أكد مصرفيون أن قطاع إدارة الثروات في الإمارات ينمو ويتطور باستمرار في الدولة، مشيرين إلى أن الإمارات تمكنت دائماً من تجاوز تقلبات النفط، وذلك بفضل السياسات الاستباقية التي تتخذها حكومة الدولة الرشيدة.
ولفت الخبراء إلى أن مؤسسات إدارة الثروات تحتاج إلى إعادة اختراع نفسها والابتعاد عن الاكتفاء بمجرد بيع المنتجات والتحوّل إلى تزويد عملائها المحليين بخدمات مصممة خصيصاً لهم ومناسبة لشتَّى الظروف الاقتصادية بشكل عام التي تتطلب أفضل المنتجات أكثر من أي وقت مضى، وذلك لتجاوز الضغوط على الصناعة وعلى رأسها ازدياد عدد الإجراءات التنظيمية، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى تشجيع الدمج والاستحواذ في أنشطة إدارة الثروات في الأسواق الإقليمية والعالمية.
ويصل عدد البنوك الأجنبية الناشطة في إدارة الثروات في مركز دبي المالي العالمي إلى أكثر من 30 مصرفاً بتمثيل مختلف المستويات. ووفقاً لمجموعة بوسطن الاستشارية تشهد الثروات الخاصة في الإمارات معدل نمو سنوياً مركباً بنسبة 10.7% على مدى السنوات الخمس المقبلة ليصل إلى نحو 0.8 تريليون دولار (2.92 تريليون درهم) خلال عام 2019.
إمكانات هائلة
وقال بيرتراند دو مارجيري الرئيس الإقليمي لشركة «اندو سويس» لإدارة الثروات في الشرق الأوسط، إنه على الرغم من الانخفاض الراهن في أسعار النفط، إلا أن الإمارات تعتبر وسائر دول مجلس التعاون الخليجي منطقة غنية جداً، مؤكداً أن المنطقة تنطوي على إمكانيات هائلة بالنسبة لقطاع إدارة الثروات الذي ينمو ويتطور باستمرار، مشيراً إلى أن بعض مفاصل هذا النشاط قد تتأثر سلباً بسبب الظروف الراهنة.
وأضاف: «نحن نتعاون عن كثب مع عملائنا للمحافظة على ثرواتهم في بيئة اقتصاد كلّي حافلة بالتحديات، ونبحث في العديد من خيارات إعادة الهيكلة والاستراتيجيات الاستثمارية التي تركز على التنويع عبر مختلف المناطق الجغرافية وفئات الأصول المختلفة.
ولطالما واجهنا على مر السنين العديد من الأوضاع الصعبة ولكننا في وضع جيد يتيح لنا تقديم أفضل أنواع الاستشارات والمنتجات والحلول التي تتيح لنا إدارة ثروات عملائنا بأقصى درجات الكفاءة.
وسوف تحتاج مؤسسات إدارة الثروات إلى إعادة اختراع نفسها والابتعاد عن الاكتفاء بمجرد بيع المنتجات والتحوّل إلى تزويد عملائها المحليين بخدمات مصممة خصيصاً لهم ومناسبة لشتَّى الظروف الاقتصادية بشكل عام التي تتطلب أفضل المنتجات أكثر من أي وقت مضى».
آفاق
وحول توقعاته لأداء نشاط الخدمات المصرفية الخاصة هذا العام والعام المقبل، أفاد دو مارجيري: «يواجه قطاع إدارة الثروات ارتفاعاً جديداً وبمعدلات كبيرة جداً للثروات عالمياً وفي آسيا والشرق الأوسط بصفة خاصة. وقد تبلغ حصة آسيا ما نسبته 25% من الثروات العالمية خلال السنوات المقبلة على سبيل المثال وفي الوقت الذي تنمو فيه ثروات رجال الأعمال بشكل كبير (تشير إحدى الدراسات إلى أن عددهم يبلغ 140 من بين أثرى 200 شخص في العالم)، بات العملاء يستثمرون دولياً بشكل متزايد أكثر فأكثر».
وشدّد دو مارجيري على ضرورة أن يتبنى العملاء حالياً مقاربة عالمية لإدارة ثرواتهم الخاصة والمؤسسية وأضاف: «العملاء اليوم يطالبون أيضاً بتعزيز الشفافية وتزويدهم بطرق أسهل وأكثر تكراراً للتواصل مع فريق الخبراء ومديري علاقاتهم الخاصة. وباتوا يريدون الجمع بين جميع هذه العناصر وتعزيزها بالبعد البشري لبنك متخصص في تفهُّم احتياجاتهم وأهدافهم الفردية وقادر على تزويدهم بحلول مفصلة».
الدمج والاستحواذ
وأشار إلى أن عدد الإجراءات التنظيمية في القطاع يتزايد وقد يفرض ضغوطاً على قطاع إدارة الثروات ويهدد بالتالي مستقبل بعض اللاعبين الصغار وهو ما قد يؤدي بدوره إلى تشجيع الدمج والاستحواذ.
وأكد أوليفيير هونسبيرغر الرئيس التنفيذي لبنك «ميرابو» لإدارة الثروات في الشرق الأوسط، أن الإمارات ستنجح في تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط بفضل السياسات الاستباقية الرشيدة التي تتخذها حكومة الدولة لتخفيف آثار انخفاض النفط. وأضاف: «في الوقت نفسه، نعتقد أنه من المهم جداً أن تتخذ الحكومات إجراءات سيادية حذرة لإيجاد فرص جذابة للحفاظ على مستوى السيولة في ظل ظروف السوق الحالية. ونحن على ثقة بقدرة الحكومات الخليجية من تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط، وخلق اقتصادات مرنة وقوية من الناحية المالية على المدى المتوسط الطويل».
توقعات
وتوقع هونسبيرغر أن يكون لانخفاض أسعار النفط تأثير على تدفقات رؤوس الأموال إلى دول مجلس التعاون الخليجي على المدى المتوسط، والتي من الممكن أن تضغط على الحكومات الخليجية للقيام بمشاريع إعادة هيكلة تتضمن خفض الإنفاق الحكومي وتوسيع أنواع الضرائب. وقد بدأت الحكومات بالفعل في 2015، إصدار سندات لتغطية العجز الكبير في الميزانية، ونحن نتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في عام 2016.
عبور ناجح
وخفف كريستوف لولاندر، المدير العام لمكتب دبي، مجموعة البنك السويسري «لومبار أودييه»، من تأثير أسعار النفط على النشاط المصرفي في الإمارات، مؤكداً أن الدولة شهدت العديد من التقلبات على أسعار النفط صعوداً وهبوطاً على مدى العقود الماضية. وتمكنت بتجاوز تلك التقلبات بنجاح.
وأضاف: «بالنسبة لشركة لومبارد أودييه، نحن نرى إمكانيات قوية على المدى القريب أو المتوسط في منطقة الشرق الأوسط. فالوضع الحالي بالنسبة لأسعار النفط يشجع المستثمرين على تنويع أصولهم الجغرافية. وتمتلك شركات إدارة الثروات العالمية مثل لومبارد أودييه القدرة على تقديم فرص استثمارية متنوعة».
وحول توقعاته لأداء القطاع هذا العام والعام المقبل، قال لولاندر: «نتوقع فرصاً كبيرة لقطاع الخدمات المصرفية الخاصة على مدى العام أو العامين المقبلين، وخاصة بالنسبة للمشاركين في هذه الصناعة والذين يملكون نماذج عمل فعالة وإنجازات دولية».
عامل رئيسي
وقال رياض مضية، استشاري الاستثمار في ساكسو بنك، إنه من الطبيعي أن يؤدي انخفاض عائدات النفط إلى تباطؤ نمو النقد والائتمان، مع احتمال زيادة نسبة القروض المتعثرة في القطاع المصرفي ما قد يؤثر سلباً على نتائج البنوك.
وأضاف أن مدة الانخفاض في أسعار النفط ستكون عاملاً رئيسياً في تحديد الوضع الاقتصادي والمالي في دول الخليج، حيث إنه تم بناء فائض مالي في السنوات الأخيرة والتي يمكن استخدامها لتخفيف آثار العجز في الميزانيات على المدى القريب. إلا أن استمرار انخفاض النفط لفترات طويلة سوف يتطلب تصحيح الأوضاع المالية العامة والتي ستؤثر على النمو والقطاع المصرفي.
أسواق الأسهم
ومن ناحية تأثير انخفاض النفط على حركة التداول في أسواق الأسهم، قال: «من ناحية التداول فإن انخفاض النفط يؤثر سلباً على سوق الأسهم خصوصاً شركات النفط الكبيرة والتي لاحقاً بدأت تعاني نقصاً في السيولة وخطر التعثر في سداد قروضها. ونظراً إلى أن هذه الشركات عادة ما تعتمد على العمالة الكبيرة، فإن تعثرها يؤدي إلى زيادة البطالة.
ثقة
قال أوليفيير هونسبيرغر، إن انخفاض أسعار النفط الذي تراجع من أدنى مستوى له منذ عام 2004 أدى إلى التأثير بشكل كبير على ثقة المستثمرين في بداية هذا العام، وعلى إمكانات النمو الاقتصادي في دول التعاون الخليجي المعتمدة على العوائد النفطية.
وأضاف: باعتقادنا أن المشهد الاقتصادي الحالي يتسم بقلق المستثمرين الإقليميين عما سيحدث لأرباح الشركات إذا ما ظل النفط منخفضاً لفترة أطول. ومن المتوقع أن يتم تحقيق تراجع في أرباح الشركات بسبب الانخفاض في أسعار الطاقة.