«تحدي القراءة العربي هو صناعة أمل»، و«استئناف حضارتنا يبدأ من المدارس»، أبعادٌ عميقة وآفاقٌ واسعة تجسدت في مقولات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في تأكيدٍ على أن القراءة تجاوزت حدود التثقيف وتغذية العقول، لتصل إلى صناعة الأمل بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.
الأمل الذي يصنعه مشروع «تحدي القراءة العربي» يكمن في جيلٍ قارئ يتخذ من الكتاب رفيقاً، وفي مثقفين وأدباء ومبدعين استعادوا ثقتهم بأهمية أدوارهم في المجتمع، ليضعهم ذلك أمام مسؤوليةٍ أكبر، في ظل تسابق الأجيال الجديدة على النهل من معين الثقافة، وسعي المثقفين لتقديم ما يليق بمجتمع عربي وضعته الإمارات على أبواب استشراف المستقبل.
نتائج تبعث على التفاؤل في الدورة الثانية من «تحدي القراءة العربي»، برز من خلالها الاندفاع نحو هذا المشروع، بعد النجاح الكبير الذي حققه في دورته الأولى، والانعكاسات الإيجابية التي أحدثها على مستوى العالم العربي.
«البيان» تواصلت مع أعضاء اللجنة العليا لـ«تحدي القراءة العربي»، والقائمين على التعليم في الدولة، ليؤكدوا أن التحدي مشروع نهضوي شامل لصناعة الأمل في المستقبل، لافتين إلى انطلاقه من رؤية تسعى إلى جعل القراءة أسلوب حياة لدى النشء العربي، مشيرين إلى أنه يبرهن في دورته الثانية على أن بذرة الأمل التي غرسها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بدأت تكبر وتنمو.
القراءة المعرفية
وأكد معالي حسين الحمادي، وزير التربية والتعليم، أن «تحدي القراءة العربي» نجح في خلق حبّ القراءة لدى الطلبة، كما أعطى الكتاب المعرفي قيمته ومكانته، بموازاة الكتاب المدرسي.
وقال: أعاد «تحدي القراءة العربي» الاعتبار لدور المدرسة في تمكين القراءة المعرفية وغرسها في نفوس النشء، من خلال مشاركة مختلف مدارس الوطن العربي في التحدي، على مستوى الإدارة والمعلمين والمشرفين، وما يعنيه ذلك من رفد مكتبة المدرسة بصورة متجددة بمخزون وفير من الكتب لتلبية متطلبات التحدي وتضمين حصص القراءة والمطالعة في الجدول المدرسي، وإقامة أنشطة قرائية صفية على مدار العام الدراسي والمتابعة المستمرة والحثيثة من المعلمين لطلبتهم، الأمر الذي يسهم في خلق أجواء نقاشية تثري طرفي النقاش وتعمل على مد جسور من التواصل بين الطالب والمعلم من جهة، وبين الطالب والمدرسة كمكان لتحصيل العلم وكمصدر ثقافي من جهة أخرى.
الفكر النيّر
وأشار الحمادي إلى أن التحدي -المبني على رؤية تسعى إلى جعل القراءة أسلوب حياة لدى النشء في المجتمعات العربية - يعكس رؤية أكبر وأشمل مفادها خلق جيل مسلح بالأمل، وهذا الأمل لا يتعزز إلا بالمعرفة الحقيقية المستندة إلى أسس قوامها الفكر النيّر والثقافة الأصيلة.
وأبرز الحمادي جانباً مهماً في التحدي، وعنه قال: «يستهدف تحدي القراءة العربي الأطفال والمراهقين بالدرجة الأولى، وهما شريحتان عمريتان تعدان من بين الأكثر حساسية على صعيد التكوين النفسي والقيمي والتربوي، كما أنهما الأكثر تأثراً بالتيارات المجتمعية والفكرية، ومن شأن القراءة المعرفية أن تصون النشء من التيارات الهدامة وتحميهم من السقوط في الفراغ، أو الاستجابة للدعوات المتطرفة المعنية بنشر ثقافة الظلام واليأس والكراهية والإقصاء، لتعزز بدلاً من ذلك ثقافة الأمل والتسامح والإيجابية وقبول الآخر».
تخطيط للمستقبل
بدورها أشارت معالي جميلة المهيري، وزيرة دولة لشؤون التعليم العام، إلى أن تحدي القراءة العربي، ومنذ دورته الأولى، مسّ عصباً حيوياً باستهدافه النشء أو طلبة المدارس، من مختلف المراحل الصفية، من منطلق أن هذه الشريحة هي الأكثر قابلية للتشكيل والتوجيه.
وتابعت: حين نحرص على غرس قيمة القراءة في نفوس هؤلاء الطلبة منذ تفتّح مداركهم، فإننا بذلك نكون قد وضعنا الأساس لبناء جيل يدرك أهمية المعرفة والثقافة في بناء شخصية واعية، قادرة على النهوض بمسؤولياتها إزاء نفسها ومجتمعها، وبالتالي بناء وطن أكثر استقراراً ونماءً، والتخطيط لمستقبل مستدام.
وأكدت معاليها أن «تحدّي القراءة العربي» يبرهن في دورته الثانية أن بذرة الأمل التي غرسها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قد زُرعت، وأن علينا من اليوم أن نرعاها ونسقيها، كي يحيا الأمل ويكبر ويعم وينتشر وينتقل من جيل لآخر، فالتحدي كما قال سموه صناعة أمل وهو ما يعني أن نجتهد لتمكين هذه الصناعة وترسيخ الأمل كي تمتد جذوره عميقاً في مكوننا الثقافي والحضاري والإنساني.
وقالت المهيري: «القراءة التثقيفية والمعرفية باب واسع يحتمل اهتمامات عدة، فكرية واقتصادية وتاريخية وفلسفية وأدبية، كالروايات والقصص، وإذا كان تحدي القراءة العربي يتيح خيارات متنوعة للمشاركين، فإن الهدف في النهاية أن نساعد هذا الجيل الفتي على تنمية شغف المطالعة لديهم والإقبال على الكتاب وجعل القراءة جزءاً لا يتجزأ من نشاطهم اليومي، من خلال إفساح المجال لهم للاختيار والتقييم دون أن يخلو ذلك من متابعة وتوجيه».
وأضافت: «من المهم أن يطلع النشء على مختلف أنواع المعارف، لبناء ذائقتهم وتطوير قدراتهم النقدية وبناء شخصية مثقفة في النهاية، ذلك أن الثقافة هي محصلة قراءات متنوعة، ولا شك أنه كلما زادت وتنوعت قراءات الطالب، كلما اتسعت مداركه، وقدرته على الفهم والتحليل، ليس فقط لموضوعات محور قراءته، بل أيضاً للمواد العلمية التي يدرسها، وهذا ما أثبتته العديد من الدراسات العلمية، ولذلك فإن مشروع تحدي القراءة العربي يحظى بكل هذا الاهتمام من وزارات التربية والتعليم في العالم العربي وعلى رأسها دولة الإمارات، لإيماننا الكبير بقيمة المشروع وفائدته التي تعود بالنفع على كافة طلابنا».
شخصية منفتحة
إلى ذلك قالت عفراء الصابري، وكيل وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، إن مشروع تحدي القراءة العربي ينطلق من تعزيز منظومة معنوية كبرى في نفوس الأجيال الجديدة تتمثل في بناء قاعدة ثقافية ومعرفية تراكمية تسهم في صقلهم فكرياً وإنسانياً، وتمكنهم كأفراد قادرين على الإسهام في مستقبل الأمة معرفياً وفكرياً في إطار الهوية الحضارية والإنسانية والقيمية للمجتمع.
وأكدت الصابري على أهمية «تحدي القراءة العربي» كمشروع نهضوي شامل لصناعة الأمل في المستقبل، موضحة أن القراءة تسهم في خلق شخصية منفتحة، واسعة الأفق ومتفائلة يملؤها الأمل والإيجابية، وقادرة على التعامل مع التحديات المستقبلية بنجاح.
وذكرت أن القيمة الأهم لمشروع تحدي القراءة العربي، تكمن في أنه أعاد للكتاب قيمته وأصالته، من خلال حرص الأجيال الجديدة على اقتنائه، مشيرةً إلى أن أعداد المشاركين في التحدي والتي تخطت الأهداف تعد دليلاً على ذلك، فقد حرص الآلاف وربما الملايين على امتداد الوطن العربي الكبير على اقتناء عشرات، بل مئات الكتب، ليؤسسوا من خلالها نواة مكتبة شخصية وأسرية، وهذا بحد ذاته أكبر مؤشر على أن التحدي صناعة أمل.
ولفتت الصابري إلى دور «تحدي القراءة العربي» في تنشيط صناعة النشر وزيادة توزيع المكتبات، وزيادة الإقبال على معارض الكتب من قبل الأسر والشباب، وهو ما يؤكد على وجود حالة ثقافية شاملة تُعنى بها قطاعات المجتمع، مشيرة إلى أن التحدي يُحمِّل كتابنا العرب مسؤولية مضاعفة تتمثل في توفير المادة المعرفية، العلمية والأدبية والفكرية، التي ستشكل إضافة نوعية للمكتبة العربية، وهو ما يعني بالضرورة اتساع رقعة صناعة الأمل ونشره.
أكبر مشروع
«تحدي القراءة العربي» أكبر مشروع عربي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لتشجيع القراءة وغرس شغف المعرفة لدى الأجيال المقبلة لتنمية الوعي حول أهمية القراءة في بناء الشخصية وتوسيع المدارك، وتطوير مهارات التعلم الذاتي.ويأخذ التحدي شكل مسابقة لقراءة أكبر عدد من الكتب باللغة العربية، والمسابقة مفتوحة للطلبة من مدارس الوطن العربي من الصف الأول وحتى الـ12.
نجلاء الشامسي: القراءة نشاط معرفي مستدام
قالت نجلاء الشامسي، الأمين العام لمشروع «تحدي القراءة العربي»، إن التحدي وضع نصب عينيه هدفاً رئيساً يقوم على استدامة القراءة كنشاط معرفي مستمر، يتجاوز مفهوم الاحتفاء إلى التكريس، بحيث يتم ترسيخ ثقافة القراءة كعادة متأصلة في المجتمعات العربية لدى النشء ليكون الكتاب الورقي أو الإلكتروني رفيقاً دائماً لهم. وأشارت الشامسي إلى أن التحدي لا يعكس فقط اسم المسابقة من خلال تنافس الطلبة على قراءة أكبر عدد من الكتب، بل هو تحدٍ بمعنى كيفية تحفيز الفتية العرب في عصرنا الحالي، الذي تتعدد فيه مصادر وأشكال الإلهاء، إلى العودة إلى الأصول الأولى لبناء المعرفة، أي: الكتاب كقيمة لا غنى عنها.
وقالت الشامسي:«لإنجاح التحدي وضمان ديمومته واستدامته، تم اعتماد خطة منهجية يتطلب إنجاحها أربعة عوامل هي بمثابة أضلاع هذا البنيان المعرفي الذي يرتفع دورة بعد أخرى، هذه العوامل أو الأضلاع هي: الطالب أو الطالبة، مركز التحدي وأساسه كقارئ أمامه مهمة تتمثل في قراءة كم معين من الكتب خلال عام وتلخيصها ومناقشتها مع لجنة مختصة، والضلع الثاني المتمثل في المدرسة بوصفها المشرف والمتابع والموجه والمنسّق، أما الضلع الثالث الذي يكاد يكون الأهم فهو الأسرة التي تقوم بدور فاعل في دعم أبنائها المشاركين في التحدي وتوفير المواد القرائية والبيئة المشجعة على القراءة والمشاركة في القراءة مع أبنائهم بحيث يكون التحدي نشاطاً قرائياً أسرياً، والضلع الأخير هو الإعلام، بكل أشكاله التقليدي والرقمي والاجتماعي، وعلى عاتقه تقع مسؤولية مهمة تتمثل في المتابعة والدعم والتشجيع والتحفيز والتمكين وإيصال الرسائل الإيجابية».وأكدت الشامسي أن «تحدي القراءة العربي في دورته الثانية وضع الأساس لحالة مستدامة، خاصة، وبات كمبادرة متواصلة على مدار العام، جزءاً من الحياة اليومية لملايين الطلبة في العالم العربي».
نمو
مشاركة 6 ملايين طالب من 15 دولة
كشفت بيانات وإحصاءات مشروع «تحدي القراءة العربي» للعام الجاري، عن مشاركة 6 ملايين طالب وطالبة في 40 ألف مدرسة من 15 دولة عربية، حتى الآن، وتخطي عدد الطلبة المشاركين من مختلف مدارس الإمارات أكثر من 300 ألف طالب، بزيادة تصل إلى 100% قياساً بحجم المشاركات في العام الماضي، إضافة إلى تسجيل 75 ألف مشرفٍ ومشرفة لمتابعة الطلبة والإشراف عليهم أثناء مراحل القراءة، ليقرأ كل طالب 50 كتاباً خلال عامهم الدراسي، كما تخطى عدد «جوازات» تحدي القراءة العربي التي تم توزيعها على الطلبة حتى الآن 18 مليون جواز، حيث قام الطلبة بتسجيل ملخصاتهم للكتب التي قرأوها حتى الآن في هذه الجوازات، وسط متابعة المشرفين وإدارة المدارس لسير عملية النقاش والتقييم.
مشاركة
أضخم أولمبياد معرفي
سجلت الجزائر أكبر نسبة مشاركة للطلبة في «تحدي القراءة العربي»، مع تسجيل نحو مليوني طالب حتى الآن في المسابقة، وهو أكبر بثلاثة أضعاف من أعداد المشاركين في الدورة الأولى والمقدَّر آنذاك بأكثر من 610 آلاف طالب وطالبة، وتُعزى هذه الزيادة الكبيرة إلى الإنجاز الذي حققته الجزائر في الدورة الأولى من المسابقة بنيلها لقب «بطل» تحدي القراءة العربي لعام 2016 الذي توّج به الطالب الجزائري محمد جلود.
أما نسبة الزيادة الأكبر في المشاركة فسُجِّلت في دولة الكويت، حيث بلغت هذه النسبة أكثر من أربعة أضعاف، أي 400% مع تخطي حجم المشاركات 63 ألف طالب مقارنة بنحو 15.5 ألفاً في دورة العام الماضي. ونجح «تحدي القراءة العربي» في دورته الأولى في تحويل المسابقة إلى حالة قرائية ومعرفية عامة على امتداد خريطة الوطن العربي، لتضحى هذه المبادرة أضخم أولمبياد معرفي.