قال عبدالله محمد العور المدير التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي: إن التحديات التي يمرّ بها الاقتصاد العالمي في هذه الآونة، ومنها تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر التقليدي في العالم العام الماضي.
واستمرار ضعف النمو الاقتصادي العالمي، حولت أنظار العالم نحو ثقافة الاستثمار الإسلامي القائم على آليات تحكمها نظم ومعايير أخلاقية تحمي الثروات وتراعي حاجات البشر وتحافظ على الموارد وتسهم في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي،.
مؤكداً أن استراتيجية مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي المحدثة ستتيح فرصاً جديدة لبلورة شراكات دولية انطلاقاً من مكانة الإمارات الرائدة على خارطة الأعمال العالمية، وتحويل تلك التحديات إلى فرص حقيقية لتعزيز الاستثمار الإسلامي عالمياً انطلاقاً من دبي.
وفيما يلي نص الحوار:
أطلقتم في أوائل شهر فبراير استراتيجية محدثة لتطوير الاقتصاد الإسلامي. ما هو الجديد في هذه الاستراتيجي؟ ولماذا قمتم بهذه الخطوة؟
مع توقعات ببلوغ حجم الاقتصاد الإسلامي 3 تريليونات دولار في 2021، تتنامى الحاجة إلى ترسيخ البنية التحتية والبيئة التنظيمية والتشريعية الكفيلة بضمان تحقيق النمو المنشود والمتوقع. من هنا ارتأى المركز أن يجمع شركاءه الاستراتيجيين في ورشتي عمل مكثفتين لوضع أسس جديدة تحاكي متطلبات المرحلة المقبلة.
إن ثلاث سنوات من العمل على تطبيق استراتيجية دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي وضعت هذا النظام الاقتصادي الحديث في مكانة عالمية مميزة، وأهّلته خلال مرحلة قصيرة من منافسة القطاعات التقليدية السائدة، ومكنته من إثبات قدرته على تحريك عجلة الاقتصاد والنمو وتحقيق الاستدامة في كافة القطاعات.
ما هي القطاعات التي سيتم التركيز عليها في الاستراتيجية الجديدة؟
لقد لمسنا جميعاً الإقبال العالمي الكبير، والأثر العميق الذي بدأ الاقتصاد الإسلامي بإحداثه على خارطة الاقتصاد الوطني والإقليمي والعالمي من حيث تسريع مسيرة التنوع في مصادر الدخل والمساهمة في بناء اقتصاد ما بعد النفط.
وكان لا بد لنا من مراجعة كل الإنجازات التي تحققت وتقييم التحديات المقبلة وبلورة خطة مستقبلية أكثر تخصصاً تشمل القطاعات الثلاث الأكثر مساهمة في تكريس الاقتصاد الإسلامي كمساهم حقيقي في التنمية المستدامة وهذه القطاعات هي: التمويل الإسلامي، قطاع الحلال وأسلوب الحياة الإسلامي.
ومن أجل أن تحقق هذه القطاعات دورها هي بحاجة لركائز داعمة تشكل البنية التحتية للأنشطة الاقتصادية الإسلامية وأعني المعايير والمعرفة والاقتصاد الإسلامي الرقمي.
كيف سيتم قياس مساهمة الاقتصاد الإسلامي في الناتج المحلي الإجمالي؟
لكل قطاع من القطاعات الرئيسية التي ذكرتها مؤشرات أداء خاصة بحسب الأهداف الاستراتيجية الموضوعة له. ففي التمويل الإسلامي على سبيل المثال لدينا ثلاثة أهداف استراتيجية:
الهدف الأول هو زيادة مساهمة منتجات التمويل الإسلامي في الناتج المحلي الإجمالي لدبي والإمارات والمساهمة في مرونة وتنوع الاقتصاد الوطني. وهنا مؤشر الأداء يكوِّن الحجم الإجمالي لأصول التمويل الإسلامي في الإمارات ودبي.
وأما الهدف الثاني فهو تكريس مكانة الإمارات ودبي في أسواق الرساميل الإسلامية من خلال تطوير هذه الأسواق لتصبح وجهة رائدة للمستثمرين والباحثين عن رساميل. وهنا مؤشر الأداء يكون رسملة الأسواق الإسلامية في دبي والإمارات.
أما الهدف الثالث فهو تطوير الإطار العام العالمي للتمويل الإسلامي للارتقاء بالإمارات ودبي كمنصة عالمية لبرامج التعليم في التمويل الإسلامي وللمشاريع الخيرية.
وبالنسبة لقطاع الحلال نتطلع إلى زيادة حجم تجارة المنتجات الحلال والمساهمة في مرونة وتنوع الاقتصاد الوطني ومؤشر الأداء سيكون حجم التجارة في منتجات الحلال. كذلك نريد أن تصبح دبي والإمارات مركزاً عالمياً للتجارة والخدمات اللوجستية للمنتجات الحلال وسنعمل مع شركائنا على تعزيز البنية التحتية لدبي والإمارات لتكون وجهة رئيسية ومرجعية عالمية للشركات التجارية.
كذلك سنعمل على إرساء بيئة مشجعة للارتقاء بتجارة الحلال وتشمل معايير مقبولة عالمياً ودعم حكومي لتطوير القطاع. أما الأهداف الاستراتيجية التي تم تخصيصها لقطاع نمط الحياة الإسلامي فتتمثل في جذب المواهب العالمية وتطوير هوية دبي الثقافية من خلال زيادة عدد السياح وتنمية مساهمة الأنشطة الترفيهية في الناتج المحلي الإجمالي لدبي والإمارات.
وفي النمو والتنوع الاقتصادي والاستدامة ومؤشر الأداء سيكون بطبيعة الحال عدد السياح الوافدين إلى دبي والإمارات. لا بد من التركيز في السنوات الخمس المقبلة على إنشاء مرافق ثقافية عالمية المستوى ووجهات لفعاليات الفنون والتصاميم الإسلامية وإنشاء منظومة مشجعة للثقافة والفنون والتصاميم الإسلامية في دبي والإمارات بشكل عام.
إلى أي مدى تساهم المبادرات والخطط التي تنطلق من دبي والإمارات في دعم مسيرة الاقتصاد الإسلامي وبشكل خاص مبادرة عام الخير ومبادرة 10X التي أطلقها أخيراً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في القمة العالمية للحكومات؟
إذا نظرنا إلى كل المبادرات والاستراتيجيات التي وضعتها دبي والإمارات للسنوات الخمس والعشر المقبلة نرى أنها تتكامل وتتناغم في تحقيق أهداف التنمية الشاملة الاجتماعية والاقتصادية وهذه سمة تنفرد بها الإمارات لأنها دائماً قادرة على استباق الأحداث والاستعداد للمتغيرات.
إن أحد عوامل نجاح مبادرة دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي في السنوات الثلاث الماضية هو توفر البيئة المناسبة لتطوير قطاعات متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية سواء من حيث قابلية البنية التنظيمية والتشريعية على اكتساب مزيد من المرونة لتلبية احتياجات القطاع المصرفي والمالي الإسلامي أو من حيث البنية التحتية واللوجستية التي تؤهل قطاع الحلال للنمو والتوسع وبناء شراكات عالمية.
اليوم، ومع قيادة الإمارات لمسيرة الخير على مستوى العالم سنشهد الكثير من المشاريع التي تصب في خدمة أهداف الاقتصاد الإسلامي ولا شك أن قطاعاً مثل الوقف مؤهل للعب دور أكبر كذلك التكافل الذي يشكل جوهر النشاط الاقتصادي الإسلامي ويدعم التلاحم الاجتماعي.
أما مبادرة 10X فهي مؤشر لمرحلة جديدة من الابتكار في العمل الحكومي واختصار المسافة إلى تحقيق الأهداف التنموية، ولا شك في أن الاقتصاد الإسلامي ومن خلال استراتيجيتنا المحدثة يتيح مساحات واسعة للطاقات المبدعة والكفاءات الشابة لتشارك في صياغة مستقبل مستدام عبر تطوير آليات العمل في القطاعات الاقتصادية الإسلامية.
هل يتطلع المركز إلى شراكات جديدة على المستوى العالمي لدفع مسيرة دبي لتكون عاصمة الاقتصاد الإسلامي؟
المركز مستمر في بناء علاقات تعاون مع مراكز اقتصادية عديدة في العالم أبدت اهتمامها في تبني نموذج دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي.
على المستوى المحلي نحن على تعاون وثيق مع وزارة المالية التي وقعنا معها مذكرة تفاهم في ديسمبر الماضي بهدف دعم قطاع التمويل الإسلامي وأطر تمويل التجارة البينية سيكون لهذا التعاون ثقل كبير في مسيرة دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي نظرا لعلاقة وزارة المالية مع العديد من المنظمات والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية مثل صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الإسلامي للتنمية وغيرها من المنظمات، التي من الممكن أن تقوم بدور فعال لتعزيز مبادرة دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي وتطوير منظومة التمويل الإسلامي.
كذلك نواصل العمل على استقطاب أعضاء جدد إلى المنتدى الدولي لهيئات اعتماد الحلال الذي أصبح يضم حتى اليوم حوالي 20 دولة مما يوسع شبكة علاقاتنا مع دول عديدة تتطلع إلى الاستثمار في الحلال ودعم جهودنا في توحيد معايير القطاع.
في شهر يناير الماضي، وقعنا مذكرة تفاهم مع مركز أستانا المالي العالمي وسنعمل بموجبها على تقديم الدعم والخبرات التي تساعد كازاخستان في تطوير قطاعي التمويل الإسلامي والحلال كما سنستفيد من تجربة كازاخستان لتطوير فرص استثمارية مستدامة.
كما أن كل الفعاليات التي تقام على أرض دبي والإمارات كمعرض الأغذية الحلال على سبيل المثال تفتح آفاقاً جديدة من التعاون والشراكات في مجال صناعة تجارة الحلال ونحن على تعاون مع كل من البرازيل ودول أميركا الجنوبية لبحث سبل تعزيز الشراكات.
ولا شك في أن تعاوننا مع مختلف الجهات الحكومية المحلية والاتحادية يتيح فرصاً أكبر لبلورة شراكات دولية انطلاقاً من مكانة الإمارات الرائدة على خارطة الأعمال العالمية، حتى في ظل الحقائق التي أضاءت عليها هيئة الأمم المتحدة هذا العام، التي تشير إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر حول العالم قد تراجع بنسبة 13% في عام 2016 إلى ما يقدر بـ1.52 تريليون دولار وسط استمرار ضعف النمو الاقتصادي العالمي ومكاسب هزيلة للتجارة العالمية، وفقاً لتقرير الأونكتاد «رصد اتجاهات الاستثمار العالمي».
وكيف يمكن أن تتعامل قطاعات الاقتصاد الإسلامي مع هذا الواقع؟
ثقافة الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي تتعامل مع هذه الحقائق بشكل مختلف، فتراجع النمو يعني الحاجة إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في القطاعات الحيوية للاقتصاد العالمي كالبنية التحتية والإنتاج الصناعي والزراعي والصحة والتعليم والخدمات وليس تجميدها.
ففي أوروبا مثلاً هناك فرصة كبيرة تؤهل التمويل الإسلامي ليلعب دوراً رئيسياً في تحفيز نمو اقتصادها خاصة بعد أن تراجع الاستثمار الأجنبي التقليدي في بلدانها بنسبة 29٪ أو ما يقدر بنحو 385 مليار دولار. وهذا بالطبع يبعث الأمل في النفوس أن ثقافة الاستثمار، حتى في القطاعات التقليدية، اختلفت بشكل كبير والأثر الاجتماعي والاقتصادي لأي مشروع أصبح هو الأساس.
استحقاقات مستقبلية
قال عبد الله العور إن الاستحقاقات الكبرى التي يفرضها المستقبل مع تنامي تحديات تمس حياة البشر ولا تستثني أحداً، كالتغير المناخي، وشح الموارد وارتفاع معدلات البطالة والفقر ستثقل ميزانيات الحكومات وترهق اقتصادات عديدة، لكن ما بين التحول في الثقافة والتحول في السلوك الاستثماري للاقتصاد التقليدي هناك فجوة زمنية معبراً عن ثقته بأنها لن تكون طويلة،.
وأن التمويل الإسلامي سيكون قادراً على تحقيق النهضة الاقتصادية في العديد من دول العالم.
وأضاف: "أثبتت التجارب السابقة أن تحقيق الأرباح فقط بدون مراعاة شروط الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية، هو هدف قصير الأجل ومعرّض للعديد من المخاطر فيما الآليات التي تضمن تحقيق منافع مشتركة للمستثمرين والمجتمع على السواء هي آليات تحكمها نظم ومعايير أخلاقية تحمي الثروات وتراعي حاجات البشر وتحافظ على الموارد وتسهم في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
وبالتالي مستدامة أكثر من غيرها. وبحسب التقرير الصادر أخيراً عن مجموعة البنك الدولي وبنك التنمية الإسلامي بعنوان «التمويل الإسلامي:
محفز للازدهار المشترك» فإن الإمكانات التي يتمتع بها التمويل الإسلامي مؤهلة لتحقيق الرخاء الشامل والقضاء على الفقر وعلى التفاوت. لذلك ويوصي التقرير حكومات العالم على تبني سياسات داعمة لقطاع الصيرفة والتمويل الإسلامي.
التعاون مع الجهات الحكومية يحمي مستهلكي الحلال
أكّد عبد الله العور أن التعاون الوثيق مع مختلف الجهات الحكومية المحلية بين اليوم، يكون أحد أهم محركات تحقيق النمو للاقتصاد الإسلامي، وخصوصاً القطاعات التي ستركز عليها استراتيجية المركز الجديدة. وأضاف: «لقد أسهم تعاوننا في السنوات الماضية مع الجهات الحكومية، مثل هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس على سبيل المثال في تحقيق إنجازات كثيرة.
كذلك، ساهم إنشاء المنتدى الدولي لهيئات اعتماد الحلال في العام الماضي إلى تسريع الجهود العالمية في حماية مستهلكي الحلال في العالم عبر إرساء قواعد متفق عليها لاعتماد جهات تقييم المطابقة للمنتجات الحلال وبالتالي تسهيل التجارة بمنتجات الحلال بين الدول الأعضاء. واليوم لا بد من وقفة مسؤولة لتغيير أسلوب العمل في قطاع الغذاء من خلال تبني الممارسات والمعايير الأخلاقية الحلال».
5 تريليونات دولار
قال المدير التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي: إن الاقتصاد العالمي يحتاج لأكثر من 5 تريليونات دولار لتحفيز النمو المتوازن في كافة قطاعاته.
وذلك بحسب تقديرات البنك الدولي، مشيراً إلى أن ذلك يفتح أبواب الفرص واسعاً أمام المصارف ومؤسسات التمويل الإسلامي لدخول الأسواق العالمية من بوابة تمويل التنمية لتترك بصماتها واضحة من خلال مساهمتها في التحولات الإيجابية لمرحلة اقتصادية من أشد مراحل الاقتصاد العالمي حساسية.
وأضاف: يتحدث التقرير كذلك عن أهمية دور الوقف والتكافل وضرورة العمل على توحيد المعايير مسمياً التمويل الإسلامي بالتمويل الاجتماعي الإسلامي. هذا التقرير يقول بوضوح إنه لا خلاص للعالم من الأزمات المتكررة ولا فكاك من المعضلات التاريخية كالفقر والجوع والتهميش إلا بتبني آليات ومعايير التمويل الإسلامي.