العلائق الثقافية بين المجتمعين العربي والهندي، خاصة في مجال الأدب، لها جذور ممتدة امتداد الصلات التجارية، لعل من أيقوناتها الأكثر ذيوعاً كتاب «كليلة ودمنة» الذي ألفه الفيلسوف الهندي الشهير بيدبا في شكل قصص ذات رسائل فلسفية حكيمة قام بترجمتها إلى العربية عن السنسكريتية الأديب الشهير عبد الله بن المقفع في العصر العباسي «القرن الثامن الميلادي»، ورغم أن الاطلالة على الأدب الهندي قد تواصلت بعد ذلك بوتيرة متذبذبة، أفرزت إطلاع المهتمين بشؤون الثقافة على إسهامات رابيندرانات طاغور وغيره، إلا أن التدفق كان يغلب عليه الاتجاه الواحد، بمعنى الترجمة من اللغات الهندية المختلفة الى اللغة العربية.

ولكن في السنوات الأخيرة شهدت هذه الصلة زخماً يسد الفجوة ويزن المعادلة، حيث تحقق جزء من هذا المسعى على يد المترجم الهندي سيد أبوبكر قدسي، الذي كان يقيم بيننا هنا في الإمارات، وكان معجباً ومنفعلاً بمكنونات الأدب العربي، التكنيكية والتيامتيكية: «علم فحص التيمات»، فعمل بدأب وعن كثب على ترجمة أعمال أدبية عديدة، وأقام وشائج إنسانية منتجة مع العديد من الأدباء العرب طوال العقدين الماضيين.

وفي هذا الحوار المقتضب نتعرف على إسهامات قدسي في مجال الترجمة من الأدب العربي الحديث إلى لغة المالايلام السائدة في إقليم كيرلا الهندي، والمنتشرة أيضاً في أوساط المنتمين إلى الإثنية الماليبارية خارج كيرالا، للتعرف على منجزاته ومدى أثرها في نشر أدبنا في الهند، خاصة أن مساعيه التعريفية تمتد إلى المجلات المحلية في بلاده فضلاً عن الندوات، بجانب إصدار الكتب ولذلك يبادرنا بالقول:

ترجمت روايتين للكاتبة المصرية نوال السعداوي : فردوس 2011، موت الرجل الوحيد على الأرض 2012. ورواية للكاتب الجزائريّ ياسمينة خضرا.علاوة على ذلك كان من إصداراتي: (جن) و(حكايات شعبية عربية)، وهي مختارات من الحكايات العربية، وقد صدرت في عدة طبعات على التوالي. ولا بد أن أشير إلى أن البداية في هذا المضمار كانت قد بدأت حين تواصل محرر دار «أوليف بابلشرز» معي حيث نبتت لديه فكرة المختارات بعدما زار أبوظبي، ورأى فيها سوقاً واسعة لذلك. وبعد أيام، اتصل بي محرر الجريدة الأسبوعية التي تصدر في كيرلا باسم (الوطنيّ)، وهي دورية أسبوعية ماليبارية حول الموضوع نفسه.

وجرى كلّ شيء على ما يرام. وتم نشر ترجمات القصص مسلسلة على مدار سبعة أشهر متصلة، وقد عرفت السلسلة وانتشرت على نطاق واسع وكوفئت عليها فيما بعد.

راديو الهند

ليتنا نتعرف على إنتاجك الابداعي الخاص؟

بدأت الكتابة منذ سنّ مبكرة جداً، أذكر أنني أرسلت مسرحية إذاعية إلى إذاعة «راديو كل الهند»: «All India Radio»، وكانت خاصة ببرامج الأطفال لديهم. كنت طالباً لا أزال أذهب إلى المدرسة. وتلقيت ردهم: إنهم ينوون جدولة هذه الدراما في البرنامج العام بدلاً من برنامج الأطفال، كما تم اختيار قصتي القصيرة (الوغد) في مسابقة لكتابة قصص الأطفال في كيرالا.

وبالنسبة لمشروعاتك المستقبلية في الإطار نفسه؟

لقد أكملت ترجمة مختارات (أربعون قصة عربية حديثة) إلى اللغة الماليبارية. وهي على النقيض من مختاراتي السابقة، تشمل قصصاً قصيرة للكتّاب والكاتبات معاً. وهناك تمثيل متوازن لدول الخليج كلها. حارب الظاهري وناصر الظاهري من الإمارات. ليلى عثمان ومنى الشافعي وطالب الرفاعي من الكويت. نجاة خياط ومحمد حسن علوان من السعودية. مهدي عبد الله من البحرين. ويحيى المنداري من عُمان. وأتوقع أن تُنشر في العام المقبل.

كما أتوقع نشر رواية (مدينة صدام) للكاتب محمود سعيد، و(منزل على حافة الدموع) للكاتبة اللبنانية فينوس خوري في العام المقبل.

قرون الثور

من أين نبعت خبراتك المبكرة هذه في الإبداع؟

كانت جدتي هي ملهمتي. كانت امرأة قروية، أمية، وخجول. لكن لديها موهبة خارقة في حكاية القصص. وهي مثل جداتنا في الماضي، كانت تعتقد أن الكون موضوع بتوازن على قرنَي ثور. وحين يبدل الثور وزنه، تحدث الزلازل. كنا ونحن صغار نرقد للنوم حولها، ونزعجها يومياً لحكاية قصة قبل النوم.

وضم كتابي الأول مجموعة من القصص سميتها (الصباح الأحمر)، وقد طُبعت عام 1976 لدى دار نشر محلية.

وتدريجياً وجدت نفسي مستعداً للترجمة في عقلي وأنا أكتب. ووجدت لذة هائلة في الترجمة. خاصة من الآداب العربية.

علاقتك بالإمارات تبدو قوية جداً، ما سر ذلك؟

قضيت 35 سنة من عمري في أبوظبي . كانت السنوات الطويلة من عملي في مؤسسة الاستثمار في أبوظبي قد ساعدتني في شحن رؤيتي وأحلامي. الناس التي تعشق السكينة والهدوء والحدائق المنسقة، الحياة متعددة الثقافات.. إلخ، كنا نقضي نحن الشعراء والكتّاب أمسياتنا بين الأروقة الهادئة والطويلة في المجمع الثقافي في أبوظبي. لقد منحتني الإمارة ودولة الإمارات عموماً، الكثير من الفرص للقاء الكتّاب والشعراء : شهاب غانم، محمد عيد إبراهيم، علي كنعان، حبيب الصايغ، خالد البدور، نجوم الغانم، سحر توفيق، عالية ممدوح، إميلي نصر الله، حنان الشيخ، ليانة بدر، طالب الرفاعيّ، منى الشافعيّ، مريم الشناصيّ، أسماء الكتبيّ، خميس الزعابي، عائشة الكعبي. وأخشى أن تملأ القائمة هذه الصفحة.

وقد منحتني هذه القائمة المزيد من الثقة. فانضممت لأصبح واحداً من المنسقين الثلاثة في «المهرجان الثقافي العربي الهندي» في أبوظبي. وقد استمر ثلاث سنوات.

مكتبة بلبل

ما أهدافك من هذه المشاريع والأنشطة الطموحة؟

كما قد تعرف، فإن كيرالا أكثر ولاية هندية تُعنى بالأدب، وتحرز الترجمات ضجة كبيرة في أسواق الكتاب الهندية تدريجياً، خاصة فيها. هناك ترجمات لغابرييل غارثيا ماركيز ولكتّاب أميركا اللاتينية الآخرين المولعين بأدبيات ما بعد الحداثة، وهي التي تهيمن على سوق الكتب لدينا الآن.

صارت لدينا ألفة مع الأدب والكتّاب العرب أمثال نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين وجبران خليل جبران.

أود أن أرى هذه القضايا وقد تبدلت، فهي تؤدّي إلى المزيد من الإبداع في مكتبة بلبل«Bulbul» التي هي مبادرة محدودة نصف ربحية، تعمل بمثابة جسر ذي اتجاهين، لتحفيز ونشر الترجمات للكتب العربية ذات القيمة الرفيعة، والعكس بالعكس.

وماذا عن الترجمة المعاكسة من المالايلام لغة كيرالا، إلى العربية؟

نتعهد بتزويد الناشرين الأجانب بأسماء كتّابنا الفائزين بجوائز ذائعة الانتشار. وزودنا بعضهم فعلياً بروايات من أدباء ماليباريين بارزين، سواء في الإمارات أو في مصر. وآمل أن تزداد طلبات الناشرين من الإمارات ومصر ولبنان قريبا.

وإني على ثقة من تعاون دارسينا العرب مع هذه المبادرة. لكن، بالتحديد، مع مراعاة حقوق النشر، التي تعمل على الحدّ من حركتنا الثقافية المجانية، ونأمل في مزيد من الدعم المعنوي والمادي. وآمل أن أحقق المزيد بالسرعة الواجبة في المجال. فثمة أميال أمامنا قبل ما ننام!.

«40 قصة لكاتبات عربيات».. حكايات وأمكنة

قدم قدسي ترجمات بالماليبارية «المالايلام» لأكثر من ستين كاتباً عربياً، إلى القراء الذين يبلغ تعدادهم أكثر من أربعين مليوناً في الهند، وبعضهم في دول عربية مختلفة، تضم الإمارات ودول خليجية أخرى وغربية، وأما آخر كتبه التي صدرت فهو «أربعون قصة لكاتبات عربيات»:«40 Arab women stories». أصدرته دار أوليف بابلشرز (Olive Publishers) عام 2013. وقد نفدت الطبعة الأولى خلال أشهر معدودة، وقريباً سيصدر الطبعة الثانية منه. وتضم المختارات قصصاً لكاتبات من معظم الدول العربية بينهن الكاتبة الإماراتية مريم الساعدي التي ترجمت لها قصة «الرجل العجوز».

7 أشهر

وقد سبق نشر قصص المجموعة في شكل سلسلة ضمن الدورية الأسبوعية الماليبارية Deshabhimani (الوطني)، خلال سبعة أشهر. واشتُهر المؤلف بهذه السلسلة كمنجز هام قامت به الجالية الهندية في الإمارات، وذلك عبر مؤسسة سامانوايا فيدي:«Samanwaya Vedi»، التي تساهم في تشجيع الترجمة عبر اللغات في كيرالا.

«موت العصا»

كما نشر قدسي في أكتوبر الماضي، ترجمته لقصة «موت العصا» للأديب الإماراتي حاب الظاهري في مجلة «تشاندريكا 'CHANDRIKA' الأسبوعية، حيث لاقت صدى واسعاً وسط القراء جراء انتشار المجلة التي يتابعها مئات الآلاف من المثقفين الهنود حول العالم. وقصة»موت العصا" تعالج مسألة صراع الأجيال ومظاهر السلطة وتحولات النمط الثقافي والتربوي في المجتمعات العربية.

سيرة

ولد سيد أبو بكر قدسي في كاليكوت بولاية كيرلا عام 1950. له أسلاف من فلسطين واليمن، فجده من فلسطين، وجدته من اليمن. بدأ حرفته في الكتابة مبكراً. وبعد دراسته الجامعية، هاجر إلى الإمارات العربية المتحدة. عمل بدائرة الاستثمار في أبوظبي خلال 34 سنة. وفي الإمارات، حاول أن يكرّس نفسه كاتباً للقصة القصيرة، لكنه تخلّى عن طموحه هذا ليصبح مترجماً أدبياً، فنجح وأعطى أكثر. فقد قدّم أكثر من سبعين كاتباً عربياً من خلال ترجمة أعمالهم إلى الماليبارية، لغته الأم.

كان كتابه الأول مجموعة قصص بعنوان (هذا هو لحمي)، وقام لاحقاً بتأليف 17 كتاباً عن الآداب في الدول العربية وإيران وإندونيسيا.