ينتمي طراز «الباروك» إلى فنون عصر النهضة، وهو مصطلح ظهر للمرة الأولى في القرن السابع عشر في مهنة صياغة المجوهرات في البرتغال وأوروبا عموماً، ثم صار يُشار به إلى كل عمل فني خرج عن المألوف، أو كان كثير الزخرفة، ثم حمل مدلولاً سلبياً في مجالي الفن التشكيلي والعمارة في القرنين السابع عشر والثامن عشر.

يرى الدكتور ثروت عكاشة في الجزء التاسع من سلسلة كتبه المهمة التي تناول فيها تاريخ الفن العالمي تحت عنوان (العين تسمع والأذن ترى) والمخصص لفن «الباروك» المنتمي لفنون عصر النهضة، يرى أن العديد من المصطلحات الفنيّة التي استخدمها مؤرخو الفن أول ما ظهرت، كانت من ضمن ألفاظ القدح والذم والاستهجان.

فكان لفظ (القوطي) على سبيل المثال، مرادفاً لمعنى المخرّب أو الهمجي المدمّر. وهكذا لفظ «الباروك» ومصطلح (الانطباعيّة) الذي صاغه أحد النقاد في معرض السخريّة والاستهزاء.

لكن بالتدريج، برزت سمات وفرادة هذا الفن، وأخذت هذه المصطلحات تتخلص من إيحاءاتها السيئة لتُستخدم الآن بمعناها الوضعي. أي للإشارة إلى أساليب أو طرز أو مراحل أو مدارس فنيّة معيّنة، باتت الآن تُشكّل المداميك الرئيسة لحركة الفنون العالميّة، بكل أجناسها وأطيافها.

مع ذلك يعتقد بعض الباحثين، أن مثل هذه الافتراضات ربما تؤدي بنا إلى ألوان من الإيهام والملابسات، على الرغم من أنها قد تكون أحياناً ذات فائدة، لأنها تٌثير تفكيرنا، غير أن هذه التعريفات التي نلصقها بالمنجزات الفنيّة، تختلف الاختلاف كله عن تلك التعريفات ذات الدلالة عند علماء الحشرات التي يُشيرون بها إلى أنواع الفراشات المختلفة، إذ يتعذر عند مناقشة الأعمال الفنيّة أن نفصل فصلاً قاطعاً بين ما هو وصف وما هو نقد.

بمعنى ان تحديد الطرز الفنيّة لا يؤدي إلا إلى عزلة كل عمل فني عن غيره، لكن مع ذلك، فإن التصنيف رغم كونه شراً لا بد منه، فهو أداة ضروريّة. ولأنه في الأساس من ابتكار الإنسان، من اليسير عليه أن يعدّله أو يبدّله، وعندها يتحول إلى أداة نافعة..وبذا يشير الكتاب الى مدى كون فن «الباروك»، يمثل فن المتناقضات والأهواء النافع.

تعديل النظرة

أُطلق اصطلاح (باروك) في البداية، على اللوحات أو المنحوتات أو العمارة الخارجة عن القواعد الاتباعيّة (الكلاسيكيّة) والخاضعة لمزاج الفنان وأهوائه، لكن هذه النظرة السلبيّة سرعان ما تبدلت خلال القرن التاسع عشر، حين قدم الباحث الفني السويسري هاينريش فولفين( 1864_ 1942) وجهة نظر جديدة حول الفنون التشكيليّة، أشارت إلى أن عصر «الباروك» حقق في الفن الأوروبي انكفاءً عن هدف التمثيل الموضوعي للأشياء الذي ساد عصر النهضة.

بدأ فن «الباروك» رحلته من إيطاليا إلى فرنسا، واستخدم كاتجاه فني في العمارة والفنون التشكيليّة والموسيقى والآداب الأوروبيّة. و«الباروك» هو استعادة أو متابعة لأفكار المرحلة الأخيرة من العصور الوسطى، ومن ثم فهو في العمق أفكار مسيحيّة كاثوليكيّة مرتبط بفلسفة اللاهوت المسيحي. جنح أدبه نحو التعبير عن المتناقضات وإلى المبالغة في الأسلوب اللغوي..

وكذلك إلى الخروج عن القواعد، وهو لا يعبّر عن تجربة ذاتيّة، بل هو استعراض ذو طابع تزييني، يُكثر من استخدام المحسنات الخطابيّة العاطفيّة، لكن لا يجوز النظر إلى الطراز «الباروك» من وجهة النظر الجماليّة فحسب، فهو وثيق الارتباط بالظروف الدينيّة والاجتماعيّة والسياسيّة.

باروك البندقيّة

بدأ طراز «الباروك» رحلته الحقيقيّة في إيطاليا، وبالذات من البندقيّة. ومع أن مدينة البندقية بلغت ذروة مستواها الحضاري خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، إلا أن ثمة تاريخاً طويلاً حاشداً بمآثر التفوق سبقهما منذ العصر البيزنطي المبكر.

تطلعت عمارة البندقيّة في المرحلة «الباروك»يّة نحو أشكال جديدة، ومن ثم فإن انتقال المفهوم النحتي إلى ميدانها هو السبب الرئيس في هيمنة الحليات الزخرفيّة على الوظيفة المعماريّة في الطراز «الباروك»ي، الذي اشتهر فيه كل من أسانسوفينو وبالاديو، أما على صعيد التصوير البندقي، فظهر يفيللي.

وهو فنان من شمال إيطاليا، صوّر مشاهد الطبيعة الساكنة تصويراً رائعاً وبجاذبيّة آسرة مثيرة للحواس. والمصور جوفاني بلليني الذي حقق نقلة ثانية في التصوير البندقي. جاء بعده جنتيلي بيلليني، كارباتشيو، جورجوني باربايللي، تتسيانو، جاكوبو تنيتوريتو، باولوفير لونيزي، أندريا مانتنيا، كوريجيو، جاكوبو باسانو، كاراماجيو، كاراتشي، جيدوريني.

..في روما

لا تزال العاصمة الإيطاليّة روما تحتفظ حتى اليوم بشوامخ من الفن «الباروك»ي حتى لتكاد تشكّل بمجموعها مدينة متميزة داخلها، وبات من الشائع (كما يقول الدكتور ثروت عكاشه) أن يُطلق الناس على هذا القسم (روما «الباروك»يّة) إشارة لتلك الآثار الجليلة البالغة الروعة والرقة، وما يزيد من تأثيرها في الناس، وجودها في العراء.

«الباروك» الإسباني والفرنسي

يمثل «الباروك» الإسباني في العمارة مبنى الاسكوريال القائم على السفح القاحل لسلسلة جبال جواداراما على بعد ثلاثين ميلاً من مدريد. ووضع التصميم الأصلي له خوان باتيستا دي توليدو. أما في حقل التصوير فبرز الفنان ألغريكو الذي قدم إلى اسبانيا من البندقية (وهو من أصل يوناني)..وجاء بعده: فيلاسكيز وجوزيبي دي ريبيرا.

أما «الباروك» الفرنسي فتبلور حول معنيين ممتزجين هما: الاستبداديّة والأكاديميّة. ويمثل العمارة الفرنسيّة «الباروك»يّة قصر اللوفر الذي كُلف بإعادة بنائه لورنزو برنيني، ثم عُهد إلى المعماري الفرنسي كلود بيرو. جاء بعده قصر فرساي الذي ساهم في بنائه جول آردوان مانسار. وفي مجال النحت «الباروك»ي الفرنسي ظهر برنيني، وبيير بوجيه. وفي حقل التصوير ظهر جان فوكيه.

الإنجليزي والألماني

اتسم الطراز «الباروك»ي الانجليزي بالمحدوديّة، وتمثله في العمارة كاتدرائية القديس بولس بلندن التي شيدها كريستوفر رِنّ. أما التصوير الألماني في هذه الفترة، فيمثله ماتياس غرونيفالد.. جاء بعده الرسام والحفار الشهير ألبرشت دورر ثم: أعقبه ألبرشت ألتدورفز، هانز هولباين الأصغر..وغيرهما.

فن الأراضي المنخفضة

يشمل فن الأراضي المنخفضة فن التصوير الفلمنكي والهولندي الذي ظهر في تلك المنطقة التي حفلت بالثراء الفني خلال الفترة الممتدة على مدى القرون: الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر، والتي تشغلها أراضي بلجيكا وهولندا الحاليتين. من أشهر من يمثل هذا الفن: رويزديل، رامبرانت فان رين، كورنيلليس فان هارلم.

عصر نابض بالحيويّة

ومن ما ينهي به الدكتور ثروت عكاشة كتابه المهم: إن عصر «الباروك» الذي امتد طوال القرن السابع عشر، شهد الكثير من التطورات الفكريّة والفلسفيّة والدينيّة والفنيّة، وكان الكون في العصر «الباروك»ي في حركة دائبة لا تنقطع، سواء كان ذلك في الفكر العلمي الذي اعتبر الكون مجموعة من الجزئيات المتحركة حركة دائريّة دوّامة، أو في الفكر التصوفي الذي تسكنه مجموعة من الأرواح الهائمة.

في كلتا الحالتين كان العالِم أو المتصوف على السواء، يرى الكون كأنه دوامة من الدوائر أو الحركات الحلزونيّة ترسم للنفس صوراً نمطيّة من الحركة غاية في التعقيد، انعكست على جدران الكنائس كأنها ستائر مسرحيّة. كما تفجّر الغزارة الزخرفيّة في واجهاتها الحركة في كتلها الساكنة فتضاعف نبض إيقاعها، وفي جوف قبابها تحلق ملائكة لا حصر لها من الطين المشوي.

2014

فيلم الحكمة يرصد الأماكن التي عاش فيها معماري «الباروك» بوروميني إخراج: يوجين غرين.

في الديكور

2013

تصميم ورق جدران من وحي «الباروك».

في العمارة

1740

كنيسة الرحمة في نيس تحفة معماريّة باروكيّة، للمعماري بوروميني.

في الفنون التطبيقية

2014

أزياء واكسسوارات ونظارات شمسيّة من وحي «الباروك»، تصميم الثنائي دولتشي وغابانا.

1800

ظهر «الباروك» في أعمال العديد من الفنانين التشكيليين، منهم بلليني، لونيزي، كاراماجيو، لورنزو، أنجلو، رافائيل، تتسيانو، فيلاسكيز، ألغريكو، بوسان، دورر، هولباين، بروغل، رامبرانت، و روبنز.