أكد محمود محيي الدين أمين عام البنك الدولي، أن الإجراءات المالية التي اتخذتها دولة الإمارات في الآونة الأخيرة ومنها رفع الدعم عن أسعار الوقود، بالإضافة إلى التوجه نحو فرض ضريبة على القيمة المضافة، يعتبران خارطة طريق اقتصادية لباقي الدول العالمية المعتمدة على العوائد النفطية ونموذجاً يُحتذى به في كيفية الحصول على عوائد، وأضاف أن الحصول على عوائد يأتي إما عن طريق الإنتاج أو الاقتراض أو تسييل الأصول أو الضرائب، مشيراً إلى أن دولة الإمارات اختارت الإنتاج عبر تنويع اقتصاداتها والاعتماد على قطاعات اقتصادية أكثر حيوية مثل الطيران والسياحية والخدمات اللوجستية بالإضافة إلى تقليل ميزان المدفوعات عبر تحرير أسعار الوقود، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، مشيراً إلى أن هذه الخطوات ستكون انعكاساتها كبيرة على تعزيز ثقة المستثمر، خصوصاً وأن الدولة لم تلجأ للاقتراض وتزاحم المستثمر.

وتطرقت ثاني جلسات المنتدى الاستراتيجي العربي إلى استشراف المستقبل الاقتصادي للعالم العربي، حيث استضافت الدكتور سلام فياض رئيس مجلس الوزراء الفلسطيني السابق، ومحمود محيي الدين أمين عام البنك الدولي، وأدار الجلسة ناصر الطيبي من قناة العربية.

وتوقع محمود محيي الدين في إجابته على سؤال حول مدى تأثير أسعار النفط على الدول المستوردة: «إن استشرافنا للعام 2016، جزء من تصورنا للوضع الحالي، فالصورة مشوهة والبيانات والأرقام متضاربة ومتناقضة، وهناك العديد من التفاصيل المفقودة.

فالدراسات ركزت على بيانات تتعلق بالتنمية والبطالة، ولكن هناك بيانات غائبة مثل نصيب الإناث في التنمية على سبيل المثال».

التجارة البينية

وأضاف محيي الدين: إن عقوداً طويلة من التعاون العربي لم تُحدث أي تغيير جذري، باستثناء تغيرات لا تذكر على حجم التجارة البينية، فالعالم العربي إقليم غير مندمج اقتصادياً، وهناك تباين اقتصادي كبير بين الدول العربية، وتجلى هذا التباين في اختلاف نسب تأثير انخفاض أسعار النفط.

وأضاف: إن دول مجلس التعاون الخليجي استثمرت في البنى التحتية والتعليم والتنمية الاجتماعية منذ مدة طويلة، ولكن وبسبب التراجع الحاد في أسعار النفط، قد يكون من الصعب التعامل مع الموازنات العامة في السنوات المقبلة، الأمر الذي يجعل من إقرار الضرائب خياراً صائباً.

وتوقع الدكتور سلام فياض، وفي رده عن سؤال حول قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على تنويع قاعدتها الإنتاجية وتنويع مصادر الدخل في ظل تراجع أسعار النفط؟ قال: ربما أن الفرصة المتاحة الآن للتنويع أكبر مما كانت عليه في السابق، فتراجع أسعار النفط سيحفز الاهتمام والاستثمار في القطاعات غير النفطية، ففي سنوات الوفرة لم يكن هناك محفز للتنويع بسبب الاعتماد الكبير على الإنفاق الحكومي».

وأضاف فياض: «إذا استمرت أسعار النفط بهذا المستوى، فستنتقل الدول الخليجية من فائض بقيمة 700 مليار دولار إلى عجز بقيمة تريليون دولار في 2020، فقد خسرت دول الخليج من تراجع أسعار النفط 360 مليار دولار ما يعادل 22% من الحجم الكلي للاقتصاد الخليجي، و14% من الناتج المحلي العربي».

الاستقرار المالي

وحول مشروع فرض ضريبة القيمة المضافة، وكيف سيؤثر على الثقة والقيمة التي تقدمها المنطقة للمستثمرين، قال محيي الدين: «هذا النهج يشكل إجابة على مسألة تنويع مصادر الدخل، فالحكومات بحاجة للصرف على مشاريعها الأساسية في المستقبل وتحتاج لمبالغ كبيرة لتحسين مناخ الاستثمارات، على أن لا تكون هذه المشاريع السيادية على حساب حصة القطاع الخاص».

وتوقع: إن الضرائب ستعزز الاستقرار المالي، ويجب على هذه الخطوة أن تترافق مع إصلاحات في الإنفاق العام، والموازنات الخاصة والعامة.

وشدد محيي الدين: أن هذه الإجراءات يجب أن تترافق بإجراءات أخرى، مثل إصلاحات في هيكلية الاقتصاد، واستغلال الفرص التي تتيحها السيولة من الضرائب في مشروعات البنية الأساسية، واغتنام فرصة تأمين السلع للتسليم المؤجل. ووجه مدير الجلسة، سؤالاً حول جدوى الإصلاحات الهيكلية التي تحتاج لمدة زمنية طويلة، وأجاب فياض: «لأن هذه الإصلاحات تحتاج مدة زمنية طويلة، فعلينا أن نبدأ بها الآن».

وأضاف: الدول العربية بحاجة للتعامل مع الإصلاحات كرزمة واحدة متكاملة، مثل توسيع مصادر الدخل والاقرار الضريبي بالتزامن مع تعزيز الثقة بالسياسات العامة، والثقة بقدرة الحكومة على الايفاء بالتزاماتها.

استقرار الأسعار

وحول النفط توقع فياض أن تستقر الأسعار في 2020 وليس في عام 2016. وعليه يقول: ان الأولوية رقم واحد في منطقة الخليج، هي الإصلاح الضريبي الشامل، بالتزامن مع خطط تضمن الاستدامة المالية، وتنويع في مصادر الدخل وتوسيع للقاعدة الاقتصادية، وأن لا يتم الاتكال على الاحتياطي المالي المتوفر لأنه سينفد في خمس سنوات بسبب التأثير المتبادل بين اقتصادات المنطقة والاقتصاد العالمي.

وعبر فياض عن سعادته لإدراج مشروع الضريبة المضافة قيد الدراسة، وقال: إن دول الخليج ستستفيد من تجربة الدول الأخرى التي لم تستغل مداخيلها من الضريبة في التنمية الشاملة والتناغم بين النمو والتشغيل.

وحول النتائج الإيجابية والسلبية لعودة إيران للساحة الإقليمية، قال فياض: هناك تأثيرات سلبية وأخرى إيجابية نتيجة لعودة إيران، فعودة إيران تعني إدخال مليون برميل يومياً للأسواق العالمية الأمر الذي قد يؤدي إلى بقاء أسعار النفط منخفضة بالإضافة إلى التوجه الكبير من قبل الشركات الدولية للاستثمار في إيران.

من ناحية ثانية، يضيف فياض: «هناك في المقابل العديد من الإيجابيات التي قد تحملها عودة إيران للمنطقة، وهذا يتوقف على سياستها تجاه القضايا الإقليمية».

أسعار العملات

وحول ثبات أسعار العملات او تخفيضها، توقع فياض: «أن الحديث عن اسعار العملات مسألة جريئة ومفيدة جداً، وهناك خلط بين استقرار العملة وبين ثبات سعر صرفها، فالثبات وهم يعشش في أذهان من يقتنعون به، على الدول العربية البدء بتبني سياسات أكثر مرونة تجاه سعر صرف عملاتها قبل أن تفرض عليها هذه السياسة فرضاً».