عرفت سيرة حياة الممثل البريطاني الشهير شارلي شابلن كمّاً كبيراً من الأعمال التي كرّسها لها أولئك الذين جذبت اهتمامهم. وقد أشارت صحيفة «الاندبندنت» أن عدد السير الخاصة بمسار شارلي شابلن الفني وبمسيرة حياته العامّة والخاصّة بلغت مئتي عمل. ولا شك أن مثل هذا العدد من الكتب يبيّن بجلاء أهمية شارلي شابلن الفنان، والإنسان أيضاً.
لكن هذا العدد الكبير من الكتب يطرح بالوقت نفسه لماذا يقوم آخرون بكتابة «سيرة جديدة» لشارلي شابلن؟!. ولعلّ الإجابة المنطقية والمقبولة على مثل هذا السؤال هي أن من يغامر بمثل هذا المشروع يكون إمّا يمتلك معطيات جديدة لم يتطرّق لها أولئك الذين كتبوا قبله عن الشخصية موضوع عمله، وإمّا أنه يقدّم رؤية متفرّدة لم يسبقه عليها أحد. هذا الاحتمال الثاني هو بالتحديد الذي دفع كاتب بريطاني كبير من وزن بيتر اكرويد، الذي حصلت أعماله على العديد من الجوائز لتقديم سيرة جديدة لـشارلي شابلن.
وقد جاءت سيرة مقتضبة يزيد عدد صفحاتها قليلا على الـ 250 صفحة، ويتعرّض المؤلف فيها لما يعتبره المحطات ـ المنعطفات الكبرى في حياة شارلي شابلن ومسيرته الفنيّة. ذلك منذ بداياته المتواضعة في أحد مسارح لندن الصغيرة، ووصولا إلى قمّة الشهرة والمجد.
كانت تلك مسيرة فريدة أيضاً، كما يشير المؤلف، نظراً للأصول المتواضعة التي يعود لها شارلي شابلن من «أب مجهول» ومن أمّ عملت لفترة قصيرة كمغنية وكراقصة ــ تتم الإشارة في هذا السياق أنها ربما كانت من بنات الهوى ــ عندما كان ابنها شارلي فتى صغيراً.
وبعد توقفها عن ممارسة أي عمل منتج أمضت حياتها حتى رحيلها في أحد الملاجئ النفسية في لوس انجلوس، حيث كانت دائماً بحالة «تأرجحت بين العقل والجنون». والإشارة أيضاً أن الرجل الذي تزوّجها عند ولادة شارلي الذي حمل اسمه، وخلّده فيما بعد تخلّى عنها ورحل مثل العديد من الرجال الذين عاشت معهم لفترة. هكذا لم تكن تملك ما تنفقه على شارلي وأخيه اللذين عاشا عند بعض الأقارب أو في ملاجئ الأيتام. بالتالي لم يلقيا قدراً كبيراً من التربية.
ويشرح المؤلف أن فترة الطفولة التي عاشها شارلي شابلن في أحضان الفقر بأحد أحياء لندن الهامشية وفي كنف أمّ يمكن توصيفها بـ«نصف مجنونة»، والتي لم يعرف منها حنان الأمومة غذّت لديه ــ أي طفولته ــ طيلة حياته بغضاً كبيراً للفقر وحذراً حيال النساء وخوفاً من الإفلاس الذهني والإفلاس المالي.
ويقارن الكتاب بين شارلي شابلن والكاتب الكبير تشارلز ديكنز الذي كان قد قدّم كتاباً عن سيرة حياته. نقرأ بصدد المقارنة بينهما: «إن شارلي شابلن مثل تشارلز ديكنز كبير التصميم حازم الشخصيّة. وكانا بحاجة دائمة إلى أن يتصرّفا كسيدين على العالم المحيط بهما. واتسم الاثنان بسلوك شبه عسكري مع أسرتيهما وأُعيب عليهما باستمرار أنهما كانا يتصرفان بشكل دكتاتوري».