عبدالله راشد المر الكعبي، باحث في التراث الإماراتي، جامع للشواهد عن الشيخ زايد، رحمه الله، وجامع مقتنيات ثقافية وتراثية قديمة، ومشارك في الفعاليات الوطنية والتراثية، بحفاوة كبيرة.

منزله يعبق برائحة التاريخ، وزيارته مفيدة وممتعة، وفي لقاء معه في منزله الكائن في منطقة «نعمه» في مدينة العين الخضراء أبى إلا تقديم واجب الضيافة قبل البدء بأي حديث حول إقامته لمتحف الأسرة في بيته قبل 12 عاماً.

زيارة وحوار

انطلق الكعبي بحديثه الممتع والثري حول اهتمامه الكبير بالقراءة، وتحديداً قبل 25 عاماً، خاصة الكتب التراثية. وعلى حد قوله: «يشكل التراث أحد أهم المظاهر الحضارية في دولة الإمارات العربية المتحدة وبوابتها التي عبرت منها نحو الألفية الجديدة، وسيظل بدعم القيادة الرشيدة حاضراً بقوة، وصامداً وسط أجواء الحداثة التي تشهدها دولتنا في المجالات كافة».

تفاصيل متحف الأسرة:

يحتضن المتحف الذي أنشأه الكعبي في بيته مقتنيات أثرية وثمينة، ويعد مبادرة فردية تؤكد أهمية صون التراث القديم والحفاظ عليه من الاندثار ونقل هذه الموروثات الوطنية من جيل إلى آخر، باعتبارها أحد أهم روافد الهوية الإماراتية.

ويبدأ حديثه قائلاً: «أود الحديث قبل كل شيء عن اهتمامي الكبير بجمع كل ما يحتوي على صور المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، بمعنى أن مقتنياتي مسجلة كل لحظة من لحظات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة، وذلك من دفاتر وكراسات قديمة، وإصدارات الصحف والمجلات، ولدي مواد إعلامية ورقية، تتحدث عن الشيخ زايد في حياته وبعد وفاته، و39 ديواناً شعرياً تصدح بحب الشيخ زايد بن سلطان، كما أمتلك عملات ذهبية وفضية نادرة وهي منقوشة بصور الشيخ زايد. وقرابة 5000 كتاب في شتى المجالات الثقافية.

لوحات فنية

وحريص أنا كل الحرص في كل زيارة لي للسوق سواء في داخل أو خارج الدولة على شراء اللوحات التي تحمل صوراً للمغفور له الشيخ زايد طيب الله ثراه، ولولا هذا الراحل العظيم لما وصل الوطن إلى ما هو عليه الآن، ولولا كرم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان واهتمامه وإخلاصه لشعبه ووطنه، وما أفعله من جمع كل شيء يحتضن صورة الراحل الغالي إنما هو حب ووفاء وإخلاص له، لذلك فإن الجانب الرئيسي في متحف البيت هو الذي يحتوي على جميع المقتنيات التي تحمل اسم وصور الشيخ زايد».

وأضاف الكعبي: «إن الجيل الجديد من أبناء الدولة يهتمون جداً بمعرفة كل شيء عن الشيخ زايد، رحمه الله، فتجدهم يقبلون على معرضي للبحث عن كتب تخص سيرته أو صور له، أما الأجانب فيعلمون جيداً مكانة الشيخ زايد عند كل مواطن في هذه الأرض، إضافة لسمعته العالمية فتجربته، رحمه الله، فريدة في صنع دولة تضاهي أكثر دول العالم تطوراً بنجاحاتها في شتى المجالات».

مشيراً بشجن إلى رغبته الجامحة في اقتناء بعض الأشياء الخاصة بالشيخ زايد، لكنه لم يستطع تحقيقها إلى الآن، كون تلك الأشياء بعضها محفوظة في بعض الجهات. إلا أنه أبدى سعادته في الوقت نفسه قائلاً: «لي كل الفخر بأني خريج كلية زايد العسكرية في عام 1988، والذي خريج الدفعة آنذاك هو الشيخ زايد ».

مقتنيات ثمينة

ومن جانب آخر، أوضح الكعبي أن متحف الأسرة يحتوي على مقتنيات أخرى لا تقدر بثمن، منها العملات القديمة، والفخاريات العجيبة التي عجز حسب قوله تراثيون زاروا منزله واطلعوا على ما به من مقتنيات عن تحديد أعمارها لكونه قد جمعها منذ القدم وتمسك بها، إلى جانب أدوات زينة المرأة قديماً، ووسائل الاتصال التي كانت تستخدم في فترة التسعينات، وأجهزة المذياع والتلفزيون، والبشتختة، والطوابع القديمة والساعات والعطور والفوانيس والأدوات الحربية من خناجر وسيوف قديمة. إلى جانب أدوات الضيافة القديمة والأواني الفخارية والمندوس أيضاً من دِلال وفناجين.

والكعبي لا يفوت على نفسه فرصة القيام بالرحلات الصحراوية والجبلية، حيث يتجول في أماكن خطرة بهدف البحث عن الأشياء والقطع الأثرية النادرة، والتي يجدها بين حين وآخر، ويضمها مباشرة لمتحفه، كالصخور التي يقدر عمرها بآلاف السنين، والأخشاب التي تحولت لأحجار مع الزمن. وهو يرفض وبشدة بيع المقتنيات والتحف الأثرية التي يملكها، والسبب كما أوضح أن تلك الموروثات لا تزال فاعلة في المجتمع لأن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة وباني نهضتها الحديثة، طيب الله ثراه، زرع فينا حب التراث وحب العادات والتقاليد، وأصبح للماضي رائحة طيبة عبقة يستنشقها الكبار فيشعروا بالحنين إليه، كما يستنشقها الصغار فيشعروا بالنشوة والاعتزاز والفخر، ولا أروع من الفخر عند العرب بأصولهم وأنسابهم وعاداتهم. ولا ينكر أحد أن وراء نجاح الإمارات تراثاً وطنياً مهماً، فلا حاضر بلا ماض.

ديكور تراثي

ولفت الكعبي إلى أن هناك من يحتفظ بمعظم المقتنيات التراثية في منزله كجزء من الديكور الذي يضفي جمالية على المكان، فما يمثله تراثنا من جماليات لا يمكن الاستغناء عنه، بل نجد رجوع بعض مصممي الديكور ومهندسي البناء إلى بعض الأشكال التراثية في الأبنية الخارجية، وكذلك مصممو الديكور يدمجون بعض القطع التراثية المختلفة لأنهم على يقين تام بأن وجود هذه القطع التراثية يعد جمالاً في حد ذاته.

المزيد من المقتنيات

لا يزال عبدالله الكعبي يضحي بكل ما يملك من مال في سبيل الحصول على أشياء تحمل اسم وصور الشيخ زايد، إلى جانب تكريس وقته وجهده في سبيل الحصول على المزيد من المقتنيات الأثرية. وأكد أن ذلك نابع من حبه لتاريخ دولة الإمارات. ومن باب الطرافة ذكر الكعبي أن والده راشد المر الكعبي لا يزال يحتفظ بمقتنيات أثرية نادرة جداً، وكثيراً ما طلب منه عبدالله الاحتفاظ بها شخصياً، إلا أن الوالد رفض ذلك، وهو يحتفظ بها في صندوق خاص.

مشروع

متحف جديد في عين الفايضة

يعكف عبدالله راشد الكعبي حالياً على إنشاء متحف جديد في منطقة عين الفايضة في مدينة العين، يحتوي على أقسام عدة، منها: حكيم العرب، والبيت متوحد، وشكراً خليفة، والرجال المخلصون، و 2 ديسمبر، وروح الاتحاد، ودرع الوطن، والمدرسة النهيانية، ودولة آل نهيان، والدرهم الإماراتي، وغيرها الكثير. وأوضح أن هاجسه اليوم هو الانتهاء من بناء المتحف خلال 6 أشهر، حتى يتسنى افتتاحه واستقبال الجمهور في الثاني من شهر ديسمبر، وهو اليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة.

كما يضم المتحف مقتنيات تراثية ووثائق ومخطوطات تاريخية وصوراً قديمة للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تعكس أصالة وموروثات حياة الآباء والأجداد. ويتوقع أن يشهد افتتاح المتحف حضوراً كثيفاً من الجمهور، والباحثين والأكاديميين وكل من يعشق التراث ويهتم به، إلى جانب حضور الشباب المهتمين بهذا التراث، وساعدهم على ذلك أن الدولة تولي اهتماماً كبيراً بالتراث حتى لا يندثر.

وأشار الكعبي إلى إشادة الناس ببذله الجهد لإطلاق المتحف الثاني، مُنوهاً إلى ضرورة الحفاظ على التراث حتى لا يتأثر بنمط الحياة العصرية ومظاهرها، ونقله من أصحاب الموهبة والتجربة من كبار السن إلى الأبناء والأحفاد من أجل توارثه جيلاً بعد جيل.

وأضاف: «يأتي تمسك أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة بتراث الآباء والأجداد نتيجة وصية الوالد القائد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وعمله على إحياء التراث بجميع جوانبه المادية والمعنوية والتشجيع على التمسك به». كما أكد عدم اقتناعه التام بأن ينشئ فقط متحفاً واحداً في بيته ليحتضن التراث، فهو قد أخذ على عاتقه مهمة الحفاظ على التراث الإماراتي والترويج له، اعتزازاً وفخراً وتقديراً له.

يحتفظ عبدالله الكعبي في متحفه بأشياء غريبة ونادرة، كاحتفاظه بعلب محارم تحمل شعار روح الاتحاد، والأجهزة الموسيقية القديمة، ووردة الصحراء المتحجرة التي يعود عمرها لآلاف السنين، وطلقات المدافع المتحجرة، وحتى بعض الأدوات التي كانت تستخدم للاهتمام بالأطفال قديماً.

رحلة لماضٍ يعج بالأصالة

إن زيارة واحدة لمنزل عبدالله راشد الكعبي قد لا تشبع الزائر أبداً! لأنها ستحمله مباشرة عبر بساط تراثي أصيل إلى حقبة الماضي الأصيل بكل ما فيها، ما يدفعه إلى التعمق بشكل أكبر في النواحي التاريخية لكافة المعروضات بالمتحف، والتي تكون في غالبيتها من القطع الأثرية النادرة والقديمة، فالزائر سيشعر بأنه يعود بالزمن لمئات وآلاف السنين التي مضت، سواء من ناحية الأجواء الموجودة داخل المتحف أو من ناحية محتوياته وأقسامه، التي تغص بالقطع الأثرية من كافة الأشكال والأنواع.

وعن انتشار المتاحف التي يحرص الإماراتيون على إنشائها في منزلهم، أوضح الكعبي بأن جمع المقتنيات الأثرية القديمة في المنزل أصبح يلقى رواجا كبيرا في دولة الإمارات بشكل عام.. وأكد على أن ما يميز متحفه هو احتضانه لكل شيء يحمل اسم وصورة الشيخ زايد.

منوها في الوقت ذاته أن التراث الإماراتي يمثل ثقافة حضارية للأجيال القادمة، الأمر الذي أدى إلى انتشار المتاحف الخاصة بهدف الحفاظ على تراث الأجداد كتاريخ توثيقي للزمان والمكان. ودعا في هذا السياق الآباء والأمهات إلى تشكيل متاحف صغيرة في منازلهم بهدف حفظ التراث وتوثيقه في منازلهم، فلا أجمل من الاقتراب من الماضي، وجمع التراث المحلي الذي يحظى باحترام وتقدير العالم.

مشاركات

يحفل متحف الأسرة الذي أنشأه عبدالله الكعبي في منزله بمدينة العين بزيارات عديدة، سواء من طلبة وطالبات المدارس بهدف التعرف على باني ومؤسس دولة الإمارات، ورؤيته الثاقبة الخاصة بتحقيق نهضة الدولة في جميع الجوانب. ويركز في أثناء شرحه لهم عن تراث دولة الإمارات، على أن أجدادنا الذين سكنوا دولة الإمارات لهم حضارة وتاريخ، ويشهد لهم بحسن الضيافة والكرم، ووصلوا إلى البر والبحر، كما لم يفعل أصحاب حضارات أخرى.

إلى جانب زيارة العديد من الإعلاميين والمشاهير والأصدقاء والشعراء والباحثين. وأوضح بلا غرور أن المتحف أصبح مزارا سياحيا يوثق تراث الإمارات ضمن المقتنيات والأدوات والأثريات التي تقدر بآلاف السنين.

كما ويشارك في المحاضرات التراثية، وهو بدوره يلقي ورشاً ومحاضرات ثرية في المدارس والجامعات. كما ألّف كتاب «الكلام العجب من حكيم العرب 2003». إلى جانب حرصه على تلبية دعوات المشاركة في الأمسيات الشعرية التي يتلقاها بهدف إتحاف الجمهور بجديد قصائده.

ويلفت الكعبي النظر إلى نقطة هامة مفادها ضرورة المشاركة في المبادرات والمناسبات التي يعمل مجتمعنا على تنظيمها وإحيائها، ويدعو الجميع للمشاركة فيها بلا بطاقات دعوة، فيكفي التواجد وتحقيق الاستفادة، إلى جانب تقديم الدعم المعنوي.

جوائز وتكريم

يحرص الكعبي على المشاركة في شتى المهرجانات والمعارض، وحصد بمقتنياته جوائز وتكريمات من معارض محلية عدة. ومن أبرز مشاركاته مهرجان أيام الشارقة التراثية، ومهرجان سلطان بن زايد التراثي، ومعرض «زايد الأسطورة الخالدة» في جامعة زايد بدبي، ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورتيه الأخيرتين تحت اسم «شواهد في حب زايد»، كما شارك أيضا في أكبر ألبوم صور في العالم حسب موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية عن الشيخ زايد بتقديم الكثير من الصور النادرة.