يستطيع أصحاب السوابق الجنائية المرور بسهولة والتنقل عبر البلدان ومن بينها دولة الإمارات خاصة غير المدرجين على قوائم المطالبات الدولية ما يهدد الأمن في المجتمعات المستقبلة لهم، ويجعلها معرضة للكثير من المخالفات والسلوكيات الخاطئة والجرائم التي تصل حد القتل والتعذيب.
مسؤولون وأعضاء في المجلس الوطني وقانونيون في الدولة طالبوا بضرورة التدقيق على كافة الجنسيات الوافدة إلى الإمارات واشتراط شهادات حسن سير وسلوك للقادمين للعمل أو الزيارة بهدف وقاية المجتمع وحتى لا تتكرر جرائم مماثلة لمقتل الطفل الأردني «عبيدة» الذي تبين أن قاتله من أصحاب السوابق في بلاده وفق ما أفادت به البيانات الأمنية.
فيما شددت هيئات قضائية ونخب متخصصة على أن وجود شهادة حسن سير وسلوك، سيساعد أصحاب العمل على اختيار الأشخاص المناسبين من الناحية المهنية والأخلاقية لشغل الوظائف المتاحة، منوهين بأن القانون الإماراتي أقر إبعاد أصحاب السوابق ومنع عودتهم مرة أخرى إلى الدولة حفاظاً على النسيج المجتمعي، إلا في بعض الحالات المقيدة والتي يجب الحصول فيها على تصريح خاص من وزير الداخلية وبقضايا لا تمثل خطراً على أفراد المجتمع.
تعاون مشترك
وتفصيلاً، طالب معالي الفريق ضاحي خلفان تميم نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، الراغبين في الالتحاق بالوظائف سواء في القطاع الخاص أو العام بتوفير شهادات حسن سير وسلوك من بلدانهم الأصلية إلى جانب التأكد من السجلات الجنائية الداخلية عبر تعزيز التعاون المشترك بين الدول بهدف وقاية المجتمع، مشيراً إلى ضرورة التدقيق على كافة الجنسيات الوافدة إلى الإمارات للعمل أو للزيارة.
وقال إن بعض الأشخاص الذين ليس لديهم مطالبات دولية يحول دون التعرف والتأكد من سلوكياتهم وسجلهم الإجرامي في بلدانهم، وإن الأمر يحتاج إلى مزيد من التدقيق على كافة الجنسيات التي تقبل على الإقامة أو على زيارة الدولة، ومنع أي شخص ذي سوابق جنائية في بلده من الإقامة أو زيارة الإمارات لتحقيق معدلات الوقاية من الجريمة.
وأفاد بأن بقاء الأشخاص الذين يرتكبون جرائم داخل الدولة وعدم إبعادهم يرجع إلى حكم القضاء، منوهاً بأن الإمارات تسعى إلى أن تكون آمَنَ دولة في العالم، وأن هذا الأمر يحتاج إلى تعاون دولي وثيق مع العديد من دول العالم للإفصاح عن أرشيف الأشخاص القادمين إلى الدولة حتى في حالة منحهم شهادات حسن سير وسلوك نظراً لوجود فساد في بعض الدول والذي يدفع إلى إمكانية شراء تلك الشهادات بالمال.
وأشار نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي إلى أنه تجب إعادة النظر في بعض القوانين التي يجب أن تكون أكثر ردعاً وأن يكون الحكم القضائي يشمل الإبعاد في جرائم عدة حتى لو كانت مالية وفقاً لحيثيات كل قضية وملابساتها، مؤكداً أنه لا يوجد مبرر أن يتحمل المجتمع إقامة أي شخص يشكل خطراً على الآخرين.
مراقبة دقيقةوأكد الشيخ محمد عبد الله النعيمي عضو المجلس الوطني الاتحادي رئيس لجنة الشؤون الداخلية والدفاع، أن أصحاب السوابق نوعان: الأول المواطنون وهؤلاء يحتاجون إلى مراقبة دقيقة لمتابعة سلوكهم بعد قضاء العقوبة، والثاني المقيمون خاصة مرتكبي القضايا الخطرة كالقتل والاغتصاب والسرقة بالإكراه وهؤلاء يجب إبعادهم.
وقال إننا في حاجة إلى تصنيف من يأتون إلى الدولة للعمل والإقامة أوالزيارة والسياحة، حيث يجب على الجهات الأمنية إيجاد آلية معينة للبحث في صحيفة الحالة الجنائية بحيث لا يسمح بالدخول سوى للأشخاص أصحاب السجل النظيف، وهؤلاء لا يشكلون خطراً على المجتمع.
وأشار النعيمي إلى أن الجريمة الأخيرة التي راح ضحيتها الطفل الأردني على يد أحد أبناء جنسيته حالة فردية، وتعد معدلات الجريمة في الإمارات مقارنة بدول العالم متدنية جداً.
سؤال في «الوطني»
وكشف سالم علي الشحي عضو المجلس الوطني الاتحادي، عن تقدمه بسؤال إلى الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، لمناقشة دخول أصحاب السوابق في بلدانهم إلى الدولة، وضرورة وضع ضوابط وشروط صارمة تحد من دخول هؤلاء وألا ننتظر لحين ارتكاب الجرائم على غرار مقتل الطفل الأردني، منوهاً بأنه ينتظر موافقة الحكومة على مناقشة السؤال في المجلس.
وقال الدكتور محمد عبد الله المحرزي عضو المجلس الوطني الاتحادي، إن جريمة قتل الطفل الأردني روعت المجتمع لفداحتها وبالتالي يجب أن تبادر السلطات المعنية بالدولة إلى إبعاد مثل هؤلاء عن الدولة حتى لا تتكرر سلوكياتهم الخاطئة في مجتمع الإمارات الآمن الذي يحظى بمنظومة قانونية وتشريعية وأجهزة معنية تطبق النظام والقانون وتوفر الحماية لأبناء المجتمع من مواطنين ومقيمين على أرضه.
وأوضح المستشار يوسف المطوع النائب العام المساعد في نيابة دبي، أن أصحاب السوابق والذين أدينوا في جرائم خطيرة تصدر ضدهم أحكام بالإبعاد بعد تأديتهم العقوبات التي تفرض عليهم من هيئة المحكمة، لافتاً إلى أن القانون الإماراتي أقر ذلك حفاظاً على النسيج المجتمعي، كما أنه منع عودتهم مرة أخرى للدولة، إلا في بعض الحالات المقيدة والتي يجب الحصول فيها على تصريح خاص من وزارة الداخلية وبقضايا لا تمثل خطراً على أفراد المجتمع.
قيود ملزمة
وأفاد بأنه فيما يخص الأشخاص أصحاب السوابق في بلادهم، فإنه يجب عدم السماح لهم بالدخول والعيش في الدولة، نظراً لما قد يمثلونه من خطر على أفراد المجتمع، وأي شخص ارتكب جريمة من قبل وخاصة الجرائم التي تمثل تهديداً للسلم المجتمعي، يجب إقرار قيود عليه تمنع دخوله.
وأكد أن الجرائم الخطرة التي تحدث بين وقت وآخر لا تمثل بأي حال من الأحوال حد الظاهرة التي تدعو لقلق مجتمعي، خاصة أن أغلب الجرائم هذه، تعتبر سلوكاً فردياً، لا يجب الانطلاق منه لتعميم أو ما شابه، موضحاً أن متابعته لنسبة الجرائم التي تحدث في الدولة تؤكد أن جميعها تحدث على فترات طويلة ومتباعدة وبذلك فهي لا تمثل خطراً كبيراً خاصة أن السلطات الأمنية والقضاء دائماً بالمرصاد لهؤلاء الأشخاص الذين يستأصلهم المجتمع ويلفظهم.
وأشار المطوع إلى أن الحوادث البشعة التي قد تزعج أفراد المجتمع وتمثل له خوفاً أو تهديداً، مثل حادثة مقتل الطفل عبيدة، دائماً ما تأخذ اهتماماً خاصاً من القائمين عليها، من حيث تسريع الإجراءات القضائية فيها، لضمان حصول المتهم على عقابه بوجه السرعة.
رأي عام
أكد القاضي أحمد سيف رئيس المحكمة الابتدائية المدنية في محاكم دبي، أن الجرائم التي ترتكب بين فترة وأخرى في الدولة، وتؤثر في الرأي العام نظراً لبشاعتها، تكون هناك بعض الاعتبارات الخاصة عند نظرها، ومن أهمها تسريع إجراءات المحاكمة بشكل كبير، في محاولة من الهيئة القضائية لتوضيح الحقيقة وإدانة المتهم إذا ثبت ارتكابه للجريمة، لافتاً إلى أن جريمة طفل العيد التي هزت المجتمع قبل عدة سنوات وحكم فيها بالإعدام على المجرم، أصدرت الهيئة القضائية الحكم فيها خلال 6 شهور، وهذا معدل سريع في نظر القضايا المتداولة، وهو ما ينطبق على قضية الطفل عبيدة.
وأوضح أن المتهمين من أصحاب السوابق ذكرهم قانون الإجراءات من خلال «جرائم العود» وهي تلك التي يعاود فيها المتهم ارتكاب جرائم إثر أخرى، وبالتالي فإن هيئة المحكمة تشدد العقوبة في هذه الحالة.
وتطرق إلى التأثير السلبي لتواجد أصحاب السوابق في صفوف المجتمع الإماراتي، مبيناً أن هناك إجراءات من الممكن أن تتخذها الدولة في حالة ملاحظة الأجهزة المعنية انتشار نوعية جرائم معينة، بحيث بالإمكان فرض بعض القيود عند منح تأشيرات الدخول للأشخاص، وطلب الصحيفة الجنائية الخاصة بهم، كأحد الأوراق الثبوتية، لافتاً إلى أن هذه القرارات تتطلب تنسيقاً وإجراءات معينة من قبل وزارة الداخلية.
ونبه إلى أهمية وجود تعاون مستمر بين وزارة الداخلية والعدل، حيث يمكن للأولى رصد أكثر الجرائم التي ارتكبت أخيراً، والتواصل مع وزارة العدل، لدراسة التشريعات الخاصة بهذه الجرائم وتغليظ العقوبات فيها، وذلك لأهمية الردع لمن تسول لهم أنفسهم ارتكاب جرائم كهتك العرض، والاغتصاب والاعتداء على الأطفال، وغيرها من الجرائم التي تسبب أذى نفسياً لأفراد المجتمع، وتوجد قلقاً وخوفاً لكثير منهم على ذويهم.
القانون الإماراتيمن جهته أفاد القاضي جمال السميطي مدير عام معهد دبي القضائي، بأن القانون الإماراتي أجاز استبعاد أي متهم ارتكب جناية أو جنحة ما، وذلك في جزء منه متروك للقاضي في بعض القضايا المعينة، مشيراً إلى أن القانون أوجب الإبعاد في جرائم العرض والمخدرات والقتل والسرقة والاغتصاب وقوانين الهجرة، كما أنه في حالة جرائم الأحداث المتكررة يصبح الإبعاد وجوبياً.
وأوضح أن الدولة دائماً ما تراجع قوانينها بهدف متابعة التطور في أساليب الجرائم المرتكبة، وهناك تعديلات تحدث بين فترة وأخرى لما يستحق التعديل منها، مستشهداً بقانون وديمة الذي صدر أخيراً، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الذي صدر في 2012.
وقال السميطي إن أصحاب السوابق يشكلون خطراً كبيراً على المجتمع.
تدابير جنائيةوقال المستشار زايد سعيد سيف الشامسي، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للمحامين والقانونيين، إن الإبعاد القضائي من التدابير الجنائية المقررة قانوناً، حيث يصدر بحكم قضائي ويزال بحكم قضائي والإبعاد طبقاً لنص المادة (121) من قانون العقوبات الاتحادي لسنة 1987، التي تشير إلى أنه إذا حكم على أجنبي بعقوبة مقيدة للحرية في جناية أو جنحة جاز للمحكمة أن تأمر بإبعاد المتهم.
وحول إذا ما كان القانون الإماراتي بحاجة إلى تعديل فيما يخص إبعاد أصحاب السوابق، أشار الشامسي إلى أن المطالبة بإبعاد كل من لديه سابقة أمر غير دقيق، إذ إن المشرع أقر عقوبة الإبعاد عن الدولة في الجرائم التي يرى أنها تمس أمن وسلامة المجتمع.وشدد على ضرورة إلحاق المحكومين وأصحاب السوابق في الجرائم البسيطة التي لم تأمر الهيئة القضائية بإبعادهم عن الدولة عقب تنفيذهم مدة العقوبة، ببرامج تأهيل ومتابعة.
إجراء احترازيوثمن حــــرص القائمين على المؤسسات العقابية والإصلاحية بإدخال أصحاب السوابق خلال فترة قضائهم مدة العقوبة، دورات وبرامج تستهدف زيادة روابط انتمائهم للمجتمع حتى يعودوا إليه أشخاصاً فاعلين ومساهمين في نموه.
وشدد المستشار محمد راشد الضنحاني رئيس نيابة بني ياس الكلية، على ضرورة منع الوافدين أصحاب السوابق التي ثبتت عليهم في بلدانهم من دخول الدولة كإجراء احترازي، وإلزام العمالة القادمة إلى الدولة، بتقديم شهادة حسن سير وسلوك موثقة من سفارات الإمارات في الخارج.
وأفاد بأن وجود شهادة حسن سير وسلوك سيساعد أصحاب العمل على اختيار الأشخاص المناسبين من الناحية المهنية والأخلاقية لشغل الوظائف المتاحة.
ظروف عودة المبعد إلى الدولة
عن الظروف الواجب توافرها لعودة الأجنبي المبعد إلى الدولة مرة أخرى، قالت المحكمة الاتحادية العليا إن المادة 28 من القانون الاتحادي رقم 6 لسنة 1973 في شأن دخول وإقامة الأجانب وتعديلاته نصت على أنه «لا يجوز للأجنبي الذي سبق إبعاده العودة إلى البلاد إلا بإذن خاص من وزير الداخلية»، مشيراً إلى أن المادة 31 تعاقب كل أجنبي دخل البلاد بصورة غير مشروعة بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، وعلى المحكمة أن تأمر بإبعاده عن البلاد.
وأضافت أن المواد: 13، 91، 93 من اللائحة التنفيذية لقانون دخول وإقامة الأجانب، تنص على أنه إذا سبق إبعاد الأجنبي عن البلاد استناداً إلى حكم قضائي صادر عن محكمة مختصة أو بناء على قرار إداري اقتضته المصلحة العامة أو الأمن العام أو الآداب العامة، فلا يجوز له العودة إليها إلا بموجب إذن خاص من وزير الداخلية بعد تقديمه طلباً بذلك إلى إدارة الجنسية والإقامة، على أن يشمل ذلك الطلب سائر البيانات المطلوبة، ولا يجوز البت في طلب التأشيرة أو إذن الدخول، إلا بعد إصدار هذا الإذن الخاص.
تصديق
حول إمكانية قيام بعض الأشخاص بمحاولة تزوير شهادات حسن السير والسلوك بهدف دخول الدولة، قال المستشار محمد راشد الضنحاني رئيس نيابة بني ياس الكلية، إنه في حال اعتماد قرار بإلزامية استخراج شهادة حسن السير، فإن سفارات الدولة بالخارج ستتولى مهام التصديق على الشهادات المقدمة، فيما ستتولى الجهات القانونية داخل الدولة التأكد من تلك التصديقات، منوهاً بأنه في حال تبين وجود واقعة تزوير سيتم إحالة المتهم إلى القضاء بتهمة التزوير في محررات رسمية واستعمالها، والتي يعاقب مرتكبها بالسجن مدة تصل إلى 10 سنوات.
الرقابة والعلاج النفسي يحدان من الخطورة والعدوانية
دعا أحمد إبراهيم الطرطور مدير إدارة حماية حقوق الطفل، التابعة لدائرة الخدمات الاجتماعية في الشارقة، إلى إبعاد ذوي السوابق خارج الدولة، فالسارق الذي ينهي محكوميته يعود إلى السرقة والقاتل أيضاً إذا ما توفر له المناخ المناسب للإقدام على جريمته مرة أخرى.
وقال الدكتور ممدوح مختار علي دكتوراه في علم النفس الطبي عضو جمعية علم النفس الأميركية والمصرية رئيس العيادة النفسية بمركز دبي الطبي، يفترض أن هناك قواعد ونظماً في كل مجتمع يجب أن يحترمها الضيف وهو شريك التنمية، وكل من تسول له نفسه الخروج عن المعتاد والمألوف واللوائح والقوانين يدفع الثمن، وليس الثمن حرمانه من الحرية «وضعه في السجن» وهو أمر مؤقت يزول بزوال المحكومية ولكن بعد أن يخرج من السجن ويعاد تأهيله يقذف به إلى بلد المنشأ، وهذا ما تقول به الاستراتيجية العامة الجنائية في الدولة، وبالتالي يفترض أن تكون الإمارات خالية ممن عنده سوابق.
وحذر من فئة «السوابق» التي يشكل وجودها مزيداً من عامل الخطورة واستهداف أفراد المجتمع الضعاف كالنساء والأطفال، وعندما يخرج أحدهم من من السجن فإن دوافع الإجرام التي أصبحت قهرية قد تدفعه مرة أخرى للعودة والانتكاسة ومن ثم ارتكاب نفس الجرم أو جرم أشد.
رقابة
ورأت هبة الله محمد موجه الخدمة الاجتماعي في منطقة الشارقة التعليمية، أن خطورة أصحاب السوابق تكمن في تركهم دون رقابة أو إخضاعهم لعلاج نفسي، كما يجب على أولياء الأمور ممارسة دورهم، منوهة بضرورة إبعاد الأطفال من محيط من لديهم صحيفة جنائية حتى وإن أظهروا تغيراً في السلوك وتابوا.
وقال محمد الحسيني وهو مختص في علم النفس، إنه من الأهمية ترحيل هذه الفئة فمن يعتاد الجريمة يصعب عليه التحرر منها وعندما تأتيه الفرصة ينتهزها، فهذا القاتل الذي خنق الطفل عبيدة دون أن يرف له جفن صاحب سجل إجرامي ويمارس حياته بشكل طبيعي منذ 6 سنوات في الدولة.