«السبلة» منصة اجتماعية أسرية، ينسب لها الفضل في تسليح الأبناء بالعادات والقيم الفاضلة، وصقل خبراتهم ومهاراتهم بمبادئ المجتمع الإماراتي، فهي عبارة عن مجالس قديمة أسستها بعض الأسر، لاستقبال الضيوف وعقد اللقاءات الدورية والأسبوعية لأفرادها، وعلى الرغم من تطور الحياة ودخول الحداثة في تفاصيل المساكن، إلا أن «السبلة» لها مكانة اجتماعية خاصة عند العديد من الأسر، منها عائلة البدوات في مدينة حتا.

صرح اجتماعي

عبدالله خلفان البدواوي أحد أعيان تلك المنطقة قال إنه يحرص على جمع أفراد أسرته الكبيرة وأبناء القبيلة في يوم الجمعة على وجبة الغداء في «السبلة» التي بات موقعها معلوماً عند الكثير من أهل المنطقة، حيث يقصدها الأصدقاء والجيران والأقارب، وحتى الضيوف يحتفى بهم وتقدم لهم الضيافة في هذا الصرح الاجتماعي.

وأضاف إن أهالي حتا قديماً اعتادوا التجمع بشكل يومي في فترات الصباح والمساء في «السبلة» الرئيسية أمام الحصن الكبير في الحارة القديمة، والتي شيدها أبناء عائلته فيما مضى من الزمان، حيث كانت هذه اللقاءات جزءاً من تفاصيل الحياة اليومية، فالرجال يلتقون لشرب القهوة وتبادل الأخبار التي كانت مواضيعها مقتصرة على الشأن الداخلي لأفراد القبيلة.

بيوت عصرية

وأشار إلى أن اختلاف ظروف الحياة وانتقال أهل حتا للسكن في البيوت العصرية منذ عهد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، وارتباط بعضهم في الوظائف خارج المدينة قلص من هذه اللقاءات التي أصبحت محصورة في يوم الجمعة والمناسبات الدينية، لافتاً إلى أن انكماش هذا التواصل لم يمنعه من تأسيس سبلة خاصة على غرار القديمة لأفراد القبيلة، والتي أضحت وجهتهم بعد صلاة الجمعة وفي أوقات مختلفة.

تعزيز التقارب

من جانبه قال علي محمد البدواوي إن اللقاء الأسبوعي والتجمع في المجالس العائلية لم يغب عن واقع المجتمع في منطقة حتا، وذلك ما انعكس إيجاباً على الأبناء الذين أصبحوا أكثر حرصاً على تعزيز التقارب بين أفراد العائلة التي دخلت في أطوار الأجيال السابعة والثامنة منذ الجد الأول الذي يجمعها، مشيراً إلى أنه تم تسخير وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لتعميق هذا التقارب.

وأكد أن فكرة الصندوق المالي التكافلي الذي يشارك الجميع فيه من خلال مساهمات شهرية بسيطة أسهم في تكوين رأس مال كبير، يصرف لغايات ومساعدات اجتماعية، حيث يتكفل هذا الصندوق بمساعدة الشباب المقبلين على الزواج وسد احتياجات المعسرين من العائلة، ودفع مصاريف تكاليف العزاء، إضافة إلى توفير السيولة الكافية لمجابهة الظروف المالية المفاجئة للأفراد المساهمين مما يجنبهم مشقات الديون المصرفية وغيرها.

عرس جماعي

وأشار علي البدواوي إلى أن أفراد القبيلة يتناقشون للاستفادة من الصندوق لإقامة عرس جماعي سنوي لأفراد العائلة، بهدف تخفيف الأعباء عنهم ومساعدتهم على بناء أسر مستقرة، دعماً للجهود التي تقوم بها الدولة فيه هذا الجانب.

وأكد أن من أهم مكتسبات المجالس الأسرية والتجمع الأسبوعي للعائلة في السبلة تعزيز مفهوم الوحدة المجتمعية التي نعيشها في دولة الإمارات، من خلال الحديث عن تاريخ نشأة الدولة وتطورها الذي كان مدفوعاً بإصرار وإخلاص، وهو ما انعكس إيجاباً في بناء مجتمع قوي متماسك، لافتاً إلى هذا الحديث يزيد من فهم النشء لطبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية في الدولة، ويعمق انتماءهم لهذا النسيج المتوحد.

فرصة أسبوعية

فيما أكد محمد خليفة البدواوي أن عادة التجمع الأسبوعي للغداء في يوم الجمعة يعطي الفرصة لأفراد العائلة للالتقاء والتعرف على أحوال بعضهم البعض، مشيرا إلى أن معظم القاطنين في أهالي المدينة يقضون الجزء الأكبر من أيام الأسبوع في المدن الكبيرة، حيث يمارسون مهنهم ويقومون بوظائفهم المختلفة، لذلك جاءت السبلة باجتماعاتها الأسبوعية لتوفر فرصة للالتقاء المستمر بين أفراد الأسرة الواحدة في ظل مشاغل الحياة العديدة.

وذكر أن هذه المجالس تشكل نوعاً من أنواع صلة الأرحام والأقارب، ولا شك أنها تغرس في الأبناء مفاهيم التراحم بين أبناء الأسرة الواحدة، الأمر الذي ينعكس حتماً على سعادة الأفراد ويطرح فيها البركة ويجنبها عناء المشكلات التي قد تهدد كياناتها.

عادات وتقاليد

أوضح عبدالله خلفان البدواوي أن اللقاءات الأسبوعية لها أهداف منها غرس صلة الرحم في نفوس النشء، ودمج الصغار مع الكبار لينهلوا من العادات و قيم ومبادئ المجتمع الإماراتي، ومهدت لمبادرات اجتماعية مثل التجمع السنوي لأعضاء الأسرة من داخل مدينة حتا وخارجها خلال رمضان ، وخلق صندوق تكافلي مالي يقدم الدعم لأبناء الأسرة في الأفراح والأتراح.