لا يسعى كتاب «مآسي حلب – الثورة المغدورة ورسائل المحاصرين»، من إعداد كل من صبر درويش ومحمد أبي سمرا، إلى تقديم آراء حول ما يجري وما جرى في حلب. بل يحاول قدر الإمكان، عرض التجربة على لسان شهودها من دون تدخل من المعدَّين اللذين جمعا المادة وحرّراها.

وقدر الإمكان، يعرض سيراً وشهادات ومشاهدات ومعلومات عن طبيعة الأحداث ومساراتها وتحولاتها في المدينة. وذلك بأسلوب سردي استقصائي. وتحت عنوان كل فصل من الكتاب، يُذكر أسماء أصحاب السير والشهادات، واسم من جمع المادة وكتبها كتابة أولية. وهو بهذا المعنى كتاب جماعي عن حلب في زمن الثورة.

وهكذا، يلقي الكتاب الضوء على أحوال حلب، في زمن الاحتجاجات والتظاهرات السلمية، في أحيائها وجامعتها، وفي أثناء بروز الكتائب المسلحة فيها: نشوء الحراك الثوري السلمي، آليات توسّعه، الهوية الاجتماعية للفئات التي كانت أكثر ديناميكية وفاعلية فيه، كيفية تطور هذا الحراك وماهية انتشاره، كيف عبّرت القوى المنتفضة عن مطالبها؟

وكذا على الظروف والعوامل التي دفعت المنتفضين إلى حمل السلاح، دفاعاً عن النفس بداية، وبهدف طرد قوات النظام ثانياً. أما بعد اشتداد المعارك في المدينة؛ فتتقصّى فصول الكتاب ما طرأ من تحوّلات على تركيبة القوى الاجتماعية المنتفضة، وبدء التيارات الإسلامية بالبروز في خضم الأحداث: بداية ببعض التشكيلات ذات التوجه الإسلامي المحافظ.. ونهاية بدخول تنظيم (داعش) إلى المدينة.

هذه التحولات تعبّر عن نفسها بأشكال وطرق متعددة: اعتقال العديد من الناشطين، على أيدي هذه التشكيلات العسكرية، إرغام المحتجّين على استبدال شعاراتهم التي أطلقوها في بداية الثورة، بشعارات إسلامية المدلول، استبدال علم الثورة برايات مختلفة الشكل وإسلامية المضمون، استبدال شعار الدولة المدنية بشعار دولة الخلافة، تحوّل الهيئات القضائية إلى هيئات شرعية إسلامية.. وبدأت رحلة نزوح أخرى للناشطين السلميين، ولكنْ؛ هذه المرة هرباً من «أخوة السلاح»، لا من قوات الأسد.

ويسعى الكتاب - أيضاً - إلى عرض أحوال جملة المؤسسات التي نشأت في حلب الشرقية، بعدما باتت تحت سيطرة قوى المعارضة. ويسعى كذلك إلى إلقاء أضواء على طبيعة حياة ما تبقّى من سكان، في المدينة، وأشكال إدارتهم شؤونهم، في ظل الحرب الدائرة، في أحيائهم.

ومن تلك الأجواء التي نعيشها في الكتاب: «سمعنا أصوات قذائف، لم نعتد سماعها، فيما مضى. حددنا جهتها بخبرة السكن الطويل في الحي، ولم نتيقّن مما حدث. تهامس الأهالي عن وصول مقاتلي الجيش الحر من الريف، وخوضهم معارك قاسية مع القوى الأمنية، وتطورت؛ لتتحول مع قوات عسكرية مدعومة بالدبابات. رأيت في الصباح آثار جنازير الدبابات على الإسفلت..

وسمعت من شبان الحي عن سيطرة الجيش الحر على حي هنانو، بالكامل. رأيت الخوف في عيون الناس، وهم يخشون ردة الفعل على هذا التقدم العسكري. شاهدت أثناء نزولي إلى وسط البلد دورية أمنية، تدير أمور سير السيارات والحافلات عند تقاطع دار المعلمين بحي بستان الباشا، وكأن ذلك إعلان شكلي عن وجود السلطة. كانت وجوه رجال المخابرات، مرتبكة على غير عادتهم».

ويتألف الكتاب من سبعة فصول: الأول، «المدينة المتثاقلة بين الجامعة والريف»، يروي بدايات الحراك الثوري السلمي في المدينة. الثاني «المدينة تُخرِجُ أثقالها»، وهو شهادة حية عن المتغيرات التي طرأت على حياة السكان، وانتشار ميليشيات الشبيحة، وأثرها في دورة الحياة اليومية، ومشاهدها، وتبدل نمط العيش، وتدبير المعاش، مع توقّع هبوب ريح الحرب. الثالث «فوضى الإدارة المحلية والقضاء الشرعي»، ويروي وجوهاً من أشكال إدارة السكان لأحيائهم، وشكل المؤسسات الناشئة في ظل «تحرر» أحياء من المدينة، وسيرورتها المرافقة لسيرورة الحراك الثوري السلمي والمسلح.

ويقدم الرابع، «يوميات ورسائل من حلب الشرقية والغربية» مجموعة من اليوميات التي تروي تفاصيل من حياة مَن تبقّى في حلب الشرقية، وأشكال إنتاجهم لحياتهم، في ظل الحرب والتدمير، ويقسمها لثلاثة أقسام «يوميات التحرير... والنهب الشرعي»، و«رسائل الكتائب المسلحة والأهالي»، و«بستان القصر معبر للقتل اليومي».

ويضم الخامس «في انتظار الموت في حلب» مجموعة من التحقيقات الميدانية المترجمة التي أجراها الصحفيان ماثيو أيكنز، وكريستوف رويتر. وهي تروي - بكثير من الدقة والمهنية والفن الكتابي - مظاهر من حياة سكان حلب الشرقية، في ظل الحرب المتواصلة عليهم، من قوات النظام. هذا إضافة إلى تحقيق ميداني عن المرتزقة الذين يحاربون في حلب في صف قوات النظام، كما يذكر الكتاب.

ويعرض الفصل السادس والأخير «التشكيلات العسكرية في حلب الشرقية وريفها»، لأهم التشكيلات العسكرية المعارضة التي نشأت وتناسلت وتنافرت وانقسمت وانحلت واندمجت واقتتلت، ولا تزال حاضرة في المدينة، شارحاً: أهم قادتها، معاركها، أدوارها العسكرية. ومن هذه التشكيلات: تحرير الريف، كتائب مسلحة في حلب، الجبهة الإسلامية، لواء التوحيد، حركة أحرار الشام الإسلامية..

لواء أحرار سوريا، ألوية صقور الشام، جبهة النصرة، تنظيم داعش، جبهة أنصار الدين، جيش المهاجرين والأنصار، حركة شام الإسلام، حركة فجر الشام الإسلامية، جيش المجاهدين، كتائب أبو عمارة، حركة نور الدين زنكي، تجمّع ألوية فاستقم كما أُمرت، حركة حزم، الفرقة 16، ألوية التركمان، لواء السلطان مُراد، لواء السلطان محمد الفاتح، كتائب الباز، جبهة الأصالة والتنمية، الجبهة الشامية: التطوّر الأخير، كتائب ثوّار الشام.