تعيش الإمارات في كل شبر من أراضيها رواية، ففي كل بيت جرح نازف، وأحياناً جراح كثيرة، وفي كل منطقة قصص لشهيد اختار أقصر الطرق نحو رحاب المجد والخلود، وكذلك حكاية طفل يرقب عودة أبيه كل مساء، حكاية أم مفجوعة بفلذة كبدها، حكاية زوجة ودعت شريك عمرها، حكاية أشقاء، وحبيب، وصديق لوّعهم الفراق.

ورغم الألم والحزن استمرت الحياة، فكانت أسر شهداء الإمارات عنواناً في الصمود، والاستمرار والفخر وحب الوطن.

حيث في مقابل هذه التضحيات كان الحرص من جميع الفعاليات الرسمية، والشعبية الأهلية على احتضان بطولات، وتضحيات الشهداء، وأسرهم، وتقديم المبادرات بكافة أشكالها لذويهم في ملحمة رسمت الترابط والتلاحم الوطني بين أفراد المجتمع الإماراتي.

مبادرات

وتمثلت مظاهر تلك المبادرات التي تراوحت بين تشكيل قنوات اتصال ودعم لمساعدة الوفود على تقديم واجب العزاء للأسر سواء من قبل جهات حكومية أو فرق تطوعية أو أفراد، إخراج الصدقات عنهم، قيام أسر وأفراد الشهداء السابقين بتقديم المواساة والدعم.

تنظيم مبادرات مجتمعية لجهات حكومية تمثلت في زيارات لجميع أسر الشهداء. كما شاركت حشود كبيرة من المواطنين والمقيمين في تقديم العزاء لذوي شهداء التفجير الإرهابي الغادر الذي استهدف مخزن الأسلحة والذخائر طيلة الأيام الأربعة الماضية.

حيث قام متطوعون من مركز وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع برأس الخيمة بجولة في الإمارة لتقديم واجب العزاء إلى أسر الشهداء، الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن خلال مشاركتهم مع قوات التحالف العربي لنصرة اليمن ودعم الشرعية فيها.

كما حولت المرشحة عائشة سالم الزعابي حملتها الانتخابية إلى حملة تطوعية لزيارة أسر الشهداء، وخصصت أربع حافلات في مناطق مختلفة تسهيلاً لمن يرغب في زيارة الأمهات والنساء ومنازل أسر الشهداء.

وعبر أفراد أسر الشهداء عن شكرهم وتقديرهم وأمتناهم للقيادة الرشيدة وعن اعتزازهم وفخرهم بوطنهم. وقالت أمهات وزوجات الشهداء: « لن ننسى الموقف الكبير الذي وقفه القادة والشعب معنا حين مواساتنا، فما قدمته القيادة من رعاية واهتمام كان سندنا في محنتنا.

كما أكد الوفود أن الهدف الأساسي تمثل في تفعيل المسؤولية الاجتماعية تجاه أسر الشهداء تقديراً لقيمة الشهادة، ووفاء لكوكبة الشهداء، ومشاركة لذويهم مصابهم الجلل. وقالوا: «إن الوطن سيظل يذكر أبناءه الذين استشهدوا دفاعًا عنه وعن منجزاته، وكل قطرة دم زكية تمثل نبعًا للكرامة وروحًا لم تغب عنا وعن ذاكرتنا، رغم أن المصاب فقدهم جلل والحزن عليهم لا شك كبير».

لحمة وطنية

من جانبها، أشادت مريم الشحي رئيسة مفوضية كشافة رأس الخيمة: بما شهدته الدولة من تلاحم وطني كبير أكد الحب لهذه الأرض والجهود الملموسة من كافة أطياف المجتمع في تشييع شهداء الوطن الذين سالت دماؤهم خلال أدائهم واجب الدفاع عن المملكة العربية السعودية الشقيقة ضمن مشاركة البحرين لقوات التحالف العربي لإعادة الشرعية لليمن بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة.

مثنية على المشاعر الطيبة لأسر الشهداء الذين اعتبروا كل شهيد ابناً لكل مواطن على هذه الأرض الطيبة. وأكدت على ما أفرزته الحادثة من لحمة وطنية تجلت بشكل واضح لكافة أطياف المجتمع والكيفية التي يجب على المؤسسات المجتمع جميعها استغلالها لتعزيز هذا النهج بين أفراد المجتمع.

مسؤولية اجتماعية

وأوضحت موزة المسافري مديرة مركز وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع بالإمارة: أن المبادرات التي انطلقت لمجموعة كبيرة من أفراد من مواطنين ومقيمين وجهات حكومية وخاصة ومن خارج الدولة جاءت انطلاقاً من الدور الذي يجب أن تساهم به جميع المؤسسات الحكومية والأهلية في المجتمع في مثل هذه المواقف الوطنية، وكجزء من مسؤوليتها الاجتماعية، مضيفة أن المركز لديه العديد من الأنشطة الداخلية التي يعمل عليها لتعزيز الوحدة الوطنية.

مشيرة إلى أنه عندما شاهدنا صور الشهداء عبر مواقع التواصل الاجتماعي انتابنا شعور بالسعادة كون الشهداء أسهموا بشكل مباشر في تعزيز الانتماء الوطني الصادق لشرائح المجتمع عامة. كما أن صور أصحاب السمو حكام الإمارات أثناء تقديمهم واجب العزاء تؤكد تلاحم الشعب مع قيادته.

يد واحدة

قال المواطن عبيد سعيد: «مشاهد الأيام الماضية في زيارات العزاء من المدن والقرى، والتظاهرة التي جمعت ما بين أفراد المجتمع، ورفعت صور الشهداء من رجال الأمن والمواطنين هي علامات مهمة لم تكن انفعالية، بل تذهب إلى ما هو أبعد في ترسيخ مبدأ المواطنة، والأهم الإدراك العام أن الإرهاب هو عدو لنا جميعاً، وأننا الهدف والضحية». مؤكداً أن شعور المواطن تجاه وطنه ليس مجالاً للمزايدة، ما يتطلب أن يكون الجميع يداً واحدة خلف قيادتنا الرشيدة.