تروي دبي بلغة معمارية تشد القلوب والأبصار التحولات التي عاشتها على الأصعدة كافة وتحديدا الاقتصادية من قمم ناطحات سحابها على مدى اكثر من ربع قرن. لم يدر في خلد الإمارة وقيادتها الفذة أن تسجل الأرقام القياسية الجديدة او تحطم القائم منها بقدر ما اجتهدت في تقديم نموذجها الفريد للإنسانية لتؤكد مجدا وتصنع آخر، وربما تعرضت الإمارة قبل عشرة اعوام ونيف إلى انتقادات هدامة لكن القمم كانت تسمو ولا تزال تطال عنان السماء في أبلغ تعبير عن تعمير الأرض.
هذه قراءة فيما ترويه تلك القمم على لسان مهندس طموح تربى في دبي وعاش وشارك في رسم ملامح مشهدها العمراني. ويؤكد على أن البناء بطبيعته وسيلة تستهدف خدمة الإنسانية وهذا ما نجحت فيه دبي إذ يسرت العمارة الحديثة في العالم ووظفتها، في إنشاء مبانٍ بيئية ذات كفاءة وظيفية عالية، ذلك أفضل من أي وقت مضى.
ولبت حاجات عديدة، إلى جانب ذلك، منها أن تكون المباني الحديثة أكثر تعبيراً عن رؤى المالك والمصمم، وأكثر ملاءمة في خدماتها، من أي وقت مضى. يقول المهندس سامي الفرا المدير العام لشركة موديولر لـ(البيان الاقتصادي) إن من المعروف ان مدينة دبي، جذبت أنظار العديد من أشهر المعماريين في العالم، أمثال: ادريان سميث وهازل وونغ وفرانك جيهري، تادو أندو، والبريطانية من أصل عراقي زها حديد، وجان نوفيل، ونورمان فوستر، وغيرهم من عمالقة المعمار العالميين، إذ أسهموا في تصميم العديد من المشروعات المبتكرة.
الإنسان والمبنى
يقول المهندس سامي الفرا المدير العام لشركة موديولر لـ(البيان الاقتصادي) إن الإنسان في (شكله) عبارة عن مبنى له قاعدة وجسد وينتهي بالقمة حيث الرأس، وهكذا دبي حلمت كثيراً في ترجمة رسالتها الإنسانية بطريقة مختلفة لتجعل من (الرأس) يحمل قيمة جمالية ومعنوية، ولا تزال الإمارة ترتاد آفاق العمارة المستقبلية، ولطالما كانت العمارة رمز البشرية والأثر الباقي عبر الزمان، فمن كان يتصور أن المنطقة التي كان فيها الأسلاف يشيدون بيوت العريش المصنوعة من سعف النخيل، والأخرى التي من شعور الإبل والماعز، ستشهد نجاحاً فريداً في العمارة العصرية، حققه الأحفاد، ووصلوا معه حدود ارتياد آفاق العمارة المستقبلية؟ والى تفاصيل أغلب القمم:
برج خليفة
يقول المهندس سامي الفرا قيمة البرج الأعلى في العالم استحقت تلك المكانة عن استحقاق وهي تعبير حي عن هدف قيادة الإمارة وهو بلوغ الرقم 1 على كل الأصعدة.
ويجسد برج خليفة نمط العمارة الضخمة ذات السمات الفنية عالية المستوى، أشكال تشبه الأهرام (مثل فندق رافال)، أشكال تشبه قوس النصر الباريسي (مثل مركز دبي المالي العالمي)، أشكال أبنية تشبه برج إيفيل، أشكال تشبه بناء مانهاتن.
وجاء البرج ليتوج مرحلة معمارية رائدة في دبي حيث يمثل مدرسة هندسية معمارية جديدة في الابراج متعددة الاستخدامات فتحول إلى مدينة عمودية ليبرهن البرج ريادته ويعيد انتاج فكرة الحداثة بشكل جديد وهو مثال للعمارة المستقبلية الحديثة، Neo-futurism هذه المدرسة التي وظفها المهندس «أدريان سميث» تسعى الى تسخير التكنولوجيا الحديثة في التصميم، كما يعد مثالا صريحا للعمارة الاستباقية لحيويتها في جعل المتلقي على استعداد لتلقي المفاجئ والجديد لقد نجح البرج في أن يكون توطئة لكثير من المفاهيم المعمارية الحديثة كفكرة المدينة العمودية وليكون اطول برج في العالم واعلى هيكل شهده الانسان في العالم.
وبالتمعن ببرج خليفة نجد ان قمته تتميز ببساطة التصميم المعماري وكونها جزءا من المبنى فهي تمثل امتدادا لتصميمه المنبثق من مركزه لتستمر نحو الاعلى فتعطي الشكل الهندسي الانسيابي للبرج المتمثل من قاعدة ثم الجسم وفي النهاية رأس البرج لتمنحه قمة ممتدة على طول 200م في تشكيل هرمي انسيابي متصاعد حتى تكاد ان تكون القمة برجا بحد ذاتها. ومن ثم الوصول الى السارية في الاعلى دون اي تكلف للحصول على اعلى ارتفاع مع ملاحظة التصميم الذكي للبرج في اعلاه عند القمة حيث قوة الرياح تكون كبيرة وبذلك لا يتكون اي جهد على البرج بسبب القمة.
برج الشيخ راشد
أما برج الشيخ راشد الذي يشتهر كونه المعلم الأبرز في مركز دبي التجاري العالمي، فيقول عنه المهندس سامي الفرا المدير العام لشركة موديولر انه بحاجة إلى دراسة معمقة لأنه تابعٌ لمدرسة ما بعد الحداثة ومن اهم خصائصها احياء ثورة على العمارة الحديثة الروتينية عبر التجديد في الخطوط المعمارية والنسب مع الاحتفاظ بالأصالة وروح الماضي.
لذلك كان لا بد لهذه المدرسة ان تكون من اوائل المدارس التي دخلت على مدينة دبي كمدينة تنظر بطموح الى المستقبل وترصد التغيرات والتحولات وتأثيرها المباشر وغير المباشر على العمارة ونتاجها المادي فكما كل المدن التي تفاعلت مع فترة ما بعد الحداثة بالتحولات السياسية والاقتصادية في النصف الثاني من القرن العشرين ومحاولات اعادة الهيكلة الاقتصادية للعالم وتأثرت بالثورة العلمية المعلوماتية ونتاجها فاحدثت ذلك التوافق المرجو بينها وبين البيئة المحيطة فكان برج راشد من اوائل الابراج التي دخلت مدينة دبي لتعلن عن بداية نهضة معمارية من طراز خاص.
يحتل هذا المبنى الاداري متعدد الطوابق اهمية بارزة في سير وتطور الافكار المعمارية الحديثة ويعتمد البرج على التوحيد القياسي والتصميم على موديول مع عدم استخدام الزخارف كما ان بنيته ابعد ما تكون عن العفوية او التصميم العشوائي وكخاتمة لهذا البرج كان لا بد من قليلٍ من التراجع في قمة هذا البرج لاضفاء خاتمة عليه مع الاحتفاظ بنفس الموديول والتوحيد القياسي له واتمامًا لجسم البرج بقمة أفقية تستقبل السماء باستقامة تعبر عن المسالمة الواضحة تعلوها سارية تعطي القمة كلمتها الاخيرة نحو السماء.
أبراج الإمارات
أبراج الامارات هي بداية الحراك المعماري في دبي فقد برعت المهندسة هازل وونغ في ترجمة القفزة النوعية وتجسيد نهضة العمارة في مدينة دبي عبر تصميم ذلكم البرجين اللذين اصبح لهما مكانة خاصة كموقع استراتيجي في دبي وبمثابة بوابة لها على الأصعدة كافة بما فيها العاطفية والمعنوية.
لا يمكن النظر لقمة برج دون الآخر فهذان التوأمان المعماريان بصريا المتناغمان مع بعضهما البعض من الناحية التصميمية والجمالية لا ينفصلان بصريا عن بعضهما ولهرمية قمة البرجين معا دلالة كبيرة وواضحة ليشكل البرجان معا مسلتين تحملان صورة للطموح البشري في الوصول الی أعلى وهذا التحرك التصاعدي المنتظم يجمع بين الطاقة والحكمة التي تؤجج ذلك الطموح، لتتحد المسلتان بصريا في قمة واحدة تمتلئ بمعاني الاصرار علی بلوغ المنتهی ما يجعلها سيمفونية معمارية سلمها الموسيقي يجمع بين الانسان والسماء. كما يصف الفرا.
برج العرب
يعد برج العرب أحد أهم صروح مدينة دبي وشاهدا من شواهدها على النهضة المعمارية والعمرانية التي شهدتها هذه المدينة الفتية فأصبح أيقونة دبي الحديثة لتضاهي كبريات المدن العالمية. يتبع البرج مدرسة العمارة فائقة التكنولوجيا High –tech ويظهر جليا أن برج العرب الذي بني على شراع قارب تعبير حقيقي عن التراث البحري العريق للإمارة إذ يمزج بين أحدث ما توصلت اليه التقنيات وبين الأصالة وسمعة راسخة للضيافة العربية الحقيقية.
يوضح المهندس سامي الفرا تشكيل قمة برج العرب جزءًا من التكوين الهندسي للبرج بنفسه فالبرج يحاكي شراع القوارب المبحرة في عرض البحر وبالتالي تمثل قمة نهاية للشراع وسارية القارب ويبدو جلياً بروز العناصر الانشائية الى الخارج لتضفي جمالاً على قمة البرج فتعطي تزاوجاً بين الفن والعمارة من جهة والتقنية الانشائية وحداثة المواد المستخدمة في الجهة الأخرى أما التفريغ الحاصل في أعلى كتلة البرج عند القمة مع استمرار العناصر الانشائية فهو لاتمام الفكرة التصميمية وهي الشراع مع التوظيف الذكي لنهاية الكتلة لتكون على مستوى مهبط الطائرات بدلا ان يكون اعلاها والكتلة الافقية المعلقة وبذلك تكون الكتلة بانتهائها تكوينيا ووظيفياً لتبقي للقمة الفراغية المحصورة بالاطار المكمل للشكل الكلمة العليا لهذا البرج.
برج شانغريلا
يتبع البرج نمط شيكاغو الذي يعبر عن التعاون بين الانشاءات والعمارة ويتميز بنقاء الاشكال ووحدة التعبير ويختلف عنها بتجنب الزخرفة والابتعاد عن التزيين ويتميز البرج بالتوجه نحو التكوين. هذا النقاء في التعبير أدى الى صرحية المبنى وكان عاملا واضحا في ابراز الهيكل الانشائي الى الخارج مع المحافظة على الموديول في التصميم والتوحيد القياسي.
ويمكن ملاحظة تدرج خاتمة المبنى لتعطي قمة فعلية له مع حفاظها على النموذج في تصميمها والتوحيد القياسي والتوجه الوظيفي. ذلك التدرج بدا وكأن البرج اقتبس من تركيب العمود الكلاسيكي (قاعدة - الجسم – التاج) ولكن بطريقة معمارية حديثة كما يمكن ملاحظة التناظر بين القمتين أعلى البرج فأعطى هذا التناطر البرج قوة واتزانا ورسخ ثبات الكتلة وسيطرتها على من حولها من الجوار.
يضيف المهندس الفرا أن التناغم بين قمتي البرج والتراجع بتدرج ملحوظ بالكتلة أعطى انفتاحا نحو السماء وحصرا فراغا يستقبل السماء بتدرج معكوس عن الكتلة على ألا ننسى ان التلاعب بمواد الاكساء الخارجية للمبنى ما بين الجدران المصمتة المسطحة والاسطح الزجاجية واستمراريته حتى القمتين زادا في الناحية الجمالية وأثريا الناحية البصرية دون رتابة أو ملل. فمن مميزات العمارة القدرة على التلاعب المتقن بالكتل والاسطح تحت الضوء.
برج كيان
تم تصميمه على اساس العمارة فائقة التكنولوجيا لما بعد مرحلة ما بعد الحداثة. وهي من أكثر تيارات high –tech على خلفية تقبل ما تطرحه هذه العمارة بسهولة من قبل مصممين مختلفين ينتمون الى مناطق جغرافية متباينة ذات خلفيات ثقافية متنوعة وهذا ما ساهم في تكريس هذه المدرسة كأحد التيارات المعمارية الهامة في المشهد المعماري العالمي. يقول الفرا إن اعتمادها بصورة واضحة وصريحة على آخر مستجدات النجاحات التقنية كان له بالغ الاثر في سرعة انتشارها.
وبالنظر لقمة هذا البرج نجده من القمم المميزة معماريا ويبرز احد اهدافه في اعطاء العناصر التقنية والانشائية طابعا خارجيا يضفي جمالا على قمة البرج التي خرجت عن التشكيلات الهندسية المألوفة لقمم الابراج فهي بخلاف كونها نهاية المبنى من الناحية التصميمية فهي تحوي الفكرة المعمارية للمبنى بحد ذاته فقد اعطت هذه القمة استمرارية للبرج من ناحيتي الشكل والبصر عبر استمرار الاطار الخارجي والهيكل مع استمرارية وجود الواح التيتانيوم المعدنية وقد تم ازالة مواد الاكساء منها في اشارة واضحة الى الاستمرارية الى الاعلى وحتى الى ما لا نهاية.
يلفت المهندس الفرا إلى ان البعض قد يرى ان هذه القمة تخدم الناحية الجمالية فقط دون الوظيفية وذلك بسبب استعمال توابع ولوائح تركيبية غير اساسية كلوحات التيتانيوم المعدنية التي تعتبر وحدة متكررة في جسم المبنى الا ان جمالية البرج وفكرته التصميمية قد طغت وبشكل واضح عليه واعطته جوابا منطقيا ودلالة واضحة. فقمة البرج جعلت الناظر اليها يستشف اسم البرج من تصميمه.
أبراج الكاظمي
هذان البرجان مثال كلاسيكي لفنون Deco Art وهو انتقائي النمط يجمع بين التقليدية الحرفية وبين التقنية الحديثة في استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة وهذا النمط يتمتع بأسلوب هندسي غني وجريء وتعبير احتضانه للتكنولوجيا من سماته الرئيسية.
ونجد أن قمتي هذين البرجين التوأمين مكونتان من اطارات معدنية متدرجة متراجعة تنتهي بسارية معدنية فراغية مشابهة في التشكيل لقمة برج كرايسلر الشهير في مدينة نيويورك ان الناظر لهاتين القمتين يلاحظ المزج بين هذه الاطارات في القمة وبين كتلة جسم المبنى التقليدي حيث استخدام الموديول والانشاء وتقليدية مواد الإكساء وبين الاطارات من حيث المواد المستخدمة في تكوينها وحداثتها.
مع الملاحظة الحفاظ على تشكل هذه الاطارات مقوسة الشكل المأخوذة من نهاية كتلة المبنى بنسب متفاوتة عند التكرار المتراجع مختلفة مع المبنى بالمادة المستخدمة مما أدى الى تباين ما بين الكتلة والقمة ابرزت جمالية القمة دون اغفال حقيقة أن هذه الاطارات هي عناصر زخرفية جمالية بحتة لم تثر الفكرة التصميمية أو الوظيفية.
برج الأميرة
أما برج الأميرة في مرسى دبي فيقول عنه المهندس سامي الفرا إنه وبوصفه ثاني أعلى قمة برج في دبي بعد قمة برج خليفة فلا بد لقمته من خصوصية إذ تتبع مدرسة عمارة ما بعد الحداثة: post modern والتي تحرص على المشاركة الحرة في مجموعة من الخصائص كالاهتمام بالرموز المحلية والاهتمام بالزخرفة والايحاءات والاستعارات الشكلية كما التعددية الانتقائية مع مراعاة للذوق العام ضمن اطارات حديثة كسرت رتابة العمارة الحديثة من خلال احياء عناصر تقليدية مبسطة.
كما يبدو جليا أنه قد تم تطبيق فكرة ما بعد الحداثة بحرفية بقمة هذا البرج بطريقة واضحة حيث إن القمة هي قبة تقليدية مزخرفة بزخارف معالجة بطريقة حديثة حيث اعتمدت الزخرفة على تكرار الاشكال الهندسية دون اللجوء الى الزخارف العضوية أو العناصر النحتية.
في هذه القمة نلاحظ تحول مبدأ الحداثة بأن مبدأ (الشكل يتبع الوظيفة) (form follow function) والاستعاضة عنه بمبدأ الجمالية المتنوعة ويبدو ذلك جلياً حيث ان القبة من الزخرفة والجمالية الخارجية تحاكي به القبب المستwخدمة في القصور ودور العبادة لاضفاء الهيبة خارجيا والفخامة داخليا بينما نلاحظ انها استخدمت وظيفيا كفراغ تقني لخدمات المبنى. يبقى أن نذكر أن تباينا في المواد المستخدمة كان ليغني ويثري هذا البرج لتوضيح المعالم بصورة أفضل واظهار تفاصيل القبة في القمة.
برج الشمعة
يقول المهندس سامي الفرا المدير العام لشركة موديولر ومقرها دبي إن لهيب الشموع كان ولا يزال ركنا ملهما ورئيسا في مخيلة الشعراء الا انه في سماء دبي حقيقة لا مخيلة لا يبدو مستغربا انه يرتبط بأحد أبراجها. ويعتبر هذا البرج أحد الابراج اللافتة واللامعة في سماء مدينة دبي وهو من الابراج التي تستشف فكرته التصميمية من عين الناظر اليه ويبدو ذلك البرج وكأنه عنصر نحتي قد برع المصمم في تطويع مواد البناء لخدمة فكرته التصميمية.
يندرج هذا البرج ضمن مدرسة التكنولوجيا الفائقة: high – tech في بعض النواحي حيث خلقت هذه المدرسة بنية جديدة وجمالية في المقابل مع معيار عمارة الحداثة وما يميزها التنظيم بطريقة منطقية بحيث تكون مصممة لابقاء الوظيفة جوهراً وأساس الموضوع. قمة هذا البرج تجسد بشكل صريح مباشر الشفافية والخفة بهذه القمة وعدم جعلها كتلة مصمتة من خلال استعمال العناصر المعدنية الصلبة فيزيائياً والانسيابية في الشكل فهي بالفعل كما قمة الشمعة لهبها فكانت القمة كاللهب في الشكل كما يمكن استغلال هذه القمة بمؤثرات ضوئية وبصرية للتأكيد على هذه الفكرة واطفاء الجمالية عليها ولا سيما ليلاً.
إلى ما لا نهاية
يقول المدير العام لشركة موديولر بالتأكيد دبي ليست الوحيدة في مجال ارتياد آفاق العمارة المستقبلية، فقد سبقتها الصين لكن دبي، وطبقاً لشهادات بعض الخبراء، حققت رؤى تجربة فريدة في سياق رؤى فريدة ترمي إلى استثمار العمارة وفنونها العصرية لتمتين وتقوية مقومات جذب السياح من أرجاء العالم، خلافا للمدن الأوروبية، ولا تزال الإمارة تحوي ميزة الخيال، وأحياناً الخيال الى ما لا نهاية ميدان العمارة المستقبلية، لأنها لم تضع سقفاً معيناً للأشكال الهندسية، فهي تجمع كل الأشكال الهندسية، ويبرز بينها تلك التي تحوز طابعا فريدا.
دبي مرجعية معمارية
يقول المهندس سامي الفرا المدير العام لشركة موديولر ومقرها دبي لم يكن القطاع الهندسي في دبي، بداية، يحوز إدارة مرجعية مستقلة ومتكاملة، تستطيع تنظيمه وتطويره، بينما كان يتسم في الغرب، وبسبب تراكم المعارف الهندسية والمعمارية، بمستويات تطور غاية في التميز والرفعة، وهو ما أخذ ينتج عنه، ظهور أشكال جديدة في فنون البناء. إلا ان دبي، استطاعت، وبمرور الزمن ومراكمة الخبرات، أن تكوّن مرجعية فكرية وخبراتية فريدة من نوعها في حقل العمارة الحديثة وفنونها ومدارسها المتنوعة.
اقتحام المستقبل على جناحي الماضي والحاضر
أشار المهندس سامي الفرا المدير العام لشركة موديولر إلى أن دبي تمكنت من حلّ المزاوجة بين التراث والمعاصرة، فبات بمقدورها أن تصون التراث وتقتحم المعاصرة على جناحي الماضي والحاضر، فشيدت الجديد لكن دون أن تهمل القديم. وأنفقت مئات الملايين في حماية البيوت التقليدية بوصفها تراثا وهوية. وكان الإصرار على تكوين البنية التحتية المميزة، أبرز ما دفع الجهات المعنية في دبي إلى التركيز على بناء الأبراج الشاهقة كنوع من التحدي. واللافت في هذا الصدد، ان دبي أصبحت مأوى لـ 15 إلى 25 بالمائة من رافعات البناء في العالم، والتي تقدر بـ 125 ألف رافعة بناء.
وحدث هنا ان أدت عوامل عديدة، منها العولمة في العمارة، إلى التخوف من زوال العمارة الإقليمية في المستقبل، وكان ذلك بمثابة ناقوس خطر يقرعه المفكرون والعلماء والباحثون، وسط تلك المتغيرات السريعة والهائلة التي تجرفها معها العولمة، أينما وجدت. ووضح جلياً أن أنصار الإقليمية في العمارة لا يرفضون الحداثة، وإنما يركزون على الثقافة والتقاليد المحلية ضمنها. وكانت هذه الاتجاهات المختلفة، حاضرة في دبي ورؤاها الفنية المعمارية.
لكن دبي ضمنت النأي عن مخاوف تحولها إلى ما يشبه مدينتي كوالا لامبور وسنغافورة، حيث أصبحت المدينتان نموذجاً للغرب، ووقعتا تحت السيطرة العالمية، ولكن متخصصين كثراً، يؤكدون أن دبي تجاوزت هذه النقطة، إذ تتوافر فيها تقاليد بناء عريقة، وتشتمل على تراث وهوية معماريين، لا يمكن أن يتأثرا بأي عامل مهما كان قوياً.
يستعير المهندس الفرا مقولة للمبدع العالمي لوكوربوزييه: «إن العمارة هي اللعب المتقن بالكتل المنظورة تحت الضوء». ونجد عملياً، ان العمارة كانت بمثابة بيت العلوم والفنون على مرّ العصور، وأيضاً السجل الموثق لتاريخ الإنسان منذ نشأته على هذه الأرض وحتى يوم بعثه. كما مثّلت الفراغ الإبداعي الإنساني الذي يجسد أفكارنا ومفردات الذاكرة ويعطيها شكلاً يحفظ ما اختزنته الأجيال، من صور ومفاهيم وتجارب، وكذا ما أرادت التعبير عنه من مواقف ومشاعر ومعتقدات.
ولذلك لم تتوقف دبي عن البناء حتى في ذروة الأزمة الاقتصادية. ولكن الجوهري هو ليس البناء فقط بل ابتكارها وتجسيدها أنماط العمارة الحديثة بكل ألوانها، محتضنة بذلك جميع الأفكار الهندسية دون الاعتراض عليها بقدر تحفيز مبتكريها على أن تكون قيمة مضافة للبشرية قبل أن تكون للمدينة وقلما نجد تفكيرا بمثل هذا الكرم الإنساني على مستوى العالم، وهذه ميزة دبي في تشجيعها للجميع ما دامت جهود الجميع تسهم في تشكيل البناء المعماري المستقبلي الذي يتطلب ذهنية مستقبلية أيضاً، ومتمسكة بإيمانها بما هو مبتكر في علم العمارة والهندسة.
إن هذا الاستشراف الفني المعماري الذي تقوده دبي، أخذ يجذب، خاصة من خلال ارتياد آفاق العمارة الحديثة، عدداً كبيراً من المهندسين المعماريين في العالم، وحفزهم كثيرا هذا الجو المثالي بالنسبة لعمارة المستقبل في دبي.
الجمع بين جوهر البيئة المحلية والمعاصرة
برزت بعض التحليلات والتساؤلات، حول اعتقاد أو حكم، أطلقه البعض، ومفاده أن العمارة الحديثة لا تعبّر عن شخصية الإمارات أو هويتها ولا تحقق رغباتها أو تتلازم مع متطلباتها. وفي مقابل هذه الأحكام، يشدد متخصصون كثر، على أن واقع العمارة الحديثة في دبي، والإمارات بشكل عام، أثبت أنها غدت حلة مثالية من حيث الرونق وماهية تميز خدماتها، بموازاة تناغم تلك العمارة مع جوهر البيئة المحلية ومفرداتها، إضافة الى تحقيقها شروط البيئة الاجتماعية والفكرية الخاصة. وفي السياق نفسه، هناك سؤال مؤداه إمكانية عدم تناسب التقنيات المعمارية المستقدمة من الغرب مع البيئة المحلية.
ولكن رد دبي والإمارات في هذا الخصوص، كان إبداعات متجلية في أرض الواقع، تمثلت في أنماط عمارة تصوغ في مواءمتها مع التقنيات الغربية والمؤهلات والإمكانات المتوافرة في البيئة المحلية، أجمل أشكال العمارة الحديثة، التي تتسم برؤاها الجاذبة والخدماتية في آن معاً.