بلمسة واحدة على شاشة الآيباد، يجد الطفل نفسه في عالم مفعم بالتنوعات.. يبدو كقوس قزح، يحلق فيه بين الألوان والألعاب ومختلف وسائل الترفيه، وتطارده الإغراءات التي تحاكي عقله وبصره وذكاءه من كل جانب، فينجذب الى هذا العالم طواعية، غير ملتفت لذلك الكتاب الباهت، بمحتواه الفارغ إلا من رسومات جميلة، فيتفاعل مع الآيباد بكل حواسه، ملقياً بالكتاب وصفحاته وراء ظهره، يشجعه على ذلك قلة التوجيه والوعي، حتى تتراكم طبقات الغبار على أغلفة الكتب.
فعلى من تقع مسؤولية إهمال الكتاب.. وهل فقد بريقه في زمن طغت عليه التقنيات، ولم يعد غيرها يحاكي ذكاء الطفل ويملأ عقله؟ «بيان الكتب» التقى مجموعة من المختصين بأدب الطفل..
وسألهم عن سبب انتصار «الآيباد» على الكتاب في صراع الثقافة، ليؤكدوا بأن المشكلة لا تكمن في الطفل نفسه، بل في الكتاب الذي يفتقر إلى مواصفات الجذب، لينتصر عليه «الآيباد» الذي يصنع البهجة بكل ما فيه من تنوع وابتكار. وبذا فإن ما يذكي الصراع بين الكتاب والايباد، حاليا، حسب المشاركين في التحقيق، ذكاء الطفل وخياراته المهمة.
«الأهالي لا يمتلكون الوعي الكافي لتوجيه أبنائهم التوجيه السليم»، هذا ما أكدته الدكتورة كافية رمضان أستاذ أدب الأطفال في جامعة الكويت، لافتة إلى أن المشكلة لا تكمن في الآيباد بل فيما يحمله بداخله، فالطفل يحتاج إلى توجيه، ويبحث عما يحاكي عقله، وأضافت: اعطِ الطفل كتاباً جيداً وجاذباً وممتعاً وسترى النتيجة بنفسك، فالطفل لو وجد كتاباً ممتعاً سيتعلق بالقراءة حتى تصبح هوايته المفضلة.
وأشارت الدكتورة رمضان إلى أن الوطن العربي يوجد فيه مبدعون كثر، إلا أن البعض يستسهل الكتابة للطفل، وقالت: لدينا كتاب مبدعون للأطفال، إلا أن ما يقدمونه لا يرتقِ لمستوى عقل الطفل وذكائه، فالطفل اليوم على مستوى عالٍ من الذكاء، ولا يجذبه إلا المحتوى المتميز الذي يضيف إلى عقله شيئاً جديداً مبهراً.
إشكالية
أشارت الدكتورة كافية رمضان أيضاً إلى إشكالية تتجسد فيها معاناة حقيقية: نعاني من مسألة النشر، فكتاب الطفل مكلف، ورغم وفرة المال فليس هناك جهات كثيرة تحفل بتقديم الجيد، لنرى كتباً على أرفف المكتبات لا تستحق شراءها. وطرحت الدكتورة رمضان تساؤلات كثيرة، استعانت فيها بكتاب «هاري بوتر»:
لماذا ينام الأطفال في الشارع طوال الليل، انتظاراً لتفتتح المكتبة أبوابها حتى يحصلون على نسختهم من كتاب «هاري بوتر»؟ أليس ذلك دليلا على أن الطفل يمتلك مهارة الانتقاء والتذوق؟
وأضافت: رغم أن الغرب هو من يصنع الحضارة التقنية، إلا أن أطفاله يستطيعون خلق موازنة بين استخدام التقنيات وتخصيص وقت للقراءة، فلماذا يقرأ أطفاله وأطفالنا لا يقرؤون؟ والإجابة على هذا السؤال تتمثل في أن الكتاب لديه مختلف، فإحساسه أن القراءة متعة أمر مغروس في نفوس أطفاله، وهذا ما نفتقده نحن أمة اقرأ.
دور مفقود
عوامل عدة تحدثت عنها الكاتبة مريم الزعابي، نائب رئيس قسم التراث بوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، في شأن القضية الادبية المجتمعية المطروقة، لافتة إلى أنها (العوامل) السبب في جعل الطفل يتجه إلى الآيباد. وأضافت : قلة اهتمام الوالدين بثقافة الطفل وتعليمه دفعاه للبحث عن وسيلة أخرى يستقي منها ثقافته، وتحديداً الألعاب التي تشغل تفكير الأطفال عادة، ليجد الطفل ضالته في الألعاب الالكترونية، وهذا جعلهم غير قادرين على التعامل مع الورقة والقلم.
ولفتت الزعابي إلى أن قلة توجيه الأهالي لأبنائهم بأهمية القراءة زادت الإقبال على الآيباد، وقالت: بعض الألعاب تنمي ذكاء الطفل، وبعضها ضارة، إذ ان العمل مع شاشات اللمس يؤدي الى الانطواء لدى العديد من الأطفال.
وأشارت الزعابي إلى أن الكتاب فقد بريقه بسبب سيطرة الآيباد على عقل الطفل، وقلة الوعي بأهمية الكتاب في هذا العصر جعل الآيباد المسيطر على عقول الأطفال، موضحة أن الوالدين مسؤولان، بشكل أساسي، عن هجر الطفل للكتاب، إذ انهما لا يكمّلان دور المدرسة في تعزيز حب القراءة في نفوس الأبناء. وتابعت: دور المدرسة مهم جداً، إذ تغرس حب الكتاب وأهمية القراءة لدى الأطفال..
إلا أن المنزل لا يدعم ذلك، فالوالدان منشغلان بأمور الحياة، وكثير منهم لا يصطحب أطفاله إلى معارض الكتب أو المكتبات، وهنا يقع الطفل في حيرة، حيث لا يتاح له الكتاب في أي مكان في المنزل، ما يضطره للجوء إلى الآيباد الذي أصبح متاحاً في كل مكان في المنزل، وليس هناك صعوبة في استخدامه.
فراغ
«المشكلة ليست في الطفل أو الآيباد، بل في الأهالي والكتاب». بهذه العبارة بدأت كاتبة الأطفال أمل فرح حديثها، لافتة إلى أن الطفل قارئ ولكن المجتمع العربي لا يحفز أو يدعم هواية القراءة، وقالت: المشكلة ليست في الأطفال، بل في الكتاب نفسه، فهو ليس جاذباً ولا تتوافر فيه بهجة تزيد دافعية الطفل للقراءة، لأن ارتباط الطفل بالشيء يكون بكم البهجة المتوافرة فيه..
ومعروف أن الأطفال يلتفتون الى مصادر البهجة، وهذا الأمر لم يعِه المجتمع العربي بشكل جيد، ما أدى إلى عزوف الطفل عن الكتاب. وأضافت فرح: يجب أن يعي المجتمع العربي أن مشكلته ليست في أطفاله، بل في كباره، الذين لم يدركوا احتياجات أطفالهم وانشغلوا عنهم بما هو أقل كثيراً من ما يستحقون.
وأشارت أمل فرح إلى أن الكتاب العربي الموجه للطفل، في غالبيته، بوقتنا الحالي، يبرز فارغا من حيث المحتوى والمضمون، وجاذبا من حيث الشكل. وختمت: تتوافر في كتب الطفل العربية كل الخدمات الطباعية والرسوم المدهشة، إلا أنها فارغة من الداخل.. لا تملأ عقل الطفل، وهذا ما يجعله يدير ظهره لها.
صراع
أكدت الفنانة عزة لبيب، مديرة المسرح القومي للطفل في مصر، سابقاً، أن الصراع بين الكتاب والآيباد سببه توفير الأخير للترفيه الذي يبحث عنه الطفل. وواصلت: لم ينتصر الآيباد على الكتاب بسبب تميزه أو احتوائه على معلومات أهم من ما يحتوي الكتاب، لكن المشكلة هي أن الكتاب لم يعد جاذباً للطفل، ورغم ذلك تبقى له مكانته، ويبقى له عشاقه الذين لا يستطيعون النوم قبل ملامسة غلافه.
واستعانت لبيب بخبرتها في مجال المسرح لتقدم دليلاً على كلامها: من خلال عملي كمديرة للمسرح القومي للطفل لمدة ثلاث سنوات، أجريت عدداً من الدراسات والتجارب على الأطفال، مزجت من خلالها البهجة مع القراءة، لأصل من خلال ذلك إلى أن الأطفال يعشقون القراءة، إلا أنهم دائماً ما يبحثون المتعة، وهذا ما يؤكد أن قوة ارتباط الطفل بالكتاب يحددها مدى البهجة والجذب المتوافرين.
وذكرت لبيب أن المسابقات التي كانت تجريها، ساعدت على زيادة اندفاع وشغف الأطفال نحو القراءة، وأن معدل قراءتهم تضاعف في ظل هذه المسابقات.
تعليم أطفالنا في مدارس أجنبية يقودهم للاهتمام بكتب غير عربية
ذكرت الكاتبة مريم الزعابي، أن الكتاب العربي المخصص للطفل، لم يعد جاذباً مضموناً، مبينة أن بعض الكتب تفتقر للمعلومة الجيدة، واستعانت بموقف واجهها أخيراً: خلال تجوالي في معرض أبوظبي للكتاب، لاحظت أن إقبال الأطفال على الكتب الأجنبية يفوق إقبالهم على الكتب العربية، وعند سؤالي لأحد الأطفال عن السبب، أجاب بأنه لا يجد أي هدف أو قيمة من قراءة الكتاب العربي.
وأرجعت الزعابي السبب في ذلك إلى العولمة التي أثرت بشكل سلبي على الكتب العربية، مشيرة إلى وجود معاناة حقيقية، تتمثل في لجوء الأهالي الى تعليم أبنائهم في المدارس الأجنبية، وهو ما يولد لدى الطفل العربي نوعاً من الازدواجية في شخصيته، فيلجأ الى ما تعلمه في المدرسة.
صناعة التعليم.. مرحباً بجيل الآيباد
أصدر الدكتور عبداللطيف الشامسي، مدير عام مجمع كليات التقنية العليا، أخيراً، وبالتزامن مع دورة معرض أبوظبي الدولي للكتاب 25، كتاباً بعنوان «صناعة التعليم.. مرحباً بجيل الآيباد»..
ويتميّز الكتاب بإصداره على شكل «جهاز آيباد» وبمقدمة لطالبة مواطنة عمرها 14 عاماً، تشكو فيها من الملل والروتين الذي يعاني منه النظام التقليدي للتعليم، معربة عن عدم قدرتها على الانتظار للالتحاق بالجامعة، حتى تتمكن من استخدام التكنولوجيا في نظام تعليمي جديد.
ويقدم الكتاب الذي أصدرته دار الكتب الوطنية بأبوظبي، تعريفا موسعا عن قيمة الكتاب وضرورة العناية به، بالتوازي مع التعريف بأهمية وماهية الايباد.. ودوره في الملامح الحديثة للتعليم إذ يلبي متطلبات القرن الـ21 ووضع الاستراتيجية الجديدة للانتقال بالمنظومة التعليمية من النظام التقليدي إلى تعليم ذي مخرجات احترافية، تناسب متطلبات سوق العمل. ويؤكد ضرورة استثمار المفردتين: الكتاب والايباد، بشكل تكاملي.