تتطورالدولة بشكل مذهل وسريع في مجالات الحياة كافة، وتتسع الفجوة أكثر بين الماضي والحاضر ، ما يؤثر على "السنع" وهو العادات والتقاليد المتعارف عليها، والقواعد والآداب العامة في التصرف مع الآخرين ومراعاة شعورهم ما يعزز الهوية ويدعم التآلف المجتمعي، لكن الانشغال بالأمور اليومية والعمل يعرضها للإختفاء ، خاصة مع إنتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تعمل بالفعل على تواصلنا بالأقرباء بكثرة ما تقربنا من الغرباء.
جانب من مسابقات تراثية أصيلة
تقاليد
المؤرخ والباحث في التاريخ عبد الله بن جاسم المطيري مستشار هيئة دبي للثقافة والفنون لقطاع المتاحف قال إن العديد من المصطلحات والعادات والتقاليد والألفاظ والسلوكيات بدأت بالاندثار ولم نعد نراها كما كانت من قبل، وأهمها وأولها هي عادة اصطحاب الأطفال للمجالس لأنه في أيامنا تعلمنا الأدب والثقافة وطرق المعاملة والعادات العربية الأصيلة في المجالس لا في المدارس، وكنا ولا زلنا نقول «المجالس مدارس»، تعلمنا فيها احترام الكبير وتقدير الصغير، وطريقة السلام على من هم أكبر منا سناً، وطريقة الدخول إلى المجلس وإلقاء التحية بالبحث أولاً عن صاحب المجلس والسلام عليه ثم البدء بالسلام تيامناً أي جهة اليمين إلى حين إلقاء التحية على كافة الجالسين بكل أدب وتبعاً للأصول والأعراف.
وأضاف: «أما الآن لم يعد الآباء ينتبهون لهذه الأمور ويصرون على أخذ أبنائهم للمجالس، لذا بتنا نفتقر لآداب التعلم ممن هم أكبر سناً من خلال الاستماع لهم ولأحاديثهم في المجالس التي كانت تتبادل الأخبار والخبرة والمعارف وأيضاً يتحدثون في الثقافة والأدب وعلوم البلاد الأخرى وأخبار أسفارهم التي من شأنها أن تصقل الشباب في سن مبكرة، والآن نرى شباباً تزيد أعمارهم على 18 عاماً لا يعرفون طريقة السلام في المجلس، أو على من هو أكبر سناً منهم، وصار سلاماً عادياً لا يمت لعاداتنا الأصيلة، وهنا أنا لا أطالب بأن نعود لأيام الخيمة أو العريش، إنما نتطور مع الحفاظ على هويتنا وأصالتنا، وللأسف كبرت المجالس في البيوت، ويشترون لها أفخم الأثاث للتباهي لا للاجتماع وإحياء العادات القديمة، حين كان الناس يلتقون ويجتمعون في «سبلة» أي عريش ذي سقف فقط ومفتوح من كافة الجوانب».
وتحدث المطيري بكثير من الأسى عن اللهجة الإماراتية الأصيلة التي بحسب رأيه إذا ما تم الحوار بها أمام شباب اليوم يظنون أن المتحدثين من المريخ، مؤكداً أنها ليست مبالغة إذ إن العديد من أبناء اليوم يتحدثون كلمة عربية وعشر باللغات الأجنبية ويتساءلون عن معنى كلمة معينة بالعربي، عوضاً عن العكس، مشيراً إلى أنه ليس ضد الثقافة وتعلم اللغات الأخرى لكن الحفاظ على اللهجة الإماراتية المحلية الأصيلة من الاندثار أمر مهم وضروري، حتى تبقى للأجيال القادمة، والآن يبحثون عن معانيها في قواميس باتت تسجل المرادفات الإماراتية وتوثقها خوفاً عليها من الضياع مع اختفاء بعض مظاهرها كالعريش، والجريد، والكثير الكثير مما لا يتسع المجال لذكره كمصطلحات الصيد والغوص والبحث عن اللؤلؤ ورحلات البر وغيرها.
العادات والتقاليد الأصيلة تميز مجتمع الإمارات وتحافظ على هويته
تكافل
ويشير المطيري إلى واحدة من أهم العادات التي باتت مخفية تماماً وهي التكافل الاجتماعي الذي رصدت له الدولة وحكومتها الرشيدة الآن مؤسسات ودوائر، بعد أن كان في السابق الجار لا ينام إلا وهو مطمئن على جاره، ويعرف إذا ما كان أحد جيرانه جائع أو مريض أو بحاجة لمساعدة ما، وإذا ما طبخ في بيته لابد أن يغرف أي يقدم لجاره من أكل بيته والعكس بالعكس، لكن الآن الجيران لا يعرفون بعضهم رغم أن البيوت قريبة من بعضها البعض.
وتابع: «على باب بيت المغفور له بإذن الله الشيخ سعيد آل مكتوم، مكتوب جملة شهيرة: ألا يا دار لا يدخلك حزن، ولا يغدر بصاحبك الزمان، فنعم الدار أنت لكل ضيف إذا ما ضاق بالضيف المكان»، وهذا بيت الحاكم، كنا عندما كنا أطفالاً نسميه «البيت العود» أي البيت الكبير، ندخل ونخرج دون أن يسألنا حارس أو يوقفنا أحد عن اللعب داخل حوش البيت، كان بيتا للجميع، وهكذا كانت القلوب والبيوت».
وبمرارة يتحدث عن المغالاة في المهور والأعراس التي أشبعت نقاشاً وحواراً من كافة الأطراف المعنية، وأقامت الدولة صندوق الزواج والأعراس الجماعية للحد من الإسراف والمغالاة في الأعراس إلا أن البعض يصر على البهرجة من أجل المظاهر وإرضاء الناس غير أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، وفي الماضي كان حتى الأغنياء يقيمون حفلات بسيطة وعدد بسيط من الذبائح يكفي الجيران والأهل وينتهي الفرح بالفرق الشعبية والاحتفال البسيط، أما الآن فيثقل كاهل العريس بتكلفة «كوشة» أي المكان الذي ستجلس عليه العروس لعدة ساعات والذبائح وبقايا الطعام تلقى بالأطنان خارج الفندق ويبقى العريس يدفع تكلفة هذا الزواج لسنوات طويلة.
وأشار إلى أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أقام قبل فترة عرساً لأحد أبنائه في الفترة ما بين العصر والمغرب، وطالب الناس الاقتداء بمثل هذه الاحتفالات البسيطة التي نتمنى بالفعل أن يقتدوا بها لتسهيل أمور الزواج على الشباب، وإيقاف التبذير والمغالاة، منوهاً بعادة كادت أيضاً تغيب عن مجتمعنا وهي تجمع العائلة، إذ كان البيت الواحد يضم الأبناء والأحفاد بكل مودة، مؤكداً أنه لا ينفي حق كل زوجة بالاستقلال في بيتها مع زوجها بل المحافظة على عادة اللقاء والتجمع على وجبة واحدة مع نهاية الأسبوع على سبيل المثال، حيث إن بعض العائلات الآن لا تلتقي إلا في المناسبات أو الأعياد، مضيفاً: «قبل أيام سألت أحد أصدقائي عن حال ابنه فأجابني: إن شفته بلغه سلامي»، متسائلًا هل يعقل أن يصل الابتعاد عن الأهل إلى هذا الحد، صحيح إن الحياة بها الكثير من المشاغل، والكل له عمله وحياته إلا أن الوصول إلى هذه الحالة يستلزم إعادة النظر.
وقال إن من عاداتنا أيضاً أن يمشي الأبناء خلف والدهم، كنوع من التقدير له والاحترام، أما الآن بالكاد يخرجون معه، فكل له أصدقاؤه، على الرغم من أن الأهل لابد وأن يجبروا أبناءهم على قضاء وقت معهم ووقت آخر مخصص لأصدقائهم، وهناك مقولة معروفة «إذا كبر ابنك خاوه» أي اجعله كصديق لك، وهي وصية هامة جداً، فإذا بات كصديقه فإنه سيكون معه أينما ذهب سيطمئن على مكان وجوده إضافة إلى تعلمه من والده وأصدقائه الأكبر سناً، كما ذكرنا في مجالس الرجال».
مناشدة
وناشد المطيري كافة المدارس الحكومية ووزارة التعليم خصوصاً بضرورة تخصيص رحلات إلى متحف الاتحاد ليتعرف الأطفال منذ نشأتهم على أصل الإمارات ونشأتها وتاريخها ويتعرفون إلى تلك المعلومات عن قر لا فقط في القرب وفي حصص التاريخ، مطالباً بعمل حصص التاريخ والتربية الوطنية داخل المتحف، مشيداً بالمدارس الخاصة التي تنظم رحلات للمتحف يجهز لها الطلبة قبل الرحلة ويعدون أسئلة مسبقة ويطلب منهم أعاد ورقة بحث عم المتحف للتأكد من استفادتهم كي لا تكون مجرد رحلة ترفيهية عابرة لا تحقق المطلوب منها.
وأشاد المطيري بشباب الإمارات الذين لبوا نداء الوطن وانضموا لساحات التدريب في الخدمة الوطنية مما يدل بالفعل على أن بذرة الخير موجودة، مثمناً دور شباب الوطن في المناسبات الوطنية كاليوم الوطني، ويوم العلم، والشهيد، ومبادراتهم المتنوعة.
من جهتها بدت الدكتورة أمل بالهول مستشارة الشؤون الاجتماعية في مؤسسة وطني الإمارات أكثر تفاؤلاً بالجيل الجديد وإمكانية حفاظه على العادات والتقاليد وحمياتها من الاندثار مع القليل من التحفظ في الوقت ذاته، حيث أشارت إلى أن شباب الإمارات أخذوا الكثير من الغرب، إلا أنهم في الأوقات التي يتطلب التراث أو المواقف الوطنية أن يكونوا إماراتيين بكل معنى الكلمة فهم كذلك، كاحتفالات اليوم الوطني، أو يوم الشهيد، أو العلم، وغيرها، وذلك بالطبع غير كاف، لكن من خلال خبرتها في إلقاء المحاضرات المتخصصة وإجراء اختبارات قياسية نفسية واجتماعية عميقة يتبين أن هؤلاء الشباب «انتقائيون في اتباع العادات والتقاليد بحسب مزاجهم هم».
وتعيد تلك الأسباب إلى محاولاتهم لإثبات وجودهم، إذ إنهم لا يحبون الخطاب المباشر أو النصائح، فإذا ما طلب منهم لبس «الكندورة» على سبيل المثال فهم سيلبسون غيرها، وإذا ما طلب منهم التحدث بالعربية تعمدوا الحديث باللغة الإنجليزية، وإذا ما تم الحديث معهم عن سلبيات وإيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي فهم لا يتجاوبون، كونهم يعرفون تماماً سلبياتها وإيجابياتها، ويأخذون من الطرفين، كل ذلك في محاولة لإثبات الوجود، مؤكدة أن ذلك ناتج عندما يفقد الشاب شعوره بقيمته الذاتية، وهذا يتطلب برأيها مساحة في الحوار بينهم وبين من أكبر منهم وإعطائهم فرصة التعبير عن ذواتهم كما يريدون، ولن يحيدوا عن الطريق الصحيح طالما أن الأهل والمؤسسات المجتمعية المعنية تعتني بهم دائماً.
نشر
المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي يجد العديد من أبناء الوطن الذين يفخر بهم، ممن سخروا أنفسهم وحساباتهم لنشر«السنع» أي الأفعال الحسنة والجميلة، وانتقاد ما يقوم به بعض الشباب هذه الأيام من تصرفات، أو تغيير في المظهر والملبس، ويعيدون تذكيرهم بماضيهم وبهويتهم كشخصية «شخوط» عبر موقع "انستغرام" الذي دائماً ما ينتقد التصرفات غير اللائقة بالشاب الإماراتي أو الفتاة الإماراتية بطريقة ساخرة ومحببة جلبت له آلاف المعجبين.
كذلك الإعلامي منذر المزكي الذي يقدم الكثير من الأفعال الجميلة ويسجلها على مواقعه الخاصة في«انستغرام» و«سناب شات»، حيث يسعى دائماً لعمل الخير ونشره بين الشباب الإماراتي في بادرة منه لنشر الوعي، وحض المواطنين على استنهاض الروح الخيرة المزروعة فيهم من خلال رسائله التي يبثها، إلا أن سفره إلى العراق في مهمة منعته من التحدث بنفسه عن تجربته.