يرى خبراء ومختصون في الأعمال والبيئة أن «القمة العالمية للحكومات» تكمل ما توصل إليه قادة العالم وحكوماته في مؤتمر باريس للتغير المناخي 2015، وتترجم توصيات المؤتمر باتخاذ خطوات عملية على أرض الواقع، ما يضفي على القمة قيمة إضافية، فمع تزايد الوعي بالمخاطر البيئية والتغيُّر المناخي وندرة الموارد الطبيعية، تتجه الحكومات إلى تبني سياسات تتيح لها الاعتماد على مصادر أخرى للطاقة تمهيداً للاستغناء الكلي عن الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وهو ما تناقشه جلسة في القمة العالمية للحكومات بعنوان «ما هو مستقبل الطاقة المتجددة؟» وتتطرق إلى ماهية هذه المصادر وهل سننجح فعلاً في التخلي عن النفط لإنتاج الطاقة، حيث يطرح جاستين هول تيبينغ رائد الأعمال في مجال أشكال الطاقة الجديدة عدداً من القضايا المتعلقة بمصادر الطاقة وتحديات المستقبل وكيفية توفير بيئة صحية مع تحقيق نمو اقتصادي، كما سيتطرق إلى سبب ضرورة تقليص اعتمادنا على الوقود الأحفوري، والتقنيات والابتكارات التكنولوجية التي ستغير مصادر الطاقة في السنوات العشر المقبلة، وكيف ستؤثر على الاقتصاد العالمي، وما هو المصدر الجديد للطاقة، وكيف سيتم إنتاجه، وما هي مسؤولية الحكومات في الترويج للاستخدام الفعال لمصادر الطاقة وخفض استهلاك الوقود الأحفوري خاصة بعد اتفاقية باريس حول منع ارتفاع حرارة الأرض أكثر من درجتين مئويتين.
التحدي الأكبر
وتتطرق جلسة ثانية إلى أخطر التحديات التي تواجهها البشرية اليوم وفي المستقبل المنظور والمتمثلة في التغير المناخي الذي تخطى حدود النظرية ليتحول إلى واقع يهدد مستقبل العالم. وأزمة المناخ وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، وأبعاد تغير المناخ وتأثيراته على النمو الاقتصادي في العالم، وتأثير تغير المناخ على إنتاج الغذاء ومعدلات الفقر،
ومسؤولية القادة الحكوميين في رسم سياسات بيئية مستدامة تحمي بلدانهم والعالم من مخاطر التغير المناخي، وما الذي يتوجب على صُنَّاع السياسات العمل عليه للتغلب على تغير المناخ.
الابتكار
وحول أهمية تبني حلول بيئية تراعي التغير المناخي وتوافر الطاقة المتجددة، يرى أمين الزرعوني، كبير مسؤولي تطوير الأعمال في الإمارات لدى «إس إيه بي» أن الابتكار يسهم في تحقيق تغيرات كبيرة في مشهد الاقتصاد العالمي، وتعد التقنيات الخضراء من أهم العوامل المؤثرة في هذا الإطار. ففي معظم الحالات يتم تطوير التقنيات إلى مرحلة تعطيها إمكانيات كبيرة لتحقيق الأثر المنشود في عدة مجالات مثل استهلاك الطاقة وتقليص الهدر.
ومن خلال تمكين الأعمال من عملية التحول باستخدام حلول متطورة مثل الشبكات وإنترنت الأشياء، يمكننا تقديم المساعدة للشركات وشبكات الأعمال المتصلة تقنياً لتخفيض بصمتها الكربونية. كما أن التطورات المميزة في الأسواق النامية ستتيح إمكانية توليد الطاقة المتجددة بشكل لامركزي من خلال شبكات مصغرة يمكنها بالمحصلة دفع عجلة النمو الاقتصادي.
ولقد وجدنا أن استهلاك الطاقة في مراكز البيانات مرتبط بشكل وثيق بالابتكار وطريقة تبني العملاء للحلول المقدمة، وبطبيعة الحال مع تزايد تحول أعمالنا نحو الحوسبة السحابية، فإننا نرى أن استهلاك الطاقة سيرتفع، وبالتالي أصبحت مراكز البيانات هي نقطة اهتمامنا الرئيسية ضمن جهود خفض بصمتنا الكربونية.
وأضاف الزرعوني أن الظروف تتيح العديد من الفرص، وما على المؤسسات والشركات إلا أن تحاول استغلالها وتبنيها. وكلي أمل بأننا سنرى المزيد من المؤسسات والشركات التي ستبذل الجهود لتبني هذه الفرص والمساهمة في خفض البصمة الكربونية. كما نشجع قادة الأعمال للاستمرار بالتركيز على الإمكانيات المتأتية من تقنيات المعلومات والاتصالات.
ومع ازدياد الأضرار التي يتسبب بها التغير المناخي وآثاره الاجتماعية والاقتصادية، بدأ يتشكل بصورة متزايدة خطر كبير على قطاع الأعمال حيث انه يمكن أن يقود إلى تقلبات كبيرة في الأسعار وشح في المواد الأولية.
ونؤمن بالدور المتنامي الذي يمكن أن تلعبه تقنية المعلومات والاتصالات نظراً للإمكانيات التي يمكن أن تقدمها في الحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري، وهي بالفعل نجحت في ذلك إلى الآن وساهمت بتحسين حياة ملايين البشر. واعتقد أنها لازالت تملك آفاقاً لإمكانية أكبر تأثيراً لتكون أساساً للنمو الاقتصادي المستدام.
بعد نظر
يعتبر الدكتور عماد سعد مستشار استدامة ومسؤولية مجتمعية أن اختيار قمة الحكومات العالمية موضوع التنمية المستدامة من بين المحاور الأساسية التي سوف تناقشها جلسات القمة لهو دليل بعد نظر على المستوى المحلي، واستكمال للجهود الدولية من حيث انتهت، حيث نجد المحور يركز على مستقبل الطاقة المتجددة، ومستقبل البشرية في مواجهة تأثيرات التغير المناخي باعتباره أكبر التحديات على مستوى العالم. هذان المحوران لهما أكثر من مدلول:
الأول أن الطاقة المتجددة أصبحت الشغل الشاغل لكافة حكومات العالم وهدفاً استراتيجياً يعزز التنمية المستدامة، بالتالي فقد وفرت قمة الحكومات العالمية أفضل الممارسات والخبرات الدولية للحديث عن قرب عن هموم وتحديات إنتاج طاقة متجددة لا تنضب، نظيفة تحافظ على الإنسان والبيئة كما توفر احتياجات الحاضر والمستقبل، خصوصاً لو عرفنا أن المنطقة العربية تقع ضمن نطاق أعلى معدل سطوع شمسي بالعالم ما يدفع الحكومات إلى ضخ المزيد من الاستثمارات من أجل معادلة متكافئة بين كلفة إنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري وكلفتها من ألواح الطاقة الشمسية.
حيث بلغت نسبة المقاربة بين كلفة إنتاج الطاقة الشمسية والطاقة الأحفورية حوالي 80 % بالتالي أصبحت منافسة بامتياز للوقود الأحفوري ما يشجع الحكومات على التحول التدريجي بل والسريع نحو طاقة متجددة خالية من التلوث وكلفتها التشغيلية أقل بكثير على المدى البعيد. فالطاقة الشمسية مؤهلة لتصبح أكبر مزود للطاقة بالعالم في حلول العام 2050.
فالحكومة جادة في إيجاد بدائل تستبعد النفط من الموازنة، ما يعطي اقتصاد الإمارات قوة أكبر وفرصة لتحدي الصعاب المحتملة مهما كانت. وإنتاج حلول ابتكارية أكثر استدامة ومسؤولية تجاه مواردنا ومستقبل أجيالنا القادمة.
والمدلول الثاني أن القمة العالمية للحكومات جاءت لتكمل ما توصل إليه قادة العالم وحكوماته في مؤتمر باريس للتغير المناخي 2015، لترجمة توصيات المؤتمر واتخاذ خطوات عملية على أرض الواقع. ما سوف يضفي على القمة قيمة إضافية. أما رسالة محور التنمية المستدامة التي سوف توجهها هذه القمة لحكومات العالم المشاركة فأعتقد أننا لا نريد أن نحمي الطبيعة بل بناء عالم لا تحتاج فيه الطبيعة إلى حماية.
حلول
ويرى محمد الجهماني المؤسس والمدير التنفيذي لشبكة «o2» أن معظم الحلول المبتكرة عالمياً لحل مشاكل البيئة جاء بها رواد أعمال وليس شركات كبيرة، مثل ألون موسك مؤسس شركة تسلا للسيارات الإلكترونية، والذي تبنت شركته الأولى فكرة تصنيع سيارات كهربائية تسهم بتخفيف الانبعاثات الحرارية من عوادم السيارات، وقصة الريادي موسك هي أكبر برهان لرواد الأعمال العرب أن بإمكانهم أيضاً المساهمة بحلول مبتكرة وريادية في مجال البيئة والطاقة المتجددة.
التطبيقات الصناعية
ويعتقد ماركو أنونزياتا كبير الخبراء الاقتصاديين في «جنرال إلكتريك» أن تطبيقات الإنترنت الصناعية ضمن مختلف القطاعات تسهم بتوليد مزيد من الطاقة المتجددة باستخدام محطات الرياح، وخفض استهلاك وقود الطائرات، وتمكين الأطباء من تشخيص حالات المرضى بدقة أكبر والحد من الفحوصات غير الضرورية لهم.
وأضاف: تؤكد توقعاتنا بأن الحلول المطوّرة ساهمت حتى اليوم في تحقيق مكاسب على مستوى الأداء بنسبة ٢٠٪ ضمن قطاعات مختلفة. وبدورها ساعدت تلك المكاسب على تحسين مستويات التنافسية والربحية لدى الشركات في القطاعات المختلفة؛ ومن المتوقع أيضاً تحقيق مكاسب اقتصادية مستدامة على شكل نمو قوي في معدلات التوظيف والدخل. وما ذلك سوى البداية فقط، فالتحدي الأبرز يكمن في ضمان السرعة الكافية لنشر واستخدام البرمجيات بغية إحداث التحول المنشود في قطاعي الصناعة والبنية التحتية.
وقد تمحور التركيز دوماً حول الإنترنت الاستهلاكيّة؛ حيث ساهمت المنتجات القابلة للتوصيل بالإنترنت في إحداث تحوّل كبير في أنماط حياتنا بدءاً من أساليب التسوق انتهاءً في المدن، ومروراً بإدارة النظم المختلفة في المنازل وانتهاءً بتنظيم العطلات. وقد أصبحنا ندرك بوضوح مدى قدرة البيانات والبرمجيات وقيمتها الاقتصادية العالية، ولا سيما عبر تقييم أفضل الشركات العاملة بمجال الإنترنت الاستهلاكيّة.
تحول
ويضيف كبير خبراء «جنرال إلكتريك» أنه ثمة تحول اليوم باتجاه القطاع الصناعي الذي ينتظر خلال الأعوام العشرة المقبلة أعلى درجات التحوّل والتطوير وتحقيق القيمة المجزية.
فمنذ 3 سنوات مضت، أحدث الإنترنت الصناعي نقلة صناعيّة جديدة؛ وفي حال ساهمت تحليلات البيانات المطورة والأجهزة القابلة للتوصيل في تحسين كفاءة الأداء بنسبة ١٪ فقط، فإن الحجم الهائل للعمليات الصناعية حول العالم سيؤدي لمكاسب اقتصادية ضخمة تقدّر قيمتها بمليارات الدولارات الأميركية، والتحسن بنسبة ١٪ يمثّل الحد الأدنى المتوقع تحقيقه.
ويذكر أنونزياتا أن عدد مطوّري التطبيقات الصناعية تضاعف بين عامي 2014 - 2015 ليصل إلى حوالي 5،5 ملايين مطوّر ابتكروا 2،6 مليون تطبيق بقيمة تقدر بنحو 300 مليار دولار. وتتوقع دراسة أجرتها شركة «فيجن موبايل» أن يصل عدد المطورين في عام 2017 إلى نحو 8 ملايين مطوّر مع ابتكار 4 ملايين تطبيق بقيمة إجمالية تقدّر بنحو 700 ملايين.
من ناحية أخرى، ساهم اقتصاد التطبيقات بتوليد قيمة أكبر لقطاع الإنترنت الاستهلاكيّة، ولا سيما في ضوء الدور المتنامي الذي تلعبه الأجهزة الذكية.
وقد أتاح ذلك لقطاع الإنترنت الاستهلاكيّة تحقيق انتشار واسع النطاق حول العالم. وارتفع عدد المطوّرين في منطقتي جنوب وشرق آسيا تماماً كما في أميركا الشمالية، والمناطق الناشئة مثل وسط وشرق أوروبا، ورابطة الدول المستقلة، والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وجنوب الصحراء الكبرى بإفريقيا، وأميركا اللاتينية والتي تحتضن بمجملها أعداداً كبيرة من المطوّرين.
ويكتسب التوزع الجغرافي للمطورين أهمية كبرى لأنه يسرّع عملية ابتكار التطبيقات التي تواكب مختلف الاحتياجات والظروف في الأسواق. ولكن وتيرة الابتكار في البرمجيات تعتمد بدورها على مدى سرعة تطوير التطبيقات ونشرها على أوسع نطاق.
وكما يسهم تطوير الخدمات والتطبيقات المحمولة في بناء «اقتصاد التطبيقات» ذي عائدات مجزية في القطاع الاستهلاكي، كذلك فإن نهضة الإنترنت الصناعية سترتكز على نمو اقتصاد التطبيقات في القطاع الصناعي.
مسؤولية جماعية
تنص نقاط الاتفاق النهائي لقمة المناخ في باريس بشهر ديسمبر 2015 في الحد من ارتفاع الحرارة «أدنى بكثير من درجتين مئويتين»، ومراجعة التعهدات الإلزامية «كل خمس سنوات»، وزيادة المساعدة المالية لدول الجنوب، وتعهدت 195 دولة شاركت في المؤتمر بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائه «دون درجتين مئويتين»، و«بمتابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية».
بعد تأكيد دول واقعة على جزر مهددة بارتفاع مستوى البحر أنها ستصبح في خطر إذا تجاوزت حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية. وحُدد هدف الدرجتين المئويتين قياساً بعصر ما قبل الصناعة في كوبنهاغن عام 2009، ما يفرض إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات لخفض انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري.
إدارة مخاطر الكوارث ضمن أجندة التنمية
زاد عدد الكوارث المتصلة بالمناخ وحدها خلال العقد الماضي بنحو ضعف ما كان عليه في ثمانينيات القرن الماضي. وبالعمل مع أكثر من 400 شريك، يساعد «الصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من آثارها»، على تحويل إدارة مخاطر الكوارث ومواجهتها إلى جزء أصيل من أجندة التنمية لما بعد 2015. ويدعم الصندوق مواجهة الكوارث وتغير المناخ في أكثر من 89 بلدا، وعبأ أكثر من 3 مليارات دولار من البنك الدولي وحده في السنة المالية 2015 لصالح جهود دعم القدرة على المواجهة.
ويمكن أن تسبب الكوارث الطبيعية خسائر لا يمكن تصورها وأن تستمر في التأثير غير المتناسب في أشد الفئات فقراً وتأثراً. وتهدد التغيرات المناخية بتفاقم الظواهر المناخية الشديدة، كالجفاف والفيضانات والعواصف وموجات ارتفاع درجات الحرارة.
كما يعرّض التوسع العمراني السريع والتنمية العشوائية أعدادا من البشر للأذى أكبر من أي وقت سابق- فهناك أكثر من مليون شخص ينتقلون إلى المدن أسبوعيا، ويوجد 90 % من النمو الحضري في أفريقيا وآسيا. وستستمر هذه الاتجاهات في زيادة الكوارث وشدتها. وشهد العقد الماضي وحده ضعف عدد الكوارث التي وقعت خلال ثمانينيات القرن الماضي.
والصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من آثارها -الذي يديره البنك الدولي - هو شراكة عالمية يمولها 22 شريكاً مانحاً بهدف مساعدة البلدان النامية على فهم مواطن تأثرها بالكوارث الطبيعية والحد منها على نحو أفضل وعلى التكيف مع تغير المناخ.