كل إنسان له ميول تستهويه فيبذل من أجلها الوقت والجهد، وآمنة أحمد الشهيرة بكنيتها «أم عبد اللطيف» أدخلتها هواية صنع المجسمات التي تحكي التراث وجمع العملات والمقتنيات القديمة عالماً آخر من المعرفة والثقافة والاطلاع على تراث بلادها، إضافة إلى ما أثارته داخلها من مشاعر استحضار لماضي وثقافة هذه الدولة التي ترى أنه يطل علينا من خلال مجسماتها وأشيائها التي جمعتها تحت سقف واحد في مجلس منفصل داخل حرم بيتها الكائن في منطقة الجرينة بالشارقة.
عشق وهواية
عشقت الجدة «أم عبد اللطيف» هوايتها تلك، وبحثت عن المنابع التي يمكن أن تمدها بكل ما هو قديم وثمين ومدهش، وهي تعتبر مقتنياتها من المجسمات والعملات والهواتف وأجهزة المذياع والصور واللوحات والأشياء التراثية التي تبين أسلوب المعيشة فيها الذي اختلف كثيراً عن أسلوب الحياة العصرية الحالي، كنزها النادر الذي تحافظ عليه وترعاه وتستعرضه أمام أصدقائها موضحة قصة كل قطعة وتسعد بعلامات الاندهاش التي ترتسم على وجوههم.
وتحكي «أم عبد اللطيف» لـ«البيان» البداية قائلة: «اكتشفت موهبتي الفطرية حين طلبت المدرسة من أحد أحفادي صنع مجسم تراثي، فاسترجعت الحياة الإماراتية القديمة التي عشتها وعاصرتها في شكل مجسمات يدوية صنعتها بنفسي ومن وحي ذاكرتي، فقدمت أعمالاً فنية تعود بذاكرة أهل الإمارات إلى الزمن الجميل، وفاز حفيدي وقتها بالمركز الأول بسبب مجسم البيت الإماراتي القديم، لتبدأ بعدها مسيرتي».
عبق الماضي
بأنامل مبدعة وأفكار مبتكرة استغلت أم عبد اللطيف موهبتها الفطرية في كل ركن من متحفها المنزلي الصغير الذي يفوح منه عبق الماضي، حيث تزين جدرانه بأهم الصور النادرة للدولة وحكامها، ومعالم الدولة القديمة التي اختفت وحلت محلها الحضارة، ويصل عمر بعض هذه الصور إلى 120 عاماً.
وما يميز مجسمات أم عبد اللطيف أنها تعبر عن حياتنا القديمة وتترجم ماضينا بكل تفاصيله الدقيقة، ومنازلنا، مثل المطابخ الإماراتية والخيم وجلسة المطوع والدكاكين القديمة مثل القطان، بالإضافة إلى «فالة الضحى» و«البراجيل» التي يعتبر الإماراتي الذي اخترعها عبقرياً لأنها كانت بمثابة تكييف طبيعي، وهي فكرة غير مسبوقة ولا يوجد مثلها سوى في الدولة، كما صممت نموذجاً لبرج خليفة، وكاسر الأمواج في أبوظبي، ولوحات تحكي تفاصيل «حق الليلة»، بالإضافة إلى لوحات عن الحياة البرية والبحرية وصيد اللؤلؤ وشجرة الرولة كلها صنعتها بأناملها العبقرية.
تاريخ زاخر
وأضافت: تاريخ الإمارات زاخر بكثير من الجماليات التي لا يعرف عنها الجيل الحالي شيئاً، وكلها ترمز لحياة جميلة وبسيطة هادئة حاولت أن أقدمها إليهم، إضافة إلى شعوري بأني أترجم تراث وعبق الماضي الذي لابد أن نعتز ونفخر به، إذ أنني جسدت الحياة الإماراتية القديمة بأدق تفاصيلها حتى أنني جعلت المدخنة التي نضع عليها البخور تظهر وكأن الدخان ينبعث منها.
وتعتمد أم عبد اللطيف على المواد الخام لصنع المجسمات من الأقمشة الخاصة بالخيم وطين وعريش وأخشاب وكل ما كان يعتمد عليه المواطن قديماً لبناء منزله يشتريها لها أبناؤها الذين يحرصون على إحضار أفضل المنتجات وأكثرها جودة خاصة الأخشاب التي يجب أن تكون سهلة في التقطيع والقص.
وتعتبر أعمالها قطعاً من حياتها، لما لها من مكانة في قلبها لذا تعتز بها كثيراً، وتقدمها كهدية لمن تحب ولزوارها.
شكر وتقدير
شاركت أم عبد اللطيف بمجسماتها ولوحاتها في عدد من المناسبات والمعارض مثل احتفالات أيام الشارقة التراثية في مركز الأميرة هيا، واحتفالات اليوم الوطني، وحصلت على العديد من شهادات الشكر والتقدير، وتضع دفتراً كبيراً للزوار يدونون فيه آراءهم عن متحفها، فوجئنا بنفاد صفحاته من كثرة كلمات الإعجاب التي حصلت عليها من داخل الدولة وخارجها، إلا أن الدفتر الجديد أوشك هو أيضاً على نفاد صفحاته.
وتحمل رخصة مزاولة نشاط من المنزل، لصنع المجسمات وبيعها خلال المعارض نزولاً على رغبة زائري المعارض الذين يلحون عليها أن تبيعهم المجسمات، ما شكل دافعاً لاستمرارها ونجاحها، إلى جانب وعيها بأن الإنسان إذا أحب ما يقدمه سيبدع فيه ولن ينظر إلى الصعوبات خاصة وأن شعب الإمارات ينظر دائماً إلى الرقم 1.
وتقدم ورشاً تدريبية للطالبات بناءً على رغبة بعض المدارس في نقل خبرتها للطالبات، حيث تستقبل مجموعات منهن على فترات مختلفة في متحفها المنزلي الخاص لتعليمهن كيفية صنع مجسمات تراثية وتعطيهم دورات في السنع وهي العادات الإماراتية القديمة التي من ضمنها ضرورة تجهيز الغداء عقب صلاة الظهر مباشرة ولا يجرؤ أحد أفراد الأسرة على الاقتراب من الطعام قبل رب الأسرة وإلا أعتبر ذلك جريمة لا تغتفر.
أمنية
تتمنى أم عبد اللطيف أن يخصص لها قاعة خاصة يطلق عليها «قاعة أم عبد اللطيف» في متاحف الشارقة لتعرض فيها كل اللوحات والمجسمات والمقتنيات النادرة الموجودة لديها حتى يراها الزوار من مواطنين ووافدين، وطلاب الجامعات والمدارس، ويتعرفوا إلى أهم المحطات التاريخية التي مرت بها الدولة، إذ أن الكثيرين يشعرون بالحرج من زيارة متحفها كونه داخل حرم منزلها، وهذا الأمر يحرم الكثيرين من الاطلاع على مكنوناته.