عشر سنوات على تولي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مسؤولية حكم إمارة دبي، ورئاسة مجلس الوزراء، هي مناسبة لتذكر فرادة التجربة الإماراتية التي سموه أحد صناعها وملهميها، بفكره، وإيمانه بالعمل والإنجاز، وروح المثابرة وتحدي الصعاب، ومناجزة المستحيل.
وفي الواقع، فإن تجربة سموه التي تتكثف في إمارة دبي، وتشمل الدولة، وتتسع خارج محيطها، لافتة بحكم المفارقات الكبيرة المذهلة التي صنعتها، فالسلام الذي يعيشه الإنسان في الدولة يعد من أضخم المشروعات الإنسانية وأكثرها إذهالاً في عالم يتجه نحو العنف والتفكك، بينما النجاحات التنموية التي تحولت إلى صروح تستديم النماء، وفرت للملايين فرص حياة سعيدة، في وقت تتسبب العديد من دول العالم بتعاسة وشقاء، ليس مواطنيها فحسب، بل وشعوب دول بعيدة كذلك.
وإلى جانب ذلك، كله، فإن الواقع الإنساني المرير الذي تشهده مساحات واسعة من الجغرافيا البشرية، ويسود حتى في بعض البلدان الغنية بثرواتها، يلفت الانتباه إلى قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، التي تستلهم قيادة المؤسس الكبير المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ورؤيته التي سار عليها رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله.
وبهذا، فإن الاحتفال بالذكرى العاشرة لتولي سموه مسؤولياته الوطنية، هي أكثر من احتفاء بالمسؤوليات التي تولاها، وهي بالدرجة الأولى احتفاء بأعوام من العمل والإنجاز المتحقق على أرض الواقع، واستبشار بالخطط والاستراتيجيات التي هي قيد التحقق، بفضل الرؤية الثاقبة التي رسخت مفاهيم البناء في مواجهة معاول الهدم التي تنتشر في العالم، وقيم التسامح مقابل الأفكار المتشددة التي تقصي الآخر، وأحياناً تحاول إلغاءه. وبالأساس، تضعنا المناسبة أمام تأمل التجربة المذهلة، التي تجسدت في الدولة وفي إمارة دبي، التي كان سموه في طليعة قادتها، ومحفزيها، ومخططيها، وبناتها.
الحكم الرشيد
إذا كان لا بد من اختيار عنوان واحد للحديث عن قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فإن المرء لا يجانب الصواب حينما يتجه عقله إلى مفهوم الحكم الرشيد، الذي يتصدر اليوم قائمة المفاهيم العالمية المتداولة؛ ويمتلك حضوراً كبيراً يومياً في دولة الإمارات العربية، وفي دبي على وجه الخصوص...
وهو واحد من الأفكار التي تحضر في توصيات وتوجيهات سموه، وتجسد في ممارسة سموه لمسؤولياته القيادية على المستويين المحلي والاتحادي، فظهر في إمارة دبي باهراً، وفي دولة الإمارات يظهر جلياً، ويترجم يومياً في مجال إسعاد الشعب، وتعميق الروابط بين القيادة بالشعب. إن مفهوم الحكم الرشيد، بحسب الأمم المتحدة، يختزل في مضمونه مفاهيم التنمية المستدامة وسيادة القانون والإدارة القوية والشرعية وفعالية تطبيق القانون والمجتمع القابل للتغيير والتطور.
ويتطلب في المقدمة وجود قيادة مميزة ومرنة؛ قادرة على وعي وفهم حاجات المجتمع والدولة، ومن ثم وضع الخطط لتلبيتها والاستجابة لها، وصولاً إلى إسعاد الناس، إلى جانب وجود قوانين وأنظمة وتشريعات ولوائح متداولة ومتعارف عليها وشفافة. ويمكن للمتتبع أن يلحظ حضور هذا المفهوم في فكر وممارسة سموه، الذي وضع لكل عمل وجهد بنك أهداف، يمضي كل واحد منها إلى تحقيق مستحيل صعب المنال، وتحويله إلى ممكن متاح.
وفي هذا، فإن سموه الذي يعلي من قيمة الهدف السامي في إسعاد الناس، وجه عبر قيادته إلى تحقيق الإنجازات سواء المادية منها أم المعنوية أم الإنسانية، فإلى جانب البنية التحتية والعمران المذهل، فإن التحفيز على مواكبة التطورات في المجالات العلمية والتكنولوجية والرقمية والإبداعية، يقابلها حرص على ترجمة عوائد كل ذلك في التأثير الإيجابي على حالة المواطن والإنسان في دولة الإمارات، وكذلك ملامسة واقع الإنسان في المجتمعات الأخرى.
إن كلمات وتوصيات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، تعكس الأسس التي تقوم عليها الدولة، حيث إن السعادة هي جوهر الابتكار والإبداع، في رؤية جَسور وضعت الإمارات في مصاف الدول المتقدمة والرائدة في طريقة تفكير حكوماتها وتطبيق المبادرات الخلاقة، التي لا تعترف بالمستحيل، ولا تثنيها الصعاب.
قيادة سموه
تميزت قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، بالحرص على إحداث التنمية المستدامة وسيادة القانون، كما تميزت بإدارتها القوية، والحرص على فعالية تطبيق القانون، وتحفيز المجتمع على التغيير والتطور المستمرين. ولعبت قيادة سموه دوراً جوهرياً في إيجاد القوانين والأنظمة والتشريعات واللوائح الشفافة، التي تحكم مسيرة التنمية الشاملة، بما يوضح الأدوار والواجبات والحقوق، بالنسبة لجميع الأطراف الفاعلة في هذا المجال، بما يخلق بيئة من النزاهة، وتؤمن العدالة، وتكفل الحقوق.
لم تغفل قيادة سموه عن جوهر الحكم الرشيد، الذي يقتضي من ممارسة السلطة السياسية وإدارة شؤون المجتمع وموارده، فكان مثالاً في العناية الدقيقة والمتابعة الحثيثة لمختلف البرامج والخطط والاستراتيجيات في كافة مراحل إعدادها وتنفيذها، وضمان أن تسهم بفعالية في تحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي. وشمل بنهجه القيادي هذا مؤسسات الدولة كافة، بالإضافة إلى القطاع الخاص.
وضمنت قيادة سموه تنمية موارد الدولة، الموارد القصيرة والطويلة الأمد، وتوفير النزاهة والمساءلة، واحترم المصلحة العامة والمحافظة عليا؛ وإرساء بنيان دولة قانون ومؤسسات، والحرص على أن تكون خطط التنمية استراتيجية وواضحة ومرنة، تؤمن توفير المشاركة وسيادة وحكم القانون، وتمكين الشفافية والمساءلة. وإعلاء قيم العمل من أجل خدمة المجتمع. إلى جانب كفالة المساواة وتكافؤ الفرص، وتلبية حاجات المواطن والمقيم، مع التشديد على المحاسبة.
في الجوانب الاقتصادية، برزت قيادة سموه في عمليات التخطيط، والاختيار والمفاضلة بين البدائل، واتخاذ القرار في القضايا التي من شأنها تطوير وتنويع النشاط الاقتصادي للدولة، بما يحقق الرفاهية والحياة الأفضل للإنسان.
كما اعتنى سموه برفع مستوى مساهمة الدولة في تحسين شروط العيش على المستوى العالمي، سواء من خلال تحمل المسؤولية الإنسانية تجاه الإنسان في بلدان الكوارث والاضطرابات والفشل التنموي، أو على صعيد المشاركة مع العالم المتقدم في دفع الإنجازات العلمية إلى الأمام، ولا أدل على ذلك من المشاريع العالمية الطموحة مثل مسبار الأمل، ومتحف المستقبل وغيرها الكثير.
وفي الجانب السياسي، فإن قيادة سموه المتميزة حاضرة في رسم السياسة العامة للدولة وعلاقاتها الداخلية والخارجية بما يحقق الاستقرار والأمن والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، معززاً ذلك برؤيته الرشيدة في المجال الإداري، والقرارات المتعلقة بالجوانب التنفيذية لكل ما يتعلق بالحياة الاقتصادية والسياسية والتنموية.
شخصية قيادية
قلة هم القادة الذين يصنعون التاريخ؛ وأقل هم من يضعون بلدانهم على خارطة المستقبل. وفي العادة يقال إن هناك قادة يبيعون الأوهام لشعوبهم، وآخرين يقدمون لهم الخطط والبرامج، ولكن يصعب أن يكون من بينهم من ينفذها. إلا أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ليس من هؤلاء ولا أولئك. بل هو من القلة النادرة التي تحلم وتحقق حلمها. وكم من حلم رآه الناس تحدياً غير ممكن، ولا مجال للتفكير بتحقيقه، غير أن سموه بعزيمته وتصميمه، حوله إلى واقع متحقق.
وفي حالات نادرة أخرى، صنع فرد واحد تاريخ شعب ودولة معاً. ويمكن هنا أن تشهد دبي في كل ناحية من نواحيها على دور سموه، فالبنيان والعمران والنهضة الشاملة، بكل أبراجها ومرافقها الهائلة المذهلة تؤشر على قامة شامخة، بفكر متقد، وإرادة لا تلين، لا يتوقف طموحها عند تحقيق الممكن الكبير، ولكن تسعى إلى خوض تجربة متواصلة مع تحدي المستحيل، والانطلاق بالسرعة القصوى.
لدى الحديث عن قيادة سموه، فإننا نتحدث عن نوع من القادة الذين صنعوا مستقبل بلدانهم، مثل السياسي الماليزي مهاتير محمد الذي تولى رئاسة الوزراء في بلاده، فكان له دور محوري في تقدم ماليزيا بشكل كبير، وتحويلها من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية إلى دولة صناعية متقدمة، يساهم قطاعي الصناعة والخدمات بما يقرب من كامل الناتج المحلي الإجمالي.
ومن هؤلاء القادة الذين يذكرون في هذا المجال، مؤسس سنغافورة الحديثة وباني نهضتها، لي كوان يو، الفرد الذي صنع تاريخ دولة، الذي نقل بلده من فقر آسيا المدقع، إلى واحدة من الاقتصادات القائدة في العالم. وليس غريباً أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ارتبط بعلاقة خاصة مع صانع نهضة سنغافورة الحديثة مؤسسها.
ويمكن أن نلاحظ هنا أن الجذر المشترك، بين القادة الذين صنعوا وحققوا أحلام أممهم هو نزعتهم إلى »الحكم الرشيد«، وإيمانهم أن »المستقبل يبدأ اليوم«.
الإنماء الإنساني
لا يكتمل الحديث عن تجربة سموه دون الإشارة إلى الدور الذي تضطلع به قيادته في مجال الإنماء الإنساني، ودورها في إيجاد قيادات شابة في كل المجالات، الأمر الذي يجسد التجربة الكبيرة التي تبدأ بالإنسان ولا تنتهي به، ولكنها تفضي به إلى السير على درب التطور المستمر، بدءاً من تقديم الفرص والتحفيز المستمر، الذي تجسده كلمات سموه التي تقول:
»انتبه لأفكارك فإنها تصير كلمات، وانتبه لكلماتك فإنها تصير أفعالاً، وانتبه لأفعالك فإنها تصير عاداتك الملازمة لك، وانتبه لعاداتك فإنها تكوّن شخصيتك، وانتبه لشخصيتك فإنها تحدد مصيرك«. وقوله: »أنا لا أحاسب شخصًا يعمل خطأ، فمن يعمل لابد أن يخطئ، ونحن نقف مع الشخص الذي يحاول ويبتكر وإن أخطأ«.
إسعاد المواطن
يقع مفهوم إسعاد المواطن في صلب غايات الحكم الرشيد؛ ويلاحظ المتابع أن كلاً من المفهومين إسعاد المواطن والحكم الرشيد يحضران بقوة في توجيهات وتوصيات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد.
ويقول سموه، موضحاً رؤيته لعلاقة الحكومة بالشعب: »الواجب الأول للمسؤول هو إسعاد شعبه وتوفير متطلبات أمنه واستقراره ورفاهة وتقدمه وتطوره«. كما يقول موضحاً رؤيته للحكم الرشيد: »الحكومة ليست سلطة على الناس، ولكنها سلطة لخدمة الناس؛ لذلك فإن مقياس نجاح الحكومة هو رضا المتعاملين معها«.
الإسهام في الإنجاز العالمي
ن أبرز سمات قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أنه لا يتوقف عند حدود بناء بلاده وتنمية إنسانه، بل يذهب إلى رفع مساهمة دولة الإمارات في المنجز العالمي إلى حدود غير مسبوقة. وقد تجاوز ما تحقق على صعيد مساهمة الدولة في الاقتصاد العالمي إلى مجالات ظلت إلى وقت قريب حكراً على الدول الكبرى؛ فأطلق مشروع مسبار الأمل إلى المريخ، الذي يريد منه أن يكون محفزاً للشباب العربي في اقتحام باب الإسهام في مجالات غير مسبوقة بالنسبة لعالمنا.
الريادة والمراتب الأولى
تحرص قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على تعزيز قيم الريادة واحتلال المراتب الأولى، في جهد دؤوب قاد إلى امتلاك الدولة رصيداً كبيراً من حالات التفرد التي يشار لها بالرقم واحد.
ويقول سموه: »لا تنظر إلى الخلف لتراقب من يتبعك، بل تطلع إلى الأمام لتتصدر الجميع«. وجسدت قيادة سموه هذه المقولة على مستويات كثيرة، من أبرزها الأداء ومستوى الخدمات وحجم الإنجازات. هذا فيما تبقى قيادة سموه تسعى للأفضل، وترى أنه »في سباق التميز ليس هناك خط للنهاية«.