توقع مدير عام شركة الوثبة الوطنية للتأمين بسام جلميران ألا يشهد قطاع التأمين في دولة الإمارات أي تغييرات تذكر، خلال النصف الأول من عام 2016 نتيجة استمرار بعض الممارسات الضارة، التي شهدها القطاع خلال عام 2015، والسنوات السابقة.

لافتاً إلى أن استمرار الشركات بعدم الالتزام بالنواحي الفنية في التسعير وتقييم المخاطر سوف يعرض العديد منها إلى مزيد من الخسائر والضغوط، ما قد يجبرها على إعادة هيكلة رؤوس أموالها لضمان ملاءتها وقدرتها على الاستمرار.

وأكد جلميران في حوار للبيان الاقتصادي أن سوق التأمين في الدولة حالياً مشبع بعدد كبير من الشركات، إضافة إلى أعداد كبيرة من الوسطاء الذين يتنافسون على الأعمال مهما كبر حجمها دونما الأخذ في الاعتبار النواحي والجوانب الفنية في تقييم المخاطر وتسعيرها منوهاً بأنه لن تكون هناك إمكانية لتصحيح المسار إلا بقيام الجهات الرقابية والإشرافية بمحاسبة الشركات على نتائجها، ووضع الضوابط التي تحمي حقوق المساهمين والملاءة المالية.

وفي ما يلي نص الحوار:

تحديات

ما هي أبرز التحديات التي واجهت قطاع التأمين خلال 2015؟

لو نظرنا إلى الوضع العام خلال عام 2015 فان أول ما يتبادر إلى الذهن هو المستويات الاستثنائية التي وصلت إليه أسعار النفط وتأثيراته على اقتصادات المنطقة، فمن المؤكد أن هذا التراجع الكبير في أسعار النفط سوف يؤثر بصورة أو بأخرى على مستويات الإنفاق العام ومن ثم على مستويات النمو إلا أننا في دولة الإمارات محظوظون بأننا نعمل ضمن نطاق اقتصاد ديناميكي تتضاءل في نسبة مساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي سنة بعد سنة في الوقت الذي تحقق في سياسة التنويع الاقتصادي نجاحاً.

لافتاً بشهادة المؤسسات الدولية، ولو نظرنا إلى القطاع المالي على سبيل المثال فإن النتائج المالية لهذا القطاع لا تزال استثنائية وتحقق المصارف العاملة في الدولة ارتفاعات متواصلة جهة الأداء وتحقيق الأرباح، كما أن قطاعي السياحة والفنادق يمثلان في دولة الإمارات اليوم ظاهرة غير مسبوقة على مستوى المنطقة وإضافة إلى الدور المتزايد الأهمية لقطاع الصناعة الحيوي وغيره من القطاعات غير النفطية فإن كل المؤشرات تدفع باتجاه النجاح المستمر للسياسة الحكومية بتنويع مصادر الدخل وتعكس صورة الإمارات بلداً استثنائياً في كل شيء.

أما في ما يخص التحديات التي واجهت قطاع التأمين خلال العام فيمكن القول إن نتائج عدد من الشركات الوطنية لا تزال تعكس أداء استثنائياً من خلال تحقيق أقساط عالية، إلا أن الغالبية من شركات التأمين لم تكن بهذا المستوى خلال العام المذكور، وعكست نتائجها المالية خسائر وإن كانت فنية أو استثمارية وهذا الأمر لا يبرره سوى الافتقار إلى الفنية والمهنية في تقييم المخاطر وتسعيرها وقد انعكست حدة المنافسة غير الفنية في السوق على هبوط الأسعار إلى مستويات لم يشهدها السوق من قبل.

تدخل الهيئة

ما المطلوب من وجهة نظركم لوضع حلول لظاهرة المنافسة غير الفنية وسياسة تكسير الأسعار التي تعصف بسوق التأمين وإلى أي مدى ستسهم التعليمات المالية التي أصدرتها الهيئة مؤخرا في تصحيح المسار؟

بصراحة طالما أن السوق مشبع بعدد كبير من شركات التأمين إضافة إلى أعداد كبيرة من الوسطاء الذين يتنافسون على الأعمال مهما كبر حجمها وعدم الأخذ بعين الاعتبار النواحي والجوانب الفنية في تقييم المخاطر وتسعيرها وبالتالي لن تكون هناك إمكانية لتصحيح المسار وإعادة توجيه هذه الشركات إلى الوجهة الصحيحة.

إلا بقيام الجهات الرقابية والإشرافية بمحاسبة الشركات على نتائجها ووضع الضوابط المطلوبة أولاً وقبل كل شيء لحماية حقوق المساهمين، ومن ثم ضمان الملاءة المالية للشركات العاملة في السوق أما بالنسبة للتعليمات المالية، التي أصدرتها هيئة التأمين فإن تطبيقها بشكل سليم والقيام بمراقبة التطبيق بصورة مستمرة سوف يسهم بالتأكيد في إحداث حركة تصحيحية للأسعار لتنعكس بدورها على نتائج الشركات.

حركة تصحيحية

هل تتوقعون حدوث الحركة التصحيحية في العام الجديد؟

باعتقادي أن عام 2016 سيكون امتداداً لعام 2015 في ما يتعلق بانعكاسات الأحداث الجارية في المنطقة والظروف الاقتصادية ولا أتوقع أن يكون هناك أي تغيير أو تصحيح على الأقل خلال النصف الأول من 2016 لكني أؤكد هنا أن استمرار عدم التزام شركات التأمين بالنواحي الفنية سوف يعرض عدداً منها إلى مزيد من الخسائر والضغوط، ما قد يجبر هذه الشركات على إعادة هيكلة رؤوس أموالها وضخ المزيد من رؤوس الأموال الجديدة لضمان ملاءتها وقدرتها على الاستمرار .

وفي ظل الظروف التي تتعرض لها شركات التأمين يقابلها ارتفاع في التكاليف الإدارية والإنتاج واستمرار التضخم إلى مستويات لا تعكسها مستويات أسعار التأمين فإن هامش الربحية للشركات قد يواجه مزيداً من التضاؤل.

وتجدر الإشارة إلى أن عدداً من شركات التأمين التكافلي قد حققت خسائر مدورة خلال الشهور التسعة الأولى من عام 2015 تقدر بنحو 350 مليون درهم في حين حقق عدد من شركات التأمين التقليدي خلال الفترة المذكورة خسائر مدورة تتجاوز النسبة المسموح بها من قبل هيئة التأمين، وفي المحصلة فإن أرباح قطاع التأمين بشكل عام سوف تكون أقل من السنوات السابقة، كما أن قدرة هذه الشركات على توزيع الأرباح سوف تتضاءل، ويستثنى منها الشركات، التي نأت بنفسها الدخول في المضاربات والمنافسة وحرق الأسعار.

ممارسات ضارة

إلى أي مدى انعكست الممارسات الضارة في سوق التأمين على الشركات الوطنية الكبرى وعلى وجه الخصوص شركتكم؟

بالنسبة لنا في شركة الوثبة الوطنية للتأمين فإن استراتيجيتنا تركز على الحفاظ في أعمالنا على تقديم الخدمات، التي تتناسب مع الأسعار الفنية ولم ننجر في أي وقت إلى حرب تكسير الأسعار بأي شكل من الأشكال، ونحن على يقين بأننا سنكون خلال الفترة المقبلة بمنأى عما تتعرض له شركات أخرى منغمسة بهذا المستوى من الأسعار، ولا بد أن يأتي الوقت الذي تتعدل فيه الأمور، وتوضع في نصابها الصحيح.

حجم العقود

إلى أي مدى تأثرت عقود شركات التأمين خلال عام 2015 ؟أثر الوضع الإقليمي والتراجع الحاد في أسعار النفط في الأسواق العالمية بشكل مباشر على المشاريع وعلى الأخص المشاريع الهندسية وبالتالي فقد أسهم هذا الوضع في انخفاض أقساط التأمين على هذا النوع الحيوي من التأمينات، إضافة الانخفاض في أقساط تأمينات النقل البحري، إلا أننا في المقابل لا نزال نشهد نمواً في إجمالي الأقساط السنوية بنسبة لا تقل عن 10 % مدعوماً بصورة رئيسة بالنمو في أعمال التأمين الصحي.

التعليمات المالية

ترى بعض الشركات أنه من الصعوبة بمكان تطبيق التعليمات المالية التي أصدرتها هيئة التأمين لشركات التأمين التقليدي والتأمين التكافلي كيف تنظرون إلى هذا الطرح؟

التعليمات المالية مفروضة من قبل الهيئة والشركات ليست في وضع اختياري، وبالتالي ستكون هناك صعوبات في التطبيق وسوف تتعامل إدارات شركات التأمين مع هذه الصعوبات، وتجبر على تعبيد الطرق لتطبيقها ومن ثم سوف تصبح التعليمات جزءاً لا يتجزأ من أعمال الشركات.

خبرات

ألزمت هيئة التأمين مؤخراً الشركات العاملة في الإمارات بتعيين خبير اكتواري متخصص في كل شركة، بهدف ضبط موضوع التسعير تمهيداً للوصول إلى السعر العادل.

وأشاد جلميران بهذا الإجراء قائلاً: لا بد أن نتوجه لهيئة التأمين بالشكر على هذه المبادرة بالغة الأهمية لأن الخبرة الاكتوارية سوف تقوم بمراجعة وتقييم المخصصات وإلى حد ما مستويات التسعير والملاءة المالية لشركات التأمين، وسوف تجبر الشركات التي تقع تحت خط المتطلبات على تحسين أوضاعها للوصول إلى حدود الملاءة المفروضة على الشركات، الأمر الذي سيسهم في حماية حقوق المساهمين من خلال إجبار الشركات على الالتزام بالمعايير الفنية في تقييم المخاطر والتسعير.

وفي المحصلة فإن قرار الهيئة بشأن الخبرة الاكتوارية يعتبر من أهم القرارات في مجال التأمين لو تطبيقه ومتابعته.

ممارسات

«الصحي» و«السيارات» يمثلان 35 - 40 %

سألنا مدير عام شركة الوثبة الوطنية للتأمين بسام جلميران عن تقييمه للنتائج المحققة في قطاعي الـتأمين الصحي والتأمين على السيارات، وما مدى مساهمة الممارسات المتعلقة بهما في تقليص الأرباح بل وتحقيق الخسائر للعديد من الشركات، فقال: إن نشاط التأمين على السيارات والتأمين الصحي يمثلان ما يتراوح بين 35 % إلى 40 % من حجم سوق التأمين عموماً في الدولة.

وهذان النوعان من التأمينات تحتفظ شركات التأمين بأغلب أقساطهما، ولا تعيد تأمين إلا القليل منها، وبالتالي فإن التسعير غير الفني تكون له آثاره المباشرة على الشركات. وهذا ما يحصل داخل سوق التأمين بالفعل، حيث تتنافس الشركات على الأعمال بأسعار غير فنية، ما أدى - ليس إلى تحقيق خسائر فقط - لكن إلى تآكل جزء كبير من حقوق المساهمين.

أقساط

حصة الشركات الأجنبية من السوق

أشارت دراسة لهيئة التأمين إلى ارتفاع الحصة السوقية لشركات التأمين الأجنبية من 30 % عام 2010 إلى 40 % عام 2014 من إجمالي الأقساط المكتتبة في الوقت الذي تراجعت فيه حصة الشركات الوطنية من 70 % إلى 60 %.

وتعليقاً على الأمر قال بسام جلميران: من أهم أهداف جهات الترخيص المختصة في منح تراخيص للشركات الأجنبية هو فتح الأبواب لاستقطاب أنواع جديدة من التأمين إلى السوق المحلي وتقديم خدمات تليق بمستوى مثل هذه الشركات.

إلا أن عدداً من هذه الشركات قد دخل السوق وبدلاً من أن تشكيل قيمة إضافية فإنهم للأسف قاموا بالمنافسة في أعمال فرعي السيارات والتأمين الصحي وجروا السوق إلى مستويات من المنافسة لا تقبلها هذه الشركات في أسواقها الأم، وبعد تجرع مرارة الخسائر وعت إداراتها الرئيسة، وانسحب عدد منها من السوق.