قال سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم رئيس مجلس إدارة مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، في تمهيد تقرير « تقرير المعرفة العربي للعام 2014: الشباب وتوطين المعرفة - دولة الإمارات»، إن المعرفة تعد دعامة رئيسة من دعائم تقدم الأمم، والنهوض بها، فضلاً عن أنها مصدر من مصادر تقدم وازدهار وتنمية المجتمع والباعث على الحراك الفكري والاجتماعي. ويطلق على العصر الحاضر عصر المعرفة.

وإذا كان لكل عصر ثروته، فإن المعرفة هي ثروة هذا العصر.

وإن مجتمع المعرفة هو مجتمع الثورة الرقمية بامتياز، والتي أسهمت في تغيير العلاقات في المجتمعات المتطورة ورؤيتها للعالم الخارجي، حيث أصبحت المعلومة والمعرفة سمة ومقياساً لمعنى القوة والتفوق في صياغة أنماط الحياة وتشكيل الذوق الفني والقيم، وضاعفت من سرعة التطور والتقدم الصناعي. وأضاف سموه في كلمته: لاشك أن دولة الإمارات، قد قطعت شوطاً كبيراً نحو تطوير مسارات نقل ونشر وتوطين المعرفة، وذلك خلال كم من المبادرات والبرامج والمشاريع التي ساهمت في تجاوز التحديات والمساعدة في بناء مجتمع وبيئة معرفية تضمن استدامة التطور والرخاء.

فجوة كبيرة

ويلعب التراكم المعرفي دوراً رئيساً في ديمومة النمو الاقتصادي. وبإسقاط حالة الحراك المعرفي العالمي على واقعنا العربي نجد الفجوة كبيرة إذا ما نظرنا إلى مستوى التعليم والمناهج، وحجم الاستثمارات في التعليم والبحث العلمي، إلى جانب كم براءات الاختراعات، وحجم المشاركة المجتمعية، إضافة إلى انخراط الشباب في نشر ونقل المعرفة، والتحول من مجتمعات مستهلكة إلى مجتمعات منتجة، وهي الأمور التي تشكل مجتمعة منظومة متكاملة لبناء مجتمعات قائمة على المعرفة.

ومن هذا المنظور نجد أنه من الضروري تمكين الشباب عبر مراجعة برامج التعليم المدرسي والتكوين الجامعي وترقية البحث بالتأطير الجيد للمدارس والجامعات والعناية بالباحثين في المراكز المتخصصة، والانطلاق من رؤية شاملة قوامها جملة من العوامل: كحرية التفكير والتشجيع على الإبداع في العلوم والفنون، وتكافؤ الفرص بين كل المواطنين، وتعزيز وسائل نشر ونقل المعرفة مثل الترجمة إلى اللغة العربية، والتجارب، والبحوث المنهجية، وتبادل الخبرات مع الآخرين، والتعليم المستمر، والقراءة، والاطلاع على السجلات والوثائق، وحضور الندوات وورش العمل والدورات التدريبية، وغير ذلك من القنوات الأخرى.

ويأتي تقرير المعرفة العربي كمؤشر يرصد حال المعرفة في الدول العربية، ليقدم تشخيصاً ووصفاً نوعياً ودقيقاً لمساعدة المسؤولين على تقييم الأداء وتطوير الخطط التنموية لبناء مجتمعات معرفية قادرة على مواجهة التحديات، وذلك للمساهمة في تنمية شاملة ومستدامة.

ويركز التقرير الثالث على أهمية إدماج الشباب في عمليات نقل وتوطين المعرفة من ناحية تعريفها وفوائدها الاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى الأولويات التي يجب التركيز على نقلها. ويحدد عناصر توطين المعرفة في عنصرين أساسيين متكاملين أولهما إنتاج المعرفة وثانيهما توظيف المعرفة في التنمية الإنسانية بأبعادها الثقافية والعلمية والاجتماعية والسياسية والبيئية. وأن التقرير يأتي في محاولة لدراسة فرص وتحديات واستراتيجيات الإدماج الناجع للشباب الإماراتي في نقل وتوطين المعرفة على الصعيد المحلي.

وتأتي النسخة الإماراتية من تقرير المعرفة لتناقش عناصر زيادة تمكين وتفعيل الشباب الإماراتي ومشاركتهم في توظيف المعرفة في التنمية الإنسانية المستدامة. ويقدم التقريران صورة واضحة وشاملة عن واقعنا المعرفي المحلي والإقليمي، ويرصدان مَواطن القوة وسبل استثمارها ويحددان المناطق التي تحتاج إلى تطوير وتحسين، وأن يكونا بمثابة خارطة طريق لصناع القرار توفر لهم تصورات مبدئية حول سبل ووسائل وطرق نشر ونقل وتوطين المعرفة في عالمنا العربي.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي

وقالت سيما بحوث مساعد الأمين العام للأمم المتحدة المدير الإقليمي المكتب الإقليمي للدول العربية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: ضمن الشراكة الاستراتيجية والرؤية المشتركة التي تجمع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم مع المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في دعم إقامة مجتمعات المعرفة لأجل التنمية، وضمن إطار تقرير المعرفة العربي الثالث للعام 2014، يأتي اصدار هذا التقرير الخاص حول الشباب وتوطين المعرفة في دولة الامارات.

ويقدم هذا التقرير نظرة شاملة عن وضع الشباب الاماراتي وقدراته وفاعليته المعرفية والبيئات التمكينية المتاحة له. وشأنه شأن تقارير المعرفة الأخرى، فإن هذا التقرير يتميز بدراسات ومسوحات أُنجزت على عينات ممثلة للشباب الإماراتي في المرحلة النهائية في جميع الجامعات الحكومية في الدولة.

كما يتميز التقرير بتقديم آراء الشباب وذوي العلاقة حول موضوع الشباب وتوطين المعرفة والتي تم استقراؤها من خلال سلسلة من اللقاءات الميدانية وورش العمل التي تمت في سياق الاعداد لهذا التقرير، ليصبح التقرير سواء في جدلياته أو مخرجاته وتوصياته، منبرا فريدا للشباب الاماراتي ولذوي العلاقة طُرحت فيه الآراء وأُقترحت فيه الحلول إضافة إلى تسليط الضوء على العديد من الجوانب التي تستدعي الانتباه سواء كان ذلك في تلافي العثرات والفجوات أو في التعظيم على الإنجازات.

لقد حققت الامارات العديد من الإنجازات التنموية المرموقة وفي زمن قياسي. ومنذ البداية، كان بناء الانسان الإماراتي وتمكينه من الأهداف المعتمدة والتي اقترنت بإرادة سياسية لتحقيق ذلك مدعومة بالإرادة المجتمعية الصادقة والوعي بأهمية اللحاق بركب الدول المتقدمة. ولعل السعي الدؤوب لإقامة مجتمع واقتصاد المعرفة في الإمارات يمثل أحد أهم تجليات هذه التوجهات والسياسات.

وكما يؤكد التقرير، فإن الاستراتيجيات والآليات المقترحة في هذا التقرير ليست قابلة للتطبيق فقط، بل ان الامارات تملك معظم، إن لم نقل كافة، شروط نجاحها.

فالدولة تتمتع ببنية تحتية ومعلوماتية متطورة، واقتصاد قوي، وإدراك واضح لأهمية بناء المجتمع المعرفي ولضرورة الإشراك الفاعل للشباب في هذه العملية التنموية المركزية. وأتقدم بجزيل الشكر والتقدير لكل من شارك في هذا المجهود الكبير من خبراء وباحثين ولا سيما الكتاب والمحررين، وفريق العمل في كل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم. والشكر موصول للشباب الاماراتي ولكل من ساهم في البحوث الميدانية وورش العمل التي شكلت مخرجاتها أهم مواد هذا التقرير.

الشباب وتوطين المعرفة

يأتي هذا التقرير حول «الشباب وتوطين المعرفة في الإمارات العربية المتحدة» ضمن الإطار العام لتقرير المعرفة العربي الثالث لعام 2014 لتسليط الضوء على واحدة من أهم القضايا أمام المجتمع الإماراتي، وهي مسألة إدماج الشباب وتمكينهم من المساهمة الفاعلة في نقل وتوطين المعرفة باعتبارها نقطة انطلاق لإقامة مجتمع المعرفة في الدولة، وبوصفها كذلك مدخلاً مهماً لآفاق أرحب للتنمية الإنسانية المستدامة.

والتحدي الأكبر في إيجاد هذا المجتمع هو بناء الإنسان، أو رأس المال المعرفي، على قواعد جديدة تتماشى مع متطلبات العصر الذي نعيشه، ويتضمن ذلك تمكين الشباب، وهم الكتلة الأساسية في هذا المجتمع، من تطوير معارفهم ومهاراتهم وأطر تفكيرهم وقيمهم لنقل وتوطين وإنتاج المعرفة وتوظيفها بأنجع السبل وبما يعود بالفائدة عليهم وعلى المجتمع الإماراتي ككل. تمثل المعرفة أحد أهم مرتكزات التنمية الإنسانية الشاملة والمستدامة.

من هنا، ينبغي على جميع فئات المجتمع ومكوناته الانخراط في عمليات نقل المعرفة وتوطينها وتوظيفها وإنتاجها، ومواجهة التحديات التي قد تعترض سبل بناء مجتمع المعرفة، سواء في التعليم أو البحث العلمي أو القطاعات الأخرى.

كما أن الإدارة الفاعلة للمعرفة هي آلية تستطيع الدولة من خلالها بناء أجيال جديدة من المواطنين، يمتلكون قدرات التعامل مع ما هو سائد الآن من أنماط التعلم القائم على الإبداع والابتكار والتفكير النقدي والبحث العلمي.

فالأساس في التقدم والثروة في عصر المعرفة الحالي هو العاملون في المعرفة، كما أن الأنشطة الرئيسة المنتجة للثروة ليست في توفر المواد الخام، ولا الأيدي العاملة، بل إنها تكمن في القيمة المضافة التي يقدمها هؤلاء العاملون من خلال التجديد والإبداع وتطبيق المعرفة في ميدان العمل.

ويرصد هذا التقرير حول «الشباب وتوطين المعرفة في الإمارات» الإمكانات والآليات التي تمكن الدولة وشبابها من تحقيق هدف بناء مجتمع المعرفة، والمشاركة في بناء الحضارة لا في الإمارات فحسب، بل وفي النطاقات العالمية الأوسع. كما يسعى التقرير إلى كشف سبل التعامل مع ضرورة إدماج شباب الإمارات من الفئة العمرية 19-29 سنة في سيرورة نقل المعرفة وتوطينها. وبالاستناد إلى البحوث الميدانية، سيستقصي التقرير الأوضاع الراهنة للشباب في الدولة بشكل أدق من حيث امتلاكهم للقدرات المعرفية والثقافية والاقتصادية والمجتمعية التي تمكنهم من المساهمة في بناء مجتمع المعرفة.

توسيع فرص

وسيتعرف كذلك على واقع البيئات التمكينية المتاحة وقدرتها على توسيع فرص الشباب وبناء قدراتهم لتحقيق هذا الهدف. وتكتسب قضية دمج الشباب وتحفيز مشاركتهم الفاعلة في نقل وتوطين المعرفة أهمية خاصة بالنسبة للإمارات. فهي واحدة من الدول الصاعدة باطراد والطامحة بثبات إلى تحقيق أعلى معدلات ممكنة من التنمية، وإلى ولوج عوالم المعرفة الإنسانية في مجالاتها الأرحب.

وتشير «رؤية الإمارات 2021 » بوضوح إلى إرادتها في «أن تصبح من أفضل دول العالم». ولا شك في أن هنالك العديد من العوامل التي تساعد في تحقيق هذا الطموح. فالقدرات المادية الكبيرة والإرادة السياسية والمجتمعية الحازمة، والصغر النسبي لحجم الدولة من حيث المساحة وعدد السكان تجعل هذا الأمر ممكناً، بل وقريب المنال.

وينطلق هذا التقرير من عدة حقائق وقواعد فكرية؛ أولها أن الشباب هم الوسيلة والفئة الرئيسة المعول عليها لإقامة مجتمع المعرفة، أو يجب أن يكونوا كذلك. فهم المحرك الرئيس الذي يدفع في هذا الاتجاه، مما يستدعي إيلاءهم الرعاية الكافية والتمكين اللازم. أما القاعدة الفكرية الثانية فهي أن مجتمع المعرفة لا يبني نفسه بنفسه. فقد توجد المعرفة في بلد ما، إلا أن انتشارها لا يعني بالضرورة وجود مثل هذا المجتمع فيه.

وتبين القاعدة الثالثة أن إقامة مجتمع المعرفة بواسطة الشباب المُسلحين بأدوات المعرفة يجب أن يُنظر إليها بوصفها برنامجاً عملياً له إجراءات يتم تنفيذها في مجالات التعليم والبحث العلمي والثقافة والاتصال والاقتصاد والتكنولوجيا والإعلام وغيرها من المجالات، وفي آن واحد، وفي تناسق وتكامل بينها. وتكمن أهمية هذا التقرير لدولة الإمارات في تصديه لهذا الموضوع في غمرة تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة تمس أهم أركان المجتمع العربي ورأسماله الأساسي المتمثل في الطاقات البشرية الشابة القادرة على البناء.

تأسيس الاتحاد

كما أن المجتمع الإماراتي، بعد أكثر من ثلاثة وأربعين عاما على تأسيس الاتحاد، قد وصل إلى مراحل من النضج المجتمعي والاقتصادي المتجلي في الإنجازات الكبيرة، وربما في المجالات كافة. ولعل بروز الشباب، كمّا ونوعا، ككتلة أساسية في المجتمع يمثل واحدا من أهم ملامح هذه المرحلة، بما ينطوي عليه من فرص وتحديات وآمال، وبخاصة في ما يتعلق بتوسيع فرص الشباب وتفعيل مشاركاتهم في عمليات البناء والتقدم بما يعود بالنفع عليهم وعلى مجتمع الإمارات.

وقد أظهرت تقارير المعرفة العربية السابقة أن الإمارات- ومع التقدم الملموس في العديد من المجالات- ما زالت تعاني من فجوة معرفية في العديد من المجالات العلمية والأدبية والتقنية. ومن المُؤمل أن يقدم هذا التقرير نموذجاً لما حققته دولة الإمارات وبما تسعى إلى تحقيقه من أجل سد هذه الفجوة. وليس من المبالغة القول: إن الشباب هم وقود مجتمع الإمارات في الحاضر والمستقبل، لأنهم هم القادرون على إحداث التقدم نحو بناء مجتمع المعرفة.

وعلى الدولة والمجتمع في الإمارات الاستمرار في دعمهم، لتعزيز الاعتماد عليهم ولتمكينهم من إحداث تنمية ملموسة في مجالات التعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا والإعلام والثقافة وصولا إلى تأسيس مجتمع المعرفة.

ولا بد من رسم سياسات واستراتيجيات تأخذ في اعتبارها أن الشباب هم قوة للانتقال إلى تنمية جديدة مستندة على محرك جديد هو المعرفة. والاندماج الناجح للشباب في نقل وتوطين المعرفة في هذا المجتمع الطموح هو الخطوة الأولى في رحلة البحث عن بناء مجتمع المعرفة في دولة الإمارات.

استكمال المسيرة

يستكمل هذا التقرير خطوات التقريرين السابقين اللذين استهدفا موضوع المعرفة وإقامة مجتمع المعرفة في الوطن العربي بشكل عام وفي الإمارات على وجه التحديد. فقد حدد تقرير المعرفة الأول لعام 2009 ، بعنوان «نحو تواصل معرفي منتج»، المفاهيم الأساسية الضرورية لبناء مجتمع المعرفة في الوطن العربي بما في ذلك الإمارات.

واستعرض التقرير شروط نقل المعرفة وتوطينها ونشر أدواتها والبيئة التمكينية الضرورية، مشددا على ضرورة تهيئة مناخ يرعى المعرفة ويوفر مستلزماتها في النواحي كافة، وبخاصة في التعليم.

وأظهر التقرير الأول التقدم الكمي في التعليم مع الإشارة إلى أن ذلك التقدم لم يُواكبه تقدم نوعي يسمح بخلق تراكم رأسمال معرفي وبيئة تمكينية ملائمة تسمح بتحول المعرفة إلى عنصر فاعل في التنمية الإنسانية ويلبي متطلباتها. فالدول العربية، ومن بينها دولة الإمارات.

مؤشر الابتكار العالمي

جاءت الإمارات في المرتبة الأولى عربياً والمرتبة 36 عالمياً في المؤشر العام للابتكار العالمي. وهو أمر بالغ الأهمية على مستوى ديناميات توطين المعرفة، لأن الابتكار والتجديد يشيران، على مستوى أول، إلى أهمية استثمارات الدولة في التكنولوجيات الحديثة، وعلى مستوى ثان إلى بداية موفقة للانتقال من نموذج اقتصادي يقوم على استثمار الخيرات.

وتحتل الدولة الموقع الأول عربياً في المعدل العام للمؤشر، متقدمة عن العام الماضي من حيث الترتيب والمعدل، كما أن مدخلات الابتكار في الدولة قد أهلتها إلى أن تكون في المرتبة 25 عالميا.

22.2 %

يشكل الشباب في الإمارات من سن 19-29 ما نسبته 22.2 % إجمالي السكان. وفي حين تصيب التركيبة السكانية الدول العربية الأخرى بحالة من القلق، نظرا لوجود نسب عالية للشباب، وضرورة الحد من البطالة في صفوفهم وتؤهلهم من الانخراط في الحياة الاجتماعية، تبدو الإمارات بعيدة عن هذه الهموم. فقد استطاعت الدولة حتى الآن أن تكون من أقل الدول العربية في مستوى بطالة الشباب، ناهيك من صناديق الدعم الكثيرة التي تساعد الشباب، مثل صندوق الزواج، ونظم التكافل الأسري والاجتماعي. وقد ساعدت تركيبة المجتمع القبلية وعاداته وتقاليده على دعم الشباب وإدماجهم في الحياة بطرق سلسة وآمنة.

توطين المعرفة والاندماج يحتاجان إلى الابتكار

تماشياً مع النموذج المفاهيمي المعتمد في تقرير المعرفة العربي للعام 2014، يستند المفهوم العام لعملية تمكين الشباب من المشاركة الفاعلة في عمليات نقل وتوطين المعرفة إلى عنصرين أساسيين: أولهما، مفاهيم ومقاربات نقل وتوطين المعرفة، وثانيهما، تمكين وتأهيل الشباب من المشاركة الفاعلة في عمليات هذا النقل والتوطين.

أما مفهوم «توطين المعرفة» فيشتمل على ثلاثة عناصر أساسية متكاملة: أولها إنتاج المعرفة وثانيها توظيف المعرفة خدمة لمآرب التنمية الإنسانية بأبعادها الثقافية والعلمية والاجتماعية والسياسية والبيئية، وثالثها نشر المعرفة.

ولا تفهم كلمة التوطين بمعنى النقل فقط، لأنّ ما يجعل النقل توطيناً هو عملية إنتاج وإعادة إنتاج التمثلات التي ترافقها وتصاحبها، وما يستدعيه ذلك من تأمين الشروط اللازمة لعمليات النقل ثم التوطين والإنتاج.

والإشارة المقصودة هنا هي عمليات توفير البيئات التمكينية، المستوعبة للمؤسسات وأنماط التشريع الملائمة لها؛ فبدون بيئات تمكينية، يصعب إيجاد منافذ قادرة على بلوغ عتبة توطين المعرفة. كما يقتضي توطين المعرفة استنبات الوسائل التي تمكن أولاً من توفير أسباب التوطين المتمثلة في توفير المقومات الضرورية لبناء قواعد مجتمع المعرفة.

وأبرز هذه المقومات تقنيات الاتصال والمعلومات والإنترنت. فقد أصبحت فضاءات هذه الدوائر مقدمة ضرورية لتملك مفاتيح عالم جديد وثقافة جديدة بلا حدود، أي فضاءات مجتمع المعرفة والتنمية.

كما أن نقل المعرفة هو، من غير شك، خطوة ضرورية ولازمة لتملك أوليات مجتمع المعرفة وأدواته، بخاصة تكنولوجيا الإعلام والتواصل الحديثة والمهارات الحياتية والفنية الضرورية. أما توطين المعرفة وهو الهدف الأساسي للتقرير - فهو انتقال من استهلاك المعرفة وإعادة تدويرها بالشكل الذي نقلت به من مجالاتها الأصلية إلى تملكها والاشتغال بها وعن طريقها داخل مجتمعات نوعية محددة وفي إطار منظومة اجتماعية وثقافية تسعى إلى تحقيق التقدم وتوفير شروط تنمية أصيلة قادرة على المساهمة الفاعلة في بناء الحضارة الإنسانية. وهو توطين يعتمد شباب الإمارات رافعة أساسية وهدفاً وغاية له.

الدولة في مؤشرات التنافسية العالمية

ذكر تقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي 2014، ان الإمارات جاءت في المرتبة 19 لتدخل قائمة أفضل عشرين اقتصادا للمرة الأولى ثم السعودية بالمرتبة 20 من أصل 148 دولة شملتها التقارير.

وأظهرت الإمارات تقدماً مستمراً في تقارير التنافسية العالمية منذ العام 2011، حيث تقدمت عالمياً من المرتبة 27 في 2011 إلى المرتبة 24 في 2012. ومن ثم إلى مرتبتها الحالية التاسعة عشرة عالميا والثانية عربياً2014-2013، كما تبرز في المرتبة الرابعة على صعيد العالم في مؤشر«المتطلبات الأساسية» من مؤشر التنافسية العالمي.

وحازت أيضا على المرتبة الأولى من أصل 148 دولة في ستة مؤشرات فرعية نذكر منها: غياب الجريمة المنظمة، نوعية الطرقات، النسبة المئوية لتغيير التضخم السنوي. وحصدت الإمارات مراتب ضمن المراتب الخمس الأولى على صعيد 19 مؤشرا فرعيا، كالمشتريات الحكومية ذات تكنولوجيا المتطورة، وسهولة تأمين القروض، وأثر الضريبة على حوافز الاستثمار.

وتأتي الإمارات في المركز الخامس على سلم التنافسية متجاوزة باقي دول المقارنة. وجاءت الإمارات في المركز الأول على دول المقارنة والدول العربية تبعا لمؤشر البنية التحتية الأساسية. واحتلت الإمارات المركز الثاني بعد إيرلندا في مؤشر ديناميكية الأسواق.

وسجلت مركزاً متقدماً في مجال انخفاض تدخل الحكومة في الاقتصاد، حيث احتلت المركز الثالث مع دول المقارنة. وجاءت الإمارات في المركز الرابع مع دول المقارنة والأول عربياً في مؤشر بيئة الأعمال.

كما جاءت في المركز الرابع مع دول المقارنة والثانية عربياً بعد البحرين في مؤشر البنية التحتية التقانية. أما فيما يتعلق بمؤشر التنافسية الكامنة، فقد احتلت الإمارات المركز التاسع ولم يتقدمها عربياً سوى البحرين. وجاءت الإمارات في المركز 10 على مؤشر جاذبية الاستثمار. وفي مؤشر الحوكمة وفعالية المؤسسات، احتلت الإمارات المرتبة 12. كما احتلت المركز 13 في مؤشر التكلفة الإنتاجية. واحتلت المركز 14 في مؤشر تكلفة القيام بالأعمال.

التنمية والتحول نحو اقتصاد المعرفة

أدى تزايد اعتماد خطط التنمية على المعرفة الى التحول نحو اقتصاد مبني على المكون المادي تكون فيه المعارف والمهارات هي قطب الرحى في العملية الإنتاجية. ولا أدل على ذلك من النقلة التي عرفها الفكر الاقتصادي نفسه، التي ارتقت، في تحديدها لمستويات التنمية للدول، من الاعتماد على مؤشرات تقليدية إلى مؤشرات أكثر دقة تأخذ في الحسبان معايير أخرى كالتعليم والصحة والدخل الفردي، على غرار مؤشر التنمية الإنسانية المعمول به في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

الدولة تتقدم في مراتبها العربية والإقليمية

تقدمت دولة الإمارات إلى المرتبة الأولى خليجياً وعربياً على مقياسي المعرفة واقتصاد المعرفة بقيمة 7.09 و 6.94 على التوالي، والمرتبة 42 على مستوى العالم بين 145 دولة، متقدمة بذلك ستة مراكز عن موقعها في عام 2000 ومن المهم تسليط الضوء على التقدم الملحوظ في مقياس التعليم والموارد البشرية في الإمارات من 4.4 في عام 2000 إلى 5.8 في عام 2012.

واحتلت الإمارات المركز الثاني عربيا بعد البحرين والمركز 55 عالمياً في هذا المؤشر الذي يتألف من متوسط لثلاثة عوامل هي: معدل القرائية لدى الكبار في الدولة ومعدل الالتحاق بالتعليم الثانوي ومعدل الالتحاق بالتعليم الجامعي.

إلا أن ما يثير الانتباه ان مؤشر التعليم والموارد البشرية لا يزال الأقل ضمن المؤشرات المكونة للمؤشر العام لمجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة في الدولة، مما يستدعي زيادة الجهد في دعم هذا المجال الحيوي في خلق مجتمع المعرفة وفي زيادة معدل التنمية الإنسانية بصفة عامة. وسيسلط القسم التالي، الذي يناقش معدلات التنمية الإنسانية في دولة الإمارات الضوء على هذا الموضوع.

وفي ما يتعلق بمؤشر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تقدمت الإمارات 20 مركزاً لتحتل المركز الثاني عشر عالمياً والثاني عربياً بمعدل 8.88، وتأتي بعدها السعودية وقطر. واحتلت الإمارات المركز الأول عربيا على مؤشر الإبداع والابتكار، والمركز

46 عالميا، متقدمة 35 مركزا عما كانت عليه في العام 2000.

مؤشر الحوافز الاقتصادية

تأتي الإمارات في المركز الرابع عربياً والخمسين عالمياً، محرزة معدلا يبلغ 6.5.

ويشير مؤشر التنمية البشرية إلى التقدم الذي حققته دولة الإمارات في مجالات الصحة والتعليم والدخل خلال الثلاثة والأربعين عاماً الماضية. وتجلى ذلك في تبوؤ الإمارات مكانة بين دول العالم التي تتمتع بتنمية بشرية عالية جداً في مؤشرات التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث احتلت الإمارات، كما يبين الجدول، المركز الثالث عربياً والأربعين عالمياً في تقرير عام 2014.

مشروعات التنمية ورفاهية العيش

حققت دولة الإمارات الكثير من الإنجازات على مستوى التنمية الإنسانية بتركيزها على تأسيس وتنفيذ مشروعات تنموية طموحة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية مما ساعدها على المحافظة على مستوى معيشي عالٍ للمواطنين. كما حققت إنجازات ملموسةً في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومجال الحوافز الاقتصادية والنظم المؤسسية، مما جعلها تتبوأ مكانة متقدمة على مؤشر اقتصاد المعرفة.

إلا أن الأمر لا يزال يتطلب مزيداً من الجهد حتى يصل المجتمع في النهاية إلى استثمار تلك النتائج للولوج بقوة إلى مجتمع المعرفة وخلق اقتصاد المعرفة، والتغلب على مواطن الخلل والتحديات التي قد تعيق أو تبطئ التقدم أو نحو مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة، وما يستتبع ذلك من تحقيق مستويات عالية من التنمية الإنسانية في كافة المجالات. وقد ظهر من خلال عرض واقع الإمارات اتفاق المؤشرات الأربعة السابقة على تحدي رأس المال البشري وما قد يرتبط به من تحد اقتصادي نظراً لطبيعة العمل والاقتصاد في دولة الإمارات.

كما يظهر جلياً تحدٍ خاص بنظام التعليم قبل الجامعي والجامعي اللذين لم يتطورا بالدرجة والكيفية التي تطورت بها مؤسسات ومجالات العمل الأخرى في الدولة من حيث الإسهام في نقل المعرفة وتوطينها.

ويرتبط بهذا التحدي التعليمي تحدّ ثقافي آخر هو تحدي تحفيز الشباب وحثهم على الاجتهاد والعمل ليس فقط في سنوات تعليمهم المدرسي والجامعي، ولكن أيضاً فيما يتعلق بمجال وظائفهم وأعمالهم. والتحدي الذي ينطوي عليه التعليم.

تأهيل النشء شرط أساسي للتنمية

إن ولوج مجتمع المعرفة يقتضي توفير جملة من الشروط الضرورية، في مقدمتها تأهيل النشء وتكوينهم عن طريق تزويدهم بمهارات معرفية وحياتية جديدة تحولهم من مجرد مستهلكين للمعارف إلى فاعلين قادرين على إنتاج المعرفة وتداولها واستثمارها.

وذلك ما أكدته دراسة حالة الإمارات في تقرير المعرفة2010 -2011، الذي استهدف الوقوف / الثاني على درجة استعداد النشء دون الثامنة عشرة للولوج إلى مجتمع المعرفة. فقد رصد التقرير واقع تأهيلهم، وأوضح أن المهارات المطلوبة كانت بشكل عام أقل من المستوى المطلوب لتأهيلهم للولوج إلى مجتمع المعرفة، بينما ظهرت القيم بدرجة جيدة. وتميّزت حالة الإمارات في هذا التقرير بوجود الرغبة والإرادة في العمل من أجل إرساء دعائم مجتمع المعرفة، وتوافر متطلبات التحرك أيضاً بدرجة كبيرة، وبخاصة الإمكانات المادية والبنى التحتية.

إلا أن استراتيجيات التحرك وتجسيدها في برامج ومخططات لم تكن بالدرجة نفسها من الوضوح، كما أنها لم تنعكس بالشكل المطلوب على الإنجازات وعلى تحسين المستوى المعرفي والتعليمي للنشء.