تسبر الكاتبة الأرمنية مورياك ميراك فايسباخ الحالة المرضية النفسية للرؤساء العرب، الذين أطاحت بهم ثورات الربيع العربي، ويبدأ من المشاهد الأولى التي بثتها الفضائيات في تلك الأيام من تونس أوَّلاً ومن ثمَّ في مصر، إذ شرع الشبَّان في المطالبة بحقوقهم، وأفصحوا عن مطالبهم بطريقة لم يسبق لها مثيل..
وصاح المتظاهرون في تونس بأن على »بن علي أن يرحل«، وقابلتها صيحة القاهرة »مبارك يجب أن يرحل«. وأعقبت ذلك المطالبة بإسقاط النظام وبإنهاء قوانين الطوارئ وبدستور جديد على أن تلي ذلك انتخابات جديدة، وطالب اليمن بـ»رحيل صالح« وليبيا بـ»سقوط القذافي«، واحتشد السوريون في البداية مطالبين بإصلاحات ديمقراطية لكنَّهم مالبثوا أن صعَّدوا من شعاراتهم مطالبين بتغيير النظام بعدما واجهتهم الشرطة بوحشية.
ثمَّة قاسم مشترك لدى الشخصيات التي تطعن فيها الانتفاضات الشعبية، إذ تولوا السلطة لعقود من الزمن، وأنشأوا أنظمة ديكتاتورية قمعية تستند إلى القوات الخاصة وشرطة وزارة الداخلية وأجهزة الاستخبارات. ولجأوا في حكمهم إلى قوانين الطوارئ، ورموا بشخصيات المعارضة في السجون، ونظَّموا وبشكل دوري تمثيليات »انتخاب« راوح الاقتراع فيها لمصلحة النخبة الحاكمة مابين 95% و98 % وهي نتيجة كانت لتصيب الديكتاتور الألماني الشرقي إريتش هونيكر بالحسد. واستخدموا باحتكارهم السلطة وزنهم السياسي لجمع ثروات شخصية كبيرة من خلال الفساد.
وبالرغم من عقود من حكم الدولة البوليسية لم تفقد شعوبهم كرامتها، ولما حانت الفرصة تحرَّكوا. وشكَّل ذلك تحولاً على مستوى الأجيال، فالشبَّان الذين تصل أعمارهم إلى 25 أو 30 سنة، ولم يعرفوا طوال حياتهم شيئاً غير الوضع القائم- أي الرؤساء الأبديين، عرفوا مع ذلك أن يقوموا بثورتهم، فالعالم صار صغيراً بفضل ثورة الاتصالات. إنَّها ثورات قام بها شبَّان أصحَّاء ذوو توجُّه مستقبلي ضد نظام ديكتاتوري يعاني سكرات الموت.
وتصف المؤلِّفة الرؤساء هؤلاء بأنَّهم مصابون بمرض النرجسية، فالحاكم النرجسي يحتاج دوماً إلى الاسترضاء من خلال التملق والإعجاب والدعم الاقتصادي الاجتماعي العام، وهو بالتالي عاجز تماماً عن النظر في إمكان أن ينقلب شعبه عليه، ويُعميه إعجابه بنفسه عن العوامل الاجتماعية في العالم الحقيقي، ويستمر في تغذية توهمه بأنَّ شعبه يحبَّه.
وهذه كانت حال الديكتاتور الروماني تشاوشيسكو والألماني هونيكر. وتستحضر المؤلِّفة مشهد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وهو يؤكِّد يائساً تمسكه بالسلطة والزعامة صور بعضٍ من أعظم أعمال شكسبير بالنسبة على من يتحدَّر من خلفية ثقافية أوروبية الملك لير أو ريتشارد الثالث، وهو لوحده يصيح في مواجهة أعدائه: مملكتي في مقابل حصان.
المؤلف في سطور
موريال ميراك فايسباخ كاتبة وباحثة أرمنية متخصِّصة في القضايا العربية والإسلامية على الصعيدين الثقافي والسياسي، وناشطة في حقل حقوق الإنسان، صدر لها: »عبر جدار النار أرمينيا- العراق- فلسطين«، »السياسة الخارجية التركية«.
الكتاب: مهووسون في السلطة/ دراسة
تأليف: موريال ميراك فايسباخ
الناشر: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر- بيروت 2012.
الصفحات: 142
القطع: الكبير