أرجعت طبيبات ومواطنات انخفاض نسبة الخصوبة بين المواطنين إلى تأخر سن الزواج، والعمل لساعات طويلة واهتمام المرأة بالعنصر الجمالي، إضافة لقوانين الموارد البشرية التي تمنح المواطن بدلات وعلاوات لثلاثة أبناء فقط، وعدم زيادة عدد الأبناء المشمولين بهذه البدلات في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، وهو ما يدفع بالمواطنين لتبني فكرة الأسر النووية التي لا يزيد عدد أفرادها على خمسة.
وكشف تقرير أطلقته كلية »محمد بن راشد للإدارة الحكومية« عن تدني معدل الخصوبة في دبي 3.1 طفل لكل أسرة، ، وخلصت الدراسة إلى توصيات تهدف إلى رفع معدلات الخصوبة والإنجاب.
واستعرض التقرير الأسباب الرئيسة لانخفاض معدلات الإنجاب في إمارة دبي، وفقاً لما جاء في استبيان أجرته الكلية شمل عدداً من مواطني دولة الإمارات في دبي، وتوزع على مختلف الفئات العمرية والحالات الاجتماعية.
وتضمنت الأسباب ارتفاع تكاليف المعيشة، وتأخر سن الزواج وانضمام النساء إلى سوق العمل، كما جاء ضمن الأسباب الرئيسة ارتفاع تكاليف الزواج والرغبة الشخصية في عدم الإنجاب والانشغال بالعمل والرغبة في قضاء المزيد من الوقت لبناء حياة علمية ومهنية.
طبيبات الإخصاب والولادة في الدولة أشرن إلى أن هناك علاقة بين أمراض العصر وتراجع نسبة الإخصاب بنسب متفاوتة عالميا، بسبب ارتفاع نسبة السمنة أو الإصابة ببعض الأمراض المزمنة وفي مقدمتها السكري والأوعية الدموية والشرايين، إضافة إلى مشاكل لم تكن أيضا منتشرة بين الإناث مثل بطانة الرحم المهاجرة أو تكيس المبايض.
تقرير
أما ما يقال عن تراجع نسبة الإخصاب، فكلها تخمينات واجتهادات شخصية، لا تستند إلى حقائق قائمة على دراسات وأبحاث على مستوى الدولة، وإنما تستند إلى تقرير للأمم المتحدة »نساء العالم 2010«..
الذي أشار إلى أن خصوبة المواطنات في الدولة، انخفضت لأكثر من النصف خلال السنوات الثلاثين الماضية، لتمثل أقل المعدلات في منطقة الخليج العربي. حيث إن المعدل انخفض من 5.2 لكل امرأة بين عامي 1980-1985 إلى 1.0 خلال السنوات الخمس الماضية، دون ذكر المصدر الذي استند إليه التقرير.
أمراض العصر
طبيبات الإخصاب والولادة في الدولة، أشرن إلى أن هناك علاقة بين أمراض العصر وتراجع نسبة الإخصاب بنسب متفاوتة عالمياً، بسبب ارتفاع نسبة السمنة أو الإصابة ببعض الأمراض المزمنة، وفي مقدمها السكري والأوعية الدموية والشرايين، إضافة لمشاكل لم تكن أيضاً منتشرة بين الإناث، مثل بطانة الرحم المهاجرة أو تكيس المبايض. وإلى التفاصيل في سياق التحقيق التالي:
ساعات طويلة
ابتهال أحمد الناجي، ترى أن من أسباب تدني نسبة الأنجاب، هي غلاء المعيشة وساعات العمل الطويلة وطبيعة العمل نفسه، التي قد تتطلب مجهوداً بدنياً أكبر، سواء للرجل أو المرأة على حد سواء، فضلاً عن عدم الاهتمام بالتغذية السليمة، الأمر الذي يؤثر في الصحة العامة، والصحة الجنسية بشكل خاص.
وطالبت ابتهال بتخفيض ساعات العمل للرجل والمرأة، على حد سواء، ورفع سقف علاوة الأبناء وبدلات التعليم والصحة، وزيادة عدد الأبناء المشمولين بهذه البدلات، ومن ناحية أخرى، أشارت إلى أن برنامج التأمين الصحي الذي يشترك فيه أغلب موظفي حكومة دبي، لا يفي باحتياجات الأسرة، ولا يوازي برنامج »سعادة«، الذي يوفر أرقى معايير الحياة الصحية السليمة للمواطنين.
التخطيط الذكي
من جانبها، نفت شمسة صالح المديرة التنفيذية لمؤسسة دبي للمرأة، أن يكون للطموح المهني علاقة بتدني نسبة الإنجاب في دبي، وأرجعت السبب إلى عدم القدرة على خلق التوازن بين البيت والعمل وأعباء الحياة المختلفة..
مشيرة إلى أهمية التخطيط الذكي للحياة منذ البداية، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني، أو حتى الأسري، إذ إن التخطيط يعتبر من أساسيات النجاح في المستقبل والحياة بشكل عام، حيث يعمل كوسيلة ربط بين المجهودات والتطلعات. وأشارت إلى أن هناك الكثير من الأمهات غير عاملات، ومع ذلك لا يدرن أوقاتهن مع أبنائهن بشكل سليم..
فقد يقضين معظم أوقاتهن خارج المنزل مع صديقاتهن، في حين وجدن مع أبنائهن في المنزل، قد ينشغلن عنهم بوسائل التكنولوجيا الحديثة، أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى بمشاهدة التلفاز، موضحة أن الجدوى تعود إلى وجود الوقت ومدى استغلاله والاستفادة منه، عبر إدارته بشكل سليم.
وأكدت شمسة أن نجاح المرأة العاملة لا يتعارض مطلقاً مع أمومتها، من خلال تحقيق التوازن بين مسؤولية العمل، وتربية الأبناء ورعاية شؤون أسرهن، مشيرة إلى أن اهتمام القيادة وتحفيزها للمرأة، حقق لها التوازن بين مهامها الوظيفية والأسرية، فالأم هي رمز للعطاء الذي لم يقف عند حدود أبنائها، بل يشمل حياتها المهنية، ليكون من دون حدود.
تحقيق التوازن
وتضيف: الأم التي تعمل هي الأم الأكثر نجاحاً واستقراراً في حياتها، فهي مثال للمرأة الناجحة، التي تنجح بالتوازن والتوفيق ما بين العمل و»الأمومة«، وهي الأكثر نجاحاً في علاقتها بأبنائها..
حيث تكون أكثر اطلاعاً ودراية، ما يسمح لها أن تقوم بوظيفتين في آن واحد مع أبنائها، وظيفة »الأم« ووظيفة »الصديقة«، وبالتالي، الأبناء يكونون أكثر حصانة من مختلف الأخطار التي تحدق بهم، فضلاً عن تعزيز ثقتهم بأنفسهم. وأشارت إلى أن الكثير من الدراسات العلمية والإحصائية عربياً وعالمياً حول المرأة والأم، أثبتت أن الأم غير العاملة، رغم تفرغها لرعاية أبنائها والتقرب منهم..
فقد تنعكس عليها ضغوط المنزل والملل سلباً عليها وعلى أبنائها، إضافة إلى أن إبداعاتها كأم تكون محدودة، في المقابل، تجد الأم العاملة أكثر مرونة في التعامل مع أبنائها وأكثر إبداعاً وعطاء.
قرار جريء
إيمان خميس مديرة قسم الحفلات الاجتماعية في أحد فنادق دبي، دفعها شغفها الوظيفي إلى اتخاذ قرار جريء، بعدم الإنجاب، لرغبتها في تطوير نفسها مهنياً، والوصول إلى مراتب أعلى، من خلال زيادة معارفها وخبراتها التي تتيح لها فرصة الارتقاء الوظيفي.
وتقول إيمان: لم أشأ أن أظلم أبنائي في حال أنجبت، إذ إنني أقضي نصف يومي في عملي، وقد أضطر لقضاء اليوم بكامله، خاصة في المناسبات والاحتفالات، الأمر الذي يتعارض مع وظيفتي كأم، إذ إن انشغالي سيؤثر حتماً سلباً في أبنائي، وهذا ما تفاديته بقراري. وأضافت أنها تسكن في منزل بعيد عن منزل أهلها وأهل زوجها..
وبالتالي، لا تستطيع أن تعتمد عليهم في الاعتناء بأبنائها، وتعتبر ذلك سبباً آخر لقرارها بعدم الإنجاب، مشيرة إلى أن طبيعة عملها في القطاع الخاص، رغم أنها تعشقه، إلا أنه لا يتيح لها الوقت الكافي للتواصل الاجتماعي مع أفراد العائلة والأصدقاء بسبب ساعات العمل الطويلة.
ثقة
أوضحت شمسة صالح، أن العمل يعزز ثقة الأم والمرأة بشكل عام بنفسها، وهذا ينعكس بالضرورة على أبنائها الذين تغرس فيهم بدورها بذرة الثقة في أنفسهم، وتمنحهم الفرصة للاعتماد على النفس، والسير في طريق النضج بسرعة.
عوامل صحية تسبب تراجع الخصوبة
قالت مديرة مركز حسنية قرقاش الخاص بالإخصاب الدكتورة حسنية قرقاش إن انخفاض نسبة الخصوبة عند المرأة أمر لا مفر منه مع التقدم في العمر..
فمثلا اذا كانت نسبة امكانية الحمل بالنسبة للمرأة التي يقل عمرها عن الثلاثين عاما هي 80_ 90% كل شهر فإن هذه النسبة تنخفض الى 20-30% للمرأة بعد الأربعين، لأن المبيض يبدأ فقدان وظيفة الإنجاب والإخصاب، وبالتالي فإن افضل المراحل العمرية للإنجاب هي تلك الممتدة بين 20 و35 سنة.
وأضافت أنه الى جانب الكثير من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على حياة الاجيال الشابة وتقليد المجتمعات الغربية هناك أسباب وعوامل صحية تسببت في تراجع نسبة الإخصاب عند الطرفين وأهمها بالنسبة للرجل الاصابة ببعض الأمراض المزمنة ومنها على سبيل المثال السكري، الذي تعد نسبة الاصابة به مرتفعة في الدولة، وبعض الأمراض السرطانية، إضافة الى السمنة المفرطة.
ناهيك عن بعض الأمراض الأخرى التي قد تصيب نسبة من البنات مثل تكيس المبايض او بطانة الرحم المهاجرة.
جانب جمالي
وتابعت أنه الى جانب العوامل الصحية هناك ايضا عامل اهتمام المرأة بالجانب الجمالي والمحافظة على جسمها، اذ انه يوجد اعتقاد ان كثرة الحمل والولادة تؤدي الى ترهل الجسم واحيانا الى زيادة الوزن، وكذلك تأخير سن الزواج سواء بالنسبة للرجل أو المرأة لأسباب منها التعليم ..
حيث كان الأهل يصرون على زواج ابنهم او ابنتهم بمجرد بدء مرحلة البلوغ إما للتباهي او زيادة تعداد أفراد العائلة، أما الآن فاصبح العديد من المواطنين يتطلعون لتعليم ابنائهم الدراسة الجامعية وبمعنى آخر هناك ظاهرة تأخير سن الزواج للطرفين ومن ثم تأتي بعدها عملية البحث عن الوظيفة المناسبة أي أن سن الزواج تأخر عن السابق من 5- 10 سنوات.
جوانب صحية
من جانبها، أوضحت الدكتورة منى تهلك، المدير التنفيذي لمستشفى دبي أنه لا توجد دراسات تؤكد تراجع نسبة الاخصاب، ولكنها أكدت ظهور أمراض لم تكن ملحوظة بشكل كبير في السابق مثل بطانة الرحم المهاجرة وتكيس المبايض التي تمثل تقريبا ثلث الحالات التي يتم الكشف عليها في العيادات المتخصصة في المستشفى.
واضافت أن من الأسباب الأخرى الشائعة لانخفاض نسبة الخصوبة السمنة، حيث نجد نساء صغيرات في العمر ولكن أوزانهن الزائدة تسبب الكثير من المشاكل ومن أبرزها تكيّس المبايض، فزيادة خمسة كيلوغرامات عن المعدل الطبيعي قد تؤدي إلى تكيس المبايض
ولفتت الدكتورة تهلك إلى ان السبب الآخر والمنتشر ايضاً في الدولة يتمثل في حالة بطانة الرحم المهاجرة، الذي يصيب النساء في مرحلة الخصوبة، والذي ينتج عن خروج خلايا بطانة الرحم وبقائها خارج الرحم في أماكن مختلفة في الجسم على شكل عقد صغيرة أو كتل مشيرة الى ان المرض يصيب ما بين 7% -10% من النساء.
وترى استشارية ورئيس قسم النساء والولادة أن حل مشكلة انخفاض الخصوبة يتمثل في عدم تأخير سن الزواج، لأنه كلما تأخر سن الزواج، قلّت فرص الحمل والخصوبة، وزيادة وعي المرأة لمواعيد دورتها الشهرية حتى تكون ملمة بفترات الخصوبة والوقت المناسب للحمل. والحل الآخر والمهم مراجعة الطبيب في حال تأخر الحمل لأكثر من سنة على بدء المحاولة بالحمل ليتم كشف الحالة وتلقي العلاج الملائم.
تكيس المبايض
وقالت الدكتورة تهلك ان مرض تكيس المبايض يعد من اهم اسباب تراجع نسبة الخصوبة ويعتبر من الامراض الشائعة جدا في الدولة وتتفاوت نسبة الإصابة به من بلد إلى آخر والمعدل العام لنسبة الإصابة يتراوح من 5-10% وهناك تزايد لهذه النسبة بدون معرفة الأسباب.
واشارت الى ان الأسباب الحقيقية لظهور المرض غير معروفة مشيرة الى ان أكثر الأعمار إصابة بهذا المرض هو في سن المراهقة حيث تحدث زيادة سريعة للوزن في هذا العمر وكذلك تحدث تغيرات هرمونية سريعة أيضا. بعض الدراسات تبين أن فعالية مستقبلات هرمون الأنسولين لها علاقة بالموضوع كما أن بعض الأدوية مثل علاج الصرع تؤدي إلى ظهور هذه الأعراض لدى مستخدميها.
عقم الرجال
أشارت الدكتورة حسنية قرقاش إلى دراسة بريطانية ظهرت منذ عدة سنوات بينت أن كثرة استخدام الهواتف المتحركة تسبب عقما للرجال بسبب الإشعاعات الكهرومغناطيسية التي تفرزها تلك الأجهزة على الخلايا المحفزة في الدماغ إضافة الى العمل لساعات طويلة في المكاتب خلف أجهزة الكمبيوتر، وما صاحبها من الاعتماد على الوجبات السريعة، والتدخين، إضافة إلى عدم ممارسة الرياضة .
متغيرات اجتماعية
أشارت الدكتورة منى البحر، رئيسة لجنة التربية والتعليم في المجلس الوطني الاتحادي، إلى أن بعض المتغيرات الاجتماعية تعتبر عاملاً مهماً في تدني نسبة الخصوبة، من ضمنها ساعات العمل الطويلة، والرغبة في التطور التعليمي والمهني، وعدم توافر دور للحضانات في بعض أماكن العمل.
وأشارت إلى أن نسبة الخصوبة في دبي تعتبر مؤشراً لضرورة صياغة سياسات جديدة وتفعيل الجاري منها لتمكين المرأة، مثل ساعات الدوام المرنة، وتفعيل مبدأ العمل عن بعد، خاصة للمرأة التي لديها أطفال في سن صغيرة ويحتاجون إلى عناية..
لافتةً إلى أن بعض المهن يصلح معها العمل عن بعد، خاصة في ظل تقدم وسائل التكنولوجيا، وأوصت بوضع معايير جديدة لتنظيم وتفعيل هذا النوع من العمل في مختلف المؤسسات والدوائر، وأكدت أهمية إيجاد دور حضانة، سواء في مكان العمل أو في المناطق السكنية، لتشجيع الأمهات العاملات على الإنجاب.
مبادرات لتشجيع الإنجاب
قالت شمسة صالح المديرة التنفيذية لمؤسسة دبي في معرض ردها على استفسار »البيان« حول إنشاء الحضانات في القطاع الخاص، بهدف تحفيز المرأة وخلق بيئة عمل جاذبة للمشاركة في سوق العمل:
إن مؤسسة دبي للمرأة تعتزم طرح مبادرات وخطط متكاملة حول هذا الشأن، سيتم الإعلان عنها خلال الفترة المقبلة، كما سيتم طرح بدائل للمؤسسات غير القادرة على توفير دور الحضانات في العمل مثل إنشاء حضانات في الأحياء السكنية وغيرها من المقترحات التي سيتم دراستها بعناية لاختيار الأنسب منها.
وبينت أن هناك دوائر حكومية وفرت حضانات في مقر العمل بينما خصصت أخرى مناطق للعناية بالأطفال، في الوقت الذي قامت مؤسسات أخرى بدفع بدل مادي للموظفين لإلحاق أطفالهم بالحضانات، أو توفير أماكن في الحضانات الخاصة مقابل أسعار رمزية، كل ذلك أثر إيجابا في تقليل نسبة الاستقالات وزيادة الإنتاج.