تقع مكتبة «الإسكوريال» وسط المعقل التاريخي للبلاط الإسباني، الصرح المعروف باسم سان لورينزو دي إسكوريال، الذي شرع ملك إسبانيا فيليب الثاني في بنائه عام 1563، وقد وهبه كل مجموعته الخاصة من الوثائق، كما قام بالاستحواذ على أفضل المكتبات والكتب المهمة من إسبانيا والدول الأخرى، ونقلها إلى مكتبته.

ويقال إن محتويات الكتب وصلت في عهده إلى 10 آلاف كتاب، وكانت هناك غرفة كاملة مكرسة للمخطوطات القديمة باللغات اللاتينية واليونانية والعربية والآرامية والإيطالية والفرنسية والإسبانية، وهذه تضمنت كتباً تمت مصادرتها خلال فترة محاكم التفتيش في أوروبا، وغدت المكتبة من أكبر مكتبات العالم في ذلك العصر.

وكان يدعوها الإسبان بـ«ثامن عجائب الأرض». مكتبة تزخر ليس فقط بالكتب، بل أيضاً بالأدوات العلمية والخرائط والأعمال الفنية لأعظم فناني العصر، وبحلول عام 1602، كان للمكتبة مجموعة كبيرة من الخرائط وأكثر من 150 أداة حسابية.

تاريخ وتصميم

ومجموعة المكتبة تضاعفت وتوسعت تباعا خلال حكم أسلاف فيليب الثاني، ولأنها كانت محمية، بإشراف من محاكم التفتيش، ويعتقد أنها تمكنت من الحفاظ على القليل الذي تبقى من الكتب المحظورة التي أتلفت بالكامل، ويقال إنه تم الحصول من محاكم التفتيش على 4627 مخطوطة، من بينها استنادا إلى مصادر تعود إلى القرن 18، 1886 مخطوطة عربية، و582 يونانية، و73 عبرية، إلى جانب 2086 مخطوطة باللغات اللاتينية، وغيرها.

بدأ بناء المكتبة في 23 أبريل 1563، ضمن صرح عظيم أدرج في ثمانيات القرن الماضي على لائحة التراث العالمي لمنظمة «اليونيسكو»، وكان الهدف من بناء ذلك الصرح هو تجسيد عظمة ملوك إسبانيا أمام نظرائهم الأوروبيين بطموحاتهم وأفكارهم الخاصة بالنهضة. وقام بتصميم المكتبة المعماري خوان دي هيرارا،..

وهي على أسلوب قاعة كبيرة بأرضية من الرخام ورفوف خشبية منحوتة من تصميمه أيضاً. أما الأقواس على سقفها، فزينها الرسام الإيطالي بليغرينو تيبالدي بجداريات تصور الفنون السبعة الحرة: علم البلاغة، الديالكتيك، الموسيقى، القواعد، الحساب، الهندسة الرياضية وعلم الفلك.

وما زال في المكتبة تحف فنية لكل من الرسامين هيرونيموس بوش، روجير فان دير فايدن، تيتيان، دياغو، فاسكويز، وأنتون فان دايك. ومع اكتمال بناء قسم المكتبة من «الإسكوريال» في عام 1591، كانت مجموعتها قد توسعت لتصبح الأفضل في أوروبا.

محتويات ثمينة

تعتبر المكتبة حاليا إحدى أهم المكتبات التاريخية في العالم، لاسيما بفضل مخطوطاتها اليونانية والعربية النادرة. لكنها خسرت الكثير من الكتب بفعل الحريق الذي اندلع في عام 1671 وأثناء حروب نابليون. ومع ذلك، ما زالت تحتوي على مجموعة ثمينة تصل إلى أكثر من 40 الف مجلد، وهي تعد كنزا للعلوم لا سيما الرياضيات.

وكان بنيتو أرياس مونتانو قد أصدر أول فهرس للمكتبة، واختار فيه أهم المجلدات. والفهرس طبع خارج إسبانيا، ربما لإظهار أن نتاجها لا يعود لإسبانيا وحدها بل لسلالة هاسبورغ في أوروبا.

ويذكر أن مكتبة الإسكوريال، على نقيض مكتبات القرون الوسطى، كانت تستحوذ على الأعمال المنشورة، وتصدر مطبوعاتها في بلدان أخرى، بدلا من تجميع الكتب واعتماد النسخ والتصوير لإنتاج المخطوطات والوثائق كما كانت تفعل المكتبات الأخرى في ذلك العصر.

المخطوطات العربية

تعد المخطوطات العربية من أهم مجموعة المكتبة، رغم فقدانها ألفي مخطوطة بفعل حريق 1691. ويعتقد أن اهتمام كارلوس الثالث الشخصي بهذه المجموعة، كان السبب وراء إصداره فهرساً من مجلدين عن المخطوطات العربية المتبقية خلال 1760 و1770.

وفي عام 1997، أهدت الملكة صوفيا ملكة إسبانيا مكتبة الإسكندرية نسخة ميكروفيلمية «كاملة» من مجموعة مخطوطات دير الإسكوريال بإسبانيا. وهذه المجموعة تتألف من 553 فيلماً تشتمل على 3108 مخطوطات، بحسب الفهرست الذي أعدته وحدة الميكروفيلم بمكتبة الإسكندرية.

ويذكر أن هذا العدد لا يتطابق مع الفهرست المنشور من قبل «الإسكوريال»، والمصحح من قبل اورورا كانو ليديسيما في عام 1997 «السنة نفسها لإهداء المجموعة»، والذي يذكر فقط لائحة من 1954 مخطوطة عربية.

علوم إسلامية

وتتضمن مجموعة «الإسكوريال» مخطوطات متنوعة، فمنها ما يتعلق بالفقه وعلوم القرآن وعلوم اللغة والطب والفلسفة والمنطق وغيرها من العـــلوم. وبينها مخطوطات شديدة الندرة، حيث ان النسخة الوحيدة المتبقية في العالم من مخــطوطة كتاب العلامة ابن خلدون «لباب المحصل» «مختصر محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين لفخر الدين الرازي»، التي خطها بيده عام 752 هجري بخط مــغربي موجودة في الإسكوريال.

وعلاوة على مخطوطة ابن خلدون، هناك مجموعة مخطوطات نادرة منها: شرح رسالة جالينوس إلى أغلوقن في التـأتي لشفاء الأمراض، لعلي بن رضوان، كتبت سنة 473 هجرية..

وكتاب المقامات لأبي محمد القاسم بن علي البصري الحريري، كتبت في حياة المؤلف سنة 483 هجرية، وشرح فصول أبقراط، لجالينوس من ترجمة حنين بن إسحاق العبادي كتبت سنة 494 هجرية، كما تم اكتشاف النسخة الوحيدة من كتاب «الاعتبار»، السيرة الذاتية من القرن الثاني عشر، لأسامة بن منقذ المتوفى سنة 584 هجرية.

المخطوطات الأجنبية

ومجموعة المكتبة من المخطوطات الثمينة كانت تــــزداد تباعاً، منذ عام 1566، مع وصول 42 عملا مهما كهدية من الجانب النمساوي، وأخرى من ماريا في المجر تضمنت مخطوطة موقعة استخدمها سان أوغسطين، إلى جانب أناجيل قديمة. ثم مع إهداء الأساقفة الإسبان مكتباتهم، وصل إلى المكتبة أيضا مجموعة ثمينة من المخطوطات والكتب المطبوعة قبل 1500 م، والدراسات اليونانية القديمة، وتلك التي تعود للباسك من القرن العاشر.

بالإضافة إلى ذلك، استحوذت المكتبة على مجموعة تعود لسياسيين بارزين، مثل مكتبة الوزير فيليب الثاني غونزالو بيريز، والدوق فرناند دا أراغون. كما جاءت مجموعة مخطوطات وصور من بلاط ملك أراغون الفونس الخامس. كما تم شراء مجموعة (من 500 اثر) من الماركيز بدرو فاجاردو اي قرطبة في عام 1581، وكان الملك نفسه قد أمر بنقل مجموعة «كنيسة غرناطة الملكية» وأرشيف قلعة سيمانكاس.

ويذكر أن المكتبة سعت وراء سياسة استحواذ اكثر عدوانية بعد وفاة فيليب الثاني، سواء بإصدار تعليمات للسفراء بالبحث عن مخطوطات في أوروبا، أو بالمناورة للحصول عليها بعد وفاة أصحابها. والنبلاء الذين صودرت ممتلكاتهم ساهموا مجبرين في المساهمة بمجموعة الإسكوريال، كما حال الونسو راميرز دي برادو في عام 1607.

مجموعات

وكانت المكافأة الأكبر مكتبة الشاعر والدبلوماسي وحاكم غرناطة ديغو هرتادو دي مندوزا، الذي كتب تاريخ الحرب ضد غرناطة. وأثناء وجوده في البندقية كان له اهتمام خاص بالدراسات اليونانية، ووظف نيكولاس سوفيانو للحصول على مخطوطات من اليونان وتركيا. والنتيجة كانت مجموع 300 مجلد لا تقدر بثمن.

كما قام أمين مكتبته بنسخ أعمال من مكتبة سان ماركو في البندقية. وعندما أجريت جردة بمجموعة ماندوزا كانت تحوي على 1690 عنوانا، منها، 837 كتابا مطبوعا، والباقي مخطوطات، منها 270 باللاتينية، و256 باليونانية، و33 بالعبرية، وغيرها بالعربية، والقليل بالكاستانية والرومانس.

ومن المجموعات الأخرى، هناك مجموعة القاضي انطونيو اوغستن أسقف تاراغونا التي وصلت إلى 272 مخطوطة يونانية و561 لاتينية. وآخر مجموعة مهمة اشتراها فيليب الرابع، عبارة عن ألف مجلد من مكتبة كونت دوق دي أوليفاريز.

وهذا العدد الهائل من المخطوطات المهداة أو التي تم الحصول عليها من خلال عمليات الشراء أو الإقناع السياسي أو المصادرة، دمر معظمه في الحريق عام 1671 الذي يقال إنه قضى فيه على 4 آلاف مخطوطة، منها ألفا مخطوطة عربية. وتلا ذلك إهمال كبير للمكتبة، ثم جاءت حروب نابليون لتقضي على المزيد.

ثروة ثقافية

ورغم الخسائر الكبيرة، فإن ما تبقى اليوم في مكتبة الإسكوريال يعد ثروة بحد ذاته. كتب ومخطوطات مزخرفة قديمة، كالمخطوطات التي تعود للإمبراطورية الاوتونية (1045-1046)، وتراث من المخطوطات العائدة للقرون الوسطى يضاف إلى السابق ذكرها، أعمال بيوتس، فيرجيل، وأعمال الفونسو العاشر المعروف بالحكيم..

وكتاب «كرونيكل أوف تروي»، الصادر عام 1400 م، وكتب الساعات للقرن الخامس عشر لألنسو دي زونيغا، ووثائق خاصة بملوك إسبانيا، تضاف إلى ألوف الوثائق والكتب الدينية، والمخطوطات العربية التي تجعل مكتبة «الإسكوريال» واحدة من الذخائر الأهم للدراسات الإسلامية.

خزائن عرض للكتب وقاعات للدراسة

صمم المكتبة المعماري خوان دي هيريرا، وهي عبارة عن قاعة كبرى بطول 54 متراً، وعرض تسعة أمتار وارتفاع 10 أمتار، قاعتها الكبرى مكرسة للدراسات الدينية والقانون والطب والفلسفة، بما في ذلك الفنون والدراسات الإنسانية. وفي كل قاعة كانت هناك خزائن عرض للكتب وطبقات للدراسة، أما «الصالة 2» فمخصصة للعلوم الحديثة، وتحوي أساساً الخرائط وآلات ومقتنيات خاصة بالفلك والملاحة، مع طاولات للدراسة.

مجلدات نادرة

ضمن محتويات الإسكوريال توجد مجموعة أخرى كبيرة نادرة من المجلدات، منها: الكامل في اللغة للمبرد، والاقتضاب في شرح أدب الكُتَاب لابن السيد البطليوسي، القانون في الطب لابن سينا، منافع الأعضاء لجالينوس وغيرها الكثير.

وبعد وفاة فيليب الثاني في عام 1598 أكمل فيليب الثالث عمله بشتى الوسائل بما في ذلك الحصول على غنائم الحرب، كما حصل مع مجموعة المغربية لمولاي زيدان في عام 1614، التي تضمنت حوالي 4 آلاف مخطوطة عربية، والمجموعة أصبحت نقطة مفاوضات بين المغرب وإسبانيا وفرنسا والمقاطعات الهولندية.