لمشاهدة الغرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا
رغم كل المعوّقات؛ يبقى توطين الوظائف في مختلف القطاعات الحكومية أولوية الوزارات والدوائر الحكومية؛ بعضها نجح في تحقيق الأهداف الموضوعة، وأخرى تحاول بصعوبة؛ لاسيما الجهات الخدمية مثل الصحة والتعليم، فهناك عوائق ملموسة في توطين عدد من الوظائف التخصصية في التدريس والطب، وإن تخطّى نجاح توطين المهن الإدارية حاجز الـ90%.
ضعف توطين المهن الطبية والمساندة، دفع بعض الجهات إلى تعهيد الخدمات الصحية لشركات عالمية متخصصة مثل الأشعة في المستشفيات التابعة للوزارة ومركز الطوارئ في مستشفى القاسمي، وقريباً مستشفى الأمل للأمراض النفسية، وهناك دراسة لتعهيد خدمات الكلى والمختبرات لشركات متخصصة أيضاً، بسبب عدم قدرتها على توفير الكوادر الطبية والمساندة المؤهلة القادرة على الارتقاء بالخدمات الصحية، بعد أن أصبحت من أهم وأكبر المتطلبات في الدولة، خصوصاً مع دخولها معترك السياحة العلاجية.
الحوافز والإغراءات التي وضعتها الجهات الصحية وعلى رأسها وزارة الصحة ووقاية المجتمع وهيئة الصحة في دبي ومدينة دبي الطبية، لا مثيل في العالم، فهي تشمل منحاً دراسية كاملة، إضافة إلى مكافآت شهرية تصرف للطالب أو الطالبة أثناء الدراسة، مع تعيين فوري بعد التخرج على درجات عالية، كلها لم تفلح في الوصول إلى الحد الأدنى من التوطين، لأسباب منها طول فترة دراسة الطب والنظرة المجتمعية السلبية للمهن الطبية المساندة وعلى رأسها التمريض، ما يضع الجهات الصحية في مشكلة مؤرقة بسبب عودة الأطباء الوافدين لأوطانهم يوماً ما، وهجرة الممرضات إلى الدول الغربية بعد اكتساب الخبرة العملية سعياً للحصول على مزايا أفضل.
مشكلة عالمية
الدكتور يوسف السركال، وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع المساند لقطاع المستشفيات، أكد أن توطين مهنة الطب والمهن الطبية المساندة مهمة صعبة على الصعيد المحلي وحتى عالمياً، مضيفاً أن الوزارة تسعى إلى زيادة نسبة التوطين في أكثر من 100 مرفق طبي تابع لها من دبي حتى الفجيرة، لتبلغ أكثر من 10% خلال العامين المقبلين بدلاً من نحو 8% في الوقت الحالي. وقال إن لدى الوزارة الآن 838 ممرضاً وممرضة مواطننين من إجمالي 4299 يمثلون الكادر التمريضي للوزارة، وتبلغ النسبة العامة للمواطنين العاملين في مجال التمريض 4% فقط.
وقال إن توطين هذه المهن مشكلة عالمية تتفاوت من دولة إلى أخرى، وتعاني منها معظم الدول، لأسباب منها التزايد المتنامي في أعداد السكان والتوسع في مجال المستشفيات والمراكز الصحية محلياً وعالمياً، إضافة إلى طول مدة دراسة الطب التي تحتاج في الغالب لكي يكون الطبيب ناجحاً إلى 13 سنة، مقابل أن أي دراسة جامعية أخرى بما في ذلك الهندسة لا تحتاج إلى أكثر من أربع سنوات، وهذا يدفع الطلاب وحتى الأهل إلى التردد في الإقبال على مهنة الطب.
ميزانية
وأضاف السركال أن الوزارة خصصت 100 مليون درهم لتعزيز جاذبية مهنة التمريض، وزيادة التوطين في السنوات الخمس المقبلة حتى عام 2020، تماشياً مع توصيات مختبر الإبداع وجلسة العصف الذهني التي ترأسها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وهناك مؤشرات جيدة، حيث قدمت العام الجاري 67 منحة لدراسة التمريض في مختلف المراحل التعليمية للعام الدراسي الجاري 2015- 2016، منهم 40 مواطناً ومواطنة التحقوا ببرنامج البكالوريوس وابتعاث 19 ممرضة لاستكمال دراستهن من خلال برنامج التجسير من الدبلوم إلى البكالوريس.
مكافأة
وذكرت الدكتورة سمية البلوشي مدير إدارة التمريض بالوزارة، أن الطلاب والطالبات الذين يحصلون على منح من الوزارة لدراسة التمريض يحصلون على 4500 درهم شهرياً كمكافأة، وكذلك يتم توفير المواصلات لهم، إضافة إلى السكن إذا كانوا من مناطق بعيدة عن التي يقطنون فيها.
نسبة متواضعة
وعن توطين مهنة الطب قال الدكتور يوسف السركال: «النسبة الحالية في قطاع المستشفيات دون قطاع الرعاية الصحية الأولية تشير إلى وصولها نسبة 12%، وهي نسبة متواضعة وقليلة إلى حد ما، ولكن هذا هو الحال لمعظم دول العالم.
وقال كان الطب في السابق ست سنوات، ويتخرج الشخص كطبيب عام، ولكن مع تطور مستوى خدمات الرعاية الصحية وظهور التكنولوجيا والتقنيات الحديثة أصبح هناك ما يعرف بالتخصصات الطبية والتخصصات الطبية الدقيقة، وهذا ضاعف فترة الدراسة لتصبح بين 13 _ و16 عاماً، وهي مدة يعتبرها الكثيرون طويلة جداً، خصوصاً ونحن نعيش في عصر السرعة.
النمو المتزايد
الدكتور أمين الأميري، وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع المساعد لسياسة الصحة العامة والتراخيص، قال إن النمو المتسارع في قطاع الخدمات الصحية زاد من عبء توفير الكوادر الطبية المؤهلة لافتاً إلى أن وزارة الصحة ووقاية المجتمع لديها الآن 14 مستشفى و68 مركزاً صحياً، وهناك خطة لافتتاح المزيد خلال السنوات المقبلة، ما يعني أن الطلب على المهن الطبية والطبية المساندة سيرتفع بشكل ملحوظ. وقال الدكتور الأميري إن القطاع الصحي يعتبر من القطاعات الحيوية للاستثمار، وإن هناك زيادة سنوية تتراوح بين 12 و15%، وهذه المنشآت في حاجة إلى العديد من الوظائف، لافتاً إلى أن هناك حالياً أكثر من 1400 منشأة طبية، ما بين مستشفيات، وجراحة اليوم الواحد، ومراكز تخصصية، ومراكز طبية ذات التخصصات المتعددة، وعيادات، ومراكز تأهيل، ومراكز التشخيص الإشعاعي والمختبري، والعيادات الصحية الموجودة ضمن نطاق المصانع والتي يزيد عدد موظفيها على 100 موظف، والمؤسسات التعليمية الخاصة، ويزيد عدد الكوادر الطبية العاملة بهذه المنشآت الطبية على 12 ألفاً من ممارسي المهن الطبية المختلفة، وهم الأطباء باختلاف التخصصات.
بدورها، قالت الدكتورة كلثوم عبدالله البلوشي، مدير قطاع المستشفيات في وزارة الصحة ووقاية المجتمع، إن حاجة الوزارة والجهات الصحية الأخرى في الدولة للأطباء في تزايد، ولا يقتصر على تخصص معين، وهناك نقص في كل التخصصات، مقدرة احتياجات الوزارة للسنوات المقبلة من التخصصات الطبية المختلفة بين 1000- و1400 طبيب وطبيبة، بسبب توجه الوزارة إلى افتتاح مستشفيات ومراكز جديدة، إضافة لاعتزامها إنشاء مراكز للامتياز والتوسعة القائمة في معظم الأقسام.
وأوضحت أن أبرز التخصصات التي تعاني فيها الدولة من نقص شديد تشمل الأمراض الوراثية والأعصاب وأعصاب الأطفال وغدد الأطفال والعناية المركزة، وجراحة أعصاب الأطفال وجراحين متخصصين في الوجه والفكين والجهاز الهضمي، وقلب تداخلي أطفال، وأمراض العظام للكبار والأطفال، وطب طوارئ وجراحة الأورام السرطانية المتقدمة وغيرها، مشيرة إلى أن فكرة تعيين طبيب عام يقوم بعلاج كل الأمراض ولت إلى غير رجعة، وبات يتطلب من الطبيب مواصلة دراسة التخصصات الدقيقة إذا كان يريد أن يكون ناجحاً في المستقبل.
نقص حاد
بدوره، قال الدكتور محمود مرعشي استشاري أمراض الدم في هيئة الصحة، إن هناك نقصاً حاداً على مستوى الدولة في معظم التخصصات الطبية، فعلى صعيد أمراض الدم مثلاً هناك 12 طبيباً وطبيبة فقط، علماً أن أمراض الدم تعتبر من أكثر الأمراض الوراثية انتشاراً في الدولة.
وأضاف: «هناك أطباء يلجؤون إلى التخصصات الأسهل مثل الجلدية وطب الأسرة لأسباب، ولأنها تخلو من المناوبات الليلية، في حين ما زال لدينا نقص حاد جداً في التخصصات الطبية الدقيقة مثل جراحة الأعصاب والقلب والأوعية الدموية والجراحات التجميلية الترميمية والفك والرأس والشبكية وجراحة أعصاب الإذن وطب الأطفال الخدج والأطفال والتخدير والطوارئ، وأورام الرأس، ومثل هذه التخصصات يجب أن تكون رواتبها أعلى من التخصصات الأخرى، وبالتالي لابد أن تكون رواتبهم أعلى مع مميزات أفضل لتشجيعهم على الانخراط في مثل هذه التخصصات». وأضاف: «يجب أن يكون لدينا خطط واستراتيجيات واضحة حول التخصصات المطلوبة، وابتعاث الأطباء يجب أن يتم وفقاً لاحتياجات الجهات الصحية».
صحة دبي
وقالت آمنة السويدي، مدير إدارة الموارد البشرية في هيئة الصحة بدبي، إن نسبة التوطين في القطاعات الطبية في الهيئة تعتبر جيدة باستثناء التمريض الذي يعد مشكلة عالمية، لافتة إلى أن نسبة توطين المهن الطبية المساندة يصل حالياً إلى 40% والأطباء 27% فيما تصل نسبة التوطين في قطاع التمريض 1%.
وقالت إن الهيئة ستعمل اعتباراً من هذا العام على تجاوز عقبات وتحديات توطين القطاع الصحي، الطبي، بقطاعاته المختلفة (الأطباء، والتمريض، والطب المساند)، وذلك من خلال برنامج طموح وشامل، يقضي باستقطاب النخب الطلابية طلبة الثانوية العامة، لاستكمال دراساتهم الجامعية في مجال العلوم الطبية والصحية، مع تحمل الهيئة مصروفات تعليم 130 طالباً سنوياً، طوال أعوام الدراسة، إلى جانب صرف مكافأة شهرية تشجيعية للطلبة.
وأشارت إلى أن الهيئة استندت في توجهها إلى دراسة ميدانية واقعية، تشير إلى الانخفاض الشديد في معدلات التوطين في المجال الصحي، ولاسيما في التخصصات الطبية الحيوية والدقيقة، إلى جانب العزوف الواضح للمواطنين عن مهنة التمريض، وعدم وجود برنامج رعاية متكامل وشامل وأكثر تحفيزاً للطلبة، للالتحاق بالمسارات الطبية على مستوى الهيئة.
وتوصلت الهيئة في دراساتها إلى مجموعة تحديات أخرى أهمها طول أمد الاستثمار في العقول والكوادر الطبية، إذ تصل سنوات التعليم الطبي الجامعي إلى 7 سنوات، يضاف إليها 6 أو 7 سنوات أخرى لتكوين الخبرات التخصصية، وهو ما يؤكد أهمية رعاية الطلبة المواطنين ودعمهم، وتوفير كل سبل التحاقهم بالتخصصات الجامعية الطبية، ومن ثم العمل في المجال الصحي بمستشفيات الهيئة ومراكزها.
امتيازات للمواطنات
وحول قطاع التمريض في هيئة الصحة، قال فؤاد شهاب مدير التمريض في مستشفى دبي، ورئيس ملتقى مديري التمريض بهيئة الصحة بدبي، إن العدد الإجمالي الحالي للممرضين والممرضات بهيئة الصحة بدبي يبلغ 4872 ممرضاً وممرضة من مختلف الجنسيات والتخصصات، ويعمل مديرو التمريض على المحافظة على وجود الممرضات الإماراتيات كعضوات فاعلات ومؤثرات في طاقم التمريض في هيئة الصحة، وكذلك على وضع الاستراتيجيات المهمة لجذب الممرضات الإماراتيات لهذه المهنة النبيلة.
وأوضح أن الهيئة تقدم العديد من الامتيازات للمواطنات في مهنة التمريض، منها التعيين على الدرجة الحادية عشرة للممرضة الإماراتية عند التخرج مباشرة بدلاً من الدرجة الثامنة لغير المواطنين، مع وجود مسار وظيفي سريع يضمن التطور وتولي المناصب القيادية المناسبة خلال فترة قصيرة، إضافة إلى وجود برامج تدريب وتطوير مستمر.
جامعة محمد بن راشد
وقال الدكتور عامر شريف الرئيس التنفيذي لقطاع التعليم في سلطة مدينة دبي الطبية، إن جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية التي تعد أول جامعة طبية ذكية على مستوى الدولة، ستبدأ اعتباراً من سبتمبر المقبل بتدريس الطب البشري وفقاً لأعلى المعايير الدولية، لرفد الجهات الصحية بالأطباء المتميزين، وستضم الدفعة الأولى 50 طالباً وطالبة من المواطنين والمقيمين سواء من داخل الدولة أو الخارج. وقال إن الجامعة تخطط لافتتاح أربع كليات مستقبلاً تشمل كلية للتمريض والقبالة وكلية العلوم الصحية المساندة وكلية الصحة العامة وكلية للصيدلة، إضافة لكلية طب الأسنان القائمة حالياً.
وأشار إلى أن الجامعة، ستقدم في السنة الأولى 10 منح دراسية للطلبة المتفوقين، وستقدم المناهج المستندة إلى النتائج، والتي تركز على المتعلم بشكل أساسي، ما يعزز التفكير الإبداعي والنقدي، ويشجع على تبني ثقافة البحث العلمي، كما تشجع كلية الطب على استخدام التقنيات والمفاهيم التعليمية المتطورة، بما في ذلك التعلم الإلكتروني، والمحاكاة والتطبيق العملي.
مؤسسة الجليلة
وقال الدكتور عبدالكريم سلطان العلماء، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الجليلة، إن أهم ما يميز الدول المتقدمة في مجال الرعاية الصحية في العالم، هو الاستثمارات الهائلة التي يقدمونها من أجل إعداد جيل من الكوادر الطبية المؤهلة للنهوض بقطاع الرعاية الصحية في دولهم، مؤكداً أن مؤسسة الجليلة تقدم سنوياً دعماً مالياً للخريجين المواطنين الطموحين في مجال الرعاية الصحية لمساعدتهم على التخصص وتمكينهم من تطوير مهاراتهم الضرورية للمساهمة برفع المستوى الصحي في الدولة.
لافتاً إلى أن المؤسسة قدمت منذ إطلاقها 34 منحة للدراسات العليا للخريجين في مختلف المجالات الطبية داخل الدولة، منها التمريض وطب الأسنان والصحة العامة والصيدلة وعلم الأحياء الجزيئية والتقنية الحيوية، وغيرها.