قصة ملهمة لفتاة إماراتية مثابرة تسرد تفاصيلها «البيان»، تشحنك بالطاقة الإيجابية وتزيد من حماستك لحياة مملوءة بالتفاؤل والأمل، سلاحها الإيمان والثقة لاجتياز الصعاب وتحقيق النجاح والتميز.

شريفة عبد الله كرم اسم له قصة كفاح طويلة مع مرض الثلاسيميا، ذلك المرض الوراثي، الذي يصيب خلايا الدم ويسبب انخفاضاً كبيراً في كريات الدم الحمراء عن المعدل الطبيعي، له مضاعفات خطرة تصيب أعضاء الجسم وتهدد بتوقف القلب في أي وقت، مرض وصف بالقاتل.

ولكنه خلق في قلب شريفة دافعاً وحباً للحياة جعلها تواصل مسيرة حياتها بإصرار لتحقيق حلمها في التعليم رغم الصعوبات التي واجهتها، ومرض والدتها بالقلب وحرمانها من الدراسة 4 سنوات بعد أن أخرجها والدها من المدرسة لرعاية أشقائها الصغار؛ فأصغرهم لا يتعدى عمره الـ40 يوماً وطفل آخر يبلغ 4 سنوات، وذلك بحكم أنها الابنة الكبرى بين إخوتها.

شريفة التي كانت حينها هي الأخرى طفلة لا تتعدى الـ10 سنوات، أوكلت إليها مسؤولية إدارة شؤون المنزل، لتتحمل العبء بصدر رحب. تنظف وتغسل وتعد الطعام وتهتم بإخوتها واحتياجاتهم.

ورغم هذه المسؤوليات الكبيرة التي ألقيت على كاهلها، لم تتوانَ للحظة في التفكير بالعودة إلى مقاعد المدرسة، فالعائق هنا كان والدها وإصراره على الرفض كان بحجة أنها مريضة ثلاسيميا وليس باستطاعتها الدراسة والنجاح.

عبارات رغم قسوتها لم تحبط مساعيها للوصول إلى هدفها؛ ألا وهو التحصيل العلمي، وشغف الدراسة دفعها إلى إدخال أوراقها إلى إحدى المدارس في مدينة كلباء التابعة لإمارة الشارقة، وبمساعدة معلمات المدرسة نجحت في إقناع والدها الذي عارضها طوال سنين.

التفوق

فرحتها باجتياز هذه العقبة، جعلها تضع نصب عينيها هدف التفوق قبل النجاح، رفضت التسليم بأن مرضها قادر على النيل منها، في ظل مجتمع يحكم بالموت على مريض الثلاسيميا، لم تستسلم لظروفها الصحية وزرعت بداخلها إيماناً قوياً بأن لكل مجتهد نصيب.

وان الطاقة الإيجابية في الإنسان كفيلة بهزيمة أي عراقيل وصعوبات حتى وإن كانت صحية، وبالفعل استطاعت شريفة القيام بمهام المنزل على أكمل وجه واستذكار دروسها بنشاط وحيوية، لتنال التفوق وبجدارة وتحصل على المركز الأول على مستوى المنطقة الشرقية.

التطلع لمستقبل مشرق دفع شريفة إلى الصفوف الجامعية ودراسة إدارة الأعمال في جامعة الشارقة حيث أنهتها بامتياز، لتباشر رحلة البحث عن عمل تثبت من خلاله قدراتها ومهاراتها العملية، شهادات تفوقها فتحت لها الباب للعمل في إحدى الجهات الحكومية في إدارة الهندسة لتثبت لهم جدارتها في العمل أيضاً.

ثقة

ثقة شريفة بنفسها وتحدثها بطلاقة وثقافتها العالية جعلتها تحقق نجاحاً تلو الآخر، شعارها لا يأس مع الحياة.

رسمت لنفسها صورة بأنها لا تختلف عن غيرها كونها مريضة ثلاسيميا، ولا يمنعها مرضها من أداء واجباتها ومهام عملها، فهي تحتاج إلى نقل دم دوري للدم، مرة واحدة في الشهر، وقانون الإجازات المرضية يسمح لها بـ15 يوماً في السنة، وعليه نظمت شريفة حياتها لتتناسب مع احتياجات مرضها، ليسيرا في خط واحد إلى الأمام دوماًَ.

ترفض شريفة العزلة، التي يعيش فيها بعض مرضى الثلاسيميا وتدعوهم إلى التسلح بالإيمان؛ مستدله بمقولة: «فإذا أحب الله عبداً ابتلاه»، فالنجاح والتفوق في الحياة يمنحان إحساساً بالفوز والانتصار وهو شعور جميل يدفع صاحبه لمواصلة مسيرة العطاء.

 

تحد جديد

بعد سلسلة النجاحات العلمية والعملية، وجدت شريفة تحدياً جديداً أصرت على مواجهته، ألا وهو التشوه التي تعاني منه في الفك الذي يسبب لها الإحراج، لتصر على إجراء عملية تجميلية وترميمية لتصليح العيب الموجود في فكها، ورغم تحذيرات الأطباء من خطر هذه العملية التي يمكن أن تقضي على حياتها.

إلا أنها رفضت التجاوب معهم، تاركة مصيرها بيد الله لتواصل مشوار بحثها عن جراح تجميلي يوافق على إجراء العملية، سنوات من البحث تخللها مقابلة 9 أطباء رفضوا جميعاً إجراء العملية مجرد سماعهم أنها مريضة ثلاسيميا، مؤكدين لها خطورة قرارها، بل تعرضت للاستهزاء من أحدهم دون أن تعيره اهتماماً، واصفة قرارها بالصائب فهي تعاني عيباً خلقياً يلزمه العلاج والتصحيح، ورغم التحذيرات من خطر العملية فإن شريفة لم تترك مخاوف إجرائها تعيق سيرها نحو الحلم بفك خال من التشوهات.

بارقة أمل

قلبها المعلق بالعملية ورغبتها الشغوفة يسرت لها الأمر أخيراً لتجد طبيباً مختصاً في جراحة الفك ولديه الاستعداد التام لإجراء عمليتها، بارقة أمل أضاءت قلب شريفة لحظة سماعها كلمات الطبيب وموافقته، بل أدركتها قبل نطقه بها عندما كانت ملامحه توحي بها، وتعبر عن عدم ممانعته إجراء العملية، وعلى الفور زفت الخبر السعيد لشقيقتها.

أيام تفصلها عن العملية التي طال انتظارها، رتبت شريفة أمورها في العمل بأخذ إجازة سنوية وأجرت الفحوص اللازمة، حيث بلغ مستوى الهيموغلوبين 12.7 وهي المرة الأولى التي يصل إلى هذا المستوى العالي وفق تقريرها الطبي، وأرجعت شريفة ذلك إلى حماستها والطاقة الإيجابية التي في داخلها، التي قلبت الموازين وجعلت المستحيل ممكناً.

أجريت العملية بنجاح ولم تتعرض شريفة، ولله الحمد، لأي مضاعفات خطرة، وأكدت الفحوص أن الخلايا قوية ولم تنزف خلال أو بعد العملية.

وكان من المتوقع أن تأخذ عظام الفك وقتاً طويلاً للالتحام، قد تمتد لأكثر من 8 أشهر وفق الرأي الطبي، إلا أن شريفة عادت لحالتها الطبيعية بعد شهرين والتأمت عظام فكها بالكامل خلال 5 أشهر، وهو تحد آخر نجحت في اجتيازه رغم صعوبته وخطورته، لتكون نهايته سعيدة فاقت كل تصور.

أكملت شريفة عامها الـ34 تطلع دوماً لغد مشرق وحياة سعيدة هدفها خدمة وطنها، وتتمنى أن تكون نموذجاً مميزاً للفتاة الإماراتية المكافحة.