يعد تشوه الأجنة من الأمور المقلقة لجميع الأسر، لما يترتب عليه من متاعب في رعاية المولود منذ ولادته، إضافة إلى الأموال التي تُهدر في علاجه، فضلاً عن الأعباء الاقتصادية التي تتكبدها الدولة سنوياً في علاج هذه الأمراض، وما تتركه هذه الأمراض من آثار مدمرة على الأطفال الذين يولدون باعتلالات قد تصل إلى الإعاقات الدائمة والتشوهات الخِلْقية أو حتى الموت، بل إن التأثيرات السلبية لهذه المشكلة تفاقم معها نتائج تدميرية على مستوى الأسرة، إذ أدت إلى وقوع العديد من حالات الطلاق، بسبب عدم قدرة الوالدين على المضي قدماً في مشوار الحياة بكل مشكلاته.

ولا يزال زواج الأقارب من أبرز الأسباب التي قد تؤدي إلى حالات كثيرة من تشوه الأجنة، لا سيما إذا أهملت خطوات الفحوص ما قبل الزواج وتأخرت عملية الكشف على الحوامل، وتفادياً لذلك أكدت وزارة الصحة ووقاية المجتمع عزمها إدخال 18 مرضاً من أكثر الأمراض الجينية انتشاراً في الدولة إلى قائمة فحوص ما قبل الزواج، في حين أعلن مركز دبي للأمراض النسائية والإخصاب التابع لصحة دبي إدخال تقنية جديدة جنبت الكثير تشوهات الأجنة قبل الحمل عن طريق الإخصاب.

وهناك أسباب عدة لتشوهات الأجنة ترتبط بزواج الأقارب أو الأمراض الجينية التي يحملها الآباء، ولكن مع سَن التشريعات التي تُلزم فحص الأمراض الوراثية قبل الزواج، انخفضت نسبة الإصابة ببعض الأمراض، ومنها على سبيل المثال الثلاسيميا، في حين ما زالت الأمراض الجينية تتصدر اهتمام الجهات الصحية في الدولة.

ولتجنب تلك المتاعب، أوصى أطباء واختصاصيون بضرورة فتح ملف ومراجعة الطبيب بصورة راتبة عند بدايات الحمل دون انتظار الأيام الأخيرة للحمل، حيث تبين أن هناك عدداً كبيراً من الحوامل لا يراجعن مراكز الرعاية الصحية الأولية، وإنما يأتين في الأشهر الأخيرة، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تشوه الجنين بصورة كبيرة.

فحوص

وكشف الدكتور حسين عبد الرحمن الرند، وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع المساعد للمراكز والعيادات، عن خطة لتوسيع نطاق فحوص ما قبل الزواج، عبر إدخال 18 مرضاً من أكثر الأمراض الجينية انتشاراً في الدولة إلى قائمة فحوص ما قبل الزواج، لتشمل بعض الأمراض الوراثية المسببة للأمراض، وذلك في إطار مساعي الوزارة لتوفير أقصى درجات الصحة والسعادة للمواطنين والمقيمين في الدولة.

وقال الدكتور الرند إن الأمراض الجينية ستشمل أنيميا الدم وبعض الأمراض الأخرى المنتشرة في الدولة، لافتاً إلى أن وزارة الصحة تبحث تعهيد جزء من خدمات فحوص ما قبل الزواج لأحد المختبرات الخاصة في الدولة، بحيث تكون جميع الفحوص تحت إشراف ومراقبة الوزارة، لضمان عملية نتائج تلك الفحوص للوقاية من الأمراض قبل حدوثها، لافتاً إلى أن السعر المقترح من قِبل الوزارة هو 2500 درهم، علماً بأن سعر تلك الفحوص يكلّف في القطاع الخاص أكثر من 4000 درهم.

 

تأثيرات

بدوره، قال الدكتور عبد الرزاق حمزة، المنسق العلمي الأول في المركز العربي للدراسات الجينية، أحد مراكز جائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية بدبي، إن الأمراض الجينية تؤثر في الأطفال أثناء نموهم في رحم الأم، وقد تؤثر العيوب في أي جزء أو أجزاء من الجسم مثل القلب أو الدماغ أو الأطراف، ويمكن لهذا التأثير أن يظهر على هيئة الجسم أو وظيفته أو كليهما معاً، وقد تتفاوت العيوب الخِلْقية من معتدلة إلى حادة، وتشغل الأسباب الجينية الحيز الأكبر من جملة مسببات العيوب الخلقية، وهنا يبرز الدور الكبير الذي يقوم به المركز العربي للدراسات الجينية بدبي، في دراسة تلك الأسباب الجينية وأرشفتها على مستوى الشعوب العربية كافة، ويتم إيداع هذا الكم الهائل من المعلومات المهمة في قاعدة البيانات (CTGA) التي هي أكبر قاعدة بيانات للأمراض الوراثية المبنية على الإثنية في العالم.

وأضاف: «تحدث معظم العيوب الخِلْقية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، حيث تتكون أجهزة الطفل في هذا الوقت؛ ومع ذلك، يمكن أن تحدث بعض هذه العيوب في وقت لاحق من الحمل أيضاً، وبعض أسباب الإصابة بالعيوب معروفة، وتشمل هذه الأسباب التدخين أثناء الحمل، والسمنة أو الإصابة بمرض السكري أثناء الحمل، واستخدام بعض الأدوية أثناء الحمل، ووجود خطر وراثي من الإصابة بالعيوب الخِلْقية في العائلة، والإصابة ببعض الأمراض المُعدِية أثناء الحمل، وكِبَر سن الأم، لافتاً إلى أن وجود أي من الحالات المذكورة أعلاه يمكن أن يتسبب في زيادة خطر ولادة طفل مصاب بتشوهات خِلْقية؛ وعلى الرغم من ذلك، فإن الأطفال الذين يولدون مصابين بتشوهات خِلْقية ليس بالضرورة أن تكون أمهاتهم جميعاً يعانين الحالات المذكورة.

واستطرد الدكتور حمزة قائلاً: «يمكن اكتشاف العيب الخِلْقي قبل الولادة أو أثناءها أو في أي وقت بعدها، ومع ذلك يتم اكتشاف معظم العيوب الخِلْقية خلال السنة الأولى من العمر، كما يمكن اكتشاف العديد من العيوب قبل الولادة، من خلال الفحوص التي تتم قبل الولادة، وتعتبر بعض العيوب الخِلْقية مثل الشفة المشقوقة أو تشوهات الأنبوب العصبي مشكلات متعلقة بالشكل، فيمكن رؤيتها بسهولة، أما العيوب الأخرى، مثل عيوب القلب أو فقدان السمع، فإنها تتطلب إجراء فحوص متخصصة».

وعي صحي

وقالت عائشة إبراهيم أحمد، مديرة مستشفى الشيخ خليفة بن زايد للنساء والولادة والأطفال في عجمان، إنه لا بد أن يكون هناك وعي صحي لدى المرأة الحامل وأسرتها، يدفعها إلى مراجعة مراكز الرعاية الصحية الأولية التي بدورها تفتح ملفاً للحامل، تتم من خلاله متابعة حالتها وحالة جنينها الصحية إلى الشهر الثامن من الحمل، ثم يتم تحويل الملف إلكترونياً إلى مستشفى الشيخ خليفة للنساء والولادة والأطفال إذا كان الحمل طبيعياً، وهو الأمر الذي يسهّل المهمة على الأطباء الذين يكونون على دراية بملف المريضة من حيث التاريخ، أو إذا كانت لديها ولادات متكررة، أو هناك ولادات قيصرية.

وأوضحت أن 50% نسبة الحوامل اللائي يراجعن المستشفى دون مراجعة مراكز الرعاية الصحية، وأن معظم تلك الحالات يدخل عن طريق قسم الطوارئ في وقت متأخر من الحمل، ظناً أن العلاج سيكون مجاناً، وهو خلاف ذلك.

التأمين الصحي

وأضافت عائشة أنه مع بداية العام الجاري سيبدأ العمل بنظام التأمين الصحي للولادات، وهو الأمر الذي سيخفف الأعباء المالية كثيراً على المواطنين والمقيمين، كما أنه لا يتم قبول أي حالة ولادة لم تراجع مراكز الرعاية الصحية الأولية إلا عن طريق قسم الطوارئ، مبينةً أن هناك الكثير من المراكز الصحية الأولية المنتشرة في أماكن عديدة في عجمان، منها مركز المدينة ومركز مشيرف الصحي ومركز المنامة ومزيرع الصحي، وجميعها تستقبل الحوامل منذ بداية الحمل وتقدم العلاج المناسب، كما يتم من خلالها تحويل الحالات غير الطبيعية حتى لو كانت في وقت مبكر من الحمل إلى مستشفى الولادة، لافتةً في الوقت ذاته إلى أن أسعار الولادات بالمستشفى تتفاوت، فالولادة الطبيعية أسعارها بين 5-8 آلاف درهم، ومدتها يوم واحد، والقيصرية تراوح بين 10-15 ألف درهم، ومدتها 3-5 أيام، كما أن سعر الغرفة العادية 200 درهم لليوم الواحد، والغرفة الخاصة 500 درهم شاملة العلاج والتحاليل الطبية.

وبينت مديرة مستشفى الشيخ خليفة بن زايد للنساء والولادة والأطفال في عجمان أن عدد المواليد في المستشفى حتى نهاية ديسمبر الماضي بلغ ألفاً و972 مولوداً، منهم 522 مواطناً وألف و972 غير مواطن، وأن عدد الأطفال الخدج في الفترة ذاتها بلغ 111 مولوداً، لافتةً إلى أن الولادات الطبيعية بلغت ألفاً و389 ولادة، والقيصرية بلغت 583 حالة ولادة.

 

خطة علاجية

بدورها، قالت فاطمة العويس، رئيسة قسم العلاج الطبيعي بمستشفى القاسمي، إنه تم وضع خطة علاجية ستنفّذ مع بداية العام المقبل 2017، عبارة عن حصص جماعية لكل الحوامل اللائي يراجعن قسم العلاج الطبيعي في «القاسمي»، سيتم خلالها منح السيدات حصصاً جماعية، تتمثل في شرح وضعيات التقويم والتمرينات من خلال عرض فيديو، إضافة إلى تجهيز برامج وخطط علاجية لتستمر عليها المرأة الحامل، على أن تتم متابعتها من فترة إلى أخرى، مبينةً أن القسم يستقبل شهرياً 150 مراجعة، وأن معظمهن يأتين بعد الولادة، ويعانين السلس البولي وآلاماً أسفل الظهر، حيث يتم تقديم العلاج المناسب إليهن، كما أن البرنامج يكون حسب المدة الزمنية للحمل، ويتم تغييره كل شهرين، بإضافة تمرينات المرونة في أواخر الشهر التاسع من الحمل، بهدف تسهيل عملية الولادة، حتى تكون دون مضاعفات أو آلام شديدة، مع التركيز على تمرين عضلات الحوض، لمنع أكثر المشكلات شيوعاً بعد الولادة التي تتمثل في سلس البول.

التهابات متكررة

من جهته، قال البروفيسور حكم ياسين، استشاري طب الأطفال وحديثي الولادة والمدير الطبي وعضو مجلس أمناء مستشفى الجامعة بالشارقة، إن من أبرز أسباب ولادات الخدج الالتهابات المتكررة وداء السكري والجهد من قِبل المرأة الحامل، مبيناً أن نسبة ولادات الخدج تبلغ نحو 10 في المئة من إجمالي الولادات في الدولة، كما أن عدد حالات ولادة الأطفال الخدج 41,000 طفل يوميًا في أنحاء العالم كافة، يتلقون بعد الولادة مباشرة، وخلال الأيام والأسابيع والأشهر اللاحقة للولادة، الرعاية اللازمة، ضمن بيئة دافئة للمحافظة على حرارة أجسامهم، وتقديم الرضاعة الطبيعية لهم، وحمايتهم من العدوى، وتقديم اللقاحات اللازمة ضد الأمراض التي يمكن الوقاية منها، وبعد تلقي الرعاية والمراقبة المستمرة، يمكن للطفل الخديج أن يعيش حياة صحية وطبيعية.

وأضاف أن أربعة أطفال من المواليد يتوفون من بين 1000 طفل مولود في مستشفى الجامعة بالشارقة، وهذه النسبة أقل من المعايير المعتمدة دولياً، وذلك بفضل ما لدينا من التجربة، والخبرة، والأدوات، والتكنولوجيا اللازمة.

250

تعد علاجات التشوه في الجنين بمختلف أنواعها مكلِّفة إلى درجة كبيرة وغير متوافرة، وتحتاج إلى أطباء متخصصين بالنسبة إلى الأطفال حديثي الولادة، كما أن تكلفة العملية الواحدة بالنسبة إلى مشكلات القلب تتعدى 250 ألف درهم، وتحتاج بعض العيوب إلى أكثر من عملية جراحية، وعملية النزيف في المخ تحتاج إلى تركيب صمام تتجاوز تكلفته 100 ألف درهم، بخلاف رسوم الحضانات التي تراوح بين 2-3 آلاف درهم في اليوم الواحد بحسب الحالة، و100 درهم في حال إذا كان الطفل مولوداً بداء الصفراء، إضافة إلى أسعار الولادات، فالولادة الطبيعية أسعارها من 5-8 آلاف درهم، ومدتها يوم واحد، والقيصرية تراوح بين 10-15 ألف درهم، ومدتها 3-5 أيام، وتختلف بحسب الخدمات المقدمة.

7

قال الدكتور حسين الرند، وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع المساعد للمراكز والعيادات، إن هناك 7 مراكز صحية تتبع الوزارة تقدم حالياً فحوص ما قبل الزواج الإلزامية لكل المقبلين على الزواج، وتشمل فحص أمراض الدم الوراثية، وفصيلة الدم، وعامل ريسوس، ومرض البيتا ثلاسيميا، ومرض فقر الدم المنجلي، واختلافات الهيموغلوبين الأخرى. كما تشمل الفحوص، التي تقدمها الوزارة عبر مراكز الرعاية الصحية الأولية التي تم اعتمادها في مختلف إمارات الدولة، الأمراض المعديـة والمنقولة جنسياً، وهي فحص الإيدز، وفحص التهاب الكبد الفيروسي (ب)، وفحص التهاب الكبد الفيروسي (ج)، وفحص الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي بين الزوجين مثل الزهري، والمناعة ضد الحصبة الألمانية للمرأة، لافتاً إلى أن المشروع حقق أكثر من 95% من الأهداف المنبثقة عن استراتيجية الدولة لبرنامج فحوص ما قبل الزواج.

%70

أكدت الدكتورة إيمان محمد البهي، الطبيبة في مستشفى الشيخ خليفة بن زايد للنساء والولادة والأطفال، أن هناك اعتقاداً خاطئاً بأن المرأة إذا وضعت في بداية حملها قيصرياً، فإن كل الولادات بعد ذلك تكون قيصرية، مبينةً أنه من الممكن أن تكون الولادة طبيعية بعد القيصرية بنسبة 70%، كما أن عدم المراجعة الأولية لمراكز الأمومة والرعاية الصحية يقلل فرص الكشف عن التشوهات التي تصيب الجنين، وأبرزها تشوهات القلب والجهاز العصبي وأن يولد الطفل دون جمجمة، كما أنه من السهل كشف التشوهات عن طريق السونار في حال المراجعة الدورية بعد الشهر الثالث من الحمل، لافتةً إلى أن قسم الطوارئ في المستشفى يستقبل شهرياً 2000 مراجع، جميعهم تُقدَّم لهم الخدمات العلاجية المناسبة.