترشيد حرَكة المجتمعات المسلمة، والإسهام في إزالة أسباب الفُرقة والاختلاف، والعمل على تحقيق المصالحة.
هيئة الحكماء
هذا وتتشكل هيئة الحكماء بالمجلس من مجموعة من كبار علماء الأمة وحكمائها، وتضم الهيئة التأسيسية: فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والعلامة الأستاذ الدكتور الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، والدكتور محمد قريش شهاب وزير الشؤون الدينية سابقاً في إندونيسيا، والشيخ الدكتور إبراهيم الحسيني رئيس هيئة الإفتاء بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في نيجيريا.
والدكتور أبو لبابة الطاهر حسين رئيس جامعة الزيتونة سابقاً في تونس، والدكتور أحمد الحداد كبير مفتين مدير دائرة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، والدكتور حسن الشافعي عضو هيئة كبار علماء الأزهر ورئيس مجمع اللغة العربية في مصر، والدكتور عبدالحكيم شارمن جاكسون أستاذ بجامعة كاليفورنيا الجنوبية..
والدكتور عبدالرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين في الجزائر، والدكتور عبدالله نصيف رئيس مؤتمر العالم الإسلامي، والأمير الدكتور غازي بن محمد بن طلال رئيس مجلس أمناء مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي في الأردن.
والدكتورة كلثم المهيري أستاذ في معهد دراسات العالم الإسلامي بجامعة زايد، والقاضي محمد تقي الدين العثماني نائب رئيس دار العلوم في باكستان، والدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف سابقاً في مصر، على أن تُحدد بقية الأعضاء بما لا يزيد على 40 عضواً.
جاء الإعلان عن تأسيس «مجلس حكماء المسلمين» كأول كيان مؤسسي جامع لحكماء الأمة الإسلامية، تنفيذاً لما خرج به المشاركون في منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة من توصيات جاءت في وثيقة البيان الختامي للمنتدى الذي دارت فعالياته خلال شهر مارس الماضي، والتزاماً بمقاصد الشريعة الإسلامية السمحة، وبمبادرة مشتركة من فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والعلامة الأستاذ الدكتور الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة.
نتائج
يشار إلى أن منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي عقد بأبوظبي في الفترة 8 و9 جمادى الأولى عام 1435هـ، الموافق 9 و10 مارس 2014، حضره أكثر من 250 عالماً ومفكراً إسلامياً من مختلف أنحاء العالم، ضمهم أول لقاء من نوعه على المستوى العالمي، وكان من ضمن نتائجه الشروع في تأسيس مجلس إسلامي لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، يضم ثلة من علماء المسلمين المتسمين بالحكمة، ليسهموا في إطفاء حرائق الأمة قولاً وفعلاً.