توقّع خبراء أن تكون الإمارات المستفيد الأكبر من تراجع اليوان الصيني التي سيؤدي إلى انخفاض تكلفة الاستيراد بالنسبة للشركات في الدولة التي تعتبر أحد أكبر المستوردين من الصين. وأكد الخبراء أن تدفق السياح الصينيين للدولة لم يتراجع، وأن الصينيين لا يزالون ضمن السياح الأكثر تدفقاً وإنفاقاً في الدولة.

يذكر بأن 344 ألف سائح صيني زاروا دبي في عام 2014 في حين هناك 70 رحلة أسبوعيا عبر طيران الإمارات للبر الرئيسي للصين وهونغ كونغ وتايوان. فيما تنشط في أسواق الإمارات أكثر من 4200 شركة صينية تعمل في مختلف القطاعات.

وسجل إجمالي التبادل التجاري بين البلدين ما قيمته 54.8 مليار دولار (200 مليار درهم) بنهاية 2014. ليتفوق حجم التبادل التجاري لدبي مع الصين على مثيله مع الهند، وتمسي الصين بذلك الشريك التجاري الأول لدبي.

وكان المتحدث باسم بنك الشعب الصيني أكّد أخيراً أنه، وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي والمالي الدولي والمحلي، لا يوجد أي سبب لمزيد من الخفض لقيمة اليوان. وقد تبنت الصين، آلية سعر صرف قائمة على آليات السوق، وتقلبات أسعار الصرف وهو أمر طبيعي.

وسوف يعمل البنك المركزي الصيني على زيادة تحسين آلية سعر صرف اليوان، والحفاظ على سعر صرف طبيعي، والإبقاء على سعر صرف اليوان مستقرا عند مستوى معقول ومتوازن.

وأَضاف بأن الصين لديها فائض كبير في صادراتها، وأنه ليست هناك حاجة للتحكم في سعر العملة لرفع الصادرات.

نظرة شمولية

قال هشام عبدالله القاسم، نائب رئيس مجلس إدارة بنك الإمارات دبي الوطني إن الدرهم الإماراتي يتمتع بمستوى عالٍ من الاستقرار على المدى البعيد، نظرًا للعديد من العوامل. وكما هو معروف يرتبط درهم الإمارات بالدولار الأميركي، كما يعتمد على الإسناد من العوامل الاقتصادية القوية التي يأتي في مقدمتها المناخ الاستثماري الآمن، وتنوع الروافد الاقتصادية القادمة من مختلف القطاعات، كالنفط والغاز والتجارة والعقارات.

إضافة إلى ذلك، تمكنت القيادة السياسية لدولة الإمارات من إرساء علاقات طيبة مع مختلف دول العالم، إذ نرتبط بعلاقات تجارية قوية مع الولايات المتحدة الأميركية ومع الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى منظومة دول الآسيان والصين.

وأضاف: على الرغم من التبعات السلبية التي يمكن أن تلحق ببعض مراكز الصادرات العالمية التي تدخل في المنافسة على الإنتاج مع الصين، إلا أنه يمكننا تحقيق بعض العوائد الإيجابية من تخفيض قيمة اليوان الصيني، لاسيما وأن الصين تأتي على قائمة أكبر الدول المصدرة إلى الإمارات، وبهذه الطريقة تتراجع قيمة الفاتورة الإجمالية لواردات الإمارات من الصين.

ولو أخذنا بالرأي القائل إن تراجع قيمة اليوان جاء نتيجة استراتيجية وضعتها الحكومة الصينية من أجل حفز صادراتها والدخول في منافسة جادة مع الكتل الاقتصادية في العالم، خاصة بعد ظهور علامات تباطؤ معدلات النمو الفصلية والتراكمية، سيقتصر التأثير السلبي على الدول المصدرة، وخاصة بعض الدول الآسيوية المجاورة للصين، والتي تدخل معها حلبة المنافسة في قطاعات إنتاجية محددة.

صحيح أن بعض أسواق المال العالمية سجلت تراجعًا ملحوظًا منذ بداية الهبوط التدريجي لقيمة اليوان أمام العملات العالمية الرئيسية، لكن ذلك يعزوه الخبراء إلى ارتباط العديد من الشركات العالمية الكبرى بعلاقات شراكة وطيدة مع السوق الصينية، ما يعني في نهاية المطاف تراجعًا في حجم أصولها عند تقييمها بالعملة المحلية.

وعند العودة إلى اقتصادنا الوطني، نجد أن غالبية الشركات المدرجة في أسواقنا المالية تعتمد في تعاملاتها على الدرهم في أنشطتها المحلية، وقد تستفيد من انخفاض هذه العملة إذا ما كانت عجلة إنتاجها تقوم على المواد الخام أو الجاهزة المستوردة من الصين.

عملة رئيسية

وقال الدكتور أحمد بن حسن الشيخ رئيس مجلس إدارة دوكاب، إن عملة اليوان الصينية أصبحت في الفترة الماضية عملة رئيسية لها تأثير مباشر على الاقتصاد العالمي.

وأشار إلى أن الصين خضعت لضغوط دولية أخيرا لتحرير اليوان كون قيمته الحقيقية أعلى بكثير مما كانت عليه في ذلك الوقت، وبالتالي الصين قامت بخطوة ذكية باتباع سياسة تحرير السوق في ظل الانخفاض الذي يشهده نموها الاقتصادي، وبالتالي لا يكون هناك تأثير على اقتصادها على المدى الطويل.

وأضاف: خفض اليوان مؤشر على دخول الصين في معترك العملات وخاصة أنني لا أحبذ وصف حرب عملات، الصين جزء من الاقتصاد العالمي وهي مُصدر كبير للعالم والمفروض أن تستفيد الإمارات من تراجع سعر صرف اليوان من خلال رفع واردتها من الصين والتي هي اليوم أقل كلفة بسبب تراجع اليوان.

دعامة اقتصادية

من جانبه قال رجل الأعمال الإماراتي والاقتصادي سالم الموسى، إن كل عملة في العالم لها دعامتها الاقتصادية وغير الاقتصادية، وأضاف بأن أي دولة لها عملة نشاطها الاقتصادي ينعكس على قوة هذه العملة.

وأشار إلى أن هناك عملات مرتبطة بالدولار ترتفع مع ارتفاع الدولار وتنخفض مع انخفاض الدولار، وإن سن الدولار نسبة مئوية في الإقراض والتسليف ينعكس ذلك على العملات المرتبطة بالدولار.

وأضاف: بما أن الاقتصاد الصيني بدأ في الآونة الأخيرة يُظهر تراجعا ملحوظا في معدل النمو الاقتصادي، مما أثر على اليوان تأثيراً مباشراً وأفقد أسواق المال في الصين أكثر من 6% من قيمتها في التعاملات في الصين وهي ذات نظام ليس رأسماليا فيما نظام العالم بأسره رأسمالي باستثناء القليل من الأنظمة الاشتراكية، وبالتالي بدأ التأثير الخارجي الموجب للدول الرأسمالية على هذا النظام. واليوم أصبح الدولار أقوى وبدأ اليوان بالضعف وبالتالي تدنت القوة الشرائية لليوان، وأصبح هناك جنة استثمار دولارية. هذا التفاوت الاقتصادي بالفعل سيخدم الإمارات من ناحية شراء المنتجات الصينية بأسعار أقل كلفة.

ولفت الموسى إلى أن الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم اليوم ودولة تصنيع كبرى، وبالتالي يجب علينا استغلال الوضع لصالحنا وعلينا الاستفادة من تراجع اليوان، وبما أن عملتنا مرتبطة بالدولار سوف تفوق استفادتنا من تراجع اليوان استفادة الولايات المتحدة من هذا التراجع. ولكن علينا أن نكون حذرين ولا نغرق الأسواق، وأن نسعى نحو تعزيز قدراتنا التكنولوجية والابتكار لمستقبل مشرق للإمارات.

المصدّر الأول

من جانبه قال أسامة آل رحمة رئيس مجلس إدارة مجموعة مؤسسات الصيرفة والتحويل المالي والرئيس التنفيذي لـ«الفردان للصرافة»: بشكل عام يعتمد الاقتصاد الصيني بشكل مباشر على التصدير للخارج أكثر من الاعتماد على الاستهلاك المحلي بسبب تفاوت القوة الشرائية لسكان الصين، التصنيع أساسي ويشكل العمود الفقري للصين والناتج المحلي الإجمالي للصين يعتمد على الإنتاج الصيني والخطة التصديرية، فالصين هي المُصدر الأول في العالم وبالتالي التباطؤ في الإنتاج الصناعي الصيني والخسارة التي منيت بها أسواق المال في الصين والتي كانت بالمليارات وهروب رساميل ضخمة من العملة الصعبة، كلها تضافرت وتسببت في تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، مما حدا بالحكومة الصينية لإعادة تقييم عملتها لتتناسب مع وضعها الاقتصادي الراهن لجعل عملتها أكثر جذبا للمستوردين، ولتكون أداة رئيسية في تحريك الاقتصاد، فيما اتجهت دول لضخ العملات كما فعلت الولايات المتحدة وأوروبا واليابان أخيرا وهو ما عرف بـ(التيسير الكمي) مما كان له أثر مباشر في خفض عملات تلك البلدان.

كلفة الاستيراد

وأشار آل رحمة إلى أن الإمارات ستكون المستفيد الأول من تراجع اليوان كون الإمارات أحد أكبر المستوردين من الصين، اليوم الإمارات تشتري بضائع صينية بكلفة أقل بسبب تراجع اليوان وبالتالي كلفة الاستيراد من الصين هي أقل اليوم.

وأضاف آل رحمة أن السياح الصينيين يستخدمون بطاقات صرف (يونيون باي) مقومة باليوان الصيني، في عمليات الشراء وهي بطاقة عالمية تستخدم في كل بلدان العالم ويستخدمها الصينيون في عمليات الشراء وهي مستخدمة أيضا في الإمارات، ومن المعروف أن الصينيين يعتبرون أحد محركي قطاع شراء المنتجات الثمينة في قطاع التجزئة وإلى الآن لا يوجد أي مؤشر على تراجع إنفاق السياح الصينيين في الإمارات، وكذلك إنفاقهم على المنتجات الفاخرة والثمينة في المتاجر الفاخرة المنتشرة في مراكز التسوق في الإمارات، ولكن إذا ما استمر تراجع اليوان فقد تصبح كلفة البضائع الفاخرة والثمينة أكبر على جيوب الصينيين، مما قد يؤثر سلبا على سوق شراء البضائع الثمينة من قبل الصينيين.

نظرة

أكدت لي لينغ بينغ قنصل عام الصين في دبي أن تراجع سعر صرف اليوان لن يؤثر على السياح الصينيين المتدفقين للإمارات، كما أن هذا التراجع لن يؤثر أيضا على الشركات الصينية العاملة في أسواق الدولة.

وأَضافت أنه في 11 من أغسطس الماضي كان بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) أعلن عن آلية لضبط سعر اليوان أمام الدولار الأميركي، ولاقت هذه الخطوة ردود فعل إيجابية من خبراء الاقتصاد ومن الشركاء الاقتصاديين للصين، وفي الوقت نفسه يعتقد الكثيرين أن تخفيض اليوان يعد خطوة هامة لخدمة الاقتصاد القائم على السوق، وتظهر عزما والتزاما من بنك الشعب الصيني لتلعب قوى السوق دورا أكبر في اقتصاد البلاد.

توقع رفع حجم التحويلات إلى الهند

توقّع سودهيش جيريان الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة «إكسبرس موني للصرافة» أن يؤدي خفض قيمة اليوان إلى رفع نشاط التحويلات عبر شركات الصرافة في الإمارات إلى الهند بنسبة 20% شهرياً على المدى القصير، وأن يرتفع الحجم الإجمالي للتحويلات إلى الهند عبر مختلف القنوات بنسبة تتراوح بين 45-50%، وذلك على خلفية تراجع قيمة العملة الهندية في سعر صرفها مقابل الدولار والدرهم المحوّط ضد التقلبات بسبب ارتباطه بالعملة الأميركية.

وأضاف جيريان في تصريحات خاصة لـ«البيان الاقتصادي» أن انخفاض الروبية الهندية يشجّع أصحاب التحويلات الكبيرة من شركات وأفراد إلى زيادة تحويلاتهم بشكل كبير لدى انخفاض الروبية، مشيراً إلى أنه ومنذ انخفاض اليوان قبل نحو أسبوع، بدأت التحويلات إلى الهند في الازدياد بشكل لافت للنظر.

كما توقع جيريان أن يكون نمو حجم التحويلات خارج الإمارات هذا العام أحادي الرقم، وذلك على خلفية انخفاض أسعار النفط. وأشار إلى أن حصة الهند من إجمالي التحويلات خارج الإمارات بلغت العام الماضي 12.5 مليار دولار (45.6 مليار درهم) أو 42% من إجمالي تلك التحويلات التي بلغت 29.5 مليار دولار (107.6 مليارات دولار) في 2014، مشيراً إلى أن ممر التحويلات إلى الهند هو رابع أكبر ممر للتحويلات في العالم من حيث الحجم.

وتعتبر الروبية الهندية -التي عانت ولا تزال من تقلبات حادة- من أكثر عملات الأسواق الناشئة تأثراً بانخفاض اليوان وارتفاع الدولار بحسب بيانات «مورغان ستانلي» إلى جانب الريال البرازيلي والروبية الإندونيسية والليرة التركية والراند جنوب أفريقي، في حين يتوقع خبراء أن يتضرر برنامج التصدير الهندي «اصنع في الهند» من جراء خفض اليوان الذي سيجعل الاستيراد من الصين -وغيرها من الدول المصدرة والتي ستنخفض عملتها كذلك- أكثر جاذبية بالنسبة لدول الاستيراد. في المقابل يتوقع خبراء كذلك أن ترتفع صادرات الهند من التقنيات من جراء خفض اليوان.