من شأن زيادة الفرص الاقتصادية للمرأة، أن تؤدي إلى تحسين مستوى معيشة الأسر والمجتمعات المحلية، والحد من الفقر، وتحفيز النمو الاقتصادي. فهناك عوامل عديدة تحدد شكل الفرص التي تتاح للمرأة في الإدارة الناجحة للشركات والحصول على وظائف جيدة.
وفي عالم لم نعد قادرين فيه على العزلة عن السوق العالمية، ربما يكون الدرس الأهم هو ضرورة إعادة تصميم العمل في توظيف المواهب والاحتفاظ بها.
فإذا أرادت الشركات الاستفادة من مواهب النساء، عليها أولاً أن تدرك الفوارق والاختلافات التي تؤثر في مهنهن، فالغالبية العظمى من النساء لديهن دورات حياة مهنية متباينة، وأساليب اتصال ومحفزات مهنية مختلفة عن غالبية الرجال الذين يمسكون بزمام قيادة الشركات.
ومع تنامي الضغوط، نتيجة العوامل السكانية، ونقص المهارات، واحتدام المنافسة العالمية، فإن توليفة محسنة تجمع قوى القطاعين العام والخاص، ستتيح للأم والأب العمل ورعاية الأسرة في آن واحد، وإلا ستجد البلدان أنها تخسر على صعيدي النمو الاقتصادي والسكاني المستدام.
حيث تسبب العولمة وتغير العوامل السكانية والمواقف الاجتماعية تحولاً في علاقات الناس مع العمل، وتحتاج شركات اليوم لاجتذاب المواهب والاحتفاظ بها، وهو ما يحتم عليها تبني ثقافة استيعابية تضم النساء والرجال، وفهم أهمية المرونة، وإدراك أن مسارات المهن لم تعد خطية ومستمرة من دون انقطاع، ورفع أو إلغاء السقف العمري المنخفض لاكتشاف الإمكانات الكبيرة والواعدة، وجعل لغة قادة الشركات استيعابية وشمولية بدرجة أكبر، وتجنب الافتراضات السابقة المتعلقة بما تريده المرأة أو الرجل من المهنة.
مساواة
تُعتبر المساواة بين النساء والرجال في الحياة الاقتصادية، حقّاً من حقوق الإنسان. كما أنها تساعد كثيراً على تحقيق النموّ الاقتصاديّ. ورّغم أنّ النساء يمثّلن أكثر من نصْف سكان العالم، إلاّ أنّ المُعيقات التي تَحُولُ دون مشاركتهنّ، تشكّل عقبة كبيرةً أمام تحقيق الازدهار.
فضْلاً عن أنّ الخسارة الاقتصادية التي تترتّبُ عن ذلك، يمكن أنْ تصل إلى 27 % من الناتج المحلي، وِفْقاً لتقديرات صندوق النقد الدّوْلي.
تكشف العديد من الدّراسات، حول التأثير الماكرو- اقتصاديّ الناتج عن انعدام المساواة بين النّساء والرّجال، عن وجود اختلافات في السلوك المتعلّق بالإنفاق والاستهلاك.
فالنساء يملْنَ إلى تخصيص نصيب أكبر من موارد الأسرة لتلبية الاحْتياجات المنزلية الأساسية (الصحة، التعليم، التغذية)، وتطوير إمكانات تأهيل الأبناء. وعلاوةً على ذلك، تفضِّلُ النساء الادّخار والاستثمار في ممتلكات مُستدامَة، كالسّكن ووسائل الإنتاج.
فوارق
تظهر الأبحاث والدراسات، أن المرأة منذ أول وظيفة تتقدم إليها لا تساوم حول الأجر، في حين يفعل الرجل ذلك، ومن ثم تقبل الأجر المعروض، في حين ينطلق الرجل في حياته المهنية براتب أعلى، هذه المسألة البسيطة «عدم المساومة على الأجر»، التي تضاعفها قلة الأجر منذ بداية المسار، تؤدي إلى خسائر متوالية على مدى التاريخ الوظيفي للمرأة، ويُلاحظ أيضاً فروق في المقابلات بين الرجال والنساء، فتحاول المرأة إثبات لماذا تستحق الوظيفة، ومدى قدرتها على الأداء، في حين يسأل الرجل عما تستطيع أن تقدم له الشركة ولمهنته.
ووفقاً لاستطلاع شمل 516 مديرة وموظفة مهنية، أجرته شركة أسباير البريطانية للتدريب وتطوير القيادة، فإن أهم العوامل المحفزة للنساء، هي بالترتيب: إحداث فارق مميز، الوظيفة التي تتحدى القدرات، الاعتقاد بوجهة الشركة، إحساس بالرضا عن الفريق، الاعتراف، وأما المال فقد جاء في أسفل اللائحة.
اختلافات
ويحلل تقرير «المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2010»، الاختلافات في القوانين الرسمية والمؤسسات التي تؤثر في طموحات المرأة كسيدة أعمال وكعاملة من خلال ستة موضوعات، هي: الوصول إلى المؤسسات، والتصرف في الأصول والممتلكات، والحصول على فرص عمل، والتعامل مع الجهات الضريبية، وبناء تاريخ ائتماني، واللجوء إلى المحاكم.
وهذا هو أول تقرير يقيس الفجوة بين الجنسين من حيث متغيرات السياسات، مستخدماً بيانات كمية وموضوعية. لكنه لا يقيس كل الجوانب المهمة للفرص الاقتصادية للمرأة. فعلى سبيل المثال، لا يقيس مدى توافر خدمات رعاية الطفل، وإمكانية الحصول على التعليم، أو الأمن الشخصي.
تقليص الفجوة
ما تفتأ النساء في الشرق الأوسط يكسرن الحواجز، بحيث ينتقلن من تسيير أسرهن إلى امتلاك مقاولات صغرى إلى العمل كمديرات تنفيذيات. ففي الوقت الذي تمثل فيه سيدات المشاريع أقلية في معظم دول العالم، فإن وجودهن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أقل.
مع الارتفاع المنتظم لكلفة الحياة في المنطقة، وتزايد الحاجة لخلق فرص عمل للأيدي العاملة المتنامية، فإن السيدات الرائدات يلعبن دوراً في خلق فرص عمل جديدة.
أكثر من 95 % من المقاولات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تسيرها عائلات، ويعتبر الأمر مقبولاً اجتماعياً بالنسبة للمرأة أن تسير شركات ورثتها. في الوقت الذي تدار فيه الكثير من المقاولات العائلية من قبل نساء.
مشكلة عالمية
مع أن نساء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تواجهن أكثر العقبات للحصول على وظيفة أو تأسيس منشأة أعمال، فإن بلدان المنطقة قطعت خطوات واسعة نحو معالجة هذه القضايا.
إن التمييز وعدم الحصول على فرص عمل ورأسمال مناسب، لا تقتصر فقط على المنطقة العربية. فبحسب بين بويل، أحد شركاء «أشوكا» من برنامج «أجورا» للشراكة، تشكل النساء حالياً نصف سكان العالم، ويعملن ثلثي ساعات العمل في العالم، وينتجن نصف المواد الغذائية العالمية. ورغم ذلك، ينلن 10 % من المدخول، ويملكن أقل من 2 % من الممتلكات حول العالم.
استثمار ناجح
ولا بد من القول إن الاستثمار في سيدات الأعمال هو اقتصاد يتسم بالحكمة والبراعة، إذ تنمو الشركات المملوكة للنساء في الولايات المتحدة، أكثر من مثلي معدل نمو سائر الشركات الأخرى، وتشير تقديرات إلى أنهن يسهمن بنحو 3 تريليونات دولار في الاقتصاد الأميركي، ولهن الفضل المباشر في توفير 23 مليون وظيفة.
لكن في أماكن أخرى، فإن 9 على الأقل من 10 مشروعات مملوكة للنساء لا يمكنها الحصول على قروض. ويبدو إحباط أولاء النساء، مشابهاً لخيبة الأمل التي لا تزال عالقة لدى النساء الأكبر سناً في البلدان الغنية، وهن يصفن كيف كانت البنوك ترفض منذ نحو ثلاثة عقود منحهن قروضاً عقارية، رغم حصولهن على دخل مضمون.
واليوم في العالم النامي، تعاني النساء العاملات من العمل في شركات صغيرة وقطاعات أقل ربحية، يكمن السبب في نقص الحصول على التمويل.
والسؤال المطروح هو، لماذا تدير البنوك ظهرها للمشروعات المملوكة للنساء، ويبدو أن القيود القانونية لا تسمح للنساء بالسيطرة على أمورهن المالية. وأحياناً يكون نقص الضمانات الرهنية التقليدية، لأن النساء قد لا تمتلكن الأرض ولا تتمتعن بحقوق الملكية.
خيارات تقليدية
في حين يتمكن الفقراء في المنطقة غالباً من اعتماد مصادر تمويل المشاريع الصغيرة، التي تقدم التمويل مع سلاسل قليلة في كثير من الأحيان، وتتمكن النساء الثريات من الحصول على رأس المال من البنوك والمؤسسات المالية الأخرى بضمانة اسم العائلة فقط، فإن كلا البابين مغلقان أمام النساء المنحدرات من الطبقة المتوسطة.
أما الشريحة المتبقية، فتتكون من نساء الطبقة المتوسطة اللاتي ليس لهن الأصول التي تملكها الطبقة العليا، ولكن لديهن القدرة على بدء نشاط تجاري، وكلا الجانبين يضغطان على هذه الشريحة.
ويكمن جزء من المشكلة في التفكير في الضمانات لدى القطاع المصرفي. وتعاني النساء من هذا بشكل أكبر، لأنهن يأسسن شركات في مختلف القطاعات التي لا تتناسب والنموذج المصرفي.
سياسات صديقة
ويشير تقرير للاتحاد الأوروبي إلى البلدان التي تتبنى السياسات الصديقة للأسرة في مجالات مثل فرص العمل المتساوية، وإجازات الأمومة (للنساء والرجال)، والمساواة في الأجور، تتمتع عموماً بمعدلات ولادات أعلى، وعدد أكبر من النساء العاملات، وتعد أيضاً أفضل البلدان أداء في ما يتعلق بالوظائف والنمو، فلم تعد المرأة تريد ولا تستطيع الاحتمال أن تجبر على الاختيار بين العمل أو الأسرة، فهي تريدهما معاً، وتحتاج البلدان إلى فهم حقيقة أن المرأة إذا وجدت أن العمل لا يتناسب مع واجباتها الأسرية، فإن إنجاب الأطفال هو الذي سيحذف من المعادلة.
التمييز يزيد الفقر
تشير دراسات إلى أن البلدان التي تنطوي قوانينها على تفرقة في المعاملة وتحامل على النساء، ولا تُشجِّع على المساواة بين الجنسين، تتكبد خسائر اقتصادية. وتُبيِّن بحوث سابقة أن الفجوات القائمة بين الجنسين في الأعمال الحرة للنساء، ومشاركتهن في الأيدي العاملة تسهم بما يُقدَّر بنحو 27 % من الخسائر الاقتصادية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و19 % في جنوب آسيا، و14 % في أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، و10 % في أوروبا. وهي خسائر ليس بوسع الكثير من البلدان تحمُّلها، ولا سيما تلك البلدان التي تعاني مستويات عالية من الفقر.
فرص ومخاطر
تتراوح التوقعات التي تطال المرأة وسوق العمل بين التفاؤل والتشاؤم، ففي حين أظهرت دراسة أجراها معهد الاقتصاد الألماني في كولونيا، أن النساء هن الرابحات من التغيير الهيكلي في سوق العمل بألمانيا، وأن كل وظيفتين من بين ثلاث وظائف ذهبت لامرأة.
حيث حصلن على 64 % من فرص العمل الجديدة خلال الفترة من 2001 حتى 2015، كما أن معدل البطالة بين النساء، والذي تبلغ نسبته 4.9 %، ينخفض عن الرجال (4.9 %). وفي الوقت الذي فقد فيه القطاع الصناعي نحو 600 ألف وظيفة خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، توفرت نحو 1.6 مليون وظيفة جديدة في قطاعات التربية والصحة والشؤون الاجتماعية، شغلت النساء نحو 1.2 مليون وظيفة منها. دبي- البيان
توصيات رئيسة للمسيرة المهنية
توصل تقرير حمل عنوان «المسيرة المهنية للمرأة في منطقة الخليج ــ جدول أعمال الرؤساء التنفيذيين»، الذي استطلع آراء أكثر من 600 من كبار سيدات الأعمال في منطقة الخليج، إلى أن أكثر من 50 % من المشاركات في الاستطلاع، أكدن سعيهن للوصول إلى مناصب إدارية، أو على مستوى مجالس الإدارة خلال السنوات السبع المقبلة.
وتناول التقرير قضايا ذات صلة بعمل المرأة في مناصب إدارية عُليا، ونفذته «مبادرة بيرل»، بالتعاون مع «الاتفاق العالمي للأمم المتحدة»، ومجلس سيدات أعمال الشارقة. كما حظي بدعم من مؤسسة الوليد بن طلال الخيرية، وشركات «جنرال إلكتريك»، و«بي.دبليو.سي»، و«مجموعة تامر».
وسلط الضوء على دور المرأة في السلم الوظيفي للمؤسسات ضمن المنطقة، بهدف تحديد الخطوات التي يمكن القيام بها لتعزيز المساواة على جميع المستويات في أماكن العمل.
وأشار التقرير إلى أن النساء يشغلن نحو 12 % من مناصب الرؤساء التنفيذيين حول العالم، مبيناً أن عدد الإناث اللاتي تعرضن لتوقف تقدمهن المهني، يفوق نظراءهن من الرجال بضعفين إلى ثلاثة أضعاف، وذلك رغم أن معدلات التوظيف العالمية متساوية بين النساء والرجال.
وأوضح التقرير أن نساء دول مجلس التعاون الخليجي، يتفهمن أهمية التعليم الجيد، والطموح الكبير، عندما يتعلق الأمر بمسيرتهن المهنية، إذ تطمح نسبة 62 % من المشاركات في الاستطلاع للوصول إلى منصب إداري خلال الأعوام السبعة المقبلة، بينما أشارت 86 % من المشاركات إلى أن التعليم كان عاملاً أساسياً في نجاحهن وتقدمهن المهني.
ويعترف التقرير بالتقدّم اللافت الذي حققته النساء العاملات في المنطقة، إذ يركز على محاور عدة، منها إشارة 80 % من النساء العاملات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، إلى شعورهن بأن وضعهن «السيئ» في مكان العمل، يرجع فقط لكونهن نساءً. وبالمثل، فإن 25 % فقط من النساء المشاركات في الاستطلاع، يشعرن بأن هناك مساواة في المعاملة في أماكن العمل، بينما تعتقد نحو 75 %، أنهن لا يستطعن التقدم وظيفياً بسرعة، مقارنة بالرجال.
وفي وقت رأت 71 % من النساء أن عائلاتهن كانت سبباً رئيساً في نجاحهن على الصعيد المهني، عبرت 34 % منهن عن عدم رغبتهن في التضحية على حساب أمور أخرى في الحياة، مثل العائلة والأطفال. وأشار التقرير إلى أن نحو 45 % من المشاركات يعتقدن بوجود مرونة مقبولة للموازنة بين العمل والحياة الاجتماعية، فيما تعتقد 64 % أن المجتمع يتقبّل فكرة عمل المرأة المتزوجة والأم.
وتقدم التقرير بخمس توصيات رئيسة للإدارة العليا، منها:
• تحسين التوازن بين العمل والحياة الشخصية، إذ يعتبر العمل المرن ركناً أساسياً في تحقيق هذا التوازن، مع تقييم الأداء بناء على الإنجازات، بدلاً من الوقت الذي يتم قضاؤه في المكتب.
• ترسيخ ثقافة متوازنة، إذ يستطيع الرؤساء التنفيذيون لعب دور حيوي في دعم النساء في العمل، والجزء الأهم في تحقيق ذلك، هو ضمان عبور مزيد من النساء عبر مستويات الإدارة المتوسطة، وصولاً إلى المناصب العليا، وستستمد البيئة في الإدارة المتوسطة، طابعها من البيئة في الإدارة العليا.