تصدى الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، للحديث في محور «التحولات السياسية في العالم العربي»، حيث لامس كلامه جملة مسائل راهنة تشغل بال النخبة المهتمة بالسياسة، ومنهم الإعلاميون والشارع العربي بشكل عام، وأكد أن انضمام مصر إلى عاصفة الحزم هو قرار استراتيجي يعكس إرادة مصر في البقاء جزءا من العالم العربي، خلافاً لما يريده بعض الأطراف الخارجية الساعية إلى إبعاد مصر عن محيطها الحيوي.

وواجه موسى في مستهل الجلسة، سؤالاً حول ما الذي يجب أن يهتم به العربي الآن فعلاً، هل هو التغير الجاري في العالم العربي، أم أن هناك قضايا أخرى تسبقه في الأولوية؟، قائلاً إن التغيير بحد ذاته أولوية، يفرض نفسه على الجميع ولا مجال لتجاهله، غير أن ذلك يجب ألا يصرف النظر عن قضايا أخرى ليس لديها قدرة شد الانتباه ذاتها التي يمتلكها التغير الجاري في العالم العربي في أجواء عاصفة، لا تترك لأحد فرصة الغفلة عنها.

ولفت موسى إلى أن العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط عموماً مرت بتطورات كبيرة، وأن العالم العربي لم يكن بعيدا عن المشاركة فيها، لافتاً إلى أن الواقع السيئ لم يأت من الخارج فقط، بل إن الأدوار الداخلية في العديد من البلدان كانت حاضرة دوماً.

أخطاء عربية

وقال إنه وبالقدر نفسه الذي كانت فيه هناك برامج ومشاريع على غرار الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة وغيرها، كانت هناك كذلك أخطاء عربية كبيرة لم يكن أثرها أقل مسؤولية عن الواقع الذي يعيشه العالم العربي اليوم.

ووضع موسى في مقدمة هذه الأخطاء ما أسماه بسوء إدارة الحكم في عديد من الدول العربية، الأمر الذي مس على نحو كارثي طريقة إدارة الدولة، ما يؤكد أن التغيير كان قادماً لا محالة، وقد تضافرت أسبابه الداخلية ومحفزاته الخارجية، التي تكاملت في إيصال المواطن العربي إلى القناعة بالتغيير وإيقاد الرغبة في العيش في القرن الحادي والعشرين، لا البقاء رهينة زمن سابق.

مشاريع وبرامج

وقال الأمين العام السابق للجامعة العربية إن السؤال اليوم هو إما إلى أين نتجه؟ أو إلى أين يتم التوجه بنا؟ في إشارة إلى أن على العالم العربي أن يختار إلى أين يتجه وأن يستجمع الإرادة الكفيلة بضمان سيره في الوجهة التي يختارها، أو أن القوى الخارجية ستسيره في الوجهة التي تريد، وهي على الأغلب وجهة لا تراعي طموحات المواطن العربي ولا مصالح دوله.

وقال موسى إن العواصم الكبرى في العالم والكثير من المؤسسات والأجهزة السرية الخارجية تدرس اليوم ما هو مستقبل العالم العربي وما يجب أن يكون عليه، بجدية تامة، غير أنه من باب أولى اليوم أن يكون مستقبل العالم العربي وما يجب أن يكون عليه موضوع دراسة وبحث من قبل العرب أنفسهم، مشيراً إلى أن نظريات مثل صراع الحضارات ونهاية التاريخ والفوضى الخلاقة وصورة المسلمين وعلاقاتهم بغيرهم وواقع العالم العربي هي كلها اليوم تحت المجهر في العواصم الكبرى، ويتوجب أن يضعها العرب أيضاً تحت مجهرهم كذلك.

الوضع الإقليمي

وفي الوضع الإقليمي قال موسى إن هناك حدثين هامين لا يمكن تجاوزهما لدى قراءة التغييرات في العالم العربي ومستقبله، وهما من جهة الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه بشأن الملف النووي الإيراني، والثاني عاصفة الحزم، وهما برأيه حدثان مفصليان.

وفي الحدث الأول قال موسى إن أي خطوة تخفف من ضغط السلاح النووي في المنطقة هي خطوة إيجابية. ومن هذه الزاوية يمكن النظر إلى الاتفاق الإطاري حول الملف النووي الإيراني، لافتاً إلى أنه يقلل من قيمة هذه الخطوة بل وإلغاء قيمتها أن هذا الاتفاق ينظر في الملف النووي الإيراني ويتجاهل وجود السلاح النووي الإسرائيلي.

وشدد موسى على أن هذا الاتفاق يساوي صفراً إن لم يتوجه العالم بأكمله نحو معالجة مشكلة السلاح النووي الإسرائيلي، الذي يرى أنه ينطوي على قدر من الخطورة أكثر حراجة لاعتبارات أهمها أن إسرائيل تملك هذا السلاح فعلاً وليس الأمر مجرد تكهنات.

ومن بواعث القلق التي عبر عنها أمين عام الجامعة العربية السابق عمرو موسى أن الاتفاق النووي الإيراني يجري في ظروف وحيثيات مقلقة تنبئ بأن هناك بالتوازي معه حديث عن «ترتيبات» في العالم العربي، ويأتي هذا كله متزامناً مع تصريحات إيرانية مزعجة حول السيطرة على السياسة في أربع عواصم عربية منها عاصمتان رئيستان هما بغداد ودمشق، بل «إن هناك من تباهى أنه يسيطر على السياسة في صنعاء، وهذا يبرر عاصفة الحزم».

عاصفة الحزم

وفي الحدث الثاني الهام الذي تمثله عاصفة الحزم رأى عمرو موسى أن حجم الإشارات الإيرانية المقلقة وصل إلى حد مهين، فرض على العالم العربي أن يرد وأن يتخذ الإجراء المناسب، خارج ما اعتادته السياسة العربية التي كانت تكتفي بالبيانات والتصريحات وعقد الاجتماعات، والتصدي للموقف بقوة السلاح، لإيصال الرسالة المناسبة التي يمكن أن يفهمها الطرف الآخر جيداً. وحول توسيع نطاق مهمات عاصفة الحزم باتجاه سوريا، قال موسى إن الأولوية الآن لعملية إعادة الأمل في اليمن، وهو الهدف الرئيسي الذي تسعى إليه عاصفة الحزم، لافتاً إلى بدء سريان مبادرة الهدنة في اليمن، التي قد يعقبها حوار إذا ما التزم بها الطرف الآخر.

وقال موسى إنه قبل أن تذهب عاصفة الحزم إلى بلدان أخرى يجب أن تتم عملية إعادة الأمل، مشيراً إلى أن الفكرة بحد ذاتها منطقية فـ«ما دام بدأنا، فلا يمنع من الاستمرار، ولكن هذا لا يعني أن العاصفة ستكون بنفس الحجم أو أن تتم بنفس الطريقة والأسلوب».

مرحلة جديدة

في الشأن المصري قال أمين عام الجامعة العربية عمر موسى، إن مصر الآن تتهيأ لمرحلة جديدة من اليقظة، وإن نهاية العام الحالي ستشهد الانتهاء من تنفيذ بنود خارطة الطريق، مشدداً على أن المرحلة التي تعيشها مصر تتطلب شراكة واسعة بين مصر والسعودية لمواجهة كل محطات الهيمنة. وقال موسى إن يقظة مصر هي ما يمكن أن يحدث التوازن ما بين سياسة تركيا الناعمة وسياسة إيران الخشنة وإيقاف تمددهما، لافتاً إلى أن هناك أطرافاً خارجية تسعى لإبعاد مصر عن العالم العربي؛ وبالتالي فإن قرار مصر بالانضمام إلى عملية عاصفة الحزم هو قرار استراتيجي يؤكد على أن إرادة مصر هي في البقاء جزءاً من العالم العربي.