بدأ المصرف المركزي مشاورات رفيعة المستوى مع مؤسسات مالية أميركية للتغلب على معوقات التحويلات المالية الدولارية العابرة للقارات التي يقوم بها المواطنون والمقيمون، خصوصا عن طريق البنوك العاملة في الدولة التي تعتمد على البنوك الأميركية كوكلاء لها بالخارج في التحويلات الدولية في مجال الأعمال.

وقال معالي مبارك راشد المنصوري، محافظ المصرف المركزي، إن هذه المفاوضات تكثفت في الآونة الأخيرة بعد أن ظهرت القضايا المتعلقة بالمعاملات عبر الحدود في الدولار الأميركي، موضحا أن بنوك الإمارات تواجه صعوبات في التعامل مع بنوك المراسلة الأميركية بسبب الأعباء التنظيمية الكبيرة. وتؤثر تلك القواعد التنظيمية على التجارة وعلى الأعداد الكبيرة من المغتربين في دولة الإمارات -وكثير منهم من دول آسيوية وأفريقية- الذين يحولون الأموال إلى بلدانهم.

جاء ذلك خلال الاجتماع السنوي الإقليمي الحادي عشر عالي المستوى حول المستجدات في الرقابة المصرفية وقضايا الاستقرار المالي الذي انطلقت أعماله أمس بأبوظبي ويستمر على مدى يومين.

أعباء وتكاليف

وتتضمن القواعد التنظيمية الأميركية، وهي جزء من نظام أشد صرامة تم العمل به منذ الأزمة المالية فحصاً دقيقاً بشأن احتمالات التهرب الضريبي ومحاولات غسيل الأموال، وهو ما فرض مزيدا من الأعباء والتكلفة على البنوك في الولايات المتحدة وأيضا على البنوك التي تتعامل معها.

ودفع ارتفاع تكلفة تلك الفحوص الإضافية كثيرا من البنوك الأميركية إلى تقليص عدد المؤسسات الدولية التي تتعامل معها، ما يؤثر على المصارف في الإمارات بحسب المنصوري.

وقال المنصوري: تواجه بنوكنا التي تستخدم بنوك المراسلة الأميركية وكلاء لمزاولة الأعمال التجارية مصاعب الآن بصفة خاصة لأن بنوك المراسلة تخضع لارتفاع تكاليف الامتثال للوائح الأميركية.

وأضاف أن هناك قيودا على خدمات المقاصة المتاحة بالدولار -وهي إمكانية إجراء التعاملات بالعملة الأميركية- وهو ما يعد مشكلة للبنوك في الإمارات.

وأضاف معاليه أنه تم التوضيح للجانب الأميركي أن سياسة الحد من المخاطر تتسم بالعشوائية في التعامل مع المؤسسات المالية بدولة الإمارات.

وأوضح أن اجتماعاً رفيع المستوى عقد خلال شهر نوفمبر الماضي مع الهيئات الأميركية لمعالجة معوقات التحويلات المالية العابرة للقارات المقومة بالدولار التي يقوم بها المواطنون والمقيمون سواء في مجال الأعمال أو لذويهم، مشيراً معاليه إلى أن المصرف المركزي أجرى مشاورات بهذا الشأن مع الجهات المختصة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والشركاء الدوليين، وتم عقد ورشة عمل بالتعاون مع صندوق النقد العربي ومجلس الاستقرار المالي لمنطقة الشرق الأوسط لمناقشة هذه المشكلة والتوصل لحل بشأنها.

تأثيرات سلبية

وقال إن المصرف المركزي ناقش مع السلطات الأميركية المخاوف من التأثيرات السلبية لهذه المعوقات على حرية انتقال الأموال العابرة للحدود وتقييد والحد من حجم وتحرك هذه الأموال، مشيرا إلى أن ذلك تم خلال الاجتماع رفيع المستوى للحوار المصرفي الخليجي الأميركي الذي عقد في نيويورك بمشاركة ممثلين عن القطاعين العام والخاص من الجانبين، حيث تم توضيح المخاطر الكبيرة التي تنجم عن التعامل بعدم مساواة وبتشدد بطريقة تميزية ضد المصارف والمؤسسات المالية العاملة بالإمارات وبدول مجلس التعاون عموما، ما يضر بصورة كبيرة بتدفق التحويلات المالية من العمالة الوافدة الكبيرة في المنطقة إلى بلدانهم الأصلية.

ودعا إلى تفهم أفضل لطبيعة قاعدة العملاء ومستويات المخاطر المقدرة للبنوك وشركات الصرافة العاملة في الإمارات وبدول مجلس التعاون بشكل عام، معربا عن أمله في نجاح هذه المشاورات الخليجية الأميركية في خفض القيود القائمة على حرية تحرك رأس المال وأن تظهر نتائج ملموسة في هذا الاتجاه في المستقبل القريب لتخفيف هذه القيود التي تؤثر سلبا على الشمول المالي بالدولة الهادف إلى تغطية الخدمات المصرفية والمالية لكل أرجاء الدولة عبر قنوات سهلة وميسرة.

مقررات بازل

وأضاف محافظ المصرف المركزي خلال كلمة للمحافظ في افتتاح الاجتماع الذي ينظمه صندوق النقد العربي بالتعاون مع معهد الاستقرار المالي ولجنة بازل للرقابة المصرفية، أن المواضيع التي يناقشها الاجتماع حول مستجدات الرقابة المصرفية هامة بالنسبة للمصرف المركزي خصوصا فيما يتعلق بضمان فعالية الرقابة حيث لا يكفى اعتماد الأنظمة فقط وإنما القدرة أيضا على تطبيقها.

وقال إنه عقب تداعيات الأزمة المالية العالمية قام المصرف المركزي بإطلاق قسم التطوير التنظيمي للإشراف المصرفي الفعال، حيث يقوم القسم بمراجعة وتحديث وتطوير الإطار التنظيمي لتعزيز القدرات الرقابة للمصرف المركزي، مؤكدا معاليه ضرورة رفع مستوى اليقظة بالقطاع المصرفي وضمان إيجاد اللوائح المناسبة والقدرة على إنفاذ هذه الأنظمة.

وذكر أن المصرف المركزي قام بإعداد حزمة من الأنظمة الاحترازية للحد من المخاطر في القطاع المصرفي والقطاعات الاقتصادية غير النفطية من خلال وضع سقف لقروض الرهن العقاري وضع أطر وقواعد للقضاء على مخاطر التعرض للمؤسسات المرتبطة بالحكومة، مشيرا إلى أن الأزمة المالية العالمية أظهرت ضرورة توخي الحذر فيما يتعلق بإدارة السيولة وقدرة البنوك على المحافظة على كفاءة الاستقرار المالي حتى خلال فترات الركود في ظل أي ظروف صعبة.

وأشار إلى أن هذه الأمور كانت وراء إيجاد الأنظمة المتعلقة بكفاية السيولة لدى البنوك والتي صدرت في مايو الماضي لتوفير مسار لالتزام البنوك بمعايير «بازل 3» وعلاوة على ذلك بدأ المصرف المركزي في برنامج مشاورات مكثفة مع القطاع المصرفي لتوفير مبادئ توجيهية واضحة فيما يتعلق بتنفيذ معايير «بازل 3» موضحا أنه فيما يتعلق بتفاصيل متطلبات رأس المال وفقا لـ«بازل 3» وضع المصرف المركزي برنامجا للتنفيذ سيتم التشاور حوله قريبا مع البنوك واتحاد المصارف لتلبية الإطار الزمني للتنفيذ الكامل لنظام رأس المال الجديد وفقا ل«بازل 3» بحلول نهاية عام 2018.

وقال إن إدارة المخاطر في البنوك تكتسب المزيد من الأهمية وفق التشريعات الجديدة التي يجري مراجعتها حاليا وسيتم التشاور بشأنها بالتعاون مع اتحاد المصارف، مشيرا إلى أن المخاطر الجديدة استدعت تطوير إدارة الإشراف المصرفي لتحسين مستويات التقييم سواء في المؤسسات الفردية أو المؤسسية، حيث تركزت أولويات الإشراف والاستقرار المالي على تعزيز عمليات الرقابة على أساس المخاطر وإعادة النظر في عملية الفحص لضمان قدر أكبر من الاتساق التنظيمي والشفافية وتحسين نوعية وتوقيت التقارير الدورية عن الأنشطة المصرفية التي تقوم البنوك بإرسالها للمصرف المركزي. أدخلنا أيضا لوحة شامل للبنوك مصممة لتقييم نقاط القوة والضعف من حيث التوافق التنظيمي والحكم والسيطرة، فضلا عن قدرات إدارة المخاطر.

وتابع: فيما يتعلق بمكافحة غسل الأموال يطلب خبراء المصرف المركزي خلال زيارتهم للبنوك أن تتوافق تماما مع معايير «فاتف» وتوصيات فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، مشيرا إلى أنه من أهم دروس الأزمة المالية العالمية هو أن سلامة المؤسسات الفردية لا يضمن سلامة النظام المالي ككل فقد تنشأ بعض المخاطر من الظروف المحلية، ولكن يمكن أيضا أن تكون المخاطر العالمية مهم جدا خاصة بالنسبة لاقتصاد مفتوح مثل الإمارات حيث تسعى لمزيد من التكامل التجاري والمالي في الاقتصاد العالمي.

وأكد وجود حاجة إلى مراقبة عن كثب للتطورات العالمية وتكون جاهزة للتدخل لتخفيف الآثار غير المباشرة على السلبية والتحوط ضد المخاطر المحتملة، وفي هذا الإطار تلعب وحدة الاستقرار المالي في البنك المركزي دورا حاسما في هذا الصدد وترصد وتقارير عن احتمال تراكم المخاطر ونقاط الضعف واسعة النظام في القطاع المالي، ويقدم توصيات للتخفيف من هذه المخاطر في مرحلة مبكرة تحقيقا لهذه الغاية وضعت الوحدة مؤشر اتجاه الاستقرار المالي، وهو مؤشر كلي للقطاع المالي في الإمارات العربية المتحدة، وهي الآن جزء من نظام الإنذار المبكر التي تتيح كشف ورصد مواطن الضعف في القطاع المالي.

رئيس صندوق النقد العربي: تطوير الإجراءات الرقابية المصرفية

أكد الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي، رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، أن الجهود الدولية متواصلة منذ بدء الأزمة المالية العالمية لتطوير الأُطر التشريعية والإجراءات الرقابية المصرفية للتعامل بصورة أكثر احترازية وشمولية مع المخاطر والعمل على استيفاء متطلبات رأس المال والسيولة بالمؤسسات المالية والمصرفية.

وقال الحميدي في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية لـ«الاجتماع السنوي الحادي عشر عالي المستوى حول المستجدات في الرقابة المصرفية وقضايا الاستقرار المالي» إن تطوير وإصلاح القطاع المالي والمصرفي وتحديث الأطر التشريعية وإرساء المبادئ الرقابية يأتي في مقدمة أولويات السلطات التشريعية والتنظيمية في الدول العربية، مؤكدا الحاجة لاستمرار هذه الجهود لتعزيز متانة القطاع المصرفي في الدول العربية ودوره في توفير التمويل اللازم للاقتصاد.

وأضاف أن الأزمات الماضية أظهرت وجود قصور لدى العديد من المؤسسات المالية والمصرفية الكبيرة في تطبيق المعايير الدولية المتعلقة بالإشراف والرقابة وإدارة المخاطر، وهو ما يعزز من ضرورة المتابعة المستمرة للجهود الدولية المبذولة ليس فقط في وضع القواعد والتشريعات الرقابية بل في توفير فرص تطبيقها بفاعلية وكفاءة ومتابعة التنفيذ لضمان تحقيق الأهداف المنشودة من هذه التشريعات في تعزيز سلامة القطاع المالي والمصرفي ودوره في تحقيق النمو الاقتصادي الشامل والمستدام.

وأضاف أنه إدراكاً لذلك يعكس برنامج الاجتماع أهم التطورات والتعديلات التي طرأت على المبادئ الرئيسة للرقابة المصرفية وما يرتبط بها من موضوعات تتعلق بتعزيز مستويات الإفصاح والشفافية والتقدم في تطبيق معايير «بازل 3» إضافة إلى المستجدات على صعيد المعايير الجديدة للحوكمة والإدارة الرشيدة للشركات والمؤسسات، وهي قضايا تحظى باهتمام واسع من كافة الأجهزة الرقابية والإشرافية على الصعيدين الإقليمي والدولي على خلفية تعاظم الدور الذي تقوم به هذه الشركات في دفع عجلة النمو الاقتصادي، فضلاً عن دورها في رسم توجهات أسواق المال.

وذكر أن برنامج الاجتماع يتضمن مناقشة التعديلات على المنهج المعياري لقياس مخاطر الائتمان ومخاطر أسعار فائدة محفظة القروض المصرفية والتداعيات المحتملة، لذلك على البنوك إضافة إلى مناقشة متطلبات مواجهة الجرائم المالية الإلكترونية والانعكاسات على الاستقرار المالي كذلك يتطرق الاجتماع إلى المعايير المحدثة للتمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية.