يجد زائر متحف رأس الخيمة للوهلة الأولى؛ نفسه في خضم تاريخ يمتد إلى 5 آلاف سنة بأحداثها الدقيقة، وأمام عظمة اللحظة تتقزم الأفكار لأنه تأريخ لحقب مرت على رأس الخيمة عبر تلك الزوايا والآثار، وأمست تعانق الموجات السابحة وتتدفق معها أحاديث التاريخ العتيق والتراث الجميل، فينساب الكلام انطلاقاً من الوقت الحاضر ليتوغل دون قصد في الماضي، حيث الإيغال في القدم.

تعتبر رأس الخيمة مهداً للحضارات القديمة ومقراً للعديد من المستوطنات البشرية، ويشهد على ذلك متحف رأس الخيمة الوطني الذي يضم العديد من القطع الفخارية والآثار التي تعود إلى حوالي ستة آلاف سنة مضت، ويعتبر شاهداً على تاريخ وعصور الإمارة القديمة ويعكس صورة الماضي حتى تستطيع الأجيال الحاضرة أن تتعرف على تاريخها.

نقطة تواصل

ويقع المتحف في موقع متميز كونه يختزل حضارة رأس الخيمة القديمة بكافة معالمها ويشكل هذا المعلم نقطة تواصل مع الجماهير من خلال إعطاء صوت لتراث رأس الخيمة والاحتفال بمستقبلها في الوقت نفسه، ومن خلاله سيتمكن زوار المتحف من معرفة المزيد عن أسلافهم وعن إنشاء المناطق القديمة وتاريخها، فضلاً عن التعرف على عملية تحديث المجتمع المحلي، وما يميزه أنه جمع بين القطع والآثار والمقتنيات التاريخية والمكتشفات الحديثة والتأثيرات المعاصرة لبدء حوار حول أثر التغيير السريع في المجتمعات.

أقيم المتحف في مبنى الحصن الذي يرجع تاريخه إلى أواسط القرن الثامن عشر الميلادي، وقد تم افتتاحه رسمياً في التاسع عشر من شهر نوفمبر 1987، ويعد شاهداً حياً على تاريخ الإمارة وما تفرد به أهلها من مهن وحرف تقليدية.

ويضم المتحف مجموعة متنوعة ونادرة من الآثار القديمة والأحافير التي ترجع إلى حقب تاريخية مختلفة، ويحتوي على آثار بشرية ترجع إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وآثار مستوطنات شمل وآثار مدينة جلفار وحصن ضاية ووادي الغاف، وهنالك معالم أثرية أخرى تتمثل في الأبراج المخروطية التي تستخدم للحراسة والاستطلاع.

تاريخ وتطوير

أفادت أمل إبراهيم النعيمي مدير العلاقات العامة بدائرة الآثار والمتاحف: إلى أن مبنى المتحف عبارة عن برج كان يستخدم لأغراض دفاعية عن إمارة رأس الخيمة، فقد تم بناؤه في الفترة من عام 1809م و1819م، بعدها تم إضافة أجزاء أخرى بعد المعاهدة البريطانية في الفترة من عام 1820م، واستخدم وقتها لعدة أغراض أخرى، في حين تم اتخاذه سكناً للأسرة الحاكمة قبل سنة 1920، وفي وقت لاحق أمر المغفور له الشيخ صقر بن محمد القاسمي استخدام الحصن مقراً للشرطة. وفي عام 1987م أصدر مرسوماً أميرياً في تحويله إلى متحف وطني، وقد استمر توسعته وتطويره ليعكس جوانب مختلفة من تاريخ رأس الخيمة القديم والحديث أيضاً.

دور عرض

أضافت أمل إبراهيم النعيمي إلى أن المتحف يتكون من عدة دور عرض، حيث تحتوي الغرفة الأولى على التاريخ الطبيعي الذي يظهر فيها الحياة البحرية للإمارة، ويستعرض فيها أنواع المحار والمرجان وكذلك الأحافير.

فيما الغرفة الثانية تمثل الآثار، وتنقسم بدورها إلى ثلاثة أقسام مهمة: وهي الآثار القديمة للعام 5000 سنة قبل الميلاد ما يسمى (فترة العبيد) إلى جانب آثار مواقع ( ضاية، وشمل، غليله) في الفترة من 4500 قبل الميلاد، وتتضمن نموذجاً لمدافن، بالإضافة إلى الأواني الفخارية وأواني الزينة، ومجوهرات مصنوعة من العقيق، بالإضافة إلى قلادة تنتمي إلى الألفية الثانية وعبارة عن شعار الدائرة الحالية فضلاً عن آثار فترة ما قبل الإسلام، حيث تم العثور على مجموعة من الآثار في وادي الحليلة فيما القسم الأخير عبارة عن مقبرة أم النار، تتضمن الأدوات التي تم إخراجها من هذه المقبرة، وسميت بهذا الاسم تيمناً بمقبرة أم النار في أبوظبي، والتي تماثلها في كافة المعالم الأثرية وتعد تاريخياً واحدة من أكبر أنواع المقابر من ناحية الشكل والمساحة ويدفن فيها 30 شخصاً.

وأوضحت إلى أن الغرفة الرابعة تعكس التراث، وهي بدورها تنقسم إلى قسمين رئيسين، حيث يحتوي القسم الأول على صور ومعلومات عن طبوغرافية لرأس الخيمة من (ساحل وجبال، وما بين الساحل والجبل)، وصور مواقع وتمركز في فصلي الصيف والشتاء وأشكال البيوت الصيفية والشتوية في الماضي.

أما القسم الآخر يضم (الحرف) التي كان يمتهنها الناس قديماً (كالغوص والصيد والزراعة)، إلى جانب الأدوات والألبسة المستخدمة في كل هذه المهن، إضافة إلى أنواع السفن البحرية.