أكّد تقرير «إطلاق العنان للاقتصاد الإسلامي»، الصادر عن «أكسفورد أناليتيكا»، وهي شركة استشارات دولية تقدم التحليل الاستراتيجي للأحداث العالمية، حول دور المعايير في نمو الاقتصاد الإسلامي، أن التوسّع في تبني الاقتصاد الإسلامي قادر على حل مشكلات الاقتصاد العالمي التي لايزال العالم يعاني من آثارها منذ 2008، داعما في القت نفسه استراتيجية "دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي".

وشدّد التقرير على أن ذلك لن يحدث قبل أن يتمكن المسؤولون عن تطوير الاقتصاد الإسلامي من إيجاد حل لأكبر عقبة أمام هذا القطاع والمتمثلة بالانطلاق خارج حدود منطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. إن توحيد المعايير هو المعضلة الكبرى بالنسبة للاقتصاد الإسلامي، ولا بد من أيجاد طريقة للوصول إلى حل مقبول يساعد على تذليل هذه العقبة ليفتح بالتالي أبواب الاقتصاد العالمي الأوسع. دون ذلك، يعتقد الكثير من خبراء الاقتصاد بأن فوائد الاقتصاد الإسلامي سوف تبقى تقتصر على الدول أو المناطق ذات الأغلبية المسلمة.

وجاء في التقرير انه بالرغم من النمو المتسارع الذي شهده الاقتصاد الإسلامي في السنوات الأخيرة، مدفوعاً بارتفاع عدد السكان المسلمين حول العالم ووفرة السيولة وتزايد الطلب على التجارة بمعايير أخلاقية، ومع أن أشد المتحمسين للاقتصاد الإسلامي يعترفون بأنه يبني أساساته على قاعدة متواضعة إلا أن مساره التصاعدي يتناقض بشكل كبير مع مسار الاقتصاد العالمي التقليدي الذي لايزال يعاني من حالة ركود منذ انهيار 2008 - 2009، ولايزال لا يبدي أي علامات انتعاش تبشر بالعودة إلى مستويات ما قبل عام 2008.

ويضيء التقرير الصادر بتكليف من مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي على أهمية وضع معايير مقبولة عالمياً وأثرها على تطوير الاقتصاد الإسلامي، كما يشير إلى أن هناك نقاش نشط حول ما إذا كان الإكثار من المعايير العالمية سيساهم في تسهيل أم إعاقة نمو الاقتصاد الإسلامي.

مزايا

وورد في التقرير الذي يستند إلى مقابلات مع عدد من قادة الفكر في الاقتصاد والتمويل الإسلامي وصناعة الأغذية الحلال، ما يلي: «إن الشعور العام هو أن زيادة نسبة توحيد المعايير في كل من التمويل الإسلامي وصناعة الأطعمة الحلال سوف ينتج أرباحاً تعود بالنفع على الاقتصاد الإسلامي ككل. إلا أن التقرير نفسه يحذر أيضاً من أن التوحيد المفرط للمعايير قد يحد من الابتكار، لاسيما في قطاعي التمويل الإسلامي والأغذية الحلال، حيث ستعاني الشركات من تمييز منتجاتها عن منتجات منافسيها من جهة، وفي كسب ثقة وولاء عملائها من جهة أخرى.

ووصف عبدالله محمد العور، المدير التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي، التقرير بأنه إضافة هامة للجدل القائم حول المعايير ويوضح:«يسهم هذا التقرير في رفع مستوى التركيز على قضية توحيد المعايير فمن الضروري لكل الناشطين في قطاعات الاقتصاد الإسلامي من واضعي السياسات إلى رواد الأعمال والمستثمرين، البحث عن وسيلة لصياغة المعايير القادرة على الحد من المخاطر وتوليد المزيد من الاهتمام في مختلف مجالات هذا القطاع، بدءاً من السوق الثانوية للصكوك ووصولاً إلى سلسلة توريد الأغذية الحلال التي ستكون بطبيعة الحال مصدقة ومعتمدة من قبل مجموعة من الاختصاصات.

فرص

وحول الأهمية الكبيرة التي يوليها التقرير لتوحيد المعايير كأمر حاسم للغاية لتطوير الاقتصاد الإسلامي، قال العور ان الجواب بسيط جداً فبدون وجود معايير مقبولة عالمياً عبر مجموعة من القطاعات الاقتصادية لتحديد ما هو حلال أم لا، فإن الاقتصاد الإسلامي لن يستفيد من كامل إمكاناته أبداً. ثمة فرص حقيقية لتطوير العلاقة بين مختلف قطاعات الاقتصاد الإسلامي ولتشجيع الابتكار وللاستفادة من القيم المشتركة والاحتياجات الاقتصادية وبالتالي الوصول لأسواق جديدة. للاستفادة من هذه الفرص، يجمع العاملون في الاقتصاد الإسلامي بضرورة تضافر جهود الحكومات والشركات والمؤسسات لتوحيد المعايير.

وتبرز هذه الفرص بشكل كبير في أكبر قطاعين في الاقتصاد الإسلامي وهما قطاعا التمويل الإسلامي والأغذية الحلال، حيث يعتبر كلا القطاعين فتياً نسبياً ويتمتعان بمجال كبير للنمو والازدهار. لكن غياب الموافقة المشتركة على الأنظمة التي تحكمهما، يحد من فرص التفاعل بين القطاعين. كما سيكون من الصعب أيضاً، إن لم يكن من المستحيل، كسب ثقة المستثمرين والمستهلكين المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، حول سلامة المنتجات التي تم إنشاؤها تحت مظلة الاقتصاد الإسلامي، مما سيكون له آثار سلبية على التجارة الخارجية بكل تأكيد.

وبحسب التقرير، اتفق الخبراء على أن صناعة الأغذية الحلال تحتاج إلى معايير أكثر قوة ووضوحاً، إذا ما تم وضع معايير واضحة من خلال عملية تشاورية عالمية، فإن هذه المعايير ستسهم في نمو صناعة الأغذية الحلال من خلال تقليل التكلفة والوقت بالنسبة للشركات الجديدة ومساعدتها على دخول أسواق جديدة، كما ستخفض تكاليف الموردين الذين يبيعون لعدة دول، وتعزز من ثقة المستهلك، وتضمن سلامة سلسلة التوريد.

وأشار التقرير إلى غياب هيئة عالمية معترف بها لإصدار المعايير أو لاعتماد جهات المصادقة على الأغذية الحلال. وفي معظم الحالات، يتم التصديق على تلك المنتجات من قبل الهيئات المحلية الخاصة بكل بلد، وهناك العديد من البلدان التي تمتلك عدة جهات مختلفة للمصادقة. إن ذلك بحسب العور، يتسبب في حالة من الارتباك وعدم الفعالية ويحد من إمكانيات التجارة عبر الحدود.

ومع أن هناك اتفاقاً واسعاً على أن صناعة الأغذية الحلال ستستفيد من جهود تنسيق المعايير ووجود نظام اعتماد أكثر مصداقية، يشير تقرير أكسفورد أناليتيكا، إلى وجود جدل كبير حول كيفية عملها. ومن بين الأسئلة التي تطرحها الجهات المختصة مثل مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي يبرز سؤال أساسي وهو، هل سيكون هناك نظام مركزي عالمي أو عدة مراكز منتشرة في كل منطقة؟ هل سيتم تحديد الهدف الطويل الأجل للصناعة من خلال علامة تجارية عالمية واحدة وشعار واحد، أم أن ذلك سيحد من عملية الابتكار؟

رد العور قئلاً، لست على قناعة تامة بأن هناك توجهاً نحو إنشاء نظام مركزي موحد عالمياً لكني أرى أن بلورة إطار عمل موحد وفق أسس ومبادىء متفق عليها عالمياً هو أقرب إلى التحقيق ويحفظ لكل دولة خصوصيتها.

من بين الأفكار المطروحة هو إنشاء مستودع مركزي لبيانات صناعة الأطعمة الحلال العالمية، ويشمل ذلك تحديد نقاط الاتصال الرئيسية والسلطات المعنية في كل بلد يحتوي على سوق كبير للأطعمة الحلال.

أهمية التوازن

قال عبدالله العور: تكتسب المعايير دوراً أساسياً في تطوير منظومة الاقتصاد الإسلامي لكن علينا أن نحذر من أي قوانين أو معايير جديدة تُفرض من غير إدراك تبعياتها وأثرها على الأسواق وهذا ينطبق بشكل رئيسي على المؤسسات الإسلامية الناشطة ضمن منظومة الاقتصاد التقليدي وتخضع للتشريعات والقوانين الخاصة بها. من هنا، إذا كنا قادرين على تحقيق التوازن الصحيح في وضع معايير مقبولة عالمياً، والوصول إلى مستوى أكبر من القابلية لتطبيقها.