اختيار «الكنّة» أصعب مهمة تؤديها الأم حين تبدأ مسيرة البحث عن عروس مناسبة لابنها، وبالطبع بعد أن يوكلها الابن بأداء المهمة، ففي الماضي كانت الخطابة تتولى هذه المسؤولية وتؤدي المطلوب وما يرضي الأم، وتوفق بين الطرفين «المعرس» والعروس، وهي التي لم ينحصر حضورها في دول الخليج؛ بل ذاع سيط الخطابة في بلدان عربية كثيرة. حديثنا في هذا السياق نخص به اختيار «الكنة» في دولة الإمارات قديماً كيف كان وكيف أصبح.
حين تكون الكرة في ملعب الأم؛ فهي تختار العروس غالباً من بنات الحيّ السكني «الفريج»، أو ابنة إحدى القريبات، ولا يمنع أن تكون من بنات العم أو الخال، أو العمة، والأفضل من هذا أن تكون من بنات الجار، السبب يكمن في جوهر أخلاقها وترددها على منزل العريس المجاور مغطاة الوجه.
اليوم وفي ظروف معيشية مختلفة رأساً على عقب؛ بات اختيار «الكنة» مسؤولية الابن نفسه في غالبية الأحيان؛ بسبب تطور الحياة وظروف التواصل وهو ما سهل على الرجال تولي مهمة اختيار الزوجة، والتخلي عن بعض العادات القديمة، التي كانت في المجتمع الإماراتي، فغاب تدريجياً دور الخطابة، وضعف شيئاً فشيئاً حضور الأم والخالات والشقيقات في اختيار العروس المناسبة لتتشارك الحب والاحترام في ابنهم.
التدقيق في الاختيار
في هذا السياق تقول إلهام علي المرزوقي: حين نوينا تزويج أخي الكبير محمد منذ سنوات عدة، كنا نحرص على أن تكون زوجة ابننا من ذوات الأخلاق الرفيعة، تحمل صفات الكنة المشرفة، فالمعروف في المجتمع الإماراتي أن النسوة يهوين التدقيق في الكنات الأخريات، وإن كان الاختيار سيئاً ستكون العائلة «حديث الساعة»، وسيكون التعليق محرجاً إن كانت الكنة شريرة أو غير مرحبة بأسرة زوجها.
تضيف المرزوقي: الحمد لله الذي أنعم علينا بكنة طيبة، ظلت معنا على الحلوة والمرة، ولا أخفي أننا قد مررنا ببعض الظروف القاسية التي واجهت أخي بعد استقالته من عمله، وسبحان الله ظلت زوجته صامدة على حال زوجها، وبقيت ملازمة له في محنته، وبالمناسبة لم نخترها لأخي، بل هو من اختارها لتكون شريكة حياته، وقد وُفق في الاختيار ووفر علينا عناء هذه المهمة غير السهلة.
وتتابع: أما عن حياتي الزوجية، فقد اختارني خطيبي بنفسه، ولم يكن لوالدته أو شقيقتيه دور، فأنا وخطيبي كنا نعرف بعضنا منذ فترة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والمعروف أن فكرة الزواج بهذه الطريقة غير مرحب بها في المجتمع الإماراتي، لكن الحمد لله كتبت لنا الخطبة، وحالياً نرتب ليوم زفافنا.
العودة للوراء
أما آمنة حسن مبارك فتقول: أنا من النساء اللائي كن يحضرن الأعراس في منتصف الثمانينات والتسعينات، حيث كانت النسوة يحرصن على الدقة في اختيار الكنة، ولا أخفي أن هناك فرقاً كبيراً بين الثمانينيات والتسعينيات والوقت الحالي، فالكنة كانت سابقاً تقوم بجميع أمور المنزل من رعاية واهتمام للزوج وأسرته، وهذا يغيب ويندثر تدريجياً في مجتمعنا ونفتقد العودة للوراء، لتتعلم فتيات الزمن الحالي مدى معاناة الكنة في السابق.
وتزيد: اليوم أصبح التواصل بين الخطيبين سهلاً، والسبب توفر العديد من الوسائل التي تجمعهم، وفي السابق كان هناك خط أحمر، إلا بعد الزواج، والحمد لله لديّ أبناء صغار ليسوا في عمر الزواج، لكن في المستقبل سأحرص على اختيار كنة البيت بنفسي، حتى لا أصدم بها كما تعاني بعض صديقاتي.
حسن العبيدلي يوضح: الآن أطرق باب الـ30 سنة ولم أتزوج، والسبب دقتي في اختيار الزوجة، فالكنة في عائلتنا يجب أن تكون اجتماعية جداً وغير منطوية، وإذا جاءت عكس ما نرغب فهي من ستعاني معنا، لأننا أسرة مترابطة بشكل كبير ونحب التجمعات العائلية، والكنة المطلوبة هي التي تقوم بكل الأمور التي تخص رعاية لأسرة الزوج.
ويكمل: لا أخفي أن الانفتاح الحاصل في الوضع الحالي أخّرني بعض الشيء عن الزواج، لأني أبحث عن المواصفات القديمة كما عهدناها في بنات الثمانينيات والتسعينيات، أما كنة الألفين فقد أصبحت مدللة ،وتتكل على الخدم في تدبير أمور البيت.
مواصفات متعددة
بدورها؛ تطرقت بدرية علي الحوسني نائب مدير مركز وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في عجمان، إلى الفرق بين «الكنة» في الماضي والحاضر، مشيرةً إلى أن الأسر الإماراتية سابقاً كانت تحرص على أن تمتلك الكنة مواصفات متعددة: تجيد الطبخ، ولودة، ليست سليطة اللسان، ومما نشهده في زمننا الحالي؛ هناك أمور كثيرة قلبت الموازين المتعارف عليها وبددت الشروط التقليدية، لاسيما ما يتصل بالتطورات التقنية التي غيّرت من ثقافة الكنة واحترامها لعائلة الزوج.
وأضافت إن الحياة سابقاً وفي الدول العربية والخليجية تحديداً؛ كانت تتسم بسمات البساطة والتقارب؛ فأم الزوج حنونة على زوجة ابنها، ولم يكن للغيرة والبغص مكان، موضحةً أن الأم في الزمن الحالي ربما تبالغ في حب ابنها بقصد التأثير على زوجة الابن، ففي الزمن الحالي من غير المنصف أن نضع كل اللوم على الكنة، إذ إن أم الزوج أحياناً تكون السبب في تغير تصرفاتها.
وتابعت الحوسني: في الزمن الحالي أصبحت الكنة تكتفي بتناول وجبة الطعام مع الزوج في الملحق الخاص بهما، مبتعدة عن أسرة الزوج، والأسر أضحت متفرقة.. الأم تجلس مع بناتها أحياناً؛ والشباب خارج المنزل، وزوجة الابن مبتعدة.. وسبب ذلك غالباً الغيرة.