استجابة لدعوة محمد بن راشد التفاكرية تمهيداً لقمة الحكومات

استئناف الحضارة.. انطلاق بالعالم العربي لاحتلال الريادة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

خمسة أيام تفصل بيننا والحدث الأبرز في المنطقة: «القمة العالمية للحكومات» التي درجت دبي على تنظيمها سنوياً منذ سنوات خمس، لمناقشة أهم القضايا التي تساهم في الارتقاء بالعمل الحكومي في مختلف أنحاء المنطقة والعالم إلى جانب استشراف آفاق المستقبل في مختلف جوانب التنمية بشكل عام، حيث يشارك في التظاهرة الكبرى المنعقدة في الفترة من 12 – 14 فبراير الجاري نخبة من قادة الدول والحكومات والمئات من كبار المسؤولين من مختلف أنحاء المنطقة والعالم.

وستتميز قمة العام الحالي بجلسة حوارية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، سيتناول فيها رؤيته لاستئناف الحضارة في العالم العربي، حيث أعلن سموه عن هذه تفاصيل هذه الجلسة عبر تغريدات على حسابه في «تويتر» قال فيها: «الإخوة والأخوات.. لي جلسة حوارية الأسبوع القادم في القمة العالمية للحكومات حول # استئناف_الحضارة في العالم العربي.. والعودة لطريق التنمية».

وقال سموه: «هدفنا هو بدء حوار عربي حقيقي، تنموي، نتشارك فيه الأفكار والتجارب، هدفنا هو محاولة #استئناف_الحضارة في منطقة كانت مهداً لحضارات العالم».

هدف دقيق

طرحُ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، كان دقيقاً، وهدفه بدا جلياً، فهو لا يطالب بتنمية ما والسلام، وبأية صيغة وكيفما اتفق مهما بلغت مكتسباتها المادية، وإنما كعادته، لا ينفصم عن جذره وإرثه التاريخي، خاصة حينما يتعلق الأمر بالمستقبل، ولذلك قال بدقة «استئناف»، حيث إن المستأنف لا بد أن ينطلق من قاعدة متحققة، يستند إليها في سعيه نحو آفاق التطوير والتنمية، فهو ليس منبتّاً عن جذره العميق، كما أن مفهوم الاستئناف يشي بمواصلة المبدوء أصلاً، في إشارة إلى عدم التناقض الحضاري بدعوى الحداثة.

وإرثنا الحضاري التليد الذي يأبى سموه أن يتخلى عنه هو حتماً هذه الحضارة العربية الإسلامية التي علّمت العالم وأسست للعلوم الحديثة، بكل مكنوناتها ومكوناتها، فهي وحدها التي تمنحنا التميز والخصوصية بين أمم وحضارات الإنسان.

سريعاً ما يلهث المستلبون ثقافياً غالباً، في مسعاهم نحو التحديث والتنمية الشاملة، نحو الانخراط في النموذج الحضاري الغربي بحذافيره، ناظرين بغضب لإرث أمتنا التي لا يحترمنا الآخرون إلا من أجله، بينما صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لا يفرط قيد أنملة في ذلك الإرث الذي هو مرتكزه ومنطلقه باتجاه شمس المستقبل، وما خابت مساعيه يوماً وهو يلتزم ويدعو إلى هذا التوجه.

تجربة دبي

وحينما تصبح دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي فإنها تتمثل جوهر تاريخ العرب وتحوله إلى أيقونة نجاح تحذو حذوه حتى المجتمعات الغربية، وحينما تؤسس بيت الحكمة لاستشراف المستقبل فإنها تستدعي حضارة العرب في بغداد الرشيد، وحينما تنشئ العمران المهيب فإن الأندلس العربية الإسلامية التي شقت سمعتها سماوات وأسماع العالمين تعود من جديد لتتنامى بقوة على ساحل الخليج العربي في صورة الإمارات العربية المتحدة.

واليوم حينما يطالب سموه المفكرين العرب، بأن يتقدموا بأفكارهم الجديدة والخلاقة، من أجل تغذية فكرة «استئناف الحضارة» العربية الإسلامية، التي يؤكد سموه أنها كانت مهد حضارات الإنسان المعاصر، فإنه يحمّل كل ذي فكرة مجدية، مسؤولية العمل من أجل العودة إلى ما نستحقه من مكانة ومن دور حيال البشرية جميعاً، وقطعاً لا بد أنه دور خير وبناء ونماء، كما حدث بالضبط في الأندلس، لا دور هدم وتخريب للحضارات.

الدعوة لبعث أندلس جديدة

إن دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، المشار إليها لا تقل عن كونها صيحة قائد في أمته، لإطلاق الفكر واستئناف حضارة لا ينبغي أن تندثر، ولا يمكن أن تندثر، ما دام الله تعالى يقيض لها أمثاله.

وحينما يذكرنا طرح سموه بالأندلس، فذلك لأن بين الأندلس والإمارات أكثر من سبب وسيماء للمتأمل بحرص، لا أندلس التنافس على الشهوات والصراع من أجل السلطة، وإنما أندلس الحضارة والجمال والتنمية التي ما ضاقت بالصقالبة ولا بالإغريق ولا الفرس، ناهيك عن مختلف مشارب وقبائل العرب والأمازيغ، في صيغة نادرة من صيغ الانسجام والتعايش والتسامح الاجتماعي والحضاري البناء فكانت نتاج ذلك: طليطلة واشبيلية وقرطبة ذات المجد المؤثل.

صحيح أن حضارة العرب التي ملأت الآفاق وأفادت منها الإنسانية أيما إفادة، بدأت بـ«اقرأ» في غار حراء، وتلازم الإيمان والعلم والعمل طوال قرون امتدت إلى يوم الناس هذا، فتولد عنها ما أنتجته بغداد من علوم مهدت الطريق للحضارة الغربية من خلال إسهامات ابن سينا وابن النفيس والخوارزمي وغيرهم كثير.

إلا أن الأندلس قد جسدت تلك المنجزات الحضارية التي انطلقت منها ثم أضافت إليها وطورتها، لذلك نعتبرها أمثولة وأنموذجاً يلخّص حضارة أمة، انطلقت من الإيمان، ومضت به وفق شروط الاستنارة والإيجابية وسعة الصدر الإنساني، الأمر الذي أكدته الأندلس.

وكما تفعل الإمارات اليوم، فقد ارتكزت ثقافة الأندلس على الأريحية والانفتاح اللذين أتاحا لها الإفادة في بادئ الأمر من علوم الإغريق ومجهودات علماء بغداد والمشرق الإسلامي، ولم يدم الأمر طويلاً، حتى استقلت فكرياً وتمايزت في عهد عبد الرحمٰن الناصر، فظهر إثر ذلك العديد من العلماء والفلاسفة والمؤرخين مثل: ابن رشد وابن زهر وابن طفيل وابن باجة وعباس بن فرناس ولسان الدين بن الخطيب وابن خلدون.

وكان يهدف حكام الأندلس إلى الاعتناء بالعلم والمعرفة وتثقيف الأمة والسعي كي تحتل الأندلس مكانة كبيرة في العالم، فقاموا ببناء دور للكتب وأنشأوا المدارس والمكتبات في كل ناحية وترجموا الكتب المختلفة ودرسوا العلوم الرياضية والفلكية والطبيعية والطبية.

لقد أثمرت جهود المسلمين هناك في تطوير علم الطب، وتأثرت ثقافة الغرب الطبية تأثراً كبيراً بما اقتبسوه من المسلمين في هذا المجال، وكان المسلمون هم أول من مارس عمليات الجراحة في العالم على الإطلاق، ووضعوا المؤلفات فيها وفي طرقها.

هذا طرف يسير من إرث كبير يجب أن نستأنفه، وتمثل دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم انطلاقة حيوية لتحفيز الحراك نحو استئناف الحضارة في عالمنا العربي، ليعود إلى المكانة الريادية التي كان يتمتع بها.

معنى الاستئناف

لعل مدلول كلمة «استئناف» الحضارة التي وردت في تغريدات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وهي عنوانٌ لورقته التي سوف يستعرضها في مستهل قمة الحكومات، يفضي إلى «استئناف» الريادة والمبادرة والاضطلاع بالدور المعرفي الطليعي والفعال الذي اتسمت به الأمة العربية والإسلامية حينما كانت تقود الأمم نحو النور، وتستشرف المستقبل الأفضل للبشرية جمعاء.

Email