تكرار الموضوعات الأدبية.. بين التناص والسرقة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يتكرر العديد من الموضوعات داخل الأعمال الأدبية بشكل تشابه أفكار أو حتى تشابه في العناوين، ويصل الأمر حد التشابه في الفكرة الأدبية ذاتها، الأمر الذي يسبب عديداً من الأزمات داخل الوسط الثقافي، ليُلقي كل أديب عديداً من الاتهامات بحق نظرائه.. متهماً إياه بأنه سرق فكرته. ومن ثم ليرد الآخر، بأن ما حدث هو محض تشابه في الأفكار.

ورغم وجود قوانين حاكمة لمثل هذه الأمور، إلا أن الوسط الثقافي لا يزال يحمل ويشهد عديداً من المعارك التي نشأت بسبب هذا اللبس أو تلك السرقة.

سجالات ومماحكات واتهامات كثيرة تطلق وتتواتر في خصوص هذه المسألة. ويبدو أنها تبقى قابعة، عربياً، في خانة المراوحة في الأحكام والمعايير بشأنها، بين كونها سرقة أدبية فعلية.. أو أنها مجرد تناص وتشابه بالفكرة لم يك بقصدية مباشرة.

(بيان الكتب)، يناقش هذه المسألة الأدبية الفكرية في الساحة العربية، عارضاً في لقاءاته مع مجموعة معنيين ومتخصصين لواقعها، وأيضاً لدقائقها وإفرازاتها وحقائقها.. إضافة إلى تأثيراتها.

يوضح نقاد وأدباء متخصصون ومعنيون، أنه لا يخلو الوسط الأدبي العربي من الخلافات بشأن تلك القضية حتى الآن، إذ تدور نقاشات واتهامات أدبية لا تنتهي حول كون المقال أو القصيدة أو غيرها، مجرد فكرة مشابهة أم سرقة علنية، ذلك مثل الخلاف الذي دار بين الكاتبين علاء الأسواني وجهاد الخازن، بعد أن اتهم الأخير الأسواني بسرقة مقاله..

ذلك عقب نشره بخمسة أيام. والأمر نفسه حدث مع الكاتب محمد خليفة الذي اتهم ناشراً عربياً بسرقة ترجمته لكتاب «الإسلام وأوروبا»، مناشداً عديداً من الجهات لاسترجاع حقه المنهوب من تلك الدار، بحسب ما أكده.

معارك

لا تعد ولا تحصى تلك النوعية من الاتهامات بين الأدباء، فهي عملياً ليست وليدة العصر الحالي، وإنما نجد سجل التاريخ والوثائق يحبل بالاتهامات على مدار عصور مضت. ولكن المعركة الأشهر في الوسط الأدبي مع كبار الكتاب أو الشعراء أو المفكرين في العصر الحديث كانت مع الكاتب السوري «أدونيس»، ذلك الاسم الذي عد من أكثر الأسماء التي طرحت بقوة لنيل جائزة نوبل.

ومع ذلك، لم تخل مسيرة الشاعر السوري من الاتهامات العديدة التي تخص كونه سارقاً، إذ اتهمه الشاعر التونسي محمد الغزي بأنه سرق فكرة ومحتوى كتابه «ديوان البيت الواحد في الشعر العربي» من كتاب الناقد الليبي محمد التليسي «ديوان البيت الواحد»، مؤكداً أن تلك ليست المرة الأولى التي يسرق فيها أدونيس..

حيث سبق ونشر الكاتب العراقي كاظم جهاد كتاباً بعنوان «أدونيس منتحلاً»، يتهمه أيضاً في الخصوص. ذاك بينما نشر دكتور «صالح عضيمة» كتاباً هو الآخر بعنوان «شرائع إبليس في شعر أدونيس»، مؤكداً في طياته أن الكثير من أعمال أدونيس الشعرية مسروقة، على حد تعبيره.

تأثيرات الزمن

يشير الناقد محمود بريري إلى أن الزمن أحياناً يصبح له تأثير في اختيارات الأفكار واختيارات النهايات الواحدة وتبني القضايا ذاتها، الأمر الذي حدث مع عملين لأديبين كبيرين هما: بهاء طاهر وسعيد مكاوي، من خلال روايتيهما «واحة الغروب» و«تغريدة البجعة»، فالروايتان تتناولان الصراع بين الشرق والغرب.

بالإضافة للحالة النفسية السيئة التي يعيشها البطل في كل من الروايتين.. ما سيدفعه للانتحار في النهاية، لتترشح الروايتان لجائزة البوكر في العام نفسه. ويضيف البريري الأديبان من جيل قريب، والقضايا في العصر الراهن أحياناً تجبر الأدباء على اتخاذ مسارات ما تبدو متشابهة.

ومن جهته، يلفت الروائي حمدي الجزار إلى أن الموضوعات الأدبية هي في الغالب متكررة بشكل كبير في الأعمال الروائية على نحو خاص، وهو ما يمكن أن يشعر القارئ أن الموضوع مكرر أو ما شابه.

ويشرح أن في روايته «الحريم»، التي فازت بأفضل رواية ضمن معرض القاهرة الدولي للكتاب، تطرق إلى موضوع الحب وهو موضوع تكرر بشكل كبير داخل مضامين الأدب، إلا أنه يحاول دائماً، كما يقول، أن يأتي بزاوية مختلفة ولغة مميزة، تجعلان عمله غير مكرر.

سابق ولاحق

وبدوره، يقول الناقد يوسف نوفل إن التناص يعني تداخل نص لاحق أو متأخر مع نص سابق، وهناك فرق بين إنسان استولى على نص بأكمله ووظفه توظيفاً كاملاً بحذافيره، فهذا يعتبر أخذاً أو انتحالاً أو سرقةً. ويبين في الصدد، أن التناص هو فعلياً غير النقل أو السطو أو السرقة، ففي التناص يمكن أن يتفق النص السابق في جملة اسم شخص أو حدث ما أو اسم موقعة أو شطر..

كما أنه في أحيانٍ يأتي الشاعر ببيت شعر يضعه بين قوسين لأنه يوظفه في معناه الحديث داخل وقته المعاصر، لتقديم معنى جديد، من دون ارتكان إلى نقل حرفي. لذا، لا يندرج ما سبق، في رأي نوفل، في خانة السرقة، إذ إن السرقة من وجهة نظره، سطو متعمد على أفكار ونصــوص دونما حاجة إلى توظيفها في المعنى المـــراد من الكاتب لاستكمال أفكاره، ذلك استجابة لفكرة أو صورة أو واسطة بشكل ما لخدمة المعني.

كما يلفت إلى أن التناص يأتي من فعل «تناص» والذي يدل على المفاعلة، أي تحادثا أو تبادلا الحديث علانية، أي انه ثمة تفاعل معنوي بين النص السابق واللاحق. وعلى صعيد آخر، يؤكد نوفل أن ما قيل بحق وعن أدباء عديدين في هذا القبيل، مثل طه حسين ومحمد مندور، يعد محض اتهامات، إذ إن ما فعله الأديبان من وجهة نظره لا يعد سرقة، فالموضوعات التي كتبوها تدخل في باب الاستيحاء أو التأثر، وليست سرقة.

القانون يحكم

يوضح الخبير القانوني أحمد محمد سعد، وهو محامي بمجلس الدولة وله خبرة في قضايا حقوق الملكية الفكرية، أن القانون المصري رقم 82 لسنة 2002 يردع ويعالج أياً من حالات السرقة الفكرية، إذ تقر فيه شروط الحصول على براءات الاختراع، لتُعطى براءة الاختراع لعشرين عاماً، بدءاً من تنـــــفيذ قانون براءة الاختراع. وبحسب القانون، تخول البراءة مالكها الحق في منع الغير من استغلال الاختراع بأية طريقة.

ويبين سعد أن القانون لا يعترف إلا بمن يسجل ملكيته الفكرية في إحدى الجهات الموثقة.

ظاهرة أدبية قديمة طالما أرقت كتابا ومفكرين

ربما أن التكرار في السياق عينه، واقع وقدر محتوم. فالأمر ذاته كان قد حدث في عهود مضت، مع الشاعر والكاتب الروائي عبد القادر المازني، الذي سبق واتهمه الكاتب شكري عياد، زميله في جماعة الديوان، بسرقة بعض النصوص الأدبية من أعمال أجنبية، موضحاً من خلال ما خطه قديماً في إحدى الجرائد، إن قصيدة المازني التي عنوانها (الشاعر المحتضر) مأخوذة من قصيدة «أدوني» للشاعر الإنجليزي شيللي..

كما لفتني أديب آخر إلى قصيدة المازني التي عنوانها (قبر الشاعر) منقولة عن (هيني) الشاعر الألماني. ليرد المازني على ذلك الاتهام موضحاً لم يثقل على نفسي اتهامه لي بالسرقة، لأني أعرف من نفسي أني لم أتعمد سطواً ولم أغر على شاعر، وإنما علقت المعاني بخاطري في أثناء المطالعة وجرى بها القلم وأنا غافل لأني ضعيف الذاكرة سريع النسيان.

لم يتوقف الأمر مع هذه الحالة، في ما سبق من عهود ثقافية عربية، بل امتد وطال ليصل اتهام كتاب كبار آخرين، مثل طه حسين ومحمد مندور وإبراهيم ناجي، بل والمتنبي. وهو الأمر الذي يفتح مجالاً كبيراً للتساؤل، كما يوضح النقاد، هل تكرار الأفكار يعني سرقة أدبية؟ أم أن الأمر يمكن أن يكون تكراراً غير مقصود؟

أقاويل وشبهات طالت أسماء بارزة

طالت سهام الاتهامات في هذا القبيل، مجموعة واسعة ومهمة من الأدباء في عالمنا العربي. وكان على رأس هؤلاء، نخبة الرواد والمفكرين في العصر الحديث، مثل:

طه حسين ومحمد مندور وإبراهيم ناجي، بل والمتنبي. وهو الأمر الذي يفتح مجالاً كبيراً للتساؤل في هذا الخضم عن معايير وركائز القياس والجزم في خصوص تبين حقيقة كون المبدع اجتهد فتناص بنتاجه مع غيره، أو أنه كتب نسخة جديدة لفكرة ونص قديمين.. متعمداً السرقة والنقل.

شروط

يرى نقاد وباحثون، أن هناك بعض الأسس العامة التي تحكم الكاتب بحيث يكون معها غير مصنف على كونه سارقاً. وجوهرها أن يضع جميع المصادر التي أخذ منها إن حدث بالفعل واقتبس من كاتب آخر.

أما إن أراد التناص، فيمكن فعل ذلك بأساليب تؤكد أن ذلك الكاتب يعارض نصاً قديماً، وذلك من خلال التجديد في المعنى، أو محاورة الشاعر القديم، أو وضع علامتي التنصيص وغيرها من ما يدل على استخدام نص قديم، ذاك من دون تزييف أو ادعاء أنه للكاتب الجديد.

Email