بعزيمة وإدارة رجال صاغوا المجد لأوطانهم، قاد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ( طيب الله ثراه)، منذ توليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، مسيرة تحدي الصحراء وتهيئة بساط أخضر أضحى اليوم ملمحاً رئيسياً وعنواناً مزدهراً لمسيرة التنمية والتطور التي تزخر بها مختلف أرجاء الدولة.

اهتم المغفور له بالبيئة الإماراتية وأولاها عناية كبيرة كيف لا وهي التي أخرجت من رحمها رجالاَ أشداء بنوا هذه الأرض وعمروها وأقاموا عليها دولة حديثة متطورة ولذلك دعا زايد إلى المحافظة عليها وحمايتها فتم إنشاء المحميات الطبيعية المزروعة بالأشجار الصحراوية والتي تمثل بيئة صالحة للحيوانات البرية للحياة فيها مثل الغزلان والأرانب البرية ومختلف أنواع الطيور.

وتمكنت الدولة بتوجيهات المغفور له من تهيئة العديد من الأراضي عن طريق تسويتها وحرثها ومد شبكات الري الحديثة فيها وزرعتها بشكل مبدئي بأشجار صحراوية قادرة على تحمل ملوحة التربة وحرارة الجو وتم استخدام الطرق الحديثة في الري مثل التنقيط والتقطير والرش وتم توفير الأسمدة الزراعية العضوية والكيماوية وقامت الدولة في نفس الوقت بتشجيع الزراعة..

وتم استغلال الإعلام والإرشاد الزراعي في هذا المجال وإضافة إلى ذلك تم توزيع الأراضي الزراعية على المواطنين وبالمجان وتم توفير الدعم اللازم لهم عن طريق حفر الآبار وإنشاء الأحواض والبيوت البلاستيكية وتوزيع الأشتال ودعم الأسمدة والبذور وجلب المهندسين والعمال وفعلاً لم تبخل دولة الإمارات في أي شيء يساعد في نشر الرقعة الخضراء في الأراضي.

«أعطوني زراعة أضمن لكم حضارة» أحد الأقوال المأثورة للشيخ زايد ( رحمه الله)، التي كانت عنوانا لعقود طويلة من الكفاح وتحدي الصعاب، توجت بنجاح دولة الإمارات في تحقيق نهضة زراعية كانت تبدو مستحيلة بالنسبة لكثيرين.

ولم تكن لتتحول الزراعة إلى حرفة ومصدر للخير والنماء إلا بعد أن تولى المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» مقاليد الحكم في العين عام 1946..

حيث أدرك أهمية الزراعة لتحقيق الاستقرار وربط المواطن بالأرض التي يزرعها لذا عمل منذ توليه الحكم في مدينة العين على تغيير نظام السقاية الذي كان منتشرًا في ذلك الوقت، ووضع خطة لتطويره تعتمد على إصلاح الأفلاج القديمة التي فقدت قيمتها نتيجة الاهمال وحفر أفلاج جديدة لتوسيع شبكة الريّ الضرورية للزراعة.

البداية

ومنذ ذلك التاريخ أخذت الزراعة منحى آخر في أبوظبي وبقية إمارات الدولة باعتبارها مبعث الاستقرار ومصدر الأمان والطمأنينة، كما أصبحت واحدة من دعائم الاقتصاد الوطني وعنوان الحضارة، ومع اعتقاد كثيرين أنه لا مكان للزراعة على هذه الأرض في ظل هذا المناخ شديد الحرارة ..

وتلك الصحراء شديدة البأس وشح الموارد والإمكانيات حيث تمثل الصحاري 7.8 ملايين هكتار من مساحة الدولة، كانت عزيمة الشيخ زايد رحمه الله أقوى من هذه الصعاب فنجحت في تذليلها جميعاً، فتم غزو الصحراء بزراعة ملايين الأشجار والغابات وانتشرت المزارع.

وبدأ عصر غزو الصحراء مع تولي المغفور له بإذن الله الشيخ زايد ( رحمه الله) مقاليد حكم أبوظبي عام 1966، فاتجه إلى تكوين بنية تحتية لقاعدة اقتصادية قوية، تعتمد على الصناعة والزراعة ونجح في زراعة قسم كبير من الصحراء، وتم تسطيح الكثبان والتلال الرملية، وتهيئتها للزراعة، بعد فرش طبقة طينية فوقها..

وتقسيمها إلى مزارع بعد تطويقها بالأشجار والنباتات المثبتة للتربة لتحميها من الرياح، قام بتوزيعها على المواطنين ثم عمل جاهدًا على مساعدة المزارعين وتدريبهم على الزراعة وسبل ترشيد استهلاك المياه كما عمل على إنشاء السدود، وتحلية مياه البحر، وزراعة أشجار القرم، وهكذا كانت الزراعة بدائية ثم تحولت إلى محور أساسي من محاور اهتمام الدولة.

وجاء الإعلان عن الخطة التنموية الأولى لدولة الإمارات في سبعينات القرن الماضي ليتم تخصيص جزء كبير من الميزانية لتطوير المرافق العامة والقطاع الزراعي ، وهو ما أسفر عن تحقيق نجاحات كبيرة، حيث لم تكن الأراضي المستصلحة والمزروعة في أبوظبي تتجاوز 1 % من مساحتها في الستينات لترتفع إلى 5 % من مساحة الإمارات في أواخر سبعينات القرن الماضي.

وتوالى اهتمام الدولة بعد ذلك بتنمية القطاع الزراعي، نظرا لما يلعبه هذا القطاع من قدرة على تحقيق هدف الدولة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وعلى الرغم من الظروف المناخية الصعبة، استطاعت ان تحقق نسبا عالية من الاكتفاء الذاتي في عديد من المنتجات الزراعية وذلك وفقاً لإحصاءات وزارة البيئة والمياه، حيث تسهم التمور بنسبة 100 % من الاكتفاء الذاتي، كما تتجاوز نسبة الاكتفاء الذاتي من الخضار 50 %.

مبادرات

وأضحت الزراعة على مدار عقود من الزمن تشكل اولوية قصوى في أجندة التنمية الاقتصادية والخطط الاستراتيجية لمختلف إمارات الدولة، وأطلقت مبادرات متنوعة لتعزيز استدامة هذا القطاع، فعلى صعيد العاصمة جاء الإعلان عن إنشاء مركز خدمات المزارعين في أبوظبي ليؤكد على حرص قيادة الدولة الرشيدة على الرعاية والاهتمام بهذا القطاع ..

وكذلك المزارعين المواطنين. وقد تأسس المركز بموجب القانون رقم (4) لسنة 2009 الصادر عن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ( حفظه الله) ،بهدف إحداث تغييرات جوهرية في قطاع الزراعة بإمارة أبوظبي، تضمن الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية، وتطبيق أفضل الممارسات الزراعية، ومساعدة المزارعين على تسويق منتجاتهم بهدف تحقيق التنمية الزراعية المستدامة لقطاع الزراعة في إمارة أبوظبي.

وعمل مركز خدمات المزارعين منذ تأسيسه على تقديم خدمات الدعم الفني والتشغيلي للمزارعين، ومساعدة أصحاب المزارع على الزراعة والتسويق بطريقة تضمن لهم أفضل العائدات وتسهم في تعزيز مساهمة الإنتاج المحلي في السوق..

وسعى إلى دعم المزارعين في إمارة أبوظبي بطريقةٍ مسؤولةٍ اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً من خلال تقديم خدمات الإرشاد والتدريب، تعزيز التوجه نحو السوق والعلامات التجارية، بالإضافة إلى تطبيق أفضل الممارسات الزراعية.

وتتواصل عاماً بعد عام جهود مختلف المؤسسات والهيئات لتقود نحو نجاح في تحقيق تنمية زراعية شاملة، ما كانت لتتحقق لولا إيمان المغفور له بإذن الله الشيخ زايد طيب الله ثراه أن الزراعة هي أحد الأعمدة الرئيسية لتحقيق التنمية وصناعة حضارة الأوطان

أرقام

أولت إمارة أبوظبي اهتماماً كبيراً بالزراعة منذ ستينات القرن الماضي مع تولي المغفور له بإذن الله الشيخ زايد طيب الله ثراه مقاليد الحكم في الإمارة، ووفقاً لأحدث الإحصاءات الصادرة عن مركز أبوظبي للإحصاء، وصل إجمالي عدد الحيازات الزراعية بالإمارة إلى أكثر من 24 ألف حيازة بمساحة إجمالية تتجاوز 750 الف دونم.

وتصدرت مدينة العين إجمالي حيازات الإمارة بنحو 12 الف حيازة بمساحة إجمالية تتجاوز 445 الف دونم.