أشادت نخب سياسية وثقافية وعلماء دين عرب، بدعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لاستئناف الحضارة العربية، معتبرين أن سموه أضاء شمعة في ظلام الأمة الحالك.
ونوهت النخب التي أدلت بدلوها لـ «البيان» من مصر والأردن وفلسطين، بأن النموذج الإماراتي يحتذى في عالم مليء بالاضطرابات، مع تطلعات لتطبيق ذلك النموذج في باقي الدول العربية.
وأجمعوا على أن العلم والاهتمام بجودة التعليم، بوابة رئيسة لتحقيق التنمية المستدامة واستئناف حضارة عربية غابت طويلاً.
إصلاح
وقال الكاتب والسياسي الأردني خالد المجالي، إن الفرصة لاستئناف دور العرب الحضاري، ما زالت غير متاحة، لكنها ليست بعيدة.
وقال في تصريح لـ «البيان»: «الأمة غير مستعدة حالياً لاستئناف الحضارة، والمطلوب منها أن تصلح ما جرى تدميره فيها، عبر إعادة الترميم للانطلاق».
ورداً على السؤال حول ماهية الوصفة للعودة لطريق التنمية، أجاب المجالي: «إذا عادت الدول العربية إلى العمل المؤسسي، كل شيء سيكون سهلاً»، مشيراً إلى أنه بغير ذلك، لا يمكن أن يكون هناك تنمية حقيقية.
مرتكزات
بدوره، أكد أمين عام الحزب الوطني الدستوري الأردني، الدكتور أحمد الشناق، في تصريح لـ «البيان»، أن مرتكزات الحضارة غير قائمة في عالمنا العربي، مشيراً إلى أنها غير متوفرة حالياً في كثير من الأقطار، حيث فقدان الهوية والبعد الثقافي والفكري والبعد المعرفي في الأمة.
وذكر الشناق: هناك عوامل للنهضة، لكنها اليوم غير متوفرة، مشيراً إلى أن لا حضارة بلا مكون فكري ثقافي لها.
وأكد الشناق أن أمة العرب ولادّة، مشيراً إلى أن الأمة ستنهض عندما يكون لها مجال للتعبير عن إرادتها، ولا يكون ذلك إلا باستعادة عافيتها بالبعدين الفكري والثقافي، والمسافة ما زالت طويلة، والتطاحن والصراع القائم سيأخذ مداه.
استقرار
أما أمين عام حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، الدكتور سعيد ذياب، فأوضح في تصريح لـ «البيان»، أن النهضة والدور الحضاري ممكن، لكن على الأمة أن تستقر أولاً، ومن هنا يمكن أن تشارك في صناعة الحضارة.
وحول العودة إلى طريق التنمية، نوه ذياب: الأمر مرتبط ببناء مشروع نهضوي عربي شامل، مبيناً أن هذا المشروع يتمثل في التحرر من التبعية للقوى الأجنبية، وتعزيز السيادة الوطنية، وبناء الديمقراطية، وإيجاد الحكم الرشيد للأقطار العربية، ثم في نهاية المطاف الوحدة العربية.
النهج الإماراتي
وأشادت الكاتبة المصرية سكينة فؤاد «مستشارة الرئيس المصري المؤقت السابق عدلي منصور»، بالنهج الإماراتي في التعامل مع القضايا المرتبطة بمستقبل المنطقة وتنميتها واستئناف الحضارة فيها، ودورها باستعادة الأمل للشعوب العربية، ضاربة المثل بمبادرة الدولة الخاصة بتخصيص وزارة للسعادة، وأخرى للتسامح، في بادرة بالغة الأهمية والدلالة، وتجربة وصفتها بكونها غير عادية، مشددة على كون الإمارات «نموذجاً» يحتذى به في المنطقة.
وحول أدوات العودة لطريق التنمية وأسس استئناف المنطقة لحضارتها، ومدى المقدرة على إعادة صياغة مستقبل تلك المنطقة، أفادت المثقفة المصرية في تصريحات لـ «البيان»، أن هناك العديد من الأدوات، والتي يأتي في مقدمها وحدة شعوب المنطقة، وتماسك أبنائها واستقلالية قرارها، وتجمع وتوحد صفوفها كافة، وإقامة النظام الديمقراطي الذي يحترم إرادة الشعوب، وكذلك استعادة وتعزيز جميع عوامل قوة المنطقة البشرية والمادية، وإطلاق الطاقات الكامنة، واستنهاض الطاقات الإبداعية، والاهتمام بتطوير وتقدم وتحديث التعليم، باستخدام أحدث التقنيات التي تضمن خلق جيل واعٍ ومواكب للعصر والاهتمام برعاية الأجيال القادمة.
وأشارت فؤاد إلى أن من بين الأدوات أيضاً، تمكين المرأة وإزالة جميع معوقات مشاركتها في كل المجالات، مع العمل على استعادة القيم الصحيحة التي تستخدم المرأة وكفاءتها، وتعالج أفكاراً كثيرة ظلمت المرأة في كثير من المجتمعات العربية، جنباً إلى جنب مع العمل على دعم الأنظمة الديمقراطية والبناء الديمقراطي الحديث، القائم على الحريات والمسؤولية الاجتماعية.
وشددت المستشارة السابقة للرئيس المصري المؤقت، على أن من بين خطوات استئناف المنطقة لحضارتها، ضرورة ألا تكون الحداثة دون اهتمام ورعاية بالمكونات الحضارية والثقافية الراسخة للأمة العربية.
حضارة غربية
واتفق المفكر والناقد الأدبي المصري، د. يوسف نوفل، مع التوجه القائل بأهمية استيعاب ما أفرزته الحضارات المختلفة، والبدء من حيث انتهى الآخرون. وقال لـ «البيان»، إنه «لا بد للإنسان أن يعيش عصره، فلكل عصر إنجازاته وطرق تفكيره، وكل عصر يلتزم بسمة معينة، فكان هناك عصر الخرافة والإيمان بالخرافات، ثم عصر الشك والتحري والتجريب، وعصر الإيمان والعقيدة وعصر العقل والتفكير، ونحن في عصر العلم والعقل والتفكير، ولا بد أن يتم الأخذ بما توصلت إليه الأمم والانطلاق والإضافة».
واستطرد نوفل: «ويأتي ذلك من باب ضرورة مجاراة التطور الذي جد على الحضارات في تعاقبها وصعودها، إن الماضي شيء عظيم، والتراث عظيم جداً، ونفخر به، لكن علينا أن نأخذ منه ما يدفعنا للأمام، وأن نواكب الإنجاز المعاصر».
وأشار في السياق ذاته إلى كتاب عميد الأدب العربي طه حسين«مستقبل الثقافة في مصر»، والذي هاجمه بعض معاصريه، وقالوا إنه يدعو فيه إلى «خلع عباءتنا القديمة»، لكنه لم يكن يقصد ذلك، فالمطلوب كان وما زال، متابعة رياح التغيير والتطور الحادث، وأن نتعلم ونتطور ونبدأ ونضيف.
اضطرابات
وفي عالم مليء بالاضطرابات، وبينما تواجه المنطقة العديد من الأزمات والتحديات، تظل دولة الإمارات وتجربتها نموذجاً يقتدى به، وفقاً للمفكر السياسي المصري الدكتور رفعت السعيد.
واعتبر السعيد أن المنطقة تمر بمرحلة بالغة الصعوبة، وهناك العديد من الأطراف والقوى التي تحاول إعادة بناء خريطة المنطقة على أساس تفتيت أغلب الدول.
العدالة
إلى ذلك، سلط الباحث الإسلامي د. كمال حبيب، الضوء على عنصرين رئيسين من العناصر الضرورية لاستئناف الحضارة العربية والإسلامية، وهما «التعليم والعدالة»، ابتداءً من الاهتمام بتطوير التعليم بالتحرر من المناهج الهشة والاعتماد على الحفظ والتلقين، دون إعطاء القدرة على الابتكار والإبداع، وحتى إعادة النظر في منظومة العدالة بمختلف أشكالها، سواء العدالة الاجتماعية أو العدالة القضائية، بحيث يستشعر المواطن بالأمن والعدل.
موضحاً، في تصريحات خاصة لـ «البيان»، أن هناك حاجة ماسة إلى ضرورة التضامن والتكاتف من أجل مواجهة التحديات المشتركة، وأشار في ذلك الصدد لتعطل بعض مشروعات العمل العربي المشترك، بما يفوت الفرصة على إعادة صياغة المستقبل بصورة متكاملة وشاملة، تعطي الأمل للشعوب.
عكرمة صبري: بالحضارة نعود
قال خطيب المسجد الأقصى ومفتي القدس، الشيخ عكرمة صبري، إن العالم العربي له رصيد وتراث وتاريخ طويل، وبالتالي، يستطيع أن يعيد أمجاده، وأن يتجاوز الفجوات والنكسات التي يمر بها، وأن عوامل النهضة متوفرة، وتراثنا يحفزنا لأن نعود إلى أمجادنا «ولن نيأس، لأن الله اعتبرنا خير أمة أخرجت للناس».
وجاء في حديث الشيخ صبري، في معرض رده على الجلسة الحوارية لسمو الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي، والمتوقع عقدها خلال الأيام المقبلة، حول استئناف الحضارات في العالم العربي، والعودة لطريق التنمية، بهدف بدء حوار تنموي، تشارك فيه الأفكار والتجارب، لمحاولة استئناف الحضارة في منطقة كانت تعد مهداً للحضارات.
وأوضح صبري أنه يجب علينا من أجل استئناف الحضارات، الإيمان بالله والالتزام بالكتاب والسنة، وبذلك نعود إلى وحدتا وأمجادنا، ونبني عليها المستقبل.
وأضاف: «من أجل الوصول إلى حضارة ونجاح وتنمية، يجب علينا التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، لأنهما النجاح والهداية، ولن نيأس طالما وضع الله الخير في الأمة الإسلامية والعربية».
وذكر أن الأمة ستنجب أجيالاً عقب أجيال، إذا كان هناك تعثر أو خلاف، وفي حضارات العرب والمسلمين دليل على أننا لم نيأس، ولا بد أن الأمة ستلد قائداً يوحد صفوفها وينتصر لها، وعليه، فإننا نطالب بوحدة العرب، وطالبنا الإمارات أن تعمل من جانبها لأن يتحقق هذا قريباً.
محمد مهنا: استنهاض المنطقة تحدٍ يتطلب تضافر الجهود
أكد مستشار شيخ الأزهر الشريف، الدكتور محمد مهنا، أن قضية استنهاض المنطقة واستئناف حضارتها، صعبة، وهي القضية الحقيقية التي نعيشها، قائلاً: «أعتقد أن الحضارة العربية الإسلامية، تباطأت منذ أكثر من قرنين من الزمن، في الوقت الذي بدأت فيه عجلة الحضارة الأوربية والغربية تدور بسرعة كبيرة، هذا التناقض أنتج فجوة كبيرة بين الشرق والغرب».
وتابع مهنا لـ «البيان»: «إن سد هذه الفجوة أو ردمها من خلال استيعاب كل ما ينتجه الغرب دون دراسة وفقاً لأسس الحضارة والهوية العربية والإسلامية، لن يؤدي إلا إلى نوع من الانفصام في الشخصية الحضارية للأمة»، معتبراً أن «التحدي الآن هو كيفية العودة للنقطة التي بدأ منها توقف الحضارة العربية والإسلامية، مع استيعاب مستجدات العصور أولاً بأول، وبصورة تدريجية، مع مراعاة تطور الزمن».
وأضاف مهنا أن هذه القضية تحتاج إلى تضافر كافة المؤسسات والهيئات والأفكار والرؤى، من أجل صياغة مستقبل جديد للمنطقة على كافة المستويات، الدينية والفكرية والثقافية والتعليمية والتربوية، وكذا السياسية والاقتصادية ومختلف الشؤون الأخرى.
وبسؤاله حول ما إذا كنا مؤهلين لاستئناف الحضارة، وقادرين على ذلك أجاب: نعم، نحن مؤهلون، لأن الحضارة العربية والإسلامية هي حضارة راسخة، فمن حيث التاريخ، فهي حضارة قديمة، عاشت قروناً من الزمن، في حين أن الحضارة الغربية حديثة، عمرها على أقصى تقدير 3 قرون، كما أن الحضارة العربية والإسلامية هي حضارة ما زالت متصلة بأصولها الغيبية الإيمانية، ومن ثم، فهي قادرة على استيعاب كافة الحضارات والأفكار والرؤى، مهما كان مصدرها.