ترسم العديد من مقالات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، ملامح دلالية ورمزية فيها السمات البارزة والواضحة في إيجاز الفكرة والتكثيف المتقن للمعنى. مقالات تأخذ مسارها المتسق مع المشهد الاجتماعي والثقافي والمتأثر بالسمات السياسية المتغيرة لواقع التحولات في المنطقة والعالم، لتجد دائما أصداء متجاوبة تفحص كلماته الملهمة .
مستقبل الشعوب
إن المتأمل لمجمل مقالات سموه حول القضايا المحلية والعربية على وجه الخصوص يجد أنها تبحث في عمق المسائل الفكرية والعملية من وجهة نظر سموه المتبوعة بمواقف واضحة وحازمة مبنية على رؤى حصيفة متبصرة تتطلع للمستقبل بعين حكيمة وتتأمل الذات بين الماضي والحاضر، وخير دليل على ذلك مقال سموه الذي جاء بعنوان «لماذا نريد استضافة العالم في 2020؟» الذي يدور في إطار الانفتاح الثقافي وتواصل العقول من أجل بناء مستقبل أفضل.
وحملت أفكاره رسائل واضحة لرؤية ومبادرات سموه إلى العالم حول أهمية منطقة الشرق الأوسط ودورها الحضاري التاريخي المنفتح على كافة الثقافات، وصانعة الإبداعات حيث تأخذ دولة الإمارات موقعها الريادي بفضل موقعها الوسطي فهي تبعد ثماني ساعات فقط عن ثلثي سكان العالم.
فضلاً عن أنها اليوم مركز لالتقاء الشعوب ووعاء تمتزج فيه الحضارات والثقافات، لتعطي البشرية إبداعات جديدة، كما سلط مقال سموه الضوء على أهمية التواصل الحضاري بين شعوب العالم كافة بوجه عام وشعوب المنطقة العربية بشكل خاص.
يقول سموه: «إذا كان تواصل الثقافات المختلفة يبني مستقبلاً أفضل فكيف بتواصل أبناء الثقافة الواحدة والدين الواحد واللغة الواحدة؟ منذ أكثر من ستة عقود ونحن نسعى لتحقيق تواصل وتفاعل إيجابيين بين دول المنطقة وشعوبها، تواصل تتوحد فيه العقول قبل الحدود، وتنفتح فيه القلوب قبل أن تفتح الأسواق، وتتوحد فيه الإرادات قبل أن تتوحد فيه العملات، نريد أن نحقق تواصلاً حقيقياً نبني عبره مستقبلاً أفضل لأبناء المنطقة وشبابها.
حان الوقت لتستعيد فيه منطقتنا دورها التاريخي والحضاري. لقد حدد تاريخنا قدره بأن نكون أمة عظيمة، ويجب أن يجسد مستقبلنا هذا القدر».
البعد الإنساني
البعد العربي ذو المد القومي المستنير لم يغب عن مقالات سموه الموجهة لشعوب المنطقة العربية والمحملة بالقيم والمواقف الاستثنائية لكاتب مثقف كبير واسع الأفق والاطلاع، كثيف القراءة وكثير التنوع في قراءاته ابتداء من الشعر والنثر والقصة والرواية والاقتصاد والتاريخ وعلم النفس والفلسفة، فهو كاتب متعدد الكفاءات وعميق في رؤيته وتحليلاته للأحداث والوقائع، يمتلك أسلوباً رشيقاً في الكتابة وسلساً في التعبير عما يدور في البيت العربي الكبير.
متناولاً الشأن الإماراتي الخليجي العربي الدولي والتزام الدفاع عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني إلى جانب مواقفه الإنسانية إزاء القوميات والشعوب الأخرى وذلك نابع من حس سموه الوطني والقومي، فبقدر ما يحترم ويحب وطنه وشعبه يحترم ويقدر القوميات والشعوب الأخرى، ويثمّن عالياً نضالها في سبيل الحرية والديمقراطية والسلام والعدالة الاجتماعية.
منهجية الابتكار
إن ما تضمنته مقالات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تجسد روح الكاتب الباحث والدقيق في ملاحظته المكللة بالإرث الثقافي وسلوكه الإنساني، وحبه وتشجيعه للمعرفة، وحيويته الفائقة في المتابعة الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وجاء ذلك جلياً في مقاله «الدول بين الابتكار أو الاندثار»، الذي ناقش فكرة تكوين الحكومات المبتكرة القائمة على فلسفة ومنهج مؤسسات القطاع الخاص تزامنا مع تصنيف حكومة الإمارات الحكومة الأكثر كفاءة عالمياً في الكتاب الأخير للتنافسية الدولية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية بسويسرا، حيث أكد سموه أن سر تفوق الأداء الحكومي في دولة الإمارات يعود إلى آلية العمل في القطاع الحكومي التي تعمل بنفس منهجية المؤسسات الخاصة وتتبنى أفضل ممارساتها.
وتقاس أعمالها وخدماتها بمعاييره نفسها، ومن جانب آخر فقد شجع سموه على الإبداع والابتكار في بيئة الدولة التي توظف الطاقات نحو آفاق جديدة، وتوافق مواهبهم، ويصبح تحقيق أحلامهم وطموحاتهم ممكناً، وهذا أحد أسرار نجاح الدول التي تشجع شعوبها على الابتكار.
يقول سموه: «في العالم الذي نعيش فيه اليوم، الذي أصبحت فيه حركة العقول والمواهب والمعلومات مفتوحة كما لم يحدث في تاريخ البشرية من قبل، أصبحت مدن العالم المختلفة تتنافس لتوفير البيئة الأذكى والأكثر إبداعاً لاستقطاب هذه المواهب والاستفادة منها لبناء قوتها وتميّزها وزيادة تنافسيتها، الحكومات المبتكرة هي حكومات جاذبة للمواهب، فعّالة في الأداء، متجددة في الأنظمة والسياسات والخدمات.
الحكومات المبتكرة هي القاطرة الأساسية لنهضة الشعوب وتقدّم الدول وارتفاع شأنها. الحكومات المبتكرة تطلق طاقات الشعوب، وترفع من قيمة عقل الإنسان، وتحقق الحكمة الربانية في أن نكون خلفاء الله في أرضه... الابتكار هو أن تكون أو لا تكون: أنا حكومة مبتكرة، إذاً أنا حكومة موجودة».
توجهات قومية
من جانب آخر يمدنا صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بالكثير من المعلومات عن واقع الحياة الثقافية والعلمية في الوطن العربي الذي هجرت عقوله المفكرة إلى الخارج، نظرا لتبعات الضغوط المهنية والصراعات الفكرية والحوارات حول استقلالية المنهجية العملية والفكرية وتطويرها وتفاعلها وتلاقحها الطبيعي مع الثقافة العالمية.
حيث لقي مقاله، بعنوان «الهجرة المعاكسة للعقول»، صدى إعلامياً عالمياً كبيراً، وتمّت ترجمته إلى 16 لغة في 49 بلداً حول العالم، وتمّ نشره في 59 صحيفة حول العالم، خلال أسبوع واحد فقط من ظهوره الأول، حيث تتطرق لقضية عالمية مهمة عن ملايين الكفاءات والعقول حول العالم.
إذ أوضح سموّه تغييرات مهمة في اتجاهات هجرة العقول عبر العالم مستنداً إلى دراسات جديدة في هذا المجال، كما أوضح سموّه في المقال الأسباب التي جعلت دولة الإمارات تتصدر دول العالم في جاذبيتها للمواهب والعقول.
وظهر المقال في صحف 12 دولة أوروبية، و15 دولة آسيوية، إضافة إلى الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين، والصحف الرئيسة في عدد كبير من الدول العربية والأفريقية.
بدأ سموّه مقاله بموقف تعرّض له أثناء دراسته في كلية مونز العسكرية في المملكة المتحدة، حيث أشار سموّه إلى الواقع الصعب الذي كان يدفع أفضل العقول العربية إلى الذهاب إلى جميع أصقاع الأرض بحثاً عن الفرص والأمل في حياة أفضل، ثم أشار سموّه إلى دراسات حديثة أكّدت أن هجرة العقول بدأت تأخذ اتجاهاً عكسياً في الفترة الأخيرة مع تغير اتجاهات الاقتصاد العالمي.
موضحاً سموّه أن «الصورة ليست قاتمة دائماً، وأن التاريخ لا يسير في اتجاه واحد، والعالم ليس مكاناً ثابتاً، حيث أشارت الدراسة إلى تصدّر الإمارات، ومعها مجموعة من الاقتصادات الصاعدة، كوجهات رئيسة لاستقطاب العقول والكفاءات العالمية، وتصدّرت دول مثل إسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة وإيطاليا وإيرلندا الدول المصدرة لهذه الكفاءات.
وأكّد سموّه في مقاله أن حلول دولة الإمارات في المركز الأول عالمياً في استقطاب العقول ـ كنسبة مئوية ـ يمكن أن يعطي نموذجاً يمكن البناء عليه أمام كثير من الدول الأخرى.
رؤى سياسية
يعد مقال «داعش التي وحدت العالم» مثالاً على قدرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الفذة ذات الأبعاد المستقبلية بمنهجية التقاط رجل الدولة الحكيم والمحنك في قراءته للأحداث وقدرته على التعبير المكثف عما يسعى إليه .
وهذا ليس بغريب على سموه ككاتب يمتلك ناصية فن القصة القصيرة وناصية اللغة والقدرة الباهرة على تكثيف الكلمات لمعانٍ كثيرة، حيث تمت ترجمة المقال إلى أكثر من 19 لغة في 50 بلداً حول العالم، وتم نشره في 63 صحيفة عالمية.
وذلك خلال أسبوعين فقط من ظهوره الأول، حيث تناول سموه في مقاله خطر داعش من زوايا جديدة، وطرح حلولاً أكثر شمولية وتنموية، وركز في مقاله على خطر وأهمية البنية الفكرية للتنظيم أكثر من البنية العسكرية.
حيث دعا سموه لمقاومة فكر داعش بفكر أكثر انفتاحاً واستنارة وتقبلاً للآخر، كما تطرق في مقاله إلى أهمية الحكومات القوية المستقرة الجامعة التي تركز على تقديم خدمات حقيقية لشعوبها دون تفرقة كأحد الحلول المهمة للقضاء على البيئة التي تنشط فيها مثل هذه التنظيمات.