ترصد الروائية الإنجليزية أغاثا كريستي (1890-1976)، في كتابها"تعال قل لي كيف تعيش"، وقائع الحياة الاجتماعية والاقتصادية في سوريا، في المرحلة الأولى من نشوء الدولة السورية التي كانت تتشكل في ظل الانتداب الفرنسي خلال أعوام 1934/ 1935.
ذلك عندما جاءت مع زوجها، العالم الأثري الكولونيل ماكس مالوان، الذي أجرى تنقيبات أثرية في بعض التلال والمواقع التاريخية في العراق وسوريا، وذلك بكثير من التفاصيل المعاشية الخاصة بالمجتمع السوري بإثنياته المتعددة:
العربية والآشورية والسريانية والكردية. وتصف كريستي رحلتها بدءاً من لحظة التجهيز في لندن، ثم السير عبر أوروبا وتركيا وصولاً إلى لبنان، فإلى سوريا واستكشاف وادي نهري الخابور والجق جق، وتليْ «شاغر بازار» أي سوق السكر باللغة الكردية، الذي يقع جنوب مدينة القامشلي وشمال مدينة الحسكة، و«تل براك» الواقع شمال شرقي مدينة الحسكة. كذلك عين العروس كونه مكاناً أخيراً للتنقيب في منطقة تل أبيض.
تصف أغاثا كريستي منزلها في مكان إقامتها مع زوجها ماكس بأنه منزل ينتصب بقبته فيبدو كونه مقاماً مكرساً لأحد الأولياء! وماكس يفخر أن المنزل أصبح دقيقاً كونه دبوساً جديداً، فكل ما له مكان أصبح في مكانه، والكثير من الأشياء التي لم يكن لها من مكان صار لها مكان الآن!
وأن المنزل صار يبدو، بفضل ولع الكولونيل بالنظام، أكثر ترتيباً بكثير من أي يوم مضى. خاصة غرفة (الأنتيكات) التي كانت حصيلة جهد الأيام العشرة الأولى من العمل التي أدت إلى اكتشاف نحو مئة رقيم.
وبعد البحث، يقرر ماكس مالوان اختيار تل شاغر بازار مكاناً لبدء عملية التنقيب، ذلك لرجحان قدمه التاريخي، وإقامة الشيخ أحمد القادري في القرية، التي كانت عامرة وكبيرة نسبة لمحيطها الريفي في ذلك الحين، وكذلك لإمكانية تأمين الإقامة والحماية لهم، ووجود عدد كاف من العمال، وأيضاً لنفوذ الشيخ الديني الكبير في المنطقة.
وتقول أغاثا كريستي وقد فُتنت بالمكان: «أتجول بعيداً عن أماكن العمل، أتجول في الأماكن البعيدة المحيطة بالتل، أجلس بين الأزهار، أتطلع في اتجاه الشمال إلى الروابي والهضاب، ثم أغفو وأستسلم لسبات عذب. مجموعة من النسوة آتية من بعيد باتجاهي، إنهن نسوة كرديات.
وهذه الألوان المبهرجة تدل عليهن، إنهن ينهمكن بين الحين والآخر في الحفر عن جذور بعض النباتات والبقول وقطف أوراق من الكلأ والأعشاب، إنهن يأتين إلي من طريق النحل، من أقرب المسالك، وها هن الآن جالسات حولي في دائرة».
وعندما انتقلت إلى بلدة عامودا وسكنت في بيت طيني فإن الخوف مع شيء من رعب سيقض مخدعها: ما إن أطفئت القناديل حتى اندفعت الفئران بأعداد لا حصر لها من جحورها في الأرض والجدران، فهرعتُ إلى إشعال قنديل، يا للهول، الجدران مغطاة بمخلوقات غريبة فاقعة اللون كالصراصير.
وفأر أقعى على حافة سريري وقد أبدى كل اهتمامه لشواربه فهو يلمسها ويفتلها، لكن كريستي تستذكر بلدة عامودا والنجار الذي صنع لها كرسياً، والحصان الجميل، والقط المحترف. وماك بوجهه الضئيل، وتتذكر النساء الكرديات في شاغر كزنابق مخططة، والشيخ الجليل بهيبته المهيبة.
وتشرح عن علاقاتها الاجتماعية ومشكلاتها مع (مخدوميها)! تقول: تختلف مشاكل الخدم في حوض الخابور عن مثيلاتها في إنجلترا.
فاكهة دمشقية
تحكي أغاثا كريستي عن كثير من التفاصيل الحياتية خلال مكثها في سوريا، تلك الفترة. ومن بين ما تقول: يصبح ابتكار المدنية أدوات المائدة، بالنسبة إلى خادم قلق، مصدراً لصداع مزمن.
وبعد العشاء، يعلن الكولونيل، باعتزاز، أنه علم ديمتري صنع فاتح شهية. توزع علينا أطباق في كل طبق منها شريحة صغيرة من الخبز العربي المطهو بالدهن الحار مذاقها كالجبن إلى حد ما، ثم توضع على الطاولة بعض الحلويات التركية وفاكهة مجففة لذيذة من دمشق.
المؤلفة في سطور
أغاثا كريستى (1890-1976). روائية بريطانية. تعد أهم مؤلفي الروايات البوليسية في التاريخ، حيث بيعت أكثر من مليار نسخة من رواياتها التي ترجمت إلى أكثر من 103 لغات.
الكتاب: تعال قل لي كيف تعيش/ مذكرات
تأليف: أغاثا كريستي
ترجمة: أكرم الحمصي
الناشر: دار المدى دمشق– بغداد 2016
الصفحات:
296 صفحة
القطع: المتوسط