لم تكن تدرك المواطنة عفراء سالم اليماحي، من منطقة الحاير بالطويين في الفجيرة، أن حبها للتراث المحلي وعشقها لمعطيات الحياة التقليدية سيمنحها 62 شهادة تقدير مع فوز تقديري بجائزة الشيخة شمسة بنت سهيل للنساء المبدعات، حيث عكفت مع زوجها سعيد خميس سعيد اليماحي منذ اكثر من 15 عاماً على حماية مقتنيات التراث وعرضها بشكل مناسب في متحف مصغر قاما بتأسيسه في مزرعتهما الخاصة، لتعريف الأجيال الجديدة بماضيهم وتاريخ أجدادهم إضافة إلى تعريف السياح والزوار الأجانب بذلك.
ويتضمن المتحف العديد من الأركان التراثية التي تشكل البيئة المحلية بكافة صورها وتعكس الهوية الإماراتية الأصيلة لسكان المناطق الجبلية، ويستقبل المتحف طلبة مدارس من جميع المراحل الدراسية، كما تشارك عفراء بعرض جزء من مقتنياتها في المعارض والمهرجانات والمناسبات المختلفة التي تنظم في الدولة.
حماية التراث
كافحت عفراء مع زوجها وبدافع شخصي في بلورة هذه الفكرة إلى واقع، واكتسبت مهارتها العالية وثقافتها التي دفعتها إلى حماية التراث وإبرازه بطريقة مبدعة من دروس الحياة، فهي أم وجدة وربة منزل، ولم يكن لها نصيب وفير من التعليم بالمدارس إلا أن دروس الحياة عكست الجانب المضيء في شخصيتها، التي استطاعت من خلالها بلورة ما يجول في خاطرها من ذكريات للتراث في نماذج متكاملة تروي للمشاهد مقتطفات حقيقية عن واقع المعيشة في الماضي.
ونجحت عفراء بإبداعها اليدوي ومساندة زوجها ومساهمة أبنائها، في صناعة ما يقارب من 20 مجسماً لمختلف البيئات المحلية التقليدية، شكلتها بيديها في أشكال متقنة ورائعة تمثل قصص الماضي مثل العرس التقليدي، وقت الترحال، ختان الأطفال، جلسة المطوع، الموسم الزراعي، المساكن القديمة، الخياط التقليدي، المنازل القديمة، والمطبخ التقليدي ومكوناته والمجالس، إضافة إلى الأزياء وأدوات زينة المرأة ومقتنياتها وغرف نوم الأطفال، وبئر الماء التقليدي، والعديد من المجسمات لمختلف العادات والتقاليد القديمة.
مقتنيات
وتروي عفراء اليماحي أن بدايتها في صنع تلك المجسمات، جاءت بعد انقطاع التيار الكهرباء يوماً ما عن أبنائها واحفادها، حيث استاء الجميع من عدم مقدرتهم على اللعب بالأجهزة الإلكترونية، ما دفعها إلى اقناعهم باللعب حسب العادات القديمة، عبر صناعة ألعاب شخصية من معطيات البيئة المحلية، أو صناعة الدمى التي كانت من شأنها أن تنسيهم حب التكنولوجيا، لتكتشف بعد ذلك مهارتها التي لا تزال حية في تشكيل التراث عبر مجسمات مصغرة تعكس عادات الحياة في الماضي لتستمر في صناعتها واضافتها إلى متحفها الشخصي.
وأكدت أن المتحف يضم مقتنيات متوارثة عن الأجداد تتنوع بين العملات والفخاريات والأواني النحاسية والمعدنية القديمة وبعض الأدوات المنزلية المصنوعة من سعف وجريد النخيل إلى جانب بعض الأدوات الموسيقية والزراعية وأدوات الري والعلاج قديماً، ويعود تاريخ اقدم قطعة ورثتها عفراء من جدتها إلى ما يقارب 200 عام وهي عبارة عن دلة نحاسية تستخدم للقهوة.
أوانٍ نحاسية
وفي زاوية اخرى يرى الزائر للمتحف بين أحضان الجبال دلال القهوة ومواقد النار ومحاميس القهوة والكثير من الأواني النحاسية والمعدنية التي كان اجدادنا يستخدمونها في الطهي وحفظ الماء مثل القدور القديمة والسعن والصناديق وقربة الماء والخابية وطاسة الرعبة.
كما يعرض المتحف العديد من الأدوات التي استخدمها الأجداد في الإنارة منها الفانوس والسراج والعديد من الأطباق المصنوعة من القش وجريد وسعف النخيل والتي تحمل زخارف جميلة مصنوعة بإتقان كبير إضافة إلى العملات الأثرية والفخاريات بأشكالها المتنوعة كما هناك صندوق خشبي مصنوع من خشب الزان القديم مزركش وكان يستخدم الصندوق في حينه من قبل العرائس بوضع جهازها فيه، حيث تؤكد عفراء جمعها بحرص من الأهل والأقارب إلى جانب ما ورثته من والديها واجدادها وما تحرص على جمعه من الأسواق الشعبية.
مساكن تراثية
ويوضح سعيد خميس اليماحي أنه أضاف وزوجته للمتحف وعلى مراحل متدرجة نماذج للمساكن التراثية، شيدوها بشكل يتناسب في الحجم والتصميم مع حياة أجدادهم في المنطقة، الذين لم يهملوا عوامل الطقس والمناخ في تشييد مساكنهم، حيث توجد في باحة المتحف جلسة عربية تم تشييدها فوق مستوى ارضي مرتفع قليلاً من الحجر الأسمنتي وسعف وجريد النخيل، وزينت جدرانها بالسرود الملونة لتكون محط راحة الزوار والضيوف، وتقابلها غرفة تراثية ذات باب خشبي قديم، وتم بناء جدرانها من الصخور الجبلية الصلدة، فيما تم تسقيفها بواسطة «الدعن» وأغصان شجر «العسبق» الجاف.
وتضم الباحة الخارجية للمساكن الشعبية الموقد وألعاب الأطفال المصنوعة من خشب «الكندل»، وهو من الأخشاب المستوردة غير المحلية، كما تتوزع في زوايا وأركان الغرفة عدة تحف ومقتنيات تراثية قديمة، منها الرحى، والسعفيات، والجلسات الشعبية، والحصير، والهدة التي يتم وضع حديثي الولادة فيها وتتم صناعتها من جريد النخيل والجلد، وتمت إضاءتها باستخدام الفوانيس لتواكب عراقة المكان، وتحتوي أيضاً على أجهزة مذياع من الطراز القديم، تجاوره بعض الأواني الفخارية والنحاسية والطينية وسلاح ناري قديم «الكند» والصناديق القديمة لوضع الحاجيات والملابس والأدوات، يقابلها في الزاوية الاخرى من جدار الغرفة «الجاعد» المصنوع من صوف الأغنام ويتم استخدامه لأغراض «الرجاب» أي ركوب الجمال والإبل، فضلاً عن تواجد الساحة والدلال وأدوات الصيد القديمة.