تُعد القرى التراثية أحد الموارد الرئيسة للسياحة الثقافية، ومورداً اقتصادياً مهماً يعتمد عليه المجتمع المحلي، إلى جانب تنمية الوعي والتكافل الاجتماعي الذي ينعكس تأثيره على الزائرين والسائحين، والمحافظة على استمرارية الهوية التراثية العمرانية. كما تسهم في الاستفادة من الترويج للسياحة، ووسيلة مهمة في تفعيل النشاط الاقتصادي والتجاري، فضلًا عن الاستثمار في مشروعات مستدامة تعود بالفائدة على المجتمع المحلي والأسر المحتاجة.

مفهوم جديد

ويعد مشروع القرية التراثية التي تم تشييدها حديثا مقابل فندق العقه السياحي بتمويل شخصي من أحد المواطنين، من أهم المشاريع الذي انطلق نشاطه مع النصف الثاني من العام الحالي. وتشكل القرية مفهوما جديدا في إحياء التراث كونه يحافظ على الطابع الشعبي القديم رغم أن طابعه أكثر منهجية وحداثة من القرى القديمة، وذلك من خلال تصميمه.

مبادرات مهمة

في لقاء مع سعيد السماحي مدير هيئة الفجيرة للسياحة والآثار أشار الى أهمية مشروع القرى التراثية سواء القائمة على آثارها أو تلك التي تم تأسيسها من قبل الأفراد والجهات أو من ضمن مبادرات الهيئة، وقال: الهيئة تخطو خطوات مهمة في دعم انشاء القرى التراثية، إلى جانب مجموعة من المشاريع التي تهدف إلى استرجاع تراث الأجداد في كل منطقة من مناطق إمارة الفجيرة، والاستفادة اقتصادياً من المقومات الموجودة في هذه القرى التراثية، والتي ستكون مشروعا للجذب السياحي لعرض حرف يدوية وصناعات تقليدية.

جيل جديد

واكد أهمية إيصال أفكار حول بيئة الجيل السابق للجيل الحالي وترسيخ قيمة التراث في ذهن الجيل الحالي وحثهم على حماية تراثهم والدفاع عنه دائما، وهذا ما تنطوي عليه استراتيجية الهيئة وما تطمح إليه من تحقيق أهدافها ضمن تنظيمها فعاليات يوم التراث العالمي وغيرها من المناسبات الوطنية والمحلية الشعبية والتراثية، مشيرا إلى أن فكرة إنشاء قرى تراثية في مختلف مناطق الإمارة خلال مهرجانات ومناسبات التراث والثقافة أصبحت علامة بارزة لها لكونها تحكي تراثا وعادات حقيقية ومقتنيات تمثل مناطق بلادنا.

وأشار إلى أنه من ضمن برامج الهيئة إنعاش مشاريع القرى التراثية في مختلف أرجاء الإمارة، ما يجعلها على خارطة السياحة المحلية ومتنفسا للأهالي والزوار من المقيمين والأجانب. فقد عملت الهيئة على تشجيع إعادة الحياة لقرى تراثية من خلال التعاون مع حكومة الفجيرة، وعبر الدعم الدائم والمتمثل في سمو الشيخ محمد بن حمد بن محمد الشرقي ولي عهد الفجيرة، والشيخ الدكتور راشد بن حمد الشرقي رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام.

وذلك من خلال إعادة ترميم القرى وإنشاء اخرى جديدة بطريقة مبتكرة تأخذ بالاعتبار نواحي الأمن والسلامة، إلى جانب تشجيع إقامة فعاليات تراثية وترفيهية فيها، حيث شكل ذلك عامل جذب كثير من الزوار، إلا أن التركيز حاليا على تنميتها من قبل الملاك من الأفراد المواطنين مازال دون المأمول مثل استثمار بعض المساكن كنزل ريفية أو تراثية أو مطاعم تقليدية، حيث يقتصر دور الهيئة ومسؤوليتها على تأهيل وتطوير الأماكن العامة في تلك القرى فقط دون طرح مشاريع استثمارية بها.

تفاصيل تراثية

كما تبنى العديد من الأفراد في السنوات العشر الماضية تحديدا تأسيس مشاريع قرى للتراث على مساحات واسعة من الأرض في مناطق مختلفة من الإمارة كـ (عين مضب، والبثنة ومربض ودبا الفجيرة، الطويين) للترويج لمظاهر تراثية قديمة.

فخر

يشاهد الزائر للقرى التراثية التفاصيل الدقيقة المتصلة بحياة الأجداد اليومية فيشعر بالفخر والاعتزاز نحو الجيل السابق الذي قدم الكثير من الجهد والكفاح والصبر، وكان قدوة يحتذى بها، حيث تضم في زواياها مظاهر الحياة القديمة لأهل الإمارات قبل تفجر الثروة النفطية وما صاحبها .

تفاصيل التراث في قرية الدهماني الجبلية

المواطن سيف راشد الدهماني أحد مؤسسي مشاريع قرى تراثية شخصية بإمارة الفجيرة، صاحب «قرية الدهماني» التراثية في منطقة ميدق، التي أسهم اسمها في الترويج لها وزيادة الإقبال عليها، في إنجاز القرية التي تمثل بمرافقها المنوعة صورة مصغرة لمظاهر الحياة التقليدية القديمة التي تجسد على حد قوله «الزمن الجميل بتفاصيل منوعة». وهو ما يعكس تعلقه الكبير وولعه الشديد بالتراث الذي يعده جزءاً لا يتجزأ من هويته الوطنية التي يحرص على تعزيزها باستمرار.

ويضيف الدهماني ان مشروع القرية الذي يقع في منطقة «ميدق» التي تبعد 33 كيلومترا غرب مدينة الفجيرة في أحضان أعلى جبال الإمارات يحدها من الجهة الشرقية منطقة مربض، ومن الغرب منطقة الحنية، ومن الشمال جبال قبا، ومن الجنوب وادي السيجي وسوق الجمعة.

حكاية بدأت في ذهنه منذ أكثر من 20 عاما، حيث اجتهد وآمن بمشروع الحفاظ على تراث المنطقة التي تمتلك تاريخا تراثيا كبيرا. ففي 2012 بدأ التطبيق الفعلي في تأسيس القرية عبر خطوات أولى تمثلت في إنجاز عدد من القلاع والحصون، وحرص أثناء إنشائها على تصميمها بطريقة تحتفظ بروح التراث وتبرز الموروث الشعبي للمنطقة من حيث البناء أو حتى الخدمات المقدمة، وتساهم كذلك في تفعيل الجانب السياحي.

وأضاف، بأن القرية تحتوي على عدد من البيوت التراثية ذات الأشكال والاستخدامات المختلفة كـ(العريش) و(بيوت الحصى) و(الكرين) و(العسبك)، وتحتوي على مجموعة من الأجنحة، مثل جناح الأدوات الزراعية، وآخر للأدوات المنزلية، فضلاً عن مجموعة من الصور القديمة التي تسلط الضوء على ملامح الحياة القديمة، وصور لشيوخ، قديمة وحديثة.

 كما تضم محتويات ذات طابع تراثي مثل (الطوي) وجلسات خارجية. وتعد هذه القرية الأولى في منطقة جبلية، حيث ان هناك أياما معينة للعائلات والزوار للزيارة، مؤكدا الإقبال الهائل من الجمهور على القرية للاطلاع على ما تحويه من مقتنيات وآثار متنوعة.