يتواجه في فرنسا على ساحات النقاش الفكري والسياسي حول مستقبل البلاد ودورها على المسرح الدولي تياران واسعان. تيار يؤكّد أنصاره أن فرنسا تملك من الأوراق الرابحة ما يكفي كي تنطلق من جديد في مسيرة التقدّم والازدهار. وتيار آخر يطلقون عليه توصيف «القائلين بتقهقر فرنسا وانحطاطها» وانحسار دورها على المسرح الدولي.

وكل تيار له منظّروه وأنصاره، كما تدلّ سلسلة الكتب التي تشهدها المكتبات الفرنسية ويستعرض أصحابها أفكارهم ورؤيتهم للمستقبل. والكاتب السياسي ذو الشهرة الإعلامية الكبيرة «إريك زيمور» يسهم في النقاش الدائر بكتاب يحمل عنوان «الانتحار الفرنسي».

ما يشرحة زيمور هو أن الفرنسيين فقدوا الثقة بالمستقبل وينتابهم الشعور أن البلاد «تسير في طريق خاطئ» وأن «الدولة فقدت بعض سيطرتها على البلاد والقدرة على ضبط بعض الظواهر مثل تلك المتعلّقة بالهجرة والمهاجرين». تبقى الأطروحة الأساسية في هذا العمل مفادها أن الدولة ـ الأمة في فرنسا عانت من الضعف التدريجي خلال سنوات 1970 ــ 2014.

ويؤكّد إريك زيمور أن مسيرة التقهقر في سلطة الدولة تجد بعض جذورها الأساسية «القديمة» في «هزيمة جيوش نابليون الأول في معركة واترلوو عام 1815»، ثم أصبح التقهقر واقعاً منذ مظاهرات الطلبة ــ ثورة الطلبة، حسب التعبير الشائع ــ والشعارات التي رفعتها المتمثّلة في «الاستهزاء والهدم والتخريب» في جميع النشاطات والقطاعات. ويعتبر المؤلف أن هذه النخب تتحمّل مسؤولية كبيرة في مختلف أشكال «الفشل» التي عرفتها فرنسا خلال العقود الأخيرة المنصرمة.

ويوجّه إريك زيمور الاتهام لهذه النخب بأنها هي التي أغرقت تلك القيم بـ «أفكار جرى استقدامها من كل الآفاق». ويرى المؤلف أن الفرنسيين يتعرّضون منذ سنوات السبعينات المنصرمة،..

وبعد صدمة الأفكار التي رفعها المتظاهرون في شهر مايو من عام 1968، لمجموعة من الأطروحات المزيّفة التي تغلغلت تدريجياً وبطريقة غير مرئية تقريباً في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والفنيّة والأخلاقية والتربوية والاجتماعية، وغيرها من ميادين الحياة العامّة. والوصول إلى نتيجة مفادها أنه مع ذلك كلّه تغدو «فرنسا هي الشجرة العريقة التي يراد قطعها».

ويشرح إريك زيمور أن رجال السياسة لم يترددوا في استقبال العمّال المهاجرين بالترحاب الكبير عندما كان أصحاب الشركات وأرباب العمل بحاجة لليد العاملة. ولم يترددوا في جعل العمال المهاجرين «أكباش فداء» عندما حلّت الأزمة الاقتصادية.

الكتاب أثار الكثير من النقاش بين مؤيد لأطروحاته ومعارض، خاصّة في ما يتعلّق بموقف حكومة فيشي ـ التي تعاونت مع الاحتلال الألماني ـ أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث يرى كُثر أن إريك زيمور« يميل إلى التخفيف من إدانتها»، بل و«يعيد لها بعض الاعتبار»، بينما يعتبر آخرون أنه وضع المسألة في حجمها الصحيح.