هناك ظاهرة عالمية جديدة برزت منذ عدّة سنوات تمثّلت بتعاظم دور أولئك الذين يطلقون عليهم توصيف «مجهولي الهوية» من مستخدمي الإنترنت. ذلك بالتحديد بمعنى الذي يعملون في السر دون البوح بهويتهم، بل ما يُظهرونه هو في واقع الأمر نوع من «القناع» الذي يختبئون خلفه.
وأستاذة مادّة «الثقافة العلمية والتقنية» في جامعة «ماكجيل» في مونريال بكندا «غابرييلا كوليمان» أولت في السنوات الأخيرة اهتمامها لدراسة تلك الظاهرة. ذلك خاصّة أن بعض أولئك الذين يمارسونها تحوّلوا نحو ممارسة نشاطات عامّة ذات طابع احتجاجي و«أسفروا عن وجوههم» عندما كشفوا عن الكثير من الأسرار التي علموا بها من خلال ممارستهم لعملهم السرّي «المقنّع».
وكثمرة للبحث الذي قامت به الأستاذة الجامعية قدّمت كتابا تحت عنوان «الهاكر والمزيّف ومطلق الإشاعات والجاسوس: وجوه متعددة لمجهولي الهويّة». وهي تولي اهتمامها في هذا العمل لدراسة ما تسميه «ما دون ثقافة» تقوم على عالم من الأسرار ويساهم في نسجها مجموعة من «الموهوبين» الذين احترفوا مهنة «القرصنة» الإلكترونية واستفادوا في السياق الحالي من ثمرات التكنولوجيا الرقمية.
لكن لا تزال هناك الكثير من الأسئلة حول المعنيين بـ»البقاء مجهولي الهوية«. أسئلة من نوع: هل هم منظّمة على شاكلة المنظمات التقليدية التي تمارس العمل السرّي؟ هل يمثلون مجرّد حركة عامة تفتقر إلى الإطار التنظيمي؟ هل هم مجرّد عنوان عريض لمجموعات متفرّقة تعمل لأهداف مختلفة وحسب »أجندات« خاصّة بها؟
إن مؤلفة هذا الكتاب تميل نحو تسمية أولئك »المجهولي الهوية« الذين يستخدمون شبكات »النت« بـ»تجمّع لتقنيي معلوماتية ماهرين«.
هؤلاء المجهولو الهوية من مستخدمي »الشبكة العنكبوتية« تتزايد أعدادهم، كما تشير العديد من الإحصائيات، بحكم أنه يمكن لأي مستخدم للإنترنت أن »يخفي هويته« ويعمل »خلف قناع«. وبالتالي تتزايد أيضا عمليات »الهجوم« التي يقومون بها. والقوّة المواجهة لنشاطاتهم تتمثل في أولئك الذين يكونون هدفا لهم من الشركات الكبرى ومختلف أجهزة المحافظة على الأمن. بهذا المعنى يشهد »المجال الافتراضي سباقا حقيقيا للتسلّح«، كما يذكر الكتاب.